زمن حميد كارزاى
...............................................................
د / صلاح السروى
.......................
أستطيع الآن أن أؤكد أننا نعيش فى زمن يحكمه حاميد كارزاى . وكارزاى هذا ليس مجرد حاكم أفغانستان العميل الذى جاء على ظهور الدبابات الأمريكية ليحكم بعد طالبان وتتسلى امريكا بشرشحته واحراجه ليل نهار , انه كل حاكم نصبته أمريكا ليحكم شعبه (ديمقراطيا) ؟؟؟؟؟ بالحديد بالحديد والنار من أجل تحقيق مصالحها وخدمة أغراضها . انه رؤساء جمهوريات الموز الذين اشتهرت بهم أمريكا اللاتينية قبل أن تنفضهم وتتطيح بهم الى مزابل التاريخ الموجة الثورية الجديدة . انه اياد علاوى ونورى المالكى فى العراق , وأبو مازن فى فلسطين , وهو معظم الحكام العرب فى عصر الردة والبيع والتبعية .
ولقد جاءت مذابح غزة لتسقط ورقة التوت الأخيرة عن عورة كل كارزايات المنطقة . ولأن أمريكا سجينة ورهينة الهوس بأمن اسرائيل وضمان بقائها متفوقة على كل جيرانها , يصبح دور كارزايات العرب هو التودد الى اسرائيل وضمان أمنها , والا بالله فليدلنى أحدكم على معنى هذا الذى يصدر عن الحكام العرب من تصرفات ومواقف لا يمكن فهمها على أى مستوى (اذا افترضنا حسن النوايا) , قياسا بغيرهم من الحكام غير العرب , وأحيانا ,غير المسلمين , مثل رجب طيب أردوغان فى تركيا الذى هدد بأن هناك ما يمكن أن تقوم به تركيا من مواقف مؤلمة ازاء البلطجة الاسرائيلية وسير المظاهرات المليونية أو سمح بها على الأقل , وهوجو تشافيز فى فينزويلا الذىطرد سفير اسرائيل لديه وقاد المظاهرات فى بلاده انتصارا لغزة النازفة , والتصريحات النارية التى أدلى بها معظم الأحرار(الذين ليسوا بكارزايات) , فى أنحاء العالم الأربعة .
فكيف يمكن فهم عدم رغبة (أم عدم قدرة ؟؟ ) الحكام العرب على عقد قمة , ولو حتى لمجرد الشجب والتنديد كما اعتادوا فى الملمات . لقد كنا قديما نتهكم عليهم بأنهم لايملكون غيرهذه البضاعة البائسة - لغة الشجب والتنديد - فى تعاطيهم مع الفجور الاسرائيلى , لكن حتى هذا أصبح عزيز المنال . كيف يمكن فهم مواقف ملوك الخليج , أصحاب النفط والقواعد الأمريكية ومكاتب التمثيل الديبلوماسى مع اسرائيل ولا يلوحون باستخدام اى منها كورقة ضغط على أمريكا واسرائيل .
وكيف يمكن فهم امتناع مصر عن نجدة الشعب الفلسطينى فى غزة , ولو بفتح المعبر , دون التعلل باشتراط موافقة اسرائيل على ذلك ,( بحجة أن اسرائيل هى البلد المحتل ,وبالتالى يشترط مراقبتها للداخل والخارج من المعبر ؟؟؟؟ الذى هو للغرابة تحت السيادة المصرية وليست الاسرائيلية , فاتفاقية المعابر تخص الجانب الفلسطينى وليس الجانب المصرى ) , وكأننا نعمل بأوامر مباشرة من اسرائيل , أو ندافع عن حقها فى الاحتلال , ونمنح ممارساتها فى بناء المستوطنات وتسليط القهر والقمع والتجويع على الشعب الفلسطينى وسجنه فى مربعات سكنية مغلقة فى أغلب الأوقات , والتهويد للاماكن المقدسة واقتلاع أشجار الزيتون واقتطاع الأراضى وبناء الجدار العنصرى ( بالأسمنت المصرى ) كأننا نمنح كل ذلك شرعية الوجود , فى الوقت الذى نتشكك فيه بشرعية حماس التى جاءت ( أيا ماكان حجم الاختلاف مع مشروعها الاسلاموى الهستيرى ) بانتخابات شرعية لايمكن لأحد المماراة فيها . كيف يمكن فهم الامتناع عن نجدة غزة ولوبالتهديد بايقاف بيع ( اهداء) الغاز الى اسرائيل وكانت ستمثل فرصة ذهبية للاستجابة لحكم المحكمة الادارية العليا فى هذا الصدد , وفى نفس الوقت حفظ بعض ماء الوجه أمام الشعب المخذول .
