تساؤلات عاجلة فى الحالة المصرية الراهنه
...............................................................
محمود طرشوبي
.....................
جاءت صور الرئيس مبارك الأخيرة أثناء استقباله للرئيس الأميركي باراك أوباما على باب قصر القبه لتطرح تساؤلات كثيرة حول حقيقة صحته، فقد بدا الرجل الذي يحكم مصر منذ 18 أكتوبر/ 1981 فى حالة صحية حرجة , و هذا ليس عيباً فقد و صل الى اكثر من ثمانين عاما و هذه سنة الله فى كونه فالفرق بين اوباما الشاب و مبارك الشيخ و اضح , و هذا لا ينقص من قيمة أي رجل و الموت و الحياة بيد الله و ان موت حفيده و ان كان له تأثير قوي عليه , الأن امراض الشيخوخة بدأت تظهر عليه بقوة , و للاسف الاعلام المصري يعتبر الكلام عن هذا الموضوع من المحرمات . و لقد سمعتها بنفسي من مدير تحرير احدى الصحف ان قصر الرئاسة خط احمر . و هذا يعرض البلاد لمسائلة غاية فى الخطورة ان ظل السكوت عليها من غير و ضع اليات و تصورات للمرحلة القادمة حتى لاتحدث امور لا نرضى عنها خاصة و ان لدينا فى المنطقة العربية حالة مماثله و هى حالة تونس , فعندما بلغ بورقيبة ارذال العمر و بدأت تظهر عله امراض الشيخوخة , تحرك زوج ابنته زين العابدين بن على و كان وزيرالداخلية و قام بانقلاب داخلى و امسك بزمام السلطة و اصبح هو رئيس البلاد , صحيح انا استبعد ان يقوم وزير الداخلية فى مصر بمثل هذا الوضع نظرا لوضع مصر و المختلف تماما عن وضع تونس و لكن الى متى سيستمر الوضع , فإذا رحل مبارك فى اى لحظة ماذا سوف يحدث؟ و الموت بيد الله و حده . و لكن الرئيس مبارك لن يترك اموال و ارض و شركات لكى نقول ان المحكمة سوف تفصل فيه فيه بعد اعلام الوراثة , انها بلد لها شعب يعيش على ار ضها و لها ثقل فى المجتمع الدولى , و اى اهتزاز فى نظامها قد يؤثر على المنطقة باسرها , فمن هنا اطرح التساؤلات ماهو مستقبل مصر فى حالة رحيل مبارك فجاة و الموت بيد الله وحده !
فقد كانت الصور التى بثتها حميع القنوات و الصحف العالمية و المصرية و هو يستقبل اوباما , كانت صور تعطى التقرير الطبي الحقيقى عن حالة الرئيس و هو التقرير الذى كتبته مشاعر 80 مليون مصرى , و ألقت بأسئلة جوهرية حول المستقبل القادم. هل الرجل الذى راينه فى الصورة لا يزال قادرا على القبض على زمام الأمور، هل لا يزال قادرا على تحريك الآخرين حوله؟ هل لا يزال يحكم؟ ما الذي يمكن أن يجري لو غاب؟
إن المؤشرات كلها تشير الى ان 28 عاما من حكم مبارك ادت الى ضعف الدور المصري وانحساره وانسحابه أحيانا عربيا وإقليميا في القضايا الحيوية والاستراتيجية والذي تجلي في الحرب الإسرائيلية على غزة والمواقف المخزية، وما يحدث في السودان والعراق ولبنان واليمن، يؤكد أن قوة الرجل وكلمته لم تعد فاعلة خارجيا ، ولايختلف الأمر داخليا فسيطرة رأس المال وتوحش تعامله مع مقدرات الناس وفساده السياسي والأخلاقي والاقتصادي والفكري، مدعوما من الحكومة ورجالات الحزب الوطني الحاكم ، إن الفساد في مصر يزداد مع طلعة كل شمس وتضاعف معاناة الناس جراء الارتفاع غير المبرر للأسعار في كل شيء من مأكل وملبس ومسكن، وتدني مستوى التعليم، وانحطاط الأجور، وانتشار الرشاوى والمحسوبيات وضعف قوة القانون، والنفاق السياسي والتشريعي، وغير ذلك مما يفهمه ويعاني منه الشعب المصري، كل هذا ألقي بظلاله بتساؤلات هل مازال الرئيس قادر على حسم وحكم الأمور بنفس القوة التي بدأ بها حكمه في الثمانينات إن الأحاديث الآن تدور في الخلفية الجماعية للشعب المصري سواء على مستوي النخبة السياسة و الثقافية فى البلاد او على مستوي الشارع المصري من جميع فئاته طارحة السؤال الذى لابد منه ماهى البدائل المطروحة فى حالة غياب الرئيس ؟ و ان الموت يأتى بغته و هو زائر لا يستأذن فى الدخول . ، فالخوف من الفوضى في ظل سيناريوهات لا يطرح أي منها طمأنينة !
