عطش مصر.. إنجاز مبارك فى فترة رئاسته السادسة
...............................................................
| |
مجدى حسين | |
بقلم : مجدى احمد حسين
............................
كتبنا وحذرنا فى جريدة الشعب منذ 15 عاما من كارثة مياه النيل، واقترحنا خطة للمواجهة يرددها الإعلام الرسمى بعد فوات الأوان, فهل سيترك الشعب نظام مبارك يحكمه حتى يدمر مصر تدميرا شاملا، وحتى تصبح شربة الماء مهددة، هل سنترك هذا النظام حتى يجف نهر النيل وتنتهى مصر، فمصر لم تقم إلا على النيل, وهو سبب وجودها, حتى قلنا أن مصر هبة النيل. كنا نشكو من تلوث المياه، والزراعة بمياه المجارى، وغدا لن نجد مياها نقية ولا ملوثة. فما الذى بقى من الإنجازات التى يمكن أن يحققها حكم السفهاء، نحن نشهد حالة الانتحار الجماعى للأمة كما تفعل بعض الكائنات البرية والبحرية. والانتحار حرام وكفر, فكيف إذا كان الانتحار جماعيا. رضينا بالفيروس الكبدى والسرطان والفشل الكلوى، والغلاء، والبطالة، والتخلف التعليمى والحضارى, وصمتنا، والآن جاء موعدنا مع العطش وهو الأمر الذى يعنى الفناء. وهذا لن يتم فى يوم وليلة, ولكن سيكون موتا زاحفا بصورة تدريجية، بل نحن من الآن نعانى من أزمة مياه للشرب والزراعة، وستتواصل هذه الأزمة تدريجيا. وأكثر من ثلاثين مليونا يشربون الآن مياها ملوثة، وهذه هى بداية الأزمة, ثم سنشرب جميعا مياها ملوثة، ثم يأتى يوم بلا مياه ملوثة أو نقية!!
وقد أمرنا الله ألا نؤتى السفهاء أموالنا: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) ومع ذلك فقد سلمنا أموالنا ورقابنا لحكم السفهاء، وسنظل ندفع ثمن ذلك, وستدفع الأجيال القادمة ثمنا أكبر. فما الذى كتبته منذ 15 عاما؟ أعرضه مرة أخرى من الذاكرة مع بعض الإضافات التى أكدتها مرور الأيام.
أولا: البيئة المحيطة
قبل الحديث عن روابط العروبة والإسلام، فإن هناك قاعدة أساسية تحكم المجتمعات بشكل عام, وهى ترتيب أوضاعها فى البيئة المحيطة بها (الجيران ودول الإقليم) بحيث تكون بيئة صديقة ومواتية، لا بيئة معادية. وأى حاكم لا ينظر إلى الخريطة كل يوم هو حاكم أحمق. فأى دولة صغيرة أو كبيرة يجب أن تضع فى رأس أولوياتها البيئة المحيطة بها، فإذا كانت دولة صغيرة تبحث عن الاستقواء بدولة كبيرة فى المنطقة، وإذا كانت كبيرة تسعى لتقوية روابطها ونفوذها فى الدول الصغيرة المحيطة بها, أو التحالف مع الدول المماثلة لها فى القوة. أما الاكتفاء بالانشغال بالأوضاع الداخلية فهو حماقة كبرى، لأن أى مجتمع لا يعيش فى جزيرة معزولة عن العالم المحيط، والبيئة المحيطة قد تؤدى إلى خنق المجتمع (إذا كانت معادية) أو تؤدى إلى ازدهاره (إذا كانت صديقة) والذى ينشغل بوضعه الداخلى عن وضعه الإقليمى أشبه بالمشغول بترتيب بيته من الداخل دون مراعاة أحوال حديقة بيته أو الشارع المقيم فيه أو الحى أو المدينة، فما فائدة الانشغال بترتيب البيت والأوضاع حوله غير آمنة, أو يتعرض لانقطاع شبه دائم للماء والكهرباء. فما بالكم وأن حكامنا حتى لم ينشغلوا بترتيب الأوضاع الداخلية إلا وفقا لمصالحهم وأرباحهم غير المشروعة, فأصبح البيت يُدمر من الداخل والخارج فى آن معا، حتى الدول