السادات غدر بي مرتين ورغم ذلك أحببته
...............................................................
| |
د. مرسي سعد الدين | |
طارق الشناوي
..................
تختلف أو تتفق مع ما يرويه د. مرسي سعد الدين، إلا أنك ببساطة شديدة لا تملك سوى أن تشعر أنه لا يذكر سوى الحقيقة.. الحقيقة التي صنعها أو شارك في صنعها أو آمن بها.. وضعته الأقدار في دهاليز السياسة منذ ثورة يوليو (تموز) 1952، وعرف جمال عبد الناصر واقترب من أنور السادات، لديه تحفظات على عبد الناصر، وحب بلا حدود للسادات، على الرغم من أنه كان قد أقاله من وظيفة مرموقة. كان د. مرسي شاهدا على مراحل مهمة في الحياة السياسية.. أبدأ مع علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر. يقول د. مرسي: «كنت وقتها مسؤولا عن الرقابة.. وهذه لها قصة لطيفة.. كنت عائدا من لندن بعد 12 سنة عام 1956، وذات مرة سمعت ليلا الجرس.. وجدت رجلا عسكريا قال لي حضرتك مطلوب في مكتب الحاكم العسكري.. (يا نهار اسود.. راجع من لندن ح يقولوا عليّ جاسوس إنجليزي).. قابلت شابا لطيفا جدا قال لي: آسف د. مرسي على هذه الطريقة، إنما أنت تعرف أن الحرب بدأت وهناك رقابة على التلغرافات التي يرسلها المراسلون الأجانب إلى خارج مصر وتلك الآتية من الخارج. ويضيف مرسي: كنت أترجم من الإنجليزية، وأستاذ في الجامعة اسمه ريمون فرانسيس يترجم من الفرنسية.. أحيانا كانت تأتي كتب مهمة جدا ألخصها للرئيس عبد الناصر، أذكر من هذه الكتب.. كتابا عن مفهوم الاشتراكية في الصين.. أرسلت له هذا التلخيص.. أعتقد أنه نظم الاتحاد الاشتراكي على أساس هذا الكتاب.. وعلاقتي به كانت عن طريق الملخصات التي يطلب مني أن أرسها له. وفي ما يلي نص الحوار الذي جرى في القاهرة:
| |
أنور السادات | |
* ما ردود فعلك تجاه جمال عبد الناصر ومواقفه المخالفة تماما للرئيس أنور السادات؟
ـ طبعا أكثر قائد شعبي عرفته مصر هو عبد الناصر، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، ولكن الناس في الخارج بعد أن تولى السادات الحكم كانوا يقولون لنا «مصر السادات» وليس «مصر جمال عبد الناصر».
* مواجهة إسرائيل كانت أحد معالم الموقف الناصري وهو ما يتعارض مع الفكر الأوروبي والأميركي؟
ـ سوف أقول لك شيئا لم أقله من قبل؛ في أحد المؤتمرات الأفروآسيوية وجدت صحافيا يقول لي: يوجد صحافي إسرائيلي يريد أن يتكلم معك.. وقال لي (هذا الصحافي الإسرائيلي): عندي رسالة، نحن في إسرائيل نقول لماذا نوسط أميركا بيننا.. لماذا ليس بيننا حوار مباشر؟!! وأضاف: لدينا رسالة نريد توصيلها للمسؤولين. رجعت إلى مصر، كان أحد أقرباء زوجتي، حسن عليش، نائبا لرئيس المخابرات في ذلك الوقت صلاح نصر، أخبرته بما حدث.. فأخبرني أنه سيخبر عبد الناصر، ورجع يقول لي: «شوفهم عايزين إيه». وبدأنا سلسلة اجتماعات نتقابل في لندن.. مع إسرائيليين وبعلم الدولة بالطبع.