فالقوي التى تتصارع على حكم مصر فى حالة غياب الرئيس سواء أكان جمال مبارك , الشريك الكبير فى حكم مصر و المرشح بقوة داخل الدوائر السياسية المصرية و هو الداعم والمساند والمدافع والصديق الوفي لرجال الأعمال في مصر، ومن ثم إن جاء إلي الحكم سوف يأتي بهم ويحكّمهم في البلد أكثر مما هم متحكمون الآن، وهؤلاء يمقتهم المصريون مقتا لا علاج له، حتى نكاد نرى إجماعا ضدهم، حيث يعتبر المصريون أن هؤلاء الرأسماليين هم من سرقوا ونهبوا ويسرقون وينهبون قوتهم وقوت أبنائهم، هم من يسرقون مقدراتهم ومقدرات وطنهم، هم من يدفعونهم للحاجة، ويمكن أن نسمع في الشارع المصري أكثر من ذلك حتى يصل الأمر للتشكيك في وطنية هؤلاء بعد أن استشرى فسادهم وأصبح سما يقتل أحلام البسطاء والمحتاجين والفقراء و قد يثور في هذه الأجواء والأفكار والتساؤلات التي تحتدم في رأس المصريين الآن جراء مخافة غياب الرئيس المفاجئ قد تدفع البعض لتصور أن الساحة الأن خالية امام الاسلاميين و على راسهم جماعة ( الاخوان المسلمين ) و قد يتوهم البعض و يظن إن الشعب المصري سيكون فى حالة رضاء بصعود الإسلاميين إلي الحكم (الإخوان المسلمين)، وهذا غير صحيح، فالشعب المصري و ان كان قلبه مع الاسلام فان سيفه ليس مع الاسلام , بمعنى ان وصول الاسلامين الى الحكم و ان كان امل يرواد جمهوركبير من المسلمين المصريين , لكنهم ليسوا على دفع الضريبة لذلك . اضافة الى ان التيار العلمانى لن يقبل بسهولة التنازل عن ما تحقق لهم من إنجازات ترتبط بحريتهم على كافة مستوياتها مهددة مع صعود الاسلاميين لسدة الحكم بالانهيار، وأن ما شهدوه من انفتاح في الرؤى سوف يعود الى ماكان قبل ذلك , وسوف ترجع المرأة إلي قفص الحريم، وسوف تغلق المسارح والسينمات وتقيد حريات الإبداع وهلم جرا.هكذا يظنون ؛ اما باقى المصريين يظنون أن حياتهم سوف تنقلب رأسا على عقب.
لكن لنعترف أن حضور الإخوان المسلمين كجمعية خدمية عبر سنوات طويلة في ظل انحسار دور الدولة بل وتخليها عن واجباتها تجاه المواطن مع انحيازها السافر لأصحاب رأس المال من رجال أعمال، قد دفع بنسبة غير بسيطة إلي أحضان هذه الجماعة وجعل لها صوتا أما القوي الرئيسية والتى تمثل الحد الأدنى من رغبة الشعب المصري في طبقاته الدنيا والمتوسطة تحديدا في أن يجئ الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية ضمانا لاستقرار البلاد حتى فى ظل الاوضاع السئية الموجودة ، ولعدم نشوب صراع جراء الأطماع المتربصة هنا وهناك للوصول للحكم، حيث لا تشك هذه الطبقات في قوة سيطرة رجال الجيش فى السيطرة على الأمور و التحكم فى زمام الأمور و يكاد يكون الاختلاف عليها قليل . صحيح أن استمرار الحكم العسكري لن يرضي أطرافا خارجية كثيرة على رأسها الغرب و المنظمات الدولية خاصة المرتبطة بحقوق الانسان بالاضافة الى ان هناك أطرافا داخلية تري ان الحكم العسكري قد استنفذ ما لديه من أفكار وأن مصر بحاجة إلي عقلية مدنية .