الكبرى لا تستطيع أن تتعالى على إقليمها المحيط, ولا تستغنى عنه, بل أن ترتيب وضعها فى إقليمها شرط أولى لتتحول إلى دولة كبرى. حتى الصين العظيمة السكان والمساحة لا يمكن تفسير انطلاقتها بعيدا عن ترتيب أوضاعها فى إقليم جنوب شرق آسيا, وابتداء من دول متناهية الصغر كهونج كونج ومكاو ثم تايوان ثم مجموعة الآسيان. ومن المؤسف أننى مضطر للخوض فى البديهيات, فالدول المجاورة لك معبر للعبور للعالم سواء برا أو بحرا أو جوا, والدول المجاورة هى أقرب الأسواق للتصدير والاستيراد, وهذا يحقق مكسبا اقتصاديا، والدول المجاورة عمق استراتيجى فى الأزمات الإستراتيجية، والدول المجاورة مناسبة لتصدير العمالة أو استيرادها، الدول المجاورة يمكن أن تكون مصدر تهديد للأمن القومى (استضافة معارضين - تهريب سلاح ومخدرات.. الخ) لذلك لابد من تأمين الحدود بالصداقة وليس بالأسلاك الشائكة أو الجدار الفولاذى
وفى عهد كامب ديفيد تم تدمير كل هذه البديهيات، فأصبحت الأولوية للعلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل والشراكة مع أوروبا, بينما تراجعت علاقات مصر مع بيئتها العربية. صحيح أن إسرائيل دولة مجاورة, ولكنها دولة معادية ومصطنعة ومزروعة, بل ودولة احتلال استيطانى, وهى الخطر الأكبر على مصر, كما أن مصر هى الخطر الأكبر عليها. فى حين وصل الأمر إلى حد الدخول فى حرب مع ليبيا، وكنا على وشك الدخول فى حرب مع السودان، والآن نحن فى حالة حرب باردة مع غزة! وفى الدائرة الأوسع دخلنا فى حروب سياسية وإعلامية متواصلة مع أطراف عربية وإسلامية: العراق - سوريا - قطر - اليمن - إيران - أفغانستان طالبان, بالإضافة لكافة حركات المقاومة ضد الاحتلال: فى فلسطين ولبنان والعراق والصومال. والمثير للسخرية والألم أن حاكمنا رفض مشروع إقامة جسر برى بين مصر والسعودية وهو مشروع بالغ الأهمية، كان يمثل شريانا أساسيا للتفاعل بين البلدين الكبيرين, بل وبين المشرق العربى والمغرب العربى، والرفض كان بأوامر إسرائيلية صريحة وعلنية! وتم دفن المشروع فى غياهب النسيان. ويشهد التاريخ أن مصر لم تزدهر إلا فى الفترات التى كانت متواصلة مع محيطها العربى خاصة الشرقى والجنوبى. وهذا قانون بديهى ينطبق على مصر وغيرها, فالهرم لكى يرتفع لابد له من قاعدة عريضة, والمنطقة المحيطة بالدولة هى القاعدة, وحتى الدول الاستعمارية ذات القاعدة الضيقة فإنها لم تعمر طويلا: كهولندا والبرتغال وحتى إيطاليا.
فى الوقت الحاضر العلاقات معقولة مع ليبيا والسودان, بمعنى أنها توقفت عن الحالة العدائية, ولكنها بعيدة عن أن تكون علاقة إستراتيجية كما يتوجب فى علاقات الجوار, وقد دفع النظام المصرى ليبيا خلال فترة الحصار للتقارب مع أمريكا، واكتشفت ليبيا أن الارتماء فى أحضان أمريكا لا يحتاج لمرشد أو دليل، وفعلت ذلك وأصبحت صديقة لأمريكا والغرب كطريق لفك الحصار، وتدهورت العلاقات المصرية - الليبية ليس إلى مستوى العداء ولكن لتكون مجرد علاقة طبيعية فاترة، وأصبحت العمالة المصرية فى ليبيا تتعرض لسوء معاملة متزايدة، وتزايدت القيود على المصريين لدخول ليبيا، بل وأعادت ليبيا تأشيرة الدخول للمصريين بينما ألغتها مع تركيا البعيدة!!
