ما أشبه فلسطين بالأندلس!!!.
| |
فلسطين عربية | |
سماك العبوشي
...................
"فلسطين حرة عربية ... فلتسقط الصهيونية"، ذاك لعمري شعار قومي مدو لطالما رفعته ونادت به أنظمتنا العربية، وأدرجته أحزابنا وحركاتنا القومية العربية في بياناتها وأدبياتها، وصدحت به حناجر جماهيرنا العربية!!. "فلسطين عربية ... فلتسقط الصهيونية"، كان ذاك شعار ما قبل نكبة العرب والمسلمين بضياع الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية عام 48، وما بعد النكبة بسنين طويلة، ليستمر الهتاف به حتى نكسة حزيران 67، حيث ضاع فيها ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، كما وضاع معها الجولان وسيناء، يوم ابتلعتها الصهيونية التي نادينا بشعاراتنا طويلاً على إسقاطها!!!.
وبرغم احتلال فلسطين، كل فلسطين، من بحرها حتى نهرها، وضياع الجولان وسيناء، إلا أن شعار "فلسطين حرة عربية فلتسقط الصهيونية" قد ظل مرفوعاً صامداً بكلماته الطنـّانة الرنـّانة التي دغدغت مشاعر الجماهير وألهبت لهم أحاسيسهم!!، فدارت الأيام ثقيلة كئيبة، لتأتي فيما بعد حقبة أوسلو بقضها وقضيضها ناثرة الوعود لشعب فلسطين بأحلامها الوردية عن قرب إقامة دولته الفلسطينية وعلى جزء صغير من أرضهم التاريخية، وما هي إلا جولات من مفاوضات حتى أظهرت عبثيتها لنا تبخر تلك الوعود والأحلام الوردية، وإذا بالحقيقة الناصعة تنبئنا بنهم يهود وعزمهم ابتلاع كل فلسطين!!.
هكذا أنبئتنا الوقائع والشواهد على الأرض، لا نية ليهود بإقامة دولة فلسطين، فكل المؤشرات باتت تحكي لنا عن عزمهم طمس هويتها التاريخية، من خلال تهجير أبناء شعبها، رفضهم لحق العودة، اتساع نطاق قضمهم لأراضي مدن الضفة الغربية، وارتفاع وتائر تهويد القدس، فباتت فلسطين بذاك المشهد المروع أقرب لمشهد ضياع الأندلس لاسيما في ظل ظروف الانقسام والتشرذم والتناحر وغياب الإرادة الحرة، تماماً كما حدث للأندلس أيام حكم ممالك الطوائف!!.
وفيما كان العرب منشغلين مهمومين بأمر فلسطين وشعبها المنكوب، وفيما كانت أحزابنا وحركاتنا السياسية القومية منهمكة برفع شعار "فلسطين حرة عربية ... فلتسقط الصهيونية"، فإذا بالأحداث تتسارع، لنرى العراق وهو يحتل، ويدخل شعبه الجريح الأبي الصابر في متاهة الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي، ليلحقه تقسيم السودان، ثم يدخل لبنان في متاهة المحكمة الدولية ومستنقع التدخل الغربي، ليغدو اليمن غير سعيد بدعوات انفصال جنوبه عن شماله بعد حلم توحد جميل!!.
وبعد كل هذا، فأي عروبة بالله عليكم قد تبقت!!، وأي دولة فلسطينية تلوح في الأفق في ظل تدهور للشأن العربي ذاته، شأن عربي منقسم متهالك متهاو مرشح هو الآخر للضياع ومزيد من التفتت!؟، ثم أي سقوط للصهيونية ذاك الذي نادينا به طويلاً بشعاراتنا وسعينا إليه يا ترى!؟، فأي ضحك على الذقون هذا، وأي مهزلة تلك!؟.
المهزلة والطامة الكبرى تكمن في، أين كنا!؟، وكيف أصبحنا في عز ورفعة!؟، ثم ما أسباب نكوصنا كرة أخرى فعدنا من جديد نتسربل بذلنا وهواننا!؟، قد تناسينا كيف كانت العصبية الجاهلية قد استحوذت على جل تفكير وهاجس أجدادنا العرب قبل ظهور نبي الإسلام محمد "صلى الله عليه وسلم"، وتناسينا جميعاً كيف كبلت تلك العصبية طاقات أجدادنا، فتنازعوا وتناحروا وانقسموا – كما اليوم – ، فاستحوذ الفرس المجوس والروم على مقدراتهم لضعفهم وهوانهم – كما اليوم أيضاً-، برغم ما كان يتصف به العربي قبل الإسلام – وبعده - من ذكاء وفطنة، جود وكرم، مروءة وهبـّة وفزعة وغيرة وشجاعة، برغم رفضه العيش ذليلاً أو المس بشرفه وعرضه ولو كلفه ذلك حياته!!.