* هل تذكر العام؟
ـ قبل 67.. ولذلك استغربنا لأننا وصلنا لمرحلة أنهم اتفقوا على هدنة بينهم وبينا.. «قالّك خط ساخن علشان نتفادى الحوادث اللي ممكن تؤدي إلى حرب، مفيش بعدها بشهرين بدأت حرب 67!!» أنا فسرت ذلك بأحد أمرين: إما أن إسرائيل ناوية على الحرب.. وإما الرئيس عبد الناصر اعتقد أنها تطلب السلام من موقف ضعف.
* الوجهان قائمان؟
ـ نعم إما هذا أو ذاك.. وهذا هو الجانب السياسي الوحيد في علاقتي بالرئيس عبد الناصر.. أما السادات، فكنت متحدثا رسميا باسم الدولة وذهبت معه في كل مكان؛ أميركا وإنجلترا وإيطاليا..
*كانت علاقتك به على المستوى الشخصي قوية جدا؟
ـ طبعا علاقتي به بدأت مع أول مؤتمر أفروآسيوي سنة 1957.. كان رئيس المؤتمر أنور السادات، وكان أمين عام المؤتمر يوسف السباعي، وأنا كنت نائب الأمين العام، فكنت على دراية بكل شيء يتصل بالأفروآسيوي.. كنت وقتها في المجلس الأعلى للفنون والآداب 9 شارع حسن صبري بالزمالك، وكان المؤتمر الإسلامي في المبنى الذي يليه مباشرة رقم 11 في الشارع نفسه، أي خطابات خاصة بالأفروآسيوي أذهب لأعرضها على الرئيس السادات.. وأحيانا كان يقول لي: «هاتهالي البيت». كان ساكنا في شارع الهرم.. كنت أجده لابسا العباءة السعودية، كان يحبها، وكانت هذه بداية معرفتي به.
*قبل أن يصبح نائبا لرئيس الجمهورية؟
ـ لا.. حتى قبل أن يكون رئيس البرلمان «مجلس الأمة»، وكان أي وفد أفروآسيوي يأتي من الخارج ـ بعدما تولى رئاسة مجلس الأمة ـ يريد مقابلة السادات، أذهب وأقابله معه في مجلس الأمة.. وحصل نوع من الود وكان صديقا لأخي «بليغ حمدي». كان يقول لي: «يا مرسي خلي أخوك ييجي ويجيب العود معاه»، فيرجع أخي يقول لي: «تصور يا مرسي أنا قعدت على الأرض والريس قعد معايا على الأرض والريس يدندن معايا».
*الرئيس السادات كان صاحب مزاج موسيقي.. صاحب مزاج فني عموما؟
ـ جدا.. كان نموذجا للإنسان المصري.. يحب المزيكا.. لم يكن متعاليا، يقول لأخي: «يلا سمعنا إيه ومعرفش إيه».. في وقت السادات أنا كنت متحدثا رسميا.. فكان هناك مؤتمر «مينا هاوس». كان في سويسرا، فالسادات وجد أن الحكاية رجعت إلى مرحلة «اللاحرب واللاسلم»، أراد أن ينشطها.. عمل اجتماع «مينا هاوس» وكان المؤتمر التحضيري لمؤتمر السلام الثاني.. سميناه مؤتمر «مينا هاوس».. لأول مرة جلسنا مع إسرائيل وجها لوجه.. كانت أميركا موجودة والأمم المتحدة.. «كانت سورية جايه والاتحاد السوفياتي كان جاي وآخر لحظة اعتذروا»، على الرغم من أننا كنا نعلق الأعلام كلها على «مينا هاوس».. بحكم أني كنت متحدثا رسميا دخلت في الشؤون السياسية، وكان السادات يبدأ خطبه ويكتبها بنفسه.
*هل كان يكتبها أحيانا الصحافي الكبير أحمد بهاء الدين؟
ـ لا، كان معه دائما أسامة الباز، وتحسين بشير، رحمه الله، كان السكرتير الصحافي.. كان السادات يحدد النقاط المهمة وعنده أسلوبه ويرسلها لي وأنا أترجمها إلى الإنجليزية.. وحضرت معه كل السفريات، وجمعت كل الخطب.. وهنا نقطة مهمة: «نفسي حد يعمل بحث عن خطب السادات»، أول نقطة كان يتكلم فيها كانت القضية الفلسطينية.
