قالوا عن مصر
...............................................................
بقلم : سميح الجوهري
..............................
قالوا عن مصر العجب فيما مضى ، وكان هذا حق ، حيث كان بها عقول وحضارة وجهاد وكفاح وتناحر أيضا ، الا أنها كانت تعيش وتسير وتتحرك .. كل هذا في عهد الاحتلال الملكي ذي الأصل الألباني .. وجاء عصر النور والانحلال والثورة والانقلاب والخداع فانقلب كل شئ وأصبح كل شيئا ينتمي الى اسلامي مضر ولا يصلح ويقف في دور الاصلاح والتطور ، وامتلأت السجون واطلق النار على دعاة الله في وضح النهار ، وجاءت على آثارها الهزائم تلو الهزائم ، وتولت الادارات الفاسدة على البلاد حتى الآن والى انحدار عظيم الى درجة التقويض الكامل ولكل من يتمني الى الاسلام أو ثقافة الاسلام التي كأنها لم تكن .. والأغرب من كل هذا قرأت على احدى المواقع العربية أن داء الفيروس (سي) قد وصل مداه في مصر ووصل ضحاياه الى ما يقرب من 15 مليون أو يزيد والأخفى أدهى وأمر ، أضف الى ذلك مرضى الفشل الكلوي ، والسرطان ، والسكر وضغط الدم ، والأطفال المتشردة التي يقال عددها يزيد عن ثلاثة ملايين ، وكثرة العطالة فضلا عن الجوع نفسه الذي كان لا يوجد في مصر ، بل الكلاب في يوم من الأيام كانت تأنف عن أكل اللحوم ، كل هذا بالطبع لم يكن الا في أيام الثورة أو الحكم العسكري الغير نجيب … فاذا كانت مصر مليئة بكل هذه المشاكل والأمراض مع السيبان والضياع فلماذا نقول أنها لا تزال صحيحة البدن ومحل قيادة ورئادة والأمراض تنخر فيها من كل جانب ، وما بالك بأمراض النفاق واللصوصية والتمتع على حساب المريض والمحتاج .. ان الشعب مهمته الأولى رغم أمراضه هو العمل والاستهلاك الذي يقضى عليه مع سعة ثروة اللصوص .. يؤسفنى أن أقول أن مصر ليس لها أي عبئ في هذه الآونة ولن تكتسب عبؤها في المنطقة الا اذا رجعت صحيحة البدن والروح ، وصحة البدن تعود الى استنشاق عبير الحرية وطرد مستعميرها من الأبناء والمحتلين الذي من خلف الستار أو الباب .. ان مصر أصبحت في عالم الخليج بمثابة شتيمة .. أي والله بمثابة شتيمة … يقول أستاذ مصر عمل في السعودية سنوات وفر هاربا الى ايطاليا : أن هناك في السعودية كنا نحس من الواقع الذي نحن عليه أن كلمة المصري شتيمة .. متى كان المصري شتيمة وهو أستاذكم بالطول والعرض ولا يزال أفقه الواسعه وثقافته العميمة والعميقة لها الفضل الكبير والعظيم عليكم ، متى كان هذا المصري شتيمة وهو الذي علمكم من الألف الى الياء ، ولقد صدق الشيخ الغزالي حينما يقول التقوى مصرية والعقيدة مصرية ، لأنه عليه رحمة الله يعلم مدى الروح والتقوي المصرية ، التي يحاول أن يقذف بها ضغفاء العقول وطغاة الزمن والعصور … ويقول الآخر : هربت من بلاد الرسول لأني كنت مخنوقا فيها ، فليس هناك حق للتكافل الاجتماعي مع سحب جواز السفر وكأني عبد مستعبد في بلاد لا تعرف ما جاء به الرسول وتنفذه فيما تراه صالحا لها ولا يكون ، ثم يحكي قصصا تشيب لها الولدان من اعتداءات صارخة في المدارس ضد أبناء المصريين ومعاملتهم معاملة العبيد والاشارة اليهم على أنهم غرباء .. وما كانت هذه الغربة الا بضياع ثقتنا في أنفسنا في بلاد العسكريين الذين كتبوا على