الـكــافــر قـبـيـح لكنه أحيانا يستحق الـمـديـح....1
| |
البدرى | |
بقلم : رضا عبد الرحمن على
...................................
إن العالم العربي الآن يمر بمرحلة فارقة في تاريخه ، ورغم خطورة هذه المرحلة وصعوبتها إلا أنها يمكن أن تجعل البلاد العربية في أبهى صورة ، بشرط لو تخلصت من التسلط على الناس باسم الدين وصاغت قوانين تحمى حقوق الإنسان وتنشر العدل والحرية والمساواة وعدم التفريق بين المواطنين بسبب المذهب او المعتقد أو اللون أو الجنس ، كذلك فإن نفس المرحلة قد ترسل الوطن العربي كله بأسرع مكوك فضائي إلى غياهب الجهل والرجعية والتخلف والعصبيات والقتال من أجل الاختلاف في رأي أو وجهة نظر ، وهذا ما يمكن تسميته بالانتحار الأخير لسكان الوطن العربي ، والسيناريوهات التي يمكن أن يتحقق بها هذا الانتحار متعددة وكثيرة وأعتقد أن إرهاصات حدوثها متوفرة وواضحة للعيان في معظم البلاد العربية ، وبشكل أوضح يوجد في كل البلاد العربية مجموعات أو جماعات تنشر مفردات ومصطلحات جديدة وغريبة على المواطن العربي تؤثر على وعيه وفكره وثقافته ثم سلوكه تجاه الأخر وكلها مفردات تدعو للكره والبغض والأحقاد والانقسامات بين أبناء الوطن الواحد ، وهذه الجماعات وظيفتها الأساسية تغذية الوعي العام بهذه المفردات والمصطلحات الجديدة التى تنتمي كلها لفكر ومنهج تمزيق الشعوب وإهلاك الأمم ومن وجهة نظري يمكن تسمية هذا العمل بأنه من مخلفات الفكر الإنساني.
أعتقد أن معظم المثقفين العرب بوجه عام في النصف قرن الماضي يتحملون جميعا ، ويتحمل معهم الأزهر بوجه خاص مسئولية انتشار هذه النوعية من الأفكار لدرجة أنها أصبحت شبه مسيطرة على قطاعات عريضة في كل دولة ، ولو أخذنا مصر كمثال توضيحي مهم ومؤثر ، سنجد أن الأزهر فشل فشلا واضحا في إنتاج فكر ديني معتدل يوازن بين تواجد السلفية الوهابية في كل مكان وعلى كل شبر من أرض مصر ، كذلك فشل الأزهر في فضح السلفية الوهابية خلال النصف قرن الماضي ، قد يكون هذا حدث بقصد من بعض مشايخ الأزهر ، وبدون قصد من البعض الأخر لكن يكفي أن الأزهر وقف بالمرصاد لكل مفكر مستنير حاول إظهار وتجلية حقائق الإسلام ، وقف الأزهر وحارب كل من حاول الدفاع عن الإسلام العظيم وتنقيته من الشوائب التي علقت به خلال تاريخه الطويل ، وتخليصه من هذا الفكر الرجعي المتخلف الذي يُكـِن كل عداء للإسلام والمسلمين ، فكان يتم اتهامه بالكفر والردة وازدراء الدين من كبار شيوخ الأزهر ، بينما كان المجال مفتوحا والمنابر جاهزة لدعاة التطرف والقتل والارهاب في غياب معظم مشايخ الأزهر الذين يقولون أنهم مسئولون عن نشر الإسلام الوسطي المعتدل ، ولا أدرى أي نشروا الإسلام الوسطي المعتدل..؟
ومن المؤسف اليوم بعد أن نجح بعض المهمومين بمشاكل المسلمين في كشف حقائق تاريخية وحقائق قرآنية لم يجرؤ أحدهم التحدث عنها أو الخوض فيها وانتشر عبر وسائل الاتصالات الحديثة فكرا مستنيرا ورؤية دينية جديدة و4راءة جديدة للإسلام والقرآن ، تكشف حقيقة هذه التيارات المتسترة بالدين ، وبعد أن فضحت الوهابية نفسها أمام الشعب المصري وأثبتت فشلها في إدارة الدولة وأثبتت تناقضها مع حقائق الإسلام من خلال الكذب والتدليس والنفاق وخداع الناس من أجل البقاء في السلطة ، يخرج علينا في الفضائيات بعض مشايخ وأساتذة الأزهر يبكون بدموع على الإسلام ويندبون حظهم وحظ المسلمين الذين وقعوا فريسة في أيدي هؤلاء الوهابيون ، وأخيرا وقبيل فوات الأوان اعترفوا أن الوهابية السعودية هي سبب كل بلاء تعاني منه مصر ويعاني منه العرب والمسلمون ، واعترفوا أن هذه الجماعات يتم تمويلها من الخارج ، لدرجة أن أحد مشايخ الأزهر وصف شيوخ الوهابية بخوارج أخر الزمان ، حقيقة لا اعلم هل ثورة بعض مشايخ الأزهر هي ثورة من أجل نصرة الإسلام الحقيقي ، أم أنها ثورة من أجل أنفسهم ثورة بسبب مجموعة من الإرهابيين أخذوا مكانهم واحتلوا مكانتهم في عقول وقلوب الناس ، هذا علمه عند الله جل وعلا.