*على الرغم من علاقتك الوثيقة بالسادات، فإنه أصدر قرارا بإقالتك؟
ـ السادات غدر بي مرتين، أول مرة وأنا مستشار ثقافي في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبولندا في الوقت نفسه.. حضرت مرة مناقشة دكتوراه (كان عندنا 100 منحة دراسية للدكتوراه) وقلت كلمة شكرت فيها العلاقات بيننا وبين ألمانيا الشرقية، فقالوا للرئيس إن مرسي أصبح شيوعيا.. عندما عدت كان مع بليغ فقال له: «يا بليغ أخوك عمل لي شيوعي.. قاله شيوعي إيه بس يا ريس؟». ولما عدت قال لي: «تعالى نصالح الريس» فذهبنا إلى القناطر.. قال لي: «أهلا يا مرسي أنا حبيت بس أشد ودنك إيه حكاية الشيوعية دي؟» قلت: «شيوعية إيه يا ريس؟!» أنا شكرتهم لأنهم منحونا 100 منحة.. قال لي: «خلاص يا مرسي تحب ترجع تروح حتة تانية؟».. قلت له: لا يا فندم أنا مبسوط مع يوسف السباعي.. قال لي: «على العموم أنا محضر لك حاجة كويسة»، كانت هيئة الاستعلامات، يوسف السباعي رشحني والسادات وافق فورا، و«طلّع» لي القرار وذهبت لهيئة الاستعلامات و«فضلت» معه طوال مدته، وتركته قبل حادث المنصة بعدة أشهر.. بعدها أُحلت على المعاش. لو كنت معه كان من الممكن أن أصاب في حادث المنصة.
*لماذا أقالك الرئيس السادات؟
ـ انتشرت إشاعات كثيرة، كان هناك كثيرون ضدي، ولذلك قلت ذات مرة إن أحسن حاجة أن يبتعد الإنسان عن الناس كلها، فأول مرة لما كنا في أميركا كان معي مستشارنا الإعلامي في كندا وكان سيتزوج، وعندما ذهبنا في اجتماعات كامب ديفيد.. مناحم بيجن قال يوم السبت إجازة عندنا.. فالسادات رد عليهم: والجمعة إجازة عندنا.. فكارتر قال لهم: والأحد إجازة عندنا.. فكان الجمعة والسبت والأحد إجازة فمستشارنا قال لي: «يا مرسي يا ريت تيجي انت ومستشارنا الإعلامي سمير لبيب تحضروا الجواز» فذهبنا.. ومن سوء حظي أن الرئيس كان نازلا في بيت السفير فلما سألهم عني، «فواحد بقى من الشلة بتاعته قال له مرسي راح كندا مع صديقته طبعا، وسط المعمعة السياسية راح يقابل صديقته» وغضب السادات بالطبع لكنه لم يعاتبني وقتها.
*وهذا ليس له أساس من الصحة؟
ـ أبدا، وهذا ما كلمني فيه واحد من الرقابة الإدارية.. قال لي: جاءنا مرة طلب بأن نكتب تقريرا خاصا عن علاقاتك النسائية.. قال لي: كنا 3 أشخاص من دون ذكر الأسماء..
*ما مدى صحة علاقاتك النسائية؟
ـ كان عندي مبدأ.. «عمري ما أقرب لحد معايا في المكتب».. لكن الإعلام عندنا رجالة وستات، وأنا كنت أجتمع مع المراسلين الأجانب، وكان هناك عدد كبير من السيدات المراسلات، واحدة جميلة جدا.. قالت مرسي نقل بسبب علاقاته النسائية، لكن أكيد هناك أسباب أخرى لكنها لم تقل ما الأسباب.. كانت مندوبة «رويترز» أو شيء من هذا القبيل، بعد ذلك تكلموا عن علاقتي بإميلدا ماركوس.. زوجة رئيس الفلبين الأسبق وكانت علاقة صداقة.. قلت لها: «أميركا هتقلب ضدها، لأنها عملت حاجتين غلط.. زارت روسيا والصين وعقدت معاهم اتفاقيات وأول ما رجعت قلت لها this is the beginning of the end.. قلت لها الأميركان مش هيسيبوكي، انتو عندكم قواعد عسكرية».