أما العلاقات مع السودان فلا شك أنها أصبحت أفضل, وهذه من الحسنات النادرة فى سياستنا العربية, ولكنها أيضا لم ترتقى إلى مستوى استراتيجى، بينما هو أمر لا فكاك منه بالنسبة لمصر. فالسودان يمكن أن يعيش بدون مصر، ولكن مصر لا تستطيع العيش بدون السودان. وسنأتى لتفصيل ذلك.
ثانيا: الـدولة المحورية
التقسيم الشائع والبسيط للدول هو: دول عظمى - دول متوسطة - دول صغرى, ولا شك أن الدول العظمى دول أساسية ومحورية فى منطقتها أولا ثم فى العالم، أما الدول المتوسطة فى الوزن الحضارى والسكان والمساحة فليست متساوية، فبعضها يطلق عليه: الدول المحورية, أى أنها دولة قيادية ومؤثرة فى محيطها الإقليمى, وبعض هذه الدول إذا استطاع أن يقوم بدوره القيادى يتحول إلى دولة عظمى, وهذا ما حدث مع الصين والهند، ويحدث الآن مع البرازيل ثم جنوب أفريقيا بدرجة أقل. والدولة المحورية تكون عادة هى الأكبر مساحة وسكانا وحضارة فى محيطها الإقليمى وتحظى بقبول ثقافى ولها امتداداتها السكانية فى البلاد المجاورة شريطة أن تنجح فى عملية الإقلاع (التنمية) وهى تتحول بذلك إلى قطب مغناطيسى يجذب كل القطع (الدول) الصغيرة حولها وتتحول إلى قائد الجوقة فى الإقليم بالدور الفعال وليس بالاحتلال والنفوذ العسكرى وإن كانت لابد من أن تكون قوية عسكريا حتى تحمى مشروعها التنموى وأن يكون لها هيبة دولية ذات مصداقية. وقدر مصر أن تكون دولة محورية فى إقليمها وينافسها تاريخيا: العراق - إيران - تركيا, وقد خرج العراق فى الآونة الأخيرة, وسيظل دولة ضعيفة لفترة ما حتى بعد خروج الاحتلال الأمريكى. وإيران تقوم بدور غير مسبوق فى تاريخها القريب وتركيا قادمة بقوة، ومصر تواصل الانسحاب، ولكن الدولة المحورية عندما تفقد دورها الذاتى، ونظرا لأهميتها الأصلية فإن قوى أكبر منها تستحوذ عليها وتوظفها لمصالحها, وهذا ما حدث باستيلاء الولايات المتحدة على مقدرات مصر، وكما فعلت من قبل فرنسا وإنجلترا والإمبراطورية الرومانية، والدولة العثمانية وحتى الدولة الفارسية والهكسوس (فى العصر الفرعونى). ويعيش حكام مصر الآن على أمجاد الماضى ويتحدث إعلامها كثيرا عن وزن مصر وعظمة مصر، ولكنها أصبحت الآن مملكة أمريكية، وفى إطار الحلف الصهيونى - الأمريكى، فالمطلوب أن تظل مصر ضعيفة، مجرد قاعدة نفوذ أمريكى وأن تستثمر نقاط قوتها: الموقع - الموضع - الحضارة (وإن ذبلت الوردة فلا تزال لها رائحة!) فى إطار المشروع الأمريكى - الصهيونى فى المنطقة، لضمان المصالح الأمريكية والاحتفاظ بتفوق الكيان الصهيونى. وفى إطار انهيار الكيان المصرى، وسيطرة نخبة محدودة الأفق عليه، تعلن كل يوم أن عدد السكان كارثة، بل زيادة السكان هو الكارثة الأكبر. فى حين أن الدول العظمى والمحورية لابد من أن تكون كثيفة السكان، فهذه نعمة ونقطة قوة لا نقمة, ولكنهم كالسفيه الذى لا يدرك قيمة ما فى يديه من جواهر وثروات. والملفت للانتباه أن محورية مصر لها بعدان: بعد أفقى عربى - إسلامى، شرقا وغربا، ولها بُعد رأسى عربى - إسلامى - أفريقى شمالا وجنوبا, وهذا البعد الرأسى هو الذى يشغلنا الآن فى تناول قضية نهر النيل
ثالثا: العروبة والإسلام
بدأت الحديث عن الجيران ودول الجوار بالتسلسل المنطقى للأشياء، فحتى إذا كانت السودان بلد أفريقى وثنى على حدودنا، فمن واجبنا أن نقيم معه أفضل علاقات التعاون! أقول من واجبنا تجاه أنفسنا. والمفارقة أن محيطنا عربى - إسلامى, وبالتالى فإن أواصر الود طبيعية: لغة وعقيدة وتاريخ مشترك وتزاوج واختلاط دموى (على خلاف الشعوب الأوروبية حيث توجد عدة لغات وقوميات بين دول متجاورة, ولكنهم أدركوا أهمية الترابط والتآصر) بل وأكثر من ذلك فإن مصر لها قابلية ومحبة طبيعية فى قلوب العرب كمركز للحضارة والثقافة والفنون والآداب. وهذا أكبر رأس مال يهدره حكام مصر اليوم. مصر جزء لا يتجزأ من أمتها العربية - الإسلامية، ولا يمكن النظر فى حل مشكلاتها بعيدا عن أمتها، بل أن ابتعادها عن أمتها يزيد من مشكلاتها ويزيدها ضعفا فى كل المجالات.
