من عقّ أباه سيعـُقُّ حتماً أمته!!
| |
العصفور | |
سماك العبوشي
.........................
هل ينقلب العصفور الدوّار الصغير يوماً ليصبح نسراً جارحاً، أو صقراً كاسراً!؟، والجواب الطبيعي المنطقي بالقطع لا، فتلك سُـنـّة الله وإرادته سبحانه وتعالى حين خلق العصفور بهيئته تلك ليبقى وديعاً مسالماً يتحاشى الكواسر من الطير وليتقافز هنا أو هناك بحثاً عن طعام أو قطرة ماء يرتوي منها، فلا يصير ذا طباع نسر أو هيئة صقر، كما وأنها إرادة الله سبحانه وتعالى أن خلق النسر الجارح والصقر الكاسر ليقتات كلاهما من لحوم العصافير الوديعة وباقي الطيور المسالمة الأخرى وليسكنا عنان السماء وأعالي الجبال، ولكن ما لا يجوز أن نراه من تغير في طباع وشكل ومواصفات الكائنات الحيـّة التي خلقها الله سبحانه وتعالى، فإنه قد صار جائزاً بلغة السياسة هذه الأيام، وما أقبحها من لغة للمصالح والدسائس والمؤامرات الخبيثة ورد الثمن غالياً، وذاك لعمري ما سنراه في مقالنا هذا.
قطر وما أدراك ما قطر!!، عصفورة صغيرة ظنت أن بوسعها تسيد السماء مع الكواسر والجوارح، فإذا بها اليوم تنفش ريشها لتلعب دوراً خبيثاً لحساب أعداء الأمة العربية والطامعين فيها، وتناست حقيقة صغر حجمها، ومحدودية عدد سكانها، وانقطاعها التام عن صنع التاريخ العربي التليد والحضارة الإنسانية!!.
قطر وما أدراك ما قطر!!، إمارة كانت تأتمر يوماً كغيرها من إمارات الخليج العربي بأمر ولاية البصرة في العهد العثماني، إمارة تكاد لا تلحظها على الخارطة لصغرها، فهي مطلة على مياه خليج البصرة الذي صار اسمه فيما بعد بالخليج العربي والذي تسعى اليوم جمهورية إيران الإسلامية أن يكون اسمه "الخليج الفارسي"!!، إمارة رأيناها وقد شمرت عن ساعديها وأدلت بدلوها، لتعيش دور البطولة وتتشبه بزي كبريات الدول المؤثرة في العالم، فلا تذكر اليوم إلا ومصيبة عربية تلوح في الأفق!!، فإذا بها اليوم قاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية بعدما انقض الولد العاق على أبيه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني عام 1995 ليسلبه الإمارة ويتربع على كرسيها ويحجر عليه، بخطوة لا أشك لحظة واحدة أن يكون "حمد" هذا قد مهـّد الأجواء مسبقاً لنيل دعم الولايات المتحدة الأمريكية ونيل رضا الدولة العبرية من خلال وعود بذلها لهما بفتح أبواب إمارة قطر على مصراعيها مقابل جلوسه على عرش أبيه، وأن يلعب دوراً ممهداً لهما في المنطقة العربية!!.
جملة من التساؤلات حولها وحول دورها الذي راحت تمارسه بما يفوق حجمها وإمكاناتها البشرية المتاحة، ومواقفها المتناقضة تجاه قضايا أمتنا العربية وما يتربص لها، فهي تمارس التطبيع بجد واجتهاد مع الكيان الصهيوني، كما وبادرت لفتح ممثلية تجارية مع الكيان الصهيوني فيما تراها تدافع عن الحق الفلسطيني، ودورها ومصلحتها بتمويلها الحرب القذرة التي أطاحت بالقذافي، ومغزى وأهداف فتحها لأبواق قناة الجزيرة باتجاه اليمن وسوريا، وإثارتها للنعرات الطائفية والإثنية والعرقية في أماكن أخرى آخر، هذا إذا ما أخذنا بالحسبان أنها ليست واحة من واحات الديمقراطية كما يوحيه إعلامها لتكون مثلاً يقتدى بها!!.
لا حرج إن جئت اليوم معترفاً بشجاعة قل نظيرها - وجلّ من لا يخطئ وجلّ من لا يقع بالمحظور من الأمور- عبر مقالتي هذه بالوهم الكبير الذي تلبسني زمناً طويلاً حيال الجزيرة الفضائية ودورها الإعلامي الذي لعبته حتى انطلق ربيع التغيير العربي الساعي لتغيير الأنظمة العربية الفاسدة المتسلطة على رقاب أبناء شعبنا العربي، فإذا بحقيقة "إمارة قطر" تظهر عارية حتى من ورق التوت الذي يستر عورتها، من خلال ما مارسته الجزيرة الفضائية التي دفعت بكادر إعلامييها البارزين إلى الاستقالة منها وهجرها تباعاً، لم أكن أعي حقيقة أن الجزيرة قد أسست لخداع المواطن العربي، وما كنت أدرك حقيقة دورها الموكول بها والمتمثل بسعيها لكسر حاجز الرفض العربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني بما أتاحته من فرصة أمام مسؤولي ذاك الكيان الغاصب لمحاورة المواطن العربي ونقل وجهات نظرهم له من خلال شاشتها الفضائية وهو في عقر داره!!، حتى سمعت بخبر زيارة شمعون بيريز لإمارة قطر قبل أيام وتجواله في شوارعها وأسواقها الشعبية ومن ثم استقبال أمير قطر له بمظاهر التكريم والحفاوة، في وقت تجاهلت قناة الجزيرة الفضائية نشر ذاك الخبر أو التنويه عنه، فيما جرت العادة أن تبث تلك القناة الفضائية بهمة ونشاط أنباء أصقاع الأرض الساخنة الملتهبة وما يجري فيها لحظة بلحظة!!، لم أكن أعي حقيقة إمارة قطر ودورها في أزمات أمتنا العربية، حتى وقعت عيناي على صور لزيارة رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز لقطر وتجواله في أسواقها الشعبية في الدوحة، يصافح هذا القطري ويجامل تلك السيدة القطرية التي ظهر عليها الانبهار وهي تتحدث لرئيس من اغتصب الحق العربي في فلسطين وشرد أبناء شعبها، في زيارة له بقصد مشاركته في مناقشة طلابية نظمتها مؤسسة قطر للتربية والعلوم والتنمية لصاحبتها الشيخة "موزة بنت ناصر" عقيلة أمير قطر العاق لأبيه وأمته العربية، ليعرض أمام طلبة قطر المواقف الصهيونية واختراق وعيهم وغسل أدمغتهم بممارسة تطبيعية وبامتياز!!، وتساءلت لِـمَ لم ينوه عن تلك الزيارة عبر قناة الجزيرة الفضائية أسوة بما تنشره من أحداث ساخنة في اليمن وسوريا، وكما تكفلت متطوعة بنشر أخبار الثوار في ليبيا!؟.