*ألم تحلم، مثلا، بأن تصبح وزيرا للإعلام؟
ـ أبدا.. بعد ما حدث في اليوم التالي كنت في غداء في «هيلتون» وكانت السيدة جيهان السادات حاضرة.. السيدة جيهان قالت لي: «يا مرسي أنا جات لي صدمة، إيه اللي حصل؟» قلت لها أنا معرفش.. قالت لي «مش تيجي تقابل الريس.. الريس بيحبك».. قلت لها يا فندم أنا موظف حكومة اتنقلت من مكان لمكان وبس.. بعدها بسنة أحلت على المعاش.
*أين ذهبت بعد الإقالة؟
ـ واحد قابلني في نادي هليوبوليس قال لي: مؤكد أن الريس بيحبك فأرسلك إلى المجالس القومية المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية.. «عادة اللي بيزعلوا منه يرسلوه الحكم المحلى إنما أنت تبع الرئاسة».. كان د. عبد القادر حاتم هو المسؤول عنها.. قال لي: «يا مرسي نقلوك يبقى غضبانين عليك.. أنت تقعد في البيت ومرتبك ح يوصلك لحد عندك.. قلت له لا يا فندم أنا مش بتاع كده، قال لي يعنى عايز إيه؟ قلت له هطلع لكم مجلة إنجليزي عن المدارس.. ثم اتحلت على المعاش.. وآدي تاريخي مع الدولة..
*هل تعرضت للظلم الشخصي؟
ـ لم أتركه يؤثر فيّ.. يعني لم يحدث لي انهيار عصبي وتعب كما يحدث للناس.. «أنا بقولك واحنا راجعين للبيت مساءً قرأت الخبر في الجورنان قعدت أضحك كان معايا صفوت الشريف قال لي انت بتضحك يا فندم..؟!».
*كان صفوت الشريف معك وأنت تقرأ خبر إقالتك؟
ـ كنت أوصل الموظفين دائما بسيارتي وأنا عائد.. كنت أول موظف عنده سيارة بتليفون.. كنت أنا والرياسة فقط، فكنت أوصلهم.. فقال لي لماذا تضحك يا افندم؟! قلت طبعا لازم أضحك.. يعني أعرف إني أقلت من الجورنان ولا أضحك؟! لكن لم أغضب من السادات على الرغم من ذلك أبدا.. عارف كانت علاقة ود، ومقدرش أقول صداقة لأن عمر ما رئيس جمهورية هيبقى عنده أصدقاء.
*ظُلمت وتعايشت مع الظلم ولم تنكسر.. وبليغ عندما ظلم انكسر؟
ـ أنا حزنت على الظلم الذي أصاب بليغ أكثر من الذي واجهني، وما أحزنني في ظلم بليغ أنه حتى الصحافة لم تقف بجواره، يعني الوحيد إلى وقف جنبه كان الصحافي محمود صلاح.. الله يمسيه بالخير.. كلمني وقتها. وكان بليغ في فرنسا، قال لي أريد حوارا مع بليغ، أعطني تليفونه، وفعلا عمل معه حديث. الكاتب الراحل فوميل لبيب ألّف كتابا يقول فيه إن عبد الوهاب «كان ورا الحكاية دي»، قلت لا يمكن عبد الوهاب يؤذي بليغ.
| |
بليغ حمدى | |
*هذا يعني أنك تؤكد على أن عبد الوهاب لم يلعب دورا ضد بليغ على الرغم مما كان بينهما من تنافس وغيرة مهنية؟
ـ كان بينهما تنافس، ولكن عبد الوهاب لم يتآمر ضده.. من مظاهر التنافس أن عبد الوهاب لحن لأم كلثوم بعد أن لحن لها بليغ أربع أغنيات وربما أكثر.. وهناك فارق آخر: كان بليغ يخدم الصوت.. أما عبد الوهاب فكان ينافس الصوت ويحاول أن يجعل الموسيقى تتغلب على الصوت، ولذلك دائما ما تجد من يغنون لبليغ يغنون وهم مرتاحون.. بليغ كان عنده كتاب حاطط فيه أصوات الناس بعلاماتهم.. عبد الوهاب قال ذات مرة: «النغمة اللي يعملها بليغ في ساعة إحنا نقعد 10 ساعات نعملها». لكنه لم يكره بليغ ولم يشارك في مؤامرة ضده لا أظن ذلك.