رابعا: السودان دولة محورية بالنسبة لمصر:
فى إطار تركيزنا على مشكلة نهر النيل، نتحدث عن السودان، وقد رأينا دوما أن مصر والسودان بلد واحد (على الأقل شمال السودان) وهذا كلام تاريخى، لا مجرد رأى أو أمنية أو دعوة عاطفية. ويمكن مراجعة تفصيل ذلك فى كتابى (مصر والسودان).
منذ العهد الفرعونى حتى الاحتلال البريطانى كانت مصر والسودان دولة واحدة خاصة فى لحظات الازدهار الحضارى فى مصر.
ونحن ندعو لوحدة طوعية طبيعية يقبل عليها الطرفان بنفس الحماس، ولابد من توفير أسباب ذلك. والسودان عمق استراتيجى لمصر بعروبته وإسلامه وحبه لمصر والمصريين (ليس من قبيل الصدفة أن الكلية الحربية المصرية انتقلت للسودان بعد عام 1967 لتكون بعيدة عن القصف الإسرائيلى). والتكامل المصرى السودانى يحل مشكلات أساسية للبلدين، فمشكلة مصر الأساسية فى ندرة المياه والأرض الزراعية ونقص الثروة الحيوانية، والسودان يحتاج لإمكانيات مصر والعمالة المدربة والخبراء، والسودان به 200 مليون فدان صالحة للزراعة، ومراعى واسعة وتوفر مياه النيل الذى كان السودان لا يستخدم نصف حصته منها حتى وقت قريب، بالإضافة للأمطار الأكثر غزارة من مصر بكثير. والسودان يعانى من نقص السكان لأن مساحته أكبر من مصر بمرتين ونصف ومعظم أراضيه قابلة للسكنى، على خلاف مصر حيث أكثر من 95% من أراضيها صحراء جرداء، ويعانى شمال السودان خاصة من نقص فادح فى السكان. وطالما طلب نظام الإنقاذ الحالى من مصر ملايين العمالة الزراعية لتستوطن فى شمال السودان. وكان هناك مشروع ثلاثى (مصرى - سودانى- ليبى) لزراعة ملايين الأفدنة فى السودان بالقمح لسد حاجة البلدان الثلاثة ثم للتصدير.
والمؤكد أن الرفض جاء من مبارك وفقا لرواية القذافى ورواية المسئولين السودانيين حيث قال لهم مبارك إن أمريكا لا يمكن أن توافق على هذا المشروع!! وبالتوازى مع ذلك خضع مبارك لفيتو أمريكى آخر على تعمير سيناء بما يسمح بتوطين من 3-5 ملايين مصرى فيها!!
إن التكامل المصرى - السودانى خاصة مع دخول السودان عالم البترول والصناعة، يمكن أن يخلق دولة عظمى إقليمية، فماذا لو أضفنا ليبيا إليهما. وليس مشروع القمح المرفوض مصريا إلا أحد أبرز الأمثلة على ماذا يمكن أن يحدث لو تكاملت قوى هذه البلدان الثلاثة قبل أن تتوحد مع باقى العرب والمسلمين. ورغم رفض هذا المشروع المنطقى والذى يضمن الأمن الغذائى لمصر، سمعنا من أحد الوزراء مرة كلاما أقرب إلى كلام الحشاشين، حيث قال: هناك مشروع مصرى لزراعة القمح فى كندا (أى فى آخر الدنيا)، وطبعا تبين أن هذا المشروع نكتة سخيفة واختفت واختفى الوزير نفسه.