شعب مصر الضياع .. حقا كانت هناك وفودا توفد للتعليم في كل بلاد الخليج وكان لها احترامها وتقديرها ، لكن مع هذه السقطة فلقد زاد البلاء وأصبحت كلمة المصري شتيمة وما بعدها شتيمة .. ولي مع الناس حكايات وقصص سردتها في كتابي عن الكويتيين الذي أرجو أن أجد ناشرا على مقدرة من الذكاء والرجولة في النشر .. وفي هذا الكتاب يذكرني حدث شاهدته أثناء زيارتي لوطني مصر في آخر الستينات وأنا اتمشي في احدى شوارع القاهرة الرئيسة وحيث لي فيها ذكريات ، أن دخلت محلا تجاريا في حي معروف لأشرب عصير من برتقال أروي به عطشي من شدة الحرارة ، وقبل أن أفتح فمي بكلمة الا وقد حضر كوب العصير أمامي ، ناظرا الى الرجل التقي صاحب المحل بلحيته الطيبة وعلامة الصلاة الظاهرة ، فشكرته وقبل أن أرفع كوب العصير الى فمي الا وقد شاهدت شكل الرجل قد تغير كأن ركبه عفريت ، ونظرت من خلفي فكان الطارق اعرابيا يلبس العقال ، واستغربت على تغيرات الرجل ، فما كان منه أن سأل الاعرابي ماذا يريد فقال أريد الشئ الفلاني والذي سعره يزيد بما يكفي من ربح ، الا أن الرجل رفض البيع وهو المعروض في المحل وأنه مباع ، ثم دخلت طفلة مصرية بزحاف متآكل في القدمين تستصرخ حرارة الجو ولهيب الأسفلت السائح ، فناولها صاحب المحل كوبا من عصير دون دفع حقه ثم عاد الرجل الحديث معي بأنه يظهر أنني لم أعاشر هؤلاء الناس ولن عاشرتهم لفررت من ديني راجعا وأحمد الله على ذلك .. وخرجت من عند الرجل مفكرا في الكلمات والدعاء دقائق ونسيتها بعد ذلك ، ثم مشيت في طريقي الى وجدت من بعيد زحمة شديدة وشاب مصري قوي البنيان ينهال على اعرابي بالضرب والأركال ، والناس من حوله مشجعين مصفقين ، وأنا مستاء الى هذه المعاملة وهذا الضيف الكريم ولماذا نصل الى هذا الأذى والوقاحة ، كل هذا لأنه كان يريد أخذ سيارة أجرة عن ابن البلاد الذي كان منتظرا من قبل ومستعد بالدفع أضعاف ، الا أن صاحب السيارة فضل ابن البلاد وحق الأسبقية في الانتظار ، ولم يعجبه الاعرابي هذا بمال النفط الى ران على قلوبهم بشتمه ومن هناك نال الأركال .. ثم بعدها عملت معهم في روما وتبين لي صدق صاحب المحل وسائق الأجرة الذي كان يقول مع الواقفين أنهم يستحقون أكثر من الأركال … نحن أبناء مصر وشعب مصر لسنا بمنزلة الشتيمة عند الناس ، نحن شعب أصيل كريم ، أذله الحكام بسرقهم خيرات بلادهم ولولا هؤلاء لكنا في مكان أفضل وعظيم ، ولولا الرمة من الحكام لكنا مع السابقين ، وهذه الهند تتسابق أوروبا اليها راجية المشاركة الاقتصادية والعلمية وكله بفضل الحرية التي نالتها ، والتي بخثها عبدالناصر وأتباعه من بعد والذي تنزل عليه الشكر والتمجيد بعض الذين لا يعرفونه ولم يعاشرونه ولم يقاسون عذابه ودكتاتوريه وخبثه انهم ليسوا من شعب مصر ، ان شعب مصر يعرف تماما ماذا قاساه من هؤلاء الظالمين المبخثين .. المصري ليس شتيمة ، المصري له تاريخه النبيل ولا أقول من أيام الفراعنة ، فتاريخهم لا يهمنى ، انما ما يهمنى هو الآن والسقطة التي نحن عليها .. هناك قصصا أخرى تسرد يستحي عنها القلم .. فعلينا أن نعيش في اطار ديننا وأن نحترم المصريين الذي هم سادة القوم علما وخلقا ورجولة التي أطفأها من يطفئ الله قلوبهم آمين .