*قلت إنك أكبر من بليغ بنحو 12 سنة فكانت علاقة بها قدر ما من الأبوة؟
ـ المشكلة أن بليغ حينما بدأ يكبر لم أعد أراه.. وحينما سافرت إلى لندن كان بليغ عنده 12 سنة وحينما عدت كان عمره 24 سنة وكان معروفا. والدي توفي بعد سنة من سفري. كنت أريد أن أعود لكن أمي رفضت.. وقالت: «والدك هيزعل في قبره».
*في فترة وهج بليغ كانت علاقتك به فيها الصداقة أم الأخ الأكبر؟
ـ لا.. صداقة، لما حب مثلا يتجوز سامية جمال أخذني معه لكي أخطبها له.
*قبل ما تتجوز «رشدي أباظة»؟
ـ طبعا كانت ساكنة في الزمالك في العمارة المشهورة التي تسكن فيها فاتن حمامة (يقصد ليبون) ولم تكتمل الحكاية.
*رفضت؟
ـ وقتها لم ترفض.. إحنا مشينا على أنهم مخطوبين.. ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك.
*وسميرة سعيد.. هل كنت موجودا عندما أراد بليغ خطبتها؟ ـ لا.. لم أعرف أبدا أنه كان يريد أن يخطبها، لكنه كان يحبها جدا.. وهي أكثر من أخلصت لبليغ، يعني مثلا لطيفة التي لحن لها لم تتكلم عنه بشكل جيد، أذكر مرة كنت في المغرب في زيارة، وكانت سميرة تقيم حفلة في ناد، وحينما رأتني جاءت وسلمت علي وغنت كل أغاني بليغ، لدرجة أن المغاربة زعلوا.. لأنها لم تغن إلا غنوة واحدة مغربي.. فهاجموها فقالت لأن أخو بليغ كان موجودا، ست ممتازة أنا بحبها جدا.. لطيفة كنت ساعات أقابلها، كأني لا أعرفها.
*بالنسبة لمشروع مسلسل بليغ حمدي، ألم يكن لك تحفظات؟
ـ شرطي الوحيد أن أقرأ السيناريو.. ووافقت عليه.. مكتوب حلو.
*لم تطلب، كوريث، الحصول على مقابل؟ ـ أنا أندهش إزاي ياخدوا فلوس، المهم المسلسل مكتوب كويس.. لا أريد أن يرى الناس بليغ ملاكا، كل واحد وله عيوبه.. قعدت معهم وحكيت لهم كل ما أعرفه عن بليغ وأعطيتهم كل المعلومات التي أعرفها وكتبها محمد الرفاعي بكل صدق.
*هل سيتناول المسلسل قضية سميرة مليان المغربية التي انتحرت من شرفة منزل بليغ؟
ـ آه سميرة طبعا.. أنت تعرف ما حدث.. بليغ دخل ينام..
*وهى انتحرت؟ ـ الغلطة أن محمود سكرتير بليغ أخذ الثري الخليجي وكان موجودا في السهرة بسرعة إلى المطار وسافر وترك البلد.. ناس قالت إنه دفعها وناس تقول هي التي انتحرت.. لكن يتجنوا عليه ويقولوا إنه كان فاتح بيته للدعارة!! هل هذا كلام؟ بليغ دخل نام وقفل الباب عليه.. لكن الصحافة ظلمته وقتها.