وأذكر أننى دخلت فى سجال مع المشير أبى غزالة وزير الدفاع الأسبق فى لجنة الأمن القومى بمجلس الشعب حول العلاقة مع السودان، وتطرقت لما نشر فى الصحف من تصريحات رسمية عن مشروع لزراعة القمح فى زائير. وقلت هذا مشروع خرافى آخر، وكأن المطلوب هو مكايدة السودان. ورد علىّ أبو غزالة مقاطعا حديثى: والله مصر تزرع وتتعاون مع أى بلد تريد! وقد مر أكثر من عشرين عاما على هذا الحوار، ونحن لم نزرع القمح فى زائير ولا السودان ولا كندا!! بل وتقلصت زراعة القمح فى مصر!
ورغم أن العلاقات مع السودان الآن طبيعية (غير عدائية) فإن مصر تعانى من أزمة لحوم حادة وارتفاع فلكى فى أسعارها، رغم امتلاك السودان لعشرات الملايين من الرؤوس الحيوانية ويصر حكامنا على عدم حل هذه المشكلة بسهولة ويسر من خلال السودان, يتركون المستوردين يذهبون إلى باراجوى والبرازيل والهند لاستيراد لحوم غير صحية، ولا تنطبق عليها الاشتراطات الإسلامية. وتستورد مصر لحوما بـ 400 مليون دولار على الأقل سنويا، ولكنها تضن على السودان بهذا التدفق المالى، رغم أن مصر هى المستفيدة أكثر لأنها ستحصل على لحوم رخيصة ونظيفة وباشتراطات إسلامية.
فى إطار تحسين العلاقات مع السودان تم الاتفاق على إلغاء تأشيرة الدخول, ونفذ السودان الشق الخاص به، وأصبح بإمكان المصريين السفر للسودان، بينما السودانى لا يزال يحتاج لتأشيرة دخول لمصر! ومع هذا فقد أدى هذا التطور من جانب السودان إلى تزايد العمالة المصرية ونزوح أعداد متزايدة من الحرفيين المصريين للعمل فى السودان وبدأت بعض الاستثمارات الخاصة الخجولة المصرية تتزايد ببطء فى السودان.
وكما قلنا فإن الزيادة السكانية المصرية نعمة لا نقمة، ومن مصلحة مصر أن يتوطن ملايين المصريين فى السودان كما حدث من قبل فى العراق، وكما حدث فى العديد من الدول العربية بل وفى أوروبا والولايات المتحدة. وإذا كان لدينا سلطة وطنية حكيمة فإنها تستفيد من هذا النزوح المصرى ويمكن أن يتحول إلى عناصر قوة للدولة المصرية. كما تستفيد الصين من الجاليات الصينية المنتشرة فى دول جنوب شرق آسيا، فى تدعيم النفوذ الصينى ورعاية المصالح الصينية فى هذه البلدان. وأن تكون هذه الجاليات جسور للتعاون بين بلدهم الأم وبلدهم الجديدة (30% من سكان ماليزيا من أصل صينى) وأنا أعنى السفر للاستقرار والحصول على الجنسية وليس مجرد السفر المؤقت وإن كان النوعان من الهجرة مطلوبين. أما فى إطار الوضع الراهن فان ملايين المصريين فى الخارج والذين تتراوح تقديراتهم بين 5-8 ملايين هم مجرد شاردين عن الوطن وهاربين منه، لا يتم الانتفاع بهم ولا ربطهم بالوطن الأم ولا رعاية مصالحهم ولا الدفاع عنهم عندما يتعرضون للظلم أو الاضطهاد. ولو كانت لدينا دولة رشيدة لقامت برعاية عقود العمل بصورة جماعية كما تفعل الدول الآسيوية: الصين والهند والفلبين وغيرها مع عمالتها فى البلاد العربية وإفريقيا. ولكن حكامنا الذين يعتبرون المصريين عبئا على الوطن فى الداخل، فكيف سيفكرون فى قيمتهم بالخارج. ولو كانت لدينا دولة رشيدة لخططت لتهجير من ثلاثة إلى خمسة ملايين مصرى للسودان خاصة لشمال السودان فى إطار مشروعات زراعية مشتركة، ولم تترك ذلك لمجرد الصدف فما بالكم وأن حكومة السودان هى التى ألحت على ذلك مرارا دون استجابة وقد قال لى يوما أحد المسئولين السودانيين إن نزوح المصريين له أهمية إستراتيجية فى التوازن الديموغرافى (السكانى) نظرا لنزوح مئات الآلاف بل الملايين من بلاد أفريقية أخرى مجاورة إلى السودان من غير المسلمين والعرب، والسودان يحتاج لتوازن يحفظ الأغلبية العددية للعرب والمسلمين للحفاظ على الطابع الحالى للسودان. ستقولون ما علاقة هذا الحديث بمسألة نهر النيل؟
