الهوية الضائعة في زمن العولمة
...............................................................
| |
سعيد على | |
سعيد على
............
الهوية هي السمات الحضارية الفكرية و النفسية أيضا التي تميز فرد أو جماعة معينة عن غيرهم من الجماعات الأخرى و يتطلب معرفة الهوية العودة إلى الأصل و الجذور و التعرّف على الذات و اكتشاف ما يميزها عن الآخرين من نقاط قوة و جوانب ضعف أيضا حتى لا نتبع الأخر و نقلد الغير تقليد أعمى – و إذ تبرّأ الذين اتبعوا من اتبعوا- و تضيع هويتنا تحت تأثير الاختلاط السريع بالمجتمعات الأخرى و الذي ساعدت عليه التكنولوجيا الحديثة مما لها من إيجابيات و عليها من سلبيات فوسائل الاتصال اليوم أدت إلى سرعة التفاعل مع المجتمعات الغربية عن طريق القنوات الفضائية المفتوحة و شبكة الأنترنت فظهرت في مجتمعاتنا الشرقية جرائم و مشكلات جديدة و ظواهر خطيرة و غريبة علينا لم نكن لنعرفها من قبل مثل زنا المحارم و العنف و الجريمة و إدمان المخدرات و تجارة أعضاء بشرية و حتى جريمة تبادل الزوجات و التي تعرف في الغرب باسم wife swap و غيرها من السلوكيات المستوردة و ذلك نتيجة لضياع الهوية و غياب الفلسفة الحكيمة و المنهج القويم الذي يجب أن يستنير به أفراد المجتمع خاصة الشباب الذين ضلّوا عن جذورهم فهم أبناء حضارة عمرها أكثر من سبعة ألاف سنة تميّزت بالإبداع و التقدم الثقافي في مجالات عديدة كالطب و الهندسة و العمارة و الزراعة و غيرها فتركت للإنسانية تراث عظيم لم و لن تنساه أبدا أعظم الشعوب تقدما في الوقت الحالي و إذا رجعنا بالزمن إلى الوراء قليلا و تأملنا إنتاجنا الفكري و الثقافي في القرن الماضي خاصة في فترة الستينات مثلا و التي شهدت ميلاد أعمال عظيمة لمفكرين و أدباء كنجيب محفوظ و إحسان عبد القدوس و يوسف السباعي و سعد الدين وهبة و ثروت أباظة و غيرهم فمن يقرأ لهؤلاء العظماء يجد أن أعمالهم الخالدة تعكس ثقافتهم في مجالات متنوعة كالفلسفة و التاريخ و علم النفس و الفن التشكيلي و ليس في مجال الأدب وحده فلم تنجح أعمالهم من فراغ مما يجعلنا نتحسر على حالنا اليوم فشباب اليوم لا يقرأون سوى المناهج الدراسية بهدف الحصول على شهادات و البحث عن فرص عمل و ليس للتعلم الذي يحتاج إلى رغبة و فضول و صبر و مثابرة و وقت فأدى ذلك إلى ما نراه اليوم كل عام في امتحانات الثانوية العامة من ارتباك و بكاء و اضطربات نفسية و حالات انتحار عندما يحتاج الاختبار إلى مهارات التفكير و الإبداع التي تؤدي فعلا بدورها إلى التعلم الحقيقي مما يحبط عدد غير قليل من الطلاب الذين يعتمدون على الحفظ و الصم و التعلم غير المثمر مما يؤكد ضرورة العودة إلى تراثنا العظيم خاصة الذي يدعو إلى العلم و التعلم و غرس المبادىء و الأخلاق من صدق و أمانة و زهد في متاع الحياة الدنيا فقصص الأنبياء بها الكثير من العبر و الدروس التي تعبر خير تعبير عن هوية المسلم و جميع الأديان عموما تدعو إلى الخير و الحق و الفضيلة فالتقدم المذهل في العلوم المادية الذي نعاصره اليوم يجب أن يواكبه اهتماما و فهم للروحانيات و الغيبيات و إعادة إحياء العلوم الإنسانية و الفلسفية حتى لا يختل التوازن و تقع الأزمات و الكوارث كما يؤدي الاهتمام بلغة الضاد التي تعتبر جزء رئيسي من شخصيتنا العربية و تراثنا الديني و العقائدي إلى الوحدة الدينية القومية العربية المشتركة و التي نحتاج إليها في هذا الوقت أكثر من أي وقت أخر و علينا أيضا التواصل مع الفكر الغربي و محاولة إيجاد لغة مشتركة و فهم متبادل مع الحضارات الأخرى بشرط أن نحتفظ بهويتنا و كياننا الثقافي و لا نفقد شموخنا و اعتزازنا بأمجادنا و نحاول أن نكون امتداد طبيعي للأجدادنا و أسلافنا.