*أدانته قبل أي حكم؟
ـ أنا أتيت به من فرنسا من أجل جلسة النقض.. ولأن الحكم الابتدائي أدانه، واحد صاحبه قاضي قال له يا بليغ سافر لأن الاستئناف سوف يؤيد الحكم فسافر فرنسا.. عندما جاء النقض كان لازم يكون موجود فذهبت له وقتها، لسوء الحظ مطار فرنسا كان فيه حالة إضراب.. ووصلنا يومها ليلا.. وكان وقتها وزير الداخلية الذي يسمونه الإسلامي.. كان لطيفا.
*تقصد اللواء عبد الحليم موسى وزير الداخلية؟
ـ نعم نعم.. قال: بليغ لا يجلس في القسم بليغ يقعد في بيته ويأتي إلى المحكمة في الصباح.. وقتها كان في انتظاره في المطار عادل إمام وفنانون آخرون وسهرنا في البيت حتى الصباح وذهبنا إلى المحكمة وحينما صدر قرار المحكمة انطلقت الزغاريد وكان قرارا عظيما، وكيل النيابة قال: أنا أطلب البراءة لأنه لا توجد قضية أساسا!! وهذا سبب مرض بليغ.. كان يقول حسبي الله ونعم الوكيل.. مرض بليغ في السنوات الخمس التي قضاها في فرنسا.. صحيح ماديا كان ميسورا ووقتها عرض عليه الملك الحسن الثاني الجنسية المغربية، فقال: «لا.. لازم ارجع مصر الأول».. ظلم كثيرا.
*بليغ كان يتمنى أن يصبح أبا.. قيل إن وردة رفضت ذلك؟
ـ يمكن هذا كان من أسباب الطلاق، وردة لا تريد «عاوزة تغني، وأنا كتبت مرة إنها أجهضت نفسها مرتين.. لكن معرفش.. ناس قالوا لي هذه الواقعة..».
*بليغ لم يكن يلتزم بالمواعيد؟
ـ مواعيده المنضبطة الوحيدة هي مواعيد بروفات الأغاني.. الفرقة تبقى جاهزة هو يبقى موجود..
*قيل إنه يوم زفافه على وردة ارتدى ملابسه وذهب إلى بيروت على الرغم من أن زواجه كان في القاهرة؟ ـ فعلا.. بحثوا عن بليغ وجدوه في لبنان.. دي قصة حقيقية.. هو كان كثير النسيان.. كان فنان جميل.
*هل ترك بعض الموسيقى أو الأغاني لم تظهر إلى النور إلى الآن؟
ـ أعتقد ذلك، ولهذا أستاذ في معهد الموسيقى العربية هو د. زين نصار، قلت له أريد أن تأتي وترى.. موسيقى بليغ كلها نحتفظ بها في حجرة مكيفة في بيتنا القديم في شبرا.. لكي نحافظ عليها.. بليغ لم يكن يترك نغمة تفلت منه.. وأحيانا كنا نتناول الغداء تيجي حاجة في دماغه يطلّع ورقة ويكتب حاجة واسمعها على البيانو!! انت عارف عبد الوهاب كان يدندن على العود ويخلي حد يكتبها له.. بليغ كان يكتبها الأول وبعدين يعزفها من النوتة اللي هو كاتبها.
*لو وضعت عنوانا لحياتك ماذا تقول؟
ـ أعتقد إن أهم حاجة في حياة الإنسان يكون عنده نوع من الرضا.. أهم حاجة.. عندما كانوا يسألونني النصيحة أقول أهم حاجة الإنسان يكون عنده رضا بما يعمله.. يوسف السباعي كان عنده مثل جميل جدا.. يقول: «في ناس بتتكعبل في طموحاتها».. تعبير حلو جدا.. أنا عندي رضا.. أنا مؤمن والحمد لله عندي ثقة بالنفس.. عمري ما فكرت أعمل فلوس.. يعني عندي فلوس تعيشني الحياة التي أحبها.. أقدر أخرج.. أقدر أسهر.. أقدر أشتري لزوجتي ما تريده.. إنما عمري ما كان عندي طموحات أتكعبل فيها.
