| | | | الطائر الكسيح
| | ماضى | |
بقلم : محمود ماضى .......................
وها هى شمسُ الصباحِ تشرقُ ثانيةً فى صفحـةِ الســماءِ الصافـيةِ ، بهالتها الوضــاءةِ ، تطالــعُ النفوسَ ، فتسعدُ حيناً ، وتبتئسُ أحياناً . كيفَ أصبحتَ أيها الإنسانُ ؟! مالى أراكَ حائراً ؟! لا ترجو من العيشِ إلا نعيماً زائفاً ، ترنو إلى النورِ إذا حلَّ بكَ الظلامُ ، تسعى إلى الصحةِ إذا أصابتْكَ الآلامُ !! تتمنى أن تعودَ بكَ عقاربُ الساعةِ ؛ حتى تصلَ إلى مآربِكَ التى سالتْ من يدكَ كما يسيلُ الماءُ !! ولكنْ .. هيهاتَ هيهاتَ لكَ ذلكَ .
عجباً لكَ أيها الإنسانُ !! تغضى جفنيكَ عن الحقائقِ ، وتتقلبُ فى الأوهامِ ، لا أراكَ إلا طائراً كسيحاً يضربُ بجناحيهِ ترابَ الأرضِ ، فيغشى بهِ عينيهِ . عندها يسبحُ خيالُهُ فى عالمٍ رحبٍ من الأمنياتِ ، يرى الربيعَ بألوانهِ الزاهيةِ ، وزهورهِ الناضرةِ ، وأشجارهِ المورقةِ ، وشمسه الساطعةِ ، فيحلقُ فى خيالهِ : يرتشفُ رحيقَ هذهِ الزهرةِ ، ويهبطُ إلى ذلكَ الغصنِ يتسمعُ أغاريدَ الطيورِ فتدعوهُ إلى السعادةِ والحبورِ .
فيعلــو .. ثم يعلــو ، حتى يرافقَ الشمسَ فى عرشِها فيرى ما تراه ، ويحقق من الدنيا ما يتمناه ، ولكنْ يا ويلتاهُ !! إنهُ يرى طـائراً كسيحــاً يترنـحُ .. يغضى عينيهِ على أقــذاءِ الأرضِ .. يتقلبُ يمينـاً ويسـاراً .. لا يرى لهُ وِجهــةً ولا مساراً .. كأنَّ روحَهُ تنسلخُ منهُ .. يتزحزحُ رويداً رويداً نحوَ قمةِ جبلٍ .
فإذا بهِ يطيرُ .. ويطير ، لقد حققَ كلَّ ما يتمناه ، ولكنْ : وا أسفاهُ !! لقد تخلتْ عنهُ سماءُ أحلامهِ الطوالِ ، ليرتطم بسفوحِ تلكَ الجبالِ ، وفتحَ عينَهُ لمرةٍ أخيرةٍ ، ليفيقَ على حقيقةِ مريرةٍ : لقد كانَ يحلقُ إلى الهاويةِ .. وضاقَ بهِ كونُهُ الفسيحُ ، فرحمةُ اللهِ على الطائرِ الكسيحِ .
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|