اختفاء رضا هلال والصراع بين دعاة التقدم وحراس التخلف
...............................................................
| |
مجدى خليل | |
بقلم : مجدي خليل
.....................
منذ حادث الاختفاء المؤسف للأخ والصديق رضا هلال ، وأنا أتابع ما يتعلق بهذه الحادثة المحزنة عبر الجرائد المصرية والعربية أو بالاتصال شبه اليومي بأصدقائنا في القاهرة لمعرفة أي أخبار وتفاصيل وكذلك ردود فعل الشارع الثقافي والشعبي في مصر .
كل الدلائل التي أعلنت ترجح عملية اختطافه ، أما أسباب ذلك الاختطاف فتشكل لغزا يستعصى على الفهم ، وخاصة وكل الإشاعات والتحليلات والتخمينات المنتشرة في مصر غير مقنعة ولا تعطي دليلا يمكن الوثوق به أو الارتكان إليه.
ومن هنا لا أستطيع أن أفتي حول أسباب اختطافه فهذه مسئولية الأمن والدولة في استجلاء وإعلان ذلك ، والذي آمل الا يطول كثيرا ويدخل في حيز النسيان كما يحدث في أمور مصرية عديدة .
الشيء المؤسف والذي يمكن تحليله هو ردود فعل الوسط الصحافي والثقافي و الشارع المصري،وهى لا تختلف كثيرا عن الهجوم الشديد الذى كان يحدث فى وجوده ولكن على الاقل فى وجوده كان يملك القدرة على الرد والتحدي الايجابي، اما الان فلا يوجد اعتبار وتقدير لظرف انسانى مما يوضح بجلاء غياب البعد الاخلاقى لدى هؤلاء الخصوم وهذا هو حال الايدلوجيين تتحول خصوماتهم الفكرية دائما إلى كراهية وعداوة وشتائم وتجريح .
إن ردود الفعل التي قرأتها من خلال الإعلام المصري والتي وصلتني عبر الأصدقاء من القاهرة عن ما يروج له من إشاعات أو من خلال استنباط رأي الشارع توضح البعد الأساسي في قضية رضا هلال وهو من وجهة نظري يعكس الصراع القائم على أشده بين "دعاة التقدم" و "حراس التخلف " وهو صراع شرس تقوده بعدائية شديدة الفئة الثانية .
من هم دعاة التقدم ?
يشكل دعاة التقدم فى مصر افرادا معدودين لا يتعدى الذين يعلنون آراءهم بوضوح منهم في طول مصر وعرضها ، خمسين شخصا –وهذا تقدير متفائل ومبالغ فيه- في كل الأوساط الصحافية والثقافية والسياسية ، ويختلف" دعاة التقدم" عن" صناع التقدم" فصناع التقدم يملكون الفكر واليات التنفيذ ويمارسون التقدم عمليا، اما دعاة التقدم فهم دعاة بافكارهم من خلال ما يتاح لهم من منابر يدعون فيها الى التحديث والعصرنة وفهم العالم والتصالح مع الذات وبقراءة لأفكار هؤلاء يمكن أن نلخص اهمها فى عدد من النقاط.
1- يؤمن دعاة التقدم أن للازدهار ثلاثة أضلاع لا يمكن الاستغناء عن إحداها وهي السلام والديموقراطية والتنمية .
2- يقف هؤلاء ضد الاستبداد والطغيان ولهذا كان موقفهم مرحبا بالتدخل الأمريكي لتحرير العراق من طاغية العصر صدام حسين حيث لم يكن هناك حل أخر بديل لتخليص الشعب العراقي من براثن هذا الطاغية.
3- ويؤمنون أيضا بحل الصراع العربي الإسرائيلي سلميا وعبر التفاوض لإقامة دولة فلسطينية صالحة للبقاء وذات سيادة تحفظ حقوق الفلسطينيين بدلا من ضياعها عبر التكريس الزمني للاحتلال ، وفي المقابل تحصل إسرائيل على الأمن وعلى الاعتراف بها كعضو غير معزول في منطقة الشرق الأوسط .