ولكن هل هذه الحلول المطروحة ستقبل من جميع الاطراف سواء اكان جمال مبارك ام الاخوان المسلمين ام المؤسسة العسكرية هل سترضى الاطراف الاخري و هل ستمثل الحد الادنى لأمنيات المصريين فى التغير لا أظن . ما الحل إذن؟ الجميع يترقب، الجميع يتوقع، الجميع يضع يده على قلبه، الحالة حرجة، لا أحد يريد أكثر من الاطمئنان على ما ستؤول إليه الأمور في حال غياب الرئيس مبارك بشكل مفاجئ ودون ترتيب مسبق، فالموت لن ينبه أو يحذر بل سيداهم فجأة، وهذا قدر الجميع، ومن حق كل مصري أن يطمئن على مستقبله، إن مصر الآن في غرفة عمليات ضخمة لمولود قادم لابد أن يحمل أملا وإلا دخلت إلي متاهة مظلمة مسدودة. ماذا يمكن أن يحدث لو غاب الرجل فجاءة ؟
ما السيناريو السلمي الذي يمكنه تجاوز اضطراب غيابه في ظل رفض لتوريث ابنه (جمال مبارك)، ولا تنتهي الأسئلة التي تطرح بخوف، ليس خوفا من جهة أمنية أو السجن أو أي شيء آخر شبيه بذلك، ولكن خوفا على مستقبل مصر و شعبها . و لذلك هناك اطروحات اخري قد تكون صعبة و لكنها الحل الامثل لكى تمر هذه الفترة على مصر بخير.
الطرح الاول هو تعين نائب للرئيس و هو موضوع طرح مرارا وتكرارا من وقت لآخر على مدار سنوات طويلة، لكنه فى هذا الوقت يجب أن يدخل الى حيز التنفيذ،باعتباره احدى البدائل القوية طارحا نفسه على كل من يتحرك في الشارع المصرى رجلا أو امرأة أو شابا، ويمكن أن نتلمس أملا قويا لدى كل مصري في أن ينقذ الرئيس مصر ويعين نائبا جديرا بتولى الحكم في حال غيابه، لأن البدائل في ظل غيابه ستكون قاسية قد تصل إلي حد الفوضى، الأمر الذي يخشاه كل مصري.
لكن هذا السؤال الذي يبدو طوق نجاة بالنسبة للكثيرين من أفراد الشعب المصري، يقابله سؤال أخر يجعل الأمر شائكا، هل يملك الرئيس القدرة والقوة الفاعلة على اتخاذ قرار كهذا، وهو يعلم يقينا أنه سينقذ مصر من السقوط في الفوضى، لكن قوة أصحاب رأس المال والمصالح من وجهة نظر البعض سوف تحول دون قرار كهذا، إلا إذا كان القرار لصالح جمال مبارك، أو على أقل تقدير تصعيد جمال مبارك بحيث يصبح قاب قوسين من الحكم، فإذا غاب الرئيس جرت انتخابات وفقا للتعديلات الدستورية الأخيرة وتمكن الابن من الصعود لسدة الحكم.
الطرح الثانى , هو اتخاذ الرئيس قرار بالتنحى عن الحكم , فما الحرج أن يتنحى رئيس الجمهورية ويعين خلفا له تجري حوله انتخابات؟ ما الحرج أن يتنحى لظروف صحية أو ما شابه؟ ما الحرج في أن يفضل مصلحة الوطن على مصالحه ومصالح عائلته الشخصية؟ ما الذي يمكن أن يحصل على المزيد منه بعد 28 عاما من الحكم؟ لماذا لا تجري انتخابات نزيهة وشفافة وليتقدم لها من يرى نفسه كفئا من القيادات العامة والشخصيات الكبيرة، ومصرلن تعدم من يقودها ؟ ما الذي يمنعه من فعل ذلك، وتكون سابقة يدخل بها التاريخ من اوسع ابوابه و تكتب له عند الله معروفاً لن ننساه .
06/11/2014