والإجابة: أننا سنأتى إلى مسألة نهر النيل بالتفصيل ولكن هذا متعلق أيضا بمسالة المياه. والمعروف أننا نستهلك معظم ما يصلنا من المياه فى الزراعة، فإذا زرعنا ملايين الأفدنة فى السودان بحصة السودان المائية، فكأننا نضيف إلى ثروتنا المائية وبالتالى نضيف إلى ثروتنا الزراعية ومن ثم الغذائية! مع ملاحظة أن الأرض فى السودان أصبحت أكثر خصوبة من الأراضى الزراعية المصرية التى حرمت من طمى النيل، وأصيبت بتراكم الكيماويات عبر عشرات السنين.
وهذا يرتبط بتفادى الوضع البائس الحالى للبلدين حيث لا يوجد ربط لخطوط السكك الحديدية ولا طرق برية حديثة، وهذه مشروعات مكملة للتوسع الزراعى فى السودان وحتى يمكن الاستفادة من ثماره. ولكن كل هذا الخيال غائب عن ذهن حكام مصر الذين يثرثرون عن الزراعة فى كندا وزائير!! ويدخل فى هذا الإطار مشروع توشكى الوهمى، فليس من المهم أن تزرع فى مكان ما ولكن يجب أن تحسب تكاليف النقل وأشياء أخرى عديدة، ولكننا نشير لتكاليف النقل، لأن الزراعة حتى فى السودان المجاورة، لا يمكن نقل منتجاتها بالطائرات!! وهذه أهمية الحديث عن السكك الحديدية والطرق البرية والبحرية. إننا فى احتياج للتعاون مع (المخ السودانى) فالمسألة ليست مياه وأراضى زراعية، وعلى حكامنا ونخبتنا أن يدركوا التطور السياسى والفكرى فى السودان، وان النخبة السودانية فى العقود الأخيرة من أزكى النخب العربية والإسلامية، والتعاون مع النظام السودانى مدخل رئيسى لدول حوض النيل بل ولكل أفريقيا. ويجب أن تتوقف النخبة المصرية فى الحكم والمعارضة عن مرض التعالى على السودان، وان تدرك أن لديها الكثير لتتعلمه من السودان ليس فى فهم السودان فحسب ولكن فى فهم ما يجرى فى حوض النيل والقرن الأفريقى وأفريقيا عموم. والسودان ممكن أن يكون مرشدا ودليلا لنا للغوص الحقيقى فى أعماق القارة السمراء، خاصة بعد أن ابتعدنا لعقود عن هذه القارة، مع استمرار قلة ضئيلة من المتخصصين فى متابعة ما يجرى فى أفريقيا من خلال العمل المكتبى داخل القاهرة وبدون أى زيارات ميدانية للبلاد الأفريقية.
وسأضرب مثلا واحدا على نضح الممارسة السودانية تجاه أفريقيا، فرغم ضعف إمكانيات السودان بالمقارنة بمصر، فمنذ سنوات بعيدة أسست جامعة أفريقية عالمية، وتستقبل الطلاب من مختلف البلاد الأفريقية، وكثيرا منهم عاد إلى بلاده وتولى مواقع ومناصب مهمة فى الإدارة العليا لدولهم، بل من هؤلاء الطلاب من كان من أبناء رؤساء الجمهوريات أو أبناء الوزراء. وهكذا ستجد للسودان علاقات حميمة مع دائرة واسعة من الشخصيات المهمة فى مختلف دول القارة.
وفى زيارة أخيرة للسودان، دعيت لإلقاء محاضرة فى مسجد هذه الجامعة الأفريقية، وقد كان لقاءا رائعا، أن تتحدث لمئات من الطلاب من كل الدول الأفريقية دفعة واحدة، وتتحدث باللغة العربية ويفهمونك ويتحاورون معك!!
