| | | | سهرة مع أهل الدنيا ...............................................................
بقلم : رشا زكـــــي
اليوم السبت ..وبالتحديد ليلة الأحد وقد بدأت العطلة الأسبوعية فى أمريكا ، إقتربت الساعة من التاسعة والنصف مساءا ، أستعد أنا و أسرتى للخروج من المنزل لتلبية دعوة على العشاء فى أحد المطاعم العربية فى ولاية نيوجيرسى .
وصلنا إلى المطعم وجلسنا إلى المنضدة المحجوزة لنا ، فى البداية بدا لى المكان هادئا ولطيفا ومتمتعا بقليل من الأناقة . بدأ العشاء بتقديم السلطات ، وقد تنوعت وتعددت بل وزادت عن المألوف ، لا لشىء إلا لملء بطون الضيوف ، لكى لا يكون هناك مكانا للطبق الرئيسى الذى يكون فى الغالب بلا طعم ولا جودة .
الساعة الآن تقترب من العاشرة والنصف وقد إمتلأت الصالة بالضيوف . أصبح الجو داخل المطعم خانقا لى ، بعد أن إمتلآ الجو بدخان الشيشة . نظرت حولى فرأيت - على مدى بصرى – زجاجة خمرعلى كل منضدة ، يحتسى الرجال والنساء على حد سواء الخمر بشراهة كما لو كانوا يحتسون المياه الغازية ، و " كأنهم كانوا فى جرَة وطلعوا لبرَة " .
بالتأكيد لم تخل تلك السهرة من الغناء ، غناء ممزوج بالضجيج ، ضجيج يخترق أذنك الداخلية فتشعر معه بالتوتر ، ولكن يبدوأن ثمة ألفة بدت بين الحاضرين والضجيج . وفى الوقت الذى شرع فيه المغنى فى الغناء ، كان الخمرقد تخمر فى بطون الحاضرين وبدأ مفعوله يظهر عليهم فتركوا أماكنهم وبدأت وصلة الرقص من الحاضرين مصاحبة لوصلة الغناء . لم يلفت نظرى ويثيرإستيائى فقط " إنعدام الحياء " الذى تمتعت به السيدات اللواتى كن يرقصن أمام الحاضرين ، ولا " إنعدام الرجولة و النخوة " فى الأزواج الذين إرتضوا لزوجاتهم الرقص أمام الغرباء ، ولا " إنعدام الوقار " فى الرجال الذين كادوا أن ينافسوا الراقصة فى " هزالوسط " فقط ، فبينما كنت أراقب النشوة على وجوه الراقصين والراقصات من الحضور، فإذا بعيني تلتقطان مشهد لرجل وزوجته قد بلغا من العمرأرذله ، ينطبق عليهما مقولة " ِرجل فى الدنيا وِرجل فى القبر " ، ومع ذلك مندمجان فى الرقص .
نظرت إلى المغنى وأنا أقصد كلمة " مغن " وليس " مطربا " ، فالمطرب يجلس أمامه الحضور فى وقاريستمعون لطربه . المهم أننى رأيت على وجه هذا المغنى إبتسامة عريضة تعبرعن سعادته من إندماج الحضورمعه بالرقص . رحم الله مطربينا الكبار أمثال محمد عبد الوهاب ، عبد الحليم ، أم كلثوم وألف تحية إحترام للكبارأمثال نجاة ، فيروز، مارسيل خليفة وكاظم الساهر...مطربون ومطربات إحترموا أنفسهم فاحترمهم الجمهور. إلى هنا ولم تنته السهرة بعد ، فهناك فقرة ينتظرها الرجال على وجه الخصوص ، وهى بالتأكيد فقرة الرقص الشرقى ، وأدق ما يوصف به أداء الراقصة أنه من النوع " التايوانى ".
لم يكتف الضيوف بمشاهدة تلك الفقرة ، بل كان هناك مساهمة أخرى من جانبهم ، وهى " إلقاء " الدولارات على الراقصة بقصد " الفشخرة " أمام الحاضرين . و قد لا يعلم البعض أن أول من يلقى " الفلوس " يكون من طرف صاحب المطعم ، وأن هذه النقود الملقاه تخص صاحب المطعم نفسه ، وأنها حيلة منه لتحفيز الحاضرين بل إستفزاز " شهوة الفشخرة " بداخلهم ليتحمس كل منهم ويلقى بالمزيد من الدولارات ، تلك النقود التى يتقاسمها صاحب المطعم مع أعوانه فى نهاية السهرة .
من ذلك المشهد أى مشهد إلقاء الدولارات على الراقصة ، تستطيع أن تستخلص منه أننا العرب نجيد ثقافة " إهدارالمال " بدلا من " إستثمار المال " . أليست إنشاء مؤسسات إجتماعية وإقامة المشروعات التنموية للنهوض بالجالية العربية أو المساهمة فى بناء مدرسة لتعليم أبنائنا اللغة العربية والدين أولى بتوجه تلك الأموال لها .
والمؤسف أن العرب ، ولكى أكون منصفة أقول معظم أبناء الجالية العربية أخذوا عن الأمريكيين أسوأ الصفات والتى لا تتفق مع عاداتنا الشرقية ، معتقدين أنهم بذلك التقليد الأعمى أصبحوا أناسا حضاريين .
يا إخوانى وأخواتى من أبناء الجالية العربية .. تمسكوا بعاداتنا الشرقية الأصيلة ، فلا قيمة لمن لا جذورله . الذوبان فى المجتمع الأمريكى لا يعنى أندثارهويتنا العربية ، بل أن نأخذ عنهم الصفات الإيجابية كالإخلاص فى العمل والإهتمام بالعلم والتفوق التكنولوجى لكى ننهض بالامة العربية .
متى يصبح العرب صانعوا تكنولوجيا وليسوا فقط مستهلكين لها ؟! أرجع مرة أخيرة للسهرة التى حدثتكم عنها ، لأقول أن أفضل ما يوصف به الحضور فى تلك السهرة أنهم من أهل الدنيا .
وإلى لقاء قريب إن شاء الله ... rzaki@ymail.com مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|