مثقفنا العربي في رحلته من الغربة إلى الربيع
| |
غربة المثقف | |
بقلم : رضا الصيد
......................
سؤالي المركب ببساطة:
هل كل مثقف يشعر بالغربة بالرغم من كونه يتواجد بين الناس؟ أم أن هناك من المثقفين من استطاع التأقلم مع وضعه و كسر حاجز الغربة و الوحدة إن كان هنالك حاجز أصلا عند هذا المثقف بالتالي يكون الإحساس بالغربة عند المثقف الأول نوعا من العجز و الضعف و عدم القدرة على التكيف مع الأوضاع و على معايشة الواقع فيسمي انهزاميته بما يلذ له أن يطلق عليه: "غربة المثقف"؟
أنحن إذن أمام مثقَّفَيْنِ اثنين أم أن نوعا واحدا منهما هو الموجود فقط؟ و إذا كنا أمام مثقَّفَيْنِ فما الذي جعل هذا هكذا و جعل ذاك كذاك؟
أسئلة سنحاول الإجابة عنها في موضوع متماسك.. بدأنا
إذا أردنا أن نتحدث عن "غربة" و "مثقف" فحري بنا أن نتحدث عن "ثقافة"
سواء شقها المتعلق بالغريب أو المتعلق بثقافة المجتمع.. نعم إن هناك بون شاسع بين الثقافتين، ثقافة أساسها علمي أكاديمي قِيَمِي و زد على ذلك ما شئت من الجوانب الإيجابية بينما في المقابل نجد ثقافة شعبية استهلاكية و إن تقنعت و راء وجوه و مناصب و جاه و طبقات اجتماعية من أدنى السلم الاجتماعي إلى أعلاه تظل شعبية و غير سامية كأني بها تنبض بقانون وحشي أشبه بقانون الغاب -إذا لم نكن قد سقطنا في المبالغة-. طبعا هناك أصحاب مبادئ و قيم، أناس نقول عنهم: "مؤدبين، مْتْرَبْيِينْ" رغم أنهم لا يرقون إلى درجة مثقفين و إنما كان العامل في تهذيب خلقهم الأسرة المحافظة أو الدين مثلا.
المثقف صاحب أفكار و رؤى سامية، بينما ثقافة الواقع مبنية على كثير من "الزواق" و بعض "النفاق الاجتماعي" و "البروتوكولات" التي لا تضيف إلى الحياة و التاريخ شيئا يذكر.
قد أبدو متشائما لكن هكذا أجدني كمثقف أو كما يلذ لي أن أطلق على نفسي في هاته اللحظات: "مثقفا غريبا" لم يستطع التأقلم كباقي المثقفين أو من يظن أنهم كذلك.
لأن المثقف بحقٍّ هو من يؤمن بقضاياه و لا يبيعها لأول من يساومه عليها.
لو كان كل هؤلاء مثقفون يؤمنون بمبادئهم و ينقلونها إلى المجتمع، لو كانوا فئة مؤثرة و فاعلة لاستطعنا التغيير من سلوكات المجتمع-السيئة منها طبعا-
و التخلص من كثير من القناعات المشوهة و المسلمات القاتلة المكدرة للمزاج الصافي الملوثة للجو النقي للمجتمع. بل على النقيض تماما نجد هاته الأخيرة
و أقصد القناعات الشعبوية و التي تهيمن عليها نوايا سيئة و أفكار دونية هي التي تحاول أن تغزو المثقف و تغير من قناعاته بدعوى أن عليه أن يعيش "زمانه" فزمان الكتب قد ولى و هذا زمان إما أن تكون فيه "نَزِقًا" أو يأكلك "النزقون"، قد يقول قائل أن مجتمعنا يعمه الهدوء (النسبي) و نوع من التآخي لذا فالمجتمع رغم كل شيء لا يزال سليما و الجواب نعم هو كذاك إلا أن الشعور بالغربة للمتخلق
و المتدين و المثقف -الذي يهمنا في هذه الحلقة- يدل على وجود خلل ما داخله أقصد المجتمع. و الخلل حسب اجتهادي يكمن في الأفكار المسمومة التي تغزو العقول -البسيطة- و تسيطر عليها فتجعلنا نتصرف وفقا لهذه الأفكار و المعتقدات التي تستقر في نفوسنا تصرفات غير سليمة و لا مسؤولة و لا معقولة. و الله تعالى يقول:
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
آن أن نتغير و نغير ما بأنفسنا آن أن ينضج المجتمع و يفكر كما يفكر "المثقف الغريب" لنفك بذلك عنه الحصار و نجعله يحيى في بيئته التي يستعصي عليه التنفس خارجها.
من جهة أخرى على المثقف العربي أن يقاوم و يتحلى بالمرونة الكافية التي تؤهله للتعايش مع الناس دون أن يتخلى عن أي من مبادئه و كذا عليه أن يحارب لإشاعة أفكاره النيرة الراقية و معتقداته السليمة. بهذا نسهم في تغيير إيجابي يليق عليه أن يُسَمَّى بــ: "ربيع المثقف".