أما على مستوى العمل فقد رأينا كيف حولت السودان علاقات العداء مع دول الجوار إلى علاقات صداقة (مصر - أثيوبيا - اريتريا - كينيا - أوغندا) ولم يتبق سوى تشاد التى تم تسوية الأمر معها مؤخرا.
ونحن فى حزب العمل لم نقصر تجاه الدولة المصرية فى شرح هذه الرؤية الإستراتيجية لعلاقة مصر بالسودان، وقد كنا نحسن الظن ببعض أطراف وأجهزة الدولة، وقد تحاور الأستاذ عادل حسين مرارا مع عمرو موسى عندما كان وزيرا لخارجية مصر حول هذا الموضوع وكذلك فعل كاتب هذه السطور مع د. أسامة الباز ومع المكتب المسئول عن السودان فى وزارة الخارجية المصرية، ومع المسئولين الدبلوماسيين المتعاقبين فى السفارة المصرية بالخرطوم, وقد لاحظت خلال هذه اللقاءات وغيرها مع أطراف أخرى بالدولة، أن مقالاتى حول هذا الموضوع كانت تُقرأ جيدا وتلقى استقبالا حسنا وموافقة عامة. ولكن رغم التقدم فى إنهاء حالة العداء مع السودان، إلا أن الأمر لم يتطور إلى علاقة إستراتيجية ولم تلق مصر بثقلها فى تطوير هذه العلاقات، ومصر هى الخاسر الأكبر وان كان الطرفان خاسرين بالتأكيد.
خامسا: السودان والنيل
كل ما يحدث الآن توقعناه فى المقالات وفى الحوارات مع المسئولين، فقد ركزنا على أن سلطة الإنقاذ من وجهة نظر المصالح المصرية هى الأقرب لمصر، لا حزب الأمة أو الحركة الشعبية لتحرير السودان أو أى طرف معارض آخر نظرا لارتباطات دولية لهذه الأطراف. أما الحزب الاتحادى وإن كان يبدو أنه الأقرب لمصر إلا أنه حزب ضعيف وسيزداد ضعفه مستقبلا. كذلك قلنا أن السودان هو سند مصر الرئيسى لمعالجة مشكلات دول حوض النيل النابعة من التدخلات الأمريكية - الصهيونية.
وهذا ما يحدث الآن فإن مصر لا صاحب لها فى حوض النيل سوى السودان، أما دول المنبع كلها فلقد انقلبت على مصر! وأعلنت ذلك فى شرم الشيخ على بعد أمتار من مقر إقامة حاكم مصر.
ولكنكم ستسألون: ولكن السودان لم ينفع مصر؟! فقد أصبحت مصر والسودان فى جهة و8 دول أخرى فى جهة أخرى. لم أقل أن السودان سيحل مشكلات مصر ولكن هو الدليل والمرشد، والدليل يرشدك إلى الطريق ولكنه لا يقوم بالعمل نيابة عنك، ومصر لم تدر الأزمة المائية بشكل صحيح وفى هذه الحالة فإن صداقة السودان لا تكفى لحل المعضلة.
ولكن قبل أن ننتقل إلى دول الحوض، نتوقف عند دور السودان المباشر فى مشكلة مصر المائية، رغم أنها دولة مصب (مثل مصر) وليست دولة منبع، ولكنها الدولة التى يمر بها نهر النيل قبل أن يصل إلى مصر:
(1) ذكرنا مسألة الاستفادة بمياه السودان للزراعة فى السودان لصالح البلدين وهذا يضيف عمليا لحصة مصر المائية، وقدراتها الزراعية.
(2) حصة السودان من مياه النيل وفقا لاتفاقية عام 1959 هى 18.5 مليار متر مكعب مقابل 55.5 مليار متر مكعب لمصر. وكان السودان حتى الأمس القريب لا يستخدم نصف هذه الحصة لقلة السكان وقلة الزراعة، وهذا يعنى أن نصف هذه الحصة أى حوالى 9 مليارات متر مكعب كانت تتدفق إلى مصر للتخزين فى بحيرة ناصر، أو للاستفادة بها. وقد حذرت من ذلك أثناء الكتابة ضد مشروع توشكى، لأن هذا المشروع قائم على استخدام المياه من خزان بحيرة ناصر وقلت أن هذه الاحتياطيات ستهبط فى المستقبل القريب عندما يستوعب السودان استخدام حصته، وهذه حقه الذى لا يمارى فيه أحد. واعتقد أن السودان يتجه سريعا لهذا الوضع. وهذه مسألة غير خاضعة للنقاش، بل المشكلة أن حصتى مصر والسودان مهددتان بالتناقص. ولكن هذا جزء من مشكلة مصر المائية: أن خزان ناصر سيفقد 9 مليارات متر مكعب سنويا من الآن فصاعدا!