سكت الجميع في مصر أمام انتشار مفردات خطيرة جدا أدت لتقسيم المجتمع منها (كافر ، فاسق ، فاجر ، أنجاس ، داعر) ، سكت الجميع في مصر حين اعتلى المنابر دعاة الارهاب والفتن ، سكت الجميع في مصر حين أصبح القتلة نجوما في الفضائيات يتحدثون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وعن وضع رؤية لإصلاح مصر ، سكت الجميع في مصر حين أصبح قتلة العقود الماضية أبطالا في أعين العامة من المصريين ، سكت الجميع في مصر حين تم وصف كل من يعارض الوهابية بأنه كافر وعدو للدين وعدو لله ، يدخل في هذا الشيعي والصوفي والبهائي والمسيحي والعلماني ، الليبرالي ، الاشتراكي ، الثوري ، الناشط السياسي ، الفنان ، المثقف ، كل مواطن مصري تسول له نفسه أن يفكر خارج حظيرة الوهابية يتم وصفه بالكفر ، ولا مانع أبدا من إهدار دمه على رؤوس الأشهاد ، كل هذا حدث ويحدث في حالة من التخاذل والانبطاح الغير مبرر من معظم المثقفين وبعض مشايخ الذين يدّعون الاعتدال.
والآن بعد أن أوشك المصريون على الدخول في مواجهة دموية من أجل السلطة بين جماعة تحكم لها قلة من الأتباع والمؤيدين والإرهابيين في جانب ، وبين الشعب المصري كله في جانب أخر ، في ظل كارثة كبرى ، هي حالة التغذية المستمرة التي يحاول بها مشايخ ودعاة وكهنة السلطان إظهار الحاكم أنه ممثل الله على الأرض وأنه مفوض لحكم مصر وخلافة المسلمين حتى ينتهى أجله ، لدرجة أن أحدهم يحكي رؤيا (مناما) يدّعي فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قدّم الرئيس مرسي إماما في الصلاة وصلى خلفه ، ويكمل هذا الشيخ أكاذيبه قائلا أن الرئيس مرسي سيبقى في السلطة فترتين حسب رؤيا أخرى ، هذا ما يحدث في تصويرهم لمرسي وجماعته ، كذلك صوروا المعارضة أنها كافرة تكن عداء للإسلام وترفض المشروع الإسلامي وترفض الإسلام ، وبالتالي فهذه المعارضة كافرة تستحق القتل ، وأعلنوها صراحة في تهديد واضح بقتل كل من ينزل يوم 30/6 يعبر عن رفضه حكم الاخوان.
ما يزيد الأمر خطورة وكارثية حالة الازدواجية والجهل والغياب الفكري والذهني التي يعاني منها معظم المصريين ــ بكل طبقاتهم ــ في نظرتهم وتعاملهم مع كلمة كفر وكافر ، فمرة يكون الكافر جميلا يستحق الثناء والمديح ، ولا نسأل أصلا عن سبب كفره حتى لو كان من أقصى بلاد الدنيا وذلك حين يقدم لنا خدمة أو عملا نحبه ونحتاج إليه ويروق لنا مزاجيا ، ومرة أخرى يكون الكافر قبيحا مذموما يستحق القتل حتى لو كان من أبناء جلدتنا لمجرد اختلافه مع محمد مرسي والأخوان ، وهذا ما فعله المجرمون المتاجرون بالدين في عقول ووعي معظم المصريين ، وهذا سنوضحه في المقال القادم ..