إستحقاقات ما بعد خطاب أبي مازن!!.
| |
عباس | |
سماك العبوشي
...................
كان بحق خطاباً فلسطينياً رائعاً، لما حواه من سرد تاريخي موضوعي لمعاناة شعب فلسطين في ظل اغتصاب وسرقة واحتلال صهيوني بغيض، كما كان بحق وجدارة تحدياً صارخاً للإرادة والهيمنة الأمريكية، تلك الإرادة التي حاولت جاهدة وسعت لثني الرئيس الفلسطيني محمود عباس من تقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين ولو على جزء من أرضها التاريخية، وكما أشدنا بروعة الخطاب وحُسْن صياغته وقوة بيانه، فإن الأمانة والشفافية أن نبين بأنه قد أظهر في الوقت ذاته تراجعاً بيناً في موضعين اثنين لهما مساس بثوابت فلسطينية، فبرغم الخطاب الذي جاء على ذكر محنة اللاجئين ومعاناتهم وما لاقوه في رحلة الهجرة من عذابات وألام، إلا أن الخطاب لم يبد حماسة وإصراراً على حق العودة أولاً، أما الموضع الثاني فتمثل بتجاهل الخطاب تماماً لحق شعب الرباط في فلسطين في مقارعة الاحتلال بشتى الوسائل المتاحة والمشروعة، لاسيما تلك الوسائل التي أقرتها الأعراف والقوانين الدولية والسماوية على حد سواء، هذا في الوقت الذي أكد الرئيس الفلسطيني بخطابه ذاك على "سلمية!!" مقاومة أبناء فلسطين للاحتلال إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية لإقرار الدولة الفلسطينية!!.
لقد كان لعدم إذعان قيادة السلطة الفلسطينية للضغوطات الأمريكية الأخيرة على السلطة الفلسطينية وتلويحها لها بوقف المساعدات، اعترافاً واضحاً منها بعبثية ما انخرطت به من مفاوضات تسببت بالكثير من الآلام لشعب فلسطين، واعترافاً جلياً بأنها كانت قد أخطأت وبشكل متزامن:
1- باجتهادها وحُسْن ظنها من أن قيام دولة فلسطين وانتزاع حقوق أبناء شعبه سيكون من خلال انتهاج خيار التسوية وطريق المفاوضات دون الخيارات المتاحة الأخرى والتي كانت ستعطيها زخماً وقوة فيما سعت لأجله!!.
2- أنها لم تـُعِرْ بالاً ولم تبد اهتماماً لتلك الرسائل والمواقف الأمريكية المتتابعة التي كانت تعلن عنها الولايات المتحدة الأمريكية طيلة أعوام انهماكها بالعملية التسووية وما رافقها من مفاوضات عبثية، تلك المواقف والرسائل الأمريكية التي أعلنت عن متانة العلاقات بين أمريكا والكيان الصهيوني، وأكدت الالتزام الأمريكي التام بتفوق الكيان الغاصب عسكرياً واقتصادياً وأمنياً، وجاهرت بأن أمن "إسرائيل" كان يعد من أولويات الولايات المتحدة الأمريكي!!.
ورُبَّ سائل يتساءل، ما المطلوب عربياً لمرحلة ما بعد الخطاب!؟، وما الخطوة الناجعة التالية لشعب وقيادة فلسطين في ظل ردة الفعل الأمريكية المتوقعة باستخدامها حق النقض الفيتو!؟، ذلكما لعمري تساؤلان حتميان لابد من طرحهما والإجابة عنهما!؟، والإجابة عنهما ستكون وفق النظرية الفيزيائية المعروفة " الفعل ورد الفعل"، مع تغيير ببعض تفاصيلها، فإذا كان المنطق الفيزيائي يقول بأن للفعل ردة فعل تساويه مقداراً وتخالفه اتجاهاً، فإن للفعل وردة الفعل السياسي منطقاً آخر، فإما أن يتساويا بالمقدار، أو أن تُستثمر تلك الخطوة السياسية إيجابياً لتأتي ردة الفعل السياسي بالنفع التام لصاحب المصلحة وتلك الخطوة، أو أن تكون لتلك الخطوة السياسية عواقب وخيمة قد تجلب لصاحبها شراً وذلك لسوء التدبير والاستعداد ونقص في الحكمة والفطنة، ولعلنا بتنا ننتظر ردة الفعل الأمريكية المتوقعة والمتمثلة باستخدامها لحق النقض الفيتو، وذلك بحكم الترابط الستراتيجي الوثيق بينها وبين الكيان الصهيوني، يضاف لها موقف للجنة الدولية الرباعية سيكون بطبيعة الحال مسانداً تدليسياً محابياً للأجندة والتوجهات الصهيونية، فإنني أرى ضرورة أن تكون هناك ردة فعل استباقية فلسطينية عربية تنطلق على اعتبار أن يكون خطاب السيد الرئيس محمود عباس تأسيساً جاداً لخطوة مباركة - عربية فلسطينية مشتركة - نحو مرحلة سياسية جديدة، بعيداً عن ضبابية مسيرة أوسلو وانعكاسات مفاوضاتها العبثية العقيمة، وانعتاقاً فلسطينياً عربياً كاملاً عن الهيمنة والإرادة والرعاية الزائفة الأمريكية والصلف والكـِبْر الصهيوني، واستثماراً لهذا التعاطف الدولي، ردة الفعل الاستباقية تلك تتمثل من خلال تنفيذ متزامن للخطوات التالية:
أولاً ... فيما يخص المشهد الفلسطيني:
1. إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ولملمة جهد وطاقات فصائله الوطنية من خلال تفعيل دور ومؤسسات "م ت ف".
