موقعة الحرة : هل يتكرر نفس المشهد لفرض التوريث في العالم العربي
...............................................................
| |
اللهم أحفظ بلاد المسلمين من الفتن و التوريث .. | |
بقلم : محمود طرشوبى
..........................
تبدو كتب التاريخ دائماً و التاريخ العربي و الإسلامي خصوصاً , كأفضل الكتب التي تستطيع منها قراءة المستقبل القادم للعالم العربي , و تشعر و أنت تقرأ وقائعه و شخوصه , إن قراءة المستقبل قد تكون أسهل و أيسر لو درسنا التاريخ دارسة جيدة , و عندما تنتخب من وقائع التاريخ ما يضيء علي الواقع الآن و كأنه الأمس نفسه , تجد التاريخ الأموي داخل التاريخ العربي و الإسلامي هو لحظة فارقة فقد انتقلت بالدولة من الخطاب الديني المؤسس , إلي خطاب سلطة ظل يتراكم , و يتراكم إلي أن صار لا غني عنه لأية سلطة في أي زمان - السيف و الذهب و الشعرة السياسية التي لا تنقطع – و لعل حادثة ضرب الكعبة بالمنجنيق فوق رأس ابن حواري رسول الله عليه الصلاة و السلام تكفي لوصف الدم المؤمن الذي أريق لتوطيد أركان الدولة الأموية , و خصوصاً من بيت آل الرسول محمد صلي الله عليه و سلم .
فبعد مقتل الحسين بن علي في معركة كربلاء بأمر من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان , ثارت مدينه رسول الله و أخرجت الوالي الأموي منها فأرسل لها يزيد بن معاوية جيشا بقيادة مسلم بن عقبة , و قد قام يزيد بن معاوية بتكليف مسلم بتلك المهمة بناءا على وصية أبيه معاوية بن أبي سفيان حيث أوصاه قائلا:
((إن لك من أهل المدينة يوماً، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فإنه رجل قد عرفت نصيحته )) و في الكامل في التاريخ لابن الأثير ,أحداث سنة63, موقعة الحرة ذكر"
أما الخليفة يزيد بن معاوية فقد أوصى قائد الجيش مسلم بن عقبة بأن يدعوا أهل المدينة المنورة ثلاثة أيام بالحسنة لمبايعته من جديد و إن رفضوا فليستبح المدينة و ينهبها ثلاثة أيام ,حيث قال :((ادع القوم ثلاثاً، فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فانهبها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند ) و قد حدث ما أوصى به يزيد ,حيث قام الجيش الأموي و بعد رفض سكان المدينة المنورة مبايعة يزيد بن معاوية من جديد باستباحة المدينة و نهبها و قتل الآلاف من السكان و هتك أعراض النساء حيث أن ألف عذراء تقريبا قد تعرضت للاغتصاب , ناهيك عن قتل الكثير من الصحابة , و أجبر الناس على مبايعة يزيد على أنهم عبيد له .
و جاء في البداية والنهاية لابن كثير أحداث سنه 63 ثم أباح مسلم بن عقبة، الذي يقول فيه السلف: مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد، لا جزاه الله خيراً، وقتل خيراً خلقاً من أشرافها وقرائها، وانتهب أموالاً كثيرة منها، ووقع شرُّ عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد.
قال المدائني: وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، يقتلون من وجدوا من الناس، ويأخذون الأموال.
قال المدائني: عن شيخ من أهل المدينة.
قال: سألت الزهري: كم كان القتلى يوم الحرة؟
قال: سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف. قال: وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام
هذا بعض ما ذكرت الكتب التاريخية عن موقعة الحرة التي أراها بمثابة إجبار علي فرض التوريث في منصب الخلافة و الذي رفضه أهل المدينة , و أيا كان الفرق في التشبيه بين مدينة الرسول و أهلها من الصحابة و التابعين , و بين العواصم العربية في هذا الزمان , فلا يمنع أن نستدعي الماضي لكي نستخلص العبر و الدروس ونتسأل هل من الممكن الآن أن يقوم حاكم عربي بمثل هذه الفاجعة لو تجرأت مدينة أو بعضاً من أهل مدينة عربية أن يرفضوا مبدأ التوريث الذي زرعه بني أمية في المنطقة العربية , و ظل هو المبدأ الثابت في دولة الإسلام سواء في بني أمية أو في بني العباس أو في دولة بني عثمان , ثم تتكرر نفس أحداث التاريخ فبعد خروج الاحتلال و بداية الدولة الوطنية يبدأ نفس المشهد ألتوريثي مرة أخري مع انقضاء جيل أو أكثر من التاريخ الحديث في الدولة الوطنية , و الأمر بدأ بسوريا و لن يتوقف عند مصر و مشروع التوريث الذي فرشت أرضيته منذ سنوات , فالأمر قد انتقل إلي ليبيا و إلي تونس في زوج البنت الكبرى لزين العابدين , و في الجزائر إلي أخو بوتوفيلقة , و اليمن مازال الحديث يدور في الكواليس السياسية .
أما باقي الدول العربية و الذي فرضت فيه الملكية , فلست أعرف ما الذي يجعل قبيلة فلان أو عشيرة فلان هي أولي و أجدر من غيرها في حكم البلاد , هل يملكون صكاً من السماء باسم العائلة للحكم و لا يجوز الخروج عن هذه الشجرة العائلية , قد كان من الممكن أن يكون المؤسس رجلاُ عظيماً و شخصية متفردة في التاريخ , و لكن ما هو الضامن إن العبقرية و التفرد سيظل متوارث في هذا البيت , إنها ليست صفات جينية لكي تتوارث إنها صفات شخصية قد تأتي في واحد من أهل البيت و تترك الأخر و هو من نفس العائلة .
و السؤال يطرح نفسه ثانياً ماذا لو مات ملك أو أمير عربي , و رفض أهل عشيرة أو مدينة بايعته ؟ هل ستحدث موقعة الحرة ثانياً و نجد الشرطة و الجيش في الدولة في حالة من القتل و النهب و هتك الإعراض لمدينة ما او مجموعة من المعارضين رفضوا أن ينضووا تحت لواء الحاكم الذي ورث الحكم عن أبيه و جده , كأنه متاع يورث .
إن العلماء المسلمين لم يتكلموا في الفقه السياسي الإسلامي إلا بقدر ما سمحت به ظروف عصرهم , و سكتوا عن أحكام مخافة الفتنة , كان من أشدها حكم ولاية المتغلب ,و هذا الحكم كان سبب في مآسي كثيرة في التاريخ الإسلامي , و العجيب إن هذا الحكم كان له تأثير علي عقلية و نفسية المسلمين حتى بعد سقوط دولة الإسلام .
و هذا ما سوف أطرحه في وقت لا حق , إن ولاية المتغلب , حكم فقهي لا يرضى الله عنه .
اللهم أحفظ بلاد المسلمين من الفتن و التوريث ..