وجواباً على تساؤلي ذاك، أقول، لا غرابة فيما نراه من ممارسات قطر ونهج دأبت عليه، فهو لعمري تأدية لدَيـْن كبير ترتب للولايات المتحدة الأمريكية بعنق من عقّ أباه يوماً فسرق كرسي الإمارة منه وجرده من ماله وامتيازاته حين أسهمت بتنصيبه أميراً على قطر، ورداً لجميل تلك الدولة العملاقة الأفاقة الماكرة حين سارعت وزارة خارجيتها بإصدار بيان صبيحة الانقلاب عام 1995 اعترفت فيه بحمد بن خليفة آل ثاني شيخاً على إمارة قطر!!، فكان الثمن المدفوع:
أولاً ... التزاماً منه كاملاً وغير مشروط بما يسمى بـ"عملية السلام" في الشرق الأوسط رداً لجميل تلك الدولة العملاقة الأفاقة الماكرة!!.
ثانياً ... أن ارتضى وتطوع أن يصير رأس حربة متقدمة في عملية التطبيع بين دول الخليج العربي مع الكيان الصهيوني!!.
ثالثاً... أن سارع للموافقة على إقامة قاعدة "السيلية" العسكرية المقامة على أرض إمارة قطر لتكون أضخم قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، مورس من خلالها ضرب العراق وغيره ولأكثر من مرة!!.
رابعاً ... تأسيس قناة الجزيرة الفضائية لتساهم في غسيل أدمغتنا نحن العرب بما تبثه من أنباء ظهر أنها مشوهة وزائفة، فروجت وهللت لتقسيم السودان وظهور دولة السودان الجنوبية ذاات الارتباطات المشبوهة بالكيان الصهيوني!!، ومحاولات تشويه صورة ربيع التغيير العربي وتحريف مساراتها الشعبية, وغيرها وغيرها!!.
خامساً ... مشاركة فاعلة منه مع قوات الناتو بإسقاط نظام لقذافي كما اعترف بذلك صراحة رئيس أركان قواتها اللواء الركن حمد بن علي العطية الذي تبجح فكشف عن دور إمارة قطر التنسيقي والمؤازر لحلف الناتو في ليبيا، كاشفاً اللثام دونما خجل ولا وجل ولا حياء أن دور القطريين قد انحصر في مجال "الاتصالات وتوجيه الثوار إلى بعض المناطق.. الناتو كانوا يرون من الجو والقطريون كانوا حلقة الوصل مع الثوار" على حد تعبيره، إضافة إلى المشاركة الجوية في إطار عمليات الحظر الجوى!!.
سادساً ... وها هي اليوم تكمل مشوارها التآمري الخبيث فتلعب دوراً قذراً في أحداث فتنة في سوريا وتشويه ما يجري هناك!!.
إنه تالله لثمن باهض ذاك الذي يدفع من أجل كرسي حكم في إمارة عربية صغيرة كانت مهمشة على الدوام وغائبة تماماً عن صنع الأحداث، وإنه والله لثمن فادح ذاك الذي يسدد لصالح أمريكا وربيبتها "إسرائيل" حين تشارك إمارة بوزن وحجم قطر بلعبة تشظية دول عربية كبيرة لتصبح المشظيات العربية الناتجة بحجم إمارة قطر لتلتهمها "إسرائيل" بيسر وسهولة وتسيطر على مقدراتها بالكامل وهي مجزأة!!، وهي لعبة خطيرة راحت تمارسها قطر من خلال تطلعات أميرها وارتباطاته المشبوهة، حين ارتمت بالكامل في أحضان أمريكا وربيبتها "إسرائيل" تسديداً لثمن جلوس حمد أميراً عليها، فأصبحت معول هدم في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، وأميرها قد أصبح ألعوبة بيد الدول الغربية، فراح يمارس دور الرويبضة في زمن تقلص فيه دور عمالقة دول العرب بعدما اختفى عن الساحة العربية زعماء كبار عمالقة من وزن وطراز جمال عبدالناصر "رحمه الله"!!.
ختاماً أقول ... لا خير بمن عقّ أباه يوماً، وليس بالغريب لمن عقّ أباه أن يعق بعدها أمته العربية جمعاء!!.
سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
30 / 10 / 2011