قد تناسينا جميعاً أن أمة العرب ما كانت متحدة طيلة تاريخها الممتد قبل الإسلام، برغم اشتراكهم بتاريخ واحد، بلغة واحدة، بعادات واحدة، وتناسينا جميعاً وأغفلنا حقيقة اتحادهم بفعل دعوة الرسول المصطفى "صلى الله عليه وسلم"، فنالهم بعدها ما نالهم من مجد وعز وفخار وزهو!!.
لنا عـِبـَرُ وشواهد عـِبـْرَ التاريخ كثيرة، تحكي لنا قصصاً عن حالات ضعفنا وتصف لنا مشاهد هواننا، عن تشرذمنا وتناحرنا، عـِبـَر تنبئنا وتحذرنا أن هواننا وتشرذمنا اليوم لعمري ما هو إلا امتداداً وانعكاساً لهوان مشهد وظرف ما كان عليه أجدادنا وتشرذمهم وولاء انقسم بين فرس وروم، عـِبـَر تقرع لنا الأجراس اليوم محذرة إيانا أن هواننا وضعفنا وتشرذمنا اليوم ما هو إلا امتداداً للتناحر والتشرذم بين قبائلنا العربية، فتلك حرب البسوس التي جرت بين بكر وتغلب وكلتاهما من ربيعة بسبب امرأة تدعى البسوس كانت قد وردت نياقها إلى جوار إبل كليب سيد بني تغلب الذي أمر برميها بسهم فقتلها فثأروا لها ولمقتلها، وانتهت حرب البسوس تلك بانتصار تغلب، وحرب الأوس والخزرج في يثرب وكلتاهما من قبيلة الأزد، وحرب الفـِجار"أيام الأشهر الحرم" بين قريش وكنانة وبين غطفان وهوازن وانتهت بالصلح فيما بعد، وحرب طسم وجديس وانتهت بإبادة جديس ثم طسم من بعدها، حرب داحس والغبراء التي كانت بين عبس وذبيان بسبب سباق للخيل بينهما وانتهت فيما بعد بالصلح، وحرب الغساسنة والمناذرة وانتهت بانتصار الغساسنة!!.
ولنا عـِبَرٌ وشواهد من تاريخ ضعفنا، حين ضاعت الأندلس من أيدينا، حتى لتكاد "فرص" ضياع فلسطين تحاكي ظروف ضياع الأندلس، حين نشأت ملوك الطوائف يوم قسمت الأندلس بعد سقوط الدولة الأموية إلى اثنتين وعشرين دويلة تناحرت فيما بينها – كما تتناحر فصائلنا اليوم !!- ، حتى وصل الأمر ببعضها إلى الاستعانة بالعدو – الملك الفونسو السادس- لمقاتلة بعضهم البعض – كما يجري اليوم- ، مما أضعفهم جميعاً وجعلهم فريسة سهل على العدو ابتلاعها الواحدة تلو الأخرى!!.
ها قد عدنا نحن العرب لنحاكي بظروف ضياع الأندلس ضياع فلسطين من بين أيدينا، والتي لن تعود كما نشتهي عربية حرة، إلا من خلال صحوة عربية إسلامية مباركة أولاً تعيد عزنا ومجدنا، تعيد لحمتنا وكرامتنا، تبعد عنا شبح التفتت والانقسام عربياً إلى دويلات ضعيفة كما كانت دويلات ممالك الأندلس قبل ضياعها وإلى الأبد!!.
ختاماً ... لا أرى بداً من أن أنوه عن تلك الخطبة الرائعة التي ألقاها "المعتمد على الله بن عباد" - أحد أمراء الأندلس - حين اجتمع الأمراء لتدارس المخاطر المحدقة بدويلاتهم في الأندلس وضياع مملكهم، فأوضح بعضهم بعدم قدرتهم على مجابهة العدو واقترحوا الاستعانة بدولة المرابطين الكائنة في مراكش، فتردد البعض منهم خشية من سيطرة دولة المرابطين عليهم فيما لو هزم عدوهم المتربص بهم، حيث انبرى "المعتمد على الله بن عباد" لهم قائلاً مقولته الشهيرة: "والله لا يسمع عني أبداً أنني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى، فتقوم علي اللعنة في منابر الإسلام مثلما قامت على غيري، تالله إنني لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى وأن أؤدي له الجزية، والله لئن أرعى الإبل في المغرب خير لي من أن أرعى الخنازير في أوروبا"!!.
من ذا الذي من حكامنا وقادة أحزابنا وحركاتنا السياسية يقرأ ما في بطون الكتب فيتعظ!!؟.
لاشك في أن الجميع إما أنه ...لا يقرأ، أو أن من يقرأ منهم لا يتعظ، أو من اتعظ منهم فإنه لا إرادة عنده!!.
ويا زيد كأنك ما غزيت!!!.
simakali@yahoo.com