2. الإسراع دونما تلكؤ لتحقيق وإتمام المصالحة الفلسطينية، وإلغاء جميع التفاهمات السابقة بين السلطة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني كالتنسيق والتعاون الأمني، باعتبار ذاك مطلب وطني جماهيري، مما يعنيه ألا عودة أخرى وتحت أي ظرف كان لمربع المفاوضات العبثية العقيمة التي كان قد راهن العدو الصهيوني على عامل الزمن فتوسع خلالها على حساب الأرض والهوية والكرامة الفلسطينية.
ثانياً ... فيما يخص المشهد العربي:
لطالما كنت قد أوضحت بمقالاتي السابقة وجهة نظري السوداوية المتشائمة تجاه الشأن العربي الرسمي وردة فعله المخيبة لآمال وتطلعات أبناء شعبنا العربي، لارتهان جُلّ قادته إلى الهيمنة والإرادة الأمريكية، ومن هذا المنطلق تحديداً فإنني أراهن على دور شباب ربيع التغيير العربي الفاعل والمؤثر لنقل رسالتين واضحتين اثنتين لا لبس فيهما من خلال الخروج بالتظاهر والاعتصام:
1- رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومن يأتمر بأمرها مفادها بأن الشعب العربي مساند لشعب فلسطين في معركته مع الاحتلال الصهيوني، وأننا لننخدع مستقبلاً برعايتها غير النزيهة لقضية فلسطين.
2- رسالة موجهة لقادة أنظمته العربية تدعوهم إلى ضرورة اتخاذ مواقف سريعة داعمة للشعب الفلسطيني من خلال الإسراع بعقد قمة عربية فورية وعاجلة تخصص لمناقشة تداعيات مرحلة ما بعد الخطاب الفلسطيني في الأمم المتحدة، ولإقرار مبدأ الدعم المالي العربي للفلسطينيين للمرحلة القادمة لتنهي بذلك الضغط الأمريكي المتمثل بوقف مساعداتها المالية للفلسطينيين.
ختاماً أقول ...
لقد اجتهدت قيادة السلطة الفلسطينية فطرقت كل الأبواب والدبلوماسية، وأبدت مرونة سياسية تحسد عليها، وإذا كان أبناء الرباط في فلسطين قد تمسكوا خلالها بالصبر والصمود والجـَلـَد والإيمان بحتمية تحقيق الحلم الجميل، مرددين على الدوام في قرارة أنفسهم الأنشودة "الفتحاوية" الثورية التي كتبها سعيد المزين (فتى الثورة)، ولحنها صبري محمود والتي مطلعها يقول: "أنا صامد صامد أنا صامد، فوق أرض بلادي أنا صامد، وان سرقوا زادي أنا صامد، وان قتلوا ولادي أنا صامد، وان هدموا بيتي يا بيتي، في ظل حطامك أنا صامد، أنا صامد صامد أنا صامد"، فإنهم لعمري مازالوا يحتفظون في أعماق أنفسهم بقية تلك الأناشيد الفتحاوية الثورية التي عطلت زمناً طويلاً ولم تترجم على أرض الواقع الفلسطيني لسبب أو لآخر، ولقد آن الأوان لحناجر أبناء الرباط في فلسطين، ومن خلفهم أبناء العروبة أن تنطلق من جديد لتدوي بتلك الأناشيد التي كاد أن يطويها غبار النسيان: "طالعلك يا عدوي طالع ... من كل بيت وحارة وشارع" و"يا جماهير الأرض المحتلة ثوري ثوري يا جماهير الأرض المحتلة"، لتكون إيذاناً بتلك المرحلة الجديدة من عمر تحرير فلسطين، ورسالة من أبناء الرباط لقيادته الفلسطينية بأن زمن التسويات العقيمة قد ولى إلى غير رجعة، ويقيناً منهم بأن الكيان الصهيوني لا يعرف غير لغة القوة والبأس تلك!!.
simakali@yahoo.com