4- دعاة التقدم يقفون ضد ما أطلق عليه "صراع الحضارات" وهم يدعون إلى الحوار الحضاري والتفاهم الإنساني بعيدا عن الحروب والصراعات والتى سيتحول العرب خلالها الى وقود لمعارك غير متكافئة .
5- يؤمن دعاة التقدم بأن هناك طريقا أساسيا للنهضة وهو التعلم من الحضارة الغربية المزدهرة حاليا ، ولهذا يرون طريق التقدم يمر عبر نيويورك وواشنطن ولوس أنجلوس وباريس ولندن وطوكيو وليس عبر كابول وبيشاور ومقديشيو والخرطوم ، ومن هنا فهم يسعون لتعاون استراتيجي مع الغرب بديلا للخصومات المفتعلة أو البحث عن ندية وهمية أبعد ما تكون عن الواقع الفعلي .
6- يؤمن دعاة التقدم بأن نهضة مصر يلزمها تغييرا شاملا في المنظومتين الإعلامية والتعليمية والبناء الثقافي المتخلف عن العصر وإطلاق الحريات مع بناء مؤسسات ديموقراطية تتمتع بالشفافية والكفاءة والفصل التام بين الدين والدولة وبين العام والخاص وهذا يمهد عبر عدة سنوات للديموقراطية الانتخابية .
7- يؤمن هؤلاء أيضا بالوحدة الوطنية على أرضية المواطنة والحقوق المتساوية وتكافؤ الفرص للجميع كإطار للدولة المدنية وهذا يستوجب تعديل الدستور والكثير من القوانين التي تكرس الدولة الدينية والاستبداد السياسي والتخلف الاقتصادى.
8- يؤمن دعاة التقدم بفكرتى" مصر للمصريين" ،و" مصر أولا" مع مد جسور تعاون مصلحي حقيقي مع الأخوة العرب بعيدا عن الإيدلوجيات والشعارات .
9- يؤمن دعاة التقدم أن طريق النهضة يكمن في الاستمرار على نهج روادها فى النصف الأول من القرن العشرين والذي أجهضه انقلاب يوليو عام 52.
10- أفراد هذه المجموعة يتميزون بالكفاءة المهنية العالية ، والانفتاح على العالم مع إدراك واع لاتجاه حركة التاريخ وبوصلة التقدم ودراسة مقارنة لتجارب الشعوب التي سلكت طريق الازدهار والدعوة لاقتفاء أثر التجارب الناجحة والبعد عن التمسك بالثوابت الجامدة والشعارات المعوقة.
في مقابل "أجندة التقدم" الذي يدعو لها هؤلاء هناك "أجندة للتخلف" تستميت أغلبية كاسحة في الدفاع عنها ، حيث تمثل أحلام دعاة التقدم كابوسا مزعجا بالنسبة لهم، فهم أدمنوا التجارة بالدين والقومية والأوطان والقضايا ، وهم مغرقون في المحلية منغلقون على أنفسهم يرون العالم من خلال نظارة سوداء ، يواصلون نهارا وليلا البكائيات ولطم الخدود وشق الجيوب ، مدمنون للكذب المرهق لذهن المتلقي،وخداع الذات الدائم ، يملكون نفوسا مشبعة بالحقد على الناجحين والمتميزين والمستنيرين ، ايدلوجيون متعصبون لا يعرفون ثقافة الاختلاف .
ولأن مصر تعيش أزمة حقيقية تتمثل في حالة من الهوس والهيجان القومي والديني والشعبي والإعلامي ،والانغماس فى قضايا غيرها اكثر من الاهتمام بقضايا شعبها بحثا عن دور وهمى تفقده تدريجيا نتيجة للتراجع الحقيقي لمقوماتها، والعداء للغرب والفساد والانفجار السكاني ، والتفاوت الطبقي الذي لا يعكس جهدا وإنما انعكاسا لحالة الفساد العام ، ولهذا فإن "لحراس التخلف" اليد الطولي في مصر حاليا وتطور دورهم من الإرهاب الفكري إلى البلطجة الفكرية إلى الإيذاء الجسدي إلى التخريب الإقليمي والدولي .