ولو بالتهديد بسحب السفير , وقد تم ذلك من قبل أثتاء الانتفاضة الثانية , ولو بعدم المماطلة فى ادخال المساعدات الانسانية القادم أغلبها من دول أخرى عربية وأجنبية مثل النرويج وروسيا وتركيا ..الخ , ولو بعدم تعطيل طواقم الأطباء الراغبين فى الدخول الى غزة . وقائمة ولو طويلة جدا . ويزيد عليها .. لو يتم الامتناع عن لوم الضحية , اذا لم تتوافر القدرة على لوم المجرم . ولكن أن تتم تغطية العدوان وتلمس الذرائع لاجرام العدو فهو ما لا يمكن تصوره أو تحمله , فكما تمت تغطية جريمة اسرائيل فى الهجوم على لبنان فى حرب تموز 2006 بذريعة المغامرات غير المحسوبة , تجرى تغطية الجريمة – المذبحة الحالية بذريعة حماقة حماس , وأنها هى التى بادرت بمهاجمة البلدات الاسرائيلية بعد انقضاء الهدنة , والتى خرقتها اسرائيل الف مرة بالاغتيلات والتوغلات والحصار والتجويع والترويع .
وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن حماس أو عن مشروعها الذى أختلف معه على طول الخط , ولكنى بصدد الدفاع عن الشعب الفلسطينى الشقيق البائس وعن قضيته التى هى قضية أمن مصر ومستقبلها , وأمن العرب جميعا ومستقبلهم , هذه القضية التى لاينبغى تناسيها أو التضحية بها تحت تأثيرأى خلافات ضيقة أوولاءات صغيرة .ولكنى بصدد الدفاع عن كرامة مصر وهيبتها ودورها الذى تخلت عنه , للأسف , طائعة مختارة , بدعوى كفانا ماقدمنا للقضية الفلسطينية من ( تضحيات ) وكأن أحدا سوانا لم يضح , وكأن هذه التضحيات لم تكن دفاعا عن أمن مصر ونفوذ ها وهيبتها وحضورها الفاعل والمؤثر فى المنطقة . وعندما يأتى من يحاول أن يملأ هذا الفراغ , ويحاول تبنى ودعم بعض القوى هنا أوهناك , اذا بنا نصرخ بأن " اضبط ..... عملاء ايران " . كيف يمكن التفريط فى الدور الاقليمى لمصر الى الحد الذى يجعل دولا لايتعدى حجمها حجم حى من أحياء القاهرة تحاول ملء فراغه . وتتراجع قيمة مصر ويقل احترامها , بعد أن كانت موئلا للأحرار والثوار وراعية الوحدة والتحرر والتقدم داخل الاقليم وخارجه , كيف يمكن أن يصل حالنا الى حد أن ترجم سفاراتنا فى الخارج من قبل جمهور هو فى الحقيقة جمهورنا ومناصرنا ؟
كيف يمكن فهم كل هذه الممارسات المشينة ؟ وكل هذا التخاذل والخور؟
كيف يمكن أن يعبر عن سياسة مصر الخارجية هذا الوزير الناعم المتهالك الذى لايجيد النطق ولاالتعبير ويجانبه التوفيق فى كل كلمة يقولها ؟
كيف يمكن فهم كل ذلك الا اذا كنا فى زمن حاميد كارزاى؟؟؟