*في القرآن يقول ربنا «ولسوف يعطيك ربك فترضى»..
ـ آه طبعا.. فترضى.. والرضا يجعلك مرتاحا وأنت نائم لا تفكر في ترقية ولا علاوة.. الوظائف جاءت لي ولم أسع إليها.. سأحكي لك حكاية لطيفة؛ عندما تخرجت في الجامعة حاولت الحصول على منحة من المركز البريطاني أدرس صحافة في لندن، وكان مدير البعثات نجيب بك هاشم الذي أصبح وزيرا بعد ذلك.. وكان يجب أن أقابله، عندما ذهبت قال لي: أهلا يا سعد، أنا واحد صاحبي إنجليزي أرسل لي خطابا وأريد أن أرد عليه ماذا أقول له بالإنجليزي؟ يريد أن يختبرني.. قال لي يا سلام ده إنجليزي جميل.. المنحة لم تتم لأن هذا الموضوع كان سنة 44 والحرب العالمية ما زالت موجودة.. جاءت سنة 45.. وجدت جرس التليفون يرن، كنت وقتها أعمل في «الإيجيبشن جازيت»، قال لي: أ. سعد؟.. أيوه. نجيب هاشم معاك تعالى لي.. يا سلام دي المنحة جاءت.. قال لي أنا اتعينت مدير معهد في لندن وعايزك تبقى سكرتير للمعهد. قلت له يا افندم أنا لست موظفا حكوميا، قال لي تعالى أنا محضر لك الاستمارة تملاها.. وبعدها بثلاثة أيام أصبحت موظف حكومة.. بعدها بأسبوعين كنت على المركب إلى لندن.. شفت بقى؟
*الجزء القدري في حياتك فقدانك لابنك الوحيد حمدي؟
ـ الحمد لله.. أنا حياتي اتغيرت مرتين.. طبعا اتغيرت.. أولا أنا كل اخواتي الأصغر مني ماتوا.. إنما حمدي ابني الوحيد وكان صديقي أيضا.
*كنت أقابله في مهرجان القاهرة وكان يتولى الترجمة..
ـ كان يجيد العديد من اللغات، في 24 ساعة خلص.. حياتي اتغيرت كلها.. زوجتي انت عارف توفيت منذ سنة ونصف عن 70 سنة، كنا مع بعض، كنا سوا في الجامعة.. وراحت.. فحياة الواحد بتبقى «...» ورغم كده أعمل وأكتب وأذهب إلى الجريدة معرفش!! ده مش معناه إن عندي برود عاطفي.. طبعا ساعات أتذكرهم كلهم وحمدي وهو صغير.. اتولد في لندن، عشان كده أخد الجنسية وبنته اتجوزت دلوقتي.. ربنا يسعدهم، لكن الوحدة وحشة.
*كتبت أن على مائدة الإفطار هناك دائما طبق لحمدي وله كرسي لا يزال على المائدة؟
ـ كتبت مقالا اسمه «الكرسي الخالي».. كانت تأتي علي فترات أكتب حاجات تجعل القارئ يبكي، ثم رجع أقول أنا أخرج ما في قلبي.. رغما عني، كتبت عن عنايات زوجتي رفيقة الرحلة.. والمؤلم أكثر أني وحدي في الشقة التي عشنا فيها عمرنا كله.. وحفيدتي تريد مني أن أنقل إلى جوارهم.. تقول: يا جدي على الأقل ولادنا نبقى نتركهم لك.. أنا الذي ربيت حفيدتي.. ألفت كتابا اسمه «حفيدتي وأنا».. تجربة شخصية في تربية حفيدتي.. الحمد لله الرضا هو الذي جعلني لا زلت حيا.. في فترة من الفترات فكرت لماذا أنا حي.. فكرت في الانتحار وعدلت عن الفكرة.. كل اخوتي راحوا وابني راح وزوجتي راحت.. إيه الهدف؟ الواحد عايش اليوم بيومه.. «باتقبّل اللي جاي واتقبّل اللي راح واعيش الحياة!!».
نقلا عن الشرق الأوسط
06/11/2014