(3) أن منطقة جنوب السودان كان لا يزال فيها مشروع نظرى، لتوفير عدة مليارات من الأمتار المكعبة التى تضيع بالبخر فى مستنقعات جونجلى، وهذا المشروع المعروف باسم (قناة جونجلى) والذى توقف بصورة متعمدة من قبل حركة التمرد الجنوبية. وإذا انفصل جنوب السودان عام 2011 فإن هذا المشروع سيصبح فى مهب الريح، وكان سيوفر عددا من المليارات من الأمتار المكعبة من المياه تقسم مناصفة بين مصر والسودان.
وقد أدارت الدولة المصرية ملف التمرد الجنوبى على نحو بالغ السوء وتصورت أن الحل الأمثل هو فى إقامة علاقة موازية مع قيادات التمرد وتعميق علاقات الصداقة معه، ولسنا ضد إقامة علاقات طبيعية مع الجنوبيين، ولكن يظل الأساس هو دعم الشمال ونظام الإنقاذ. ولكن الدولة المصرية لم تقدم العون اللازم للخرطوم لحسم الصراع بشكل واضح. أى لم تلق يثقلها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا.. الخ فى دعم النظام السودانى، وأخذت تتفرج على مفاوضات نيفاشا التى ولدت منها اتفاقية بائسة، واكتفت بالإعلانات المتكررة عن وحدة السودان، وكأن إصدار التصريحات فى القاهرة هو الذى سيضمن ذلك. أما الشطارة مع حركة التمرد الجنوبى فهى شطارة بائسة لأن قرار هذه الحركة ليس فى أيديها ولكن فى يد الولايات المتحدة وإسرائيل!! وعندما ينفصل جنوب السودان وهو احتمال مرجح فستصبح لدينا دولة عصابات بالغة السوء وأسوأ من كل دول المنبع. وهذه القيادات غارقة فى الفساد إلى حد أن عشرات المليارات التى حصلت عليها من موارد البترول لم تنعكس فى أى عملية تنمية أو تطوير للجنوب فى السنوات الأخيرة.
وكان يمكن للحكومة المصرية التى تستضيف قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان (التمرد الجنوبى السابق) بشكل دائم فى القاهرة أن تطلب منهم - بعد توقيع اتفاقية نيفاشا - وبعد قيام حكومة جنوبية الشروع فى تنفيذ قناة جونجلى.
وبالتالى نحن أمام ضياع هذا المصدر الإضافى للمياه والذى كان سيزيد لأول مرة حصة مصر من 55.5 مليار متر مكعب إلى 60 مليار أو أكثر وقد صرح سيلفا كير الرئيس المرتقب لدولة جنوب السودان أنه أبلغ مصر رفض استئناف العمل فى مشروع قناة جونجلى!! وذلك فى حديث لصحيفة الدستور المصرية.
دول حوض النيل:
هى أثيوبيا - أوغندا - كينيا - تنزانيا - الكونغو - اريتريا -رواندا - بوروندى, هذه دول المنبع. وأثيوبيا هى الأساس لأن 85% من نهر النيل يأتى من عندها. مشكلة مصر أن حصتها ثابتة ولا تزيد (55.5 مليار متر مكعب) وكان هذا من أسباب الاهتمام بمشروع قناة جونجلى، وفى حين يتزايد السكان فحصة الماء ثابتة وهذا ما ادخل مصر بالفعل فى منطقة الفقر المائى منذ عدة سنوات. وهذه مشكلة كبرى فى حد ذاتها، ولكن الجديد أن هذه الحصة معرضة للتناقص التدريجى والمطرد فى السنوات المقبلة، لأن دول المنابع تريد استخدام مياه النيل بمعدلات أكبر. وتقول دول المنبع أن اتفاقيات المياه تم توقيعها فى عهد