في بداية عصر النهضة المصرية ،حيث كان التخلف العثماني في أوجه ،كفروا أحمد لطفي السيد لأنه يدعو للديمقراطية الغربية الكافرة ، ولكن حدث تجاوز لهذه الفترة بفعل كتابات واضحة لصناع النهضة المصرية الحديثة التي كانت تدعو بلا مواربة للأخذ بأسس العصر والتعامل مع الجانب المتقدم من العالم ، والمؤسف حقا العودة ألان للتكفير الوطني والديني لإرهاب "دعاة التقدم" في ردة و نكسة حضارية أعادتنا أكثر من قرن إلى الوراء .
ماذا قدم "حراس التخلف" لمصر طوال نصف القرن الأخير الذي يمثل قفزة غير عادية في التقدم البشري ؟ أنتجوا بغزارة الإرهاب في الداخل وصدروه بكفاءة في السنوات الأخيرة .
الشئ الذى يدعو للحسرة أن الذي يدعو لتقدم بلده يتعرض للإرهاب والتجريح والإيذاء ، أما أصحاب أجندة التخريب فهم مستمرون في إرهابهم وشتائمهم ولم يتعرض أي منهم لعقاب قانوني رادع وهم في أمان تام داخل مجتمع يؤمن لهم طريق البلطجة،بل ويحصلون على المزايا مكافاة لهم على هذا السلوك.
ولهذا لمح أحد أعضاء هذا التيار الإصلاحي وهو عبد المنعم سعيد إلى حجم المخاطر الذي يتعرضون لها عبر تصنيفهم "حزب أمريكا" مرة أو "أنصار التطبيع " أو ما شابه ذلك من أدوات تهييج العامة ضدهم .
خذ مثالا لحجم التضليل حول ما كتبه رضا هلال عن أمريكا فمن كتبه ، "تفكيك أمريكا" ، "المسيح اليهودي" ، "الأمركة والأسلمة" ( كتاب تحت الطبع كان يرفض من خلاله كل من الأمركة والأسلامة) "أرض الميعاد والدولة الصليبية- ترجمه" ، كيف يدعون على شخص مثل هذا أنه من "حزب أمريكا" أو داعية للسياسة الأمريكية ، وكيف يصفون شخص يؤمن بالسلام بأنه "من أنصار التطبيع والعياذ بالله" كما تردد أدبياتهم .
مع دعائنا بالعودة لرضا هلال الا اننى كنت اراه حذرا هادئا فى كتاباته مراعيا لظروف المناخ السائد وكنت اضعه فى الصفوف الاخيرة لدعاة التقدم ومع ذلك راينا رد الفعل المؤسف هذا ، فماذا ستكون الاخطار التى يتعرض لها من هم فى الصفوف الاولى؟
الشئ الذي يدعو للحزن أن أفكار "دعاة التقدم" قالها من قبل منذ ما يقرب من قرن من الزمان طه حسين ولطفي السيد وسلامة موسى ولويس عوض وحسين فوزي وعلى عبد الرازق ورفاعة الطهطاوي وغيرهم ، وبعد كل هذه المدة ، يتعرض نجيب محفوظ للقتل ويقتل فرج فودة ونعيش لغز اختفاء رضا هلال.
ان ردود فعل الصحافة والاعلام المصرى والإشاعات والتجريح الشخصي لإنسان غائب والشماتة اللاأخلاقية واللأنسانية تضع علامات استفهام كثيرة حول اخلاقياتنا كافراد وتقدمنا كمجتمع وترجح التوقع القائل باننا نسير بخطى متسارعة نحو الدخول في النفق المظلم .
مجدي خليل
كاتب وباحث مصرى- نيويورك
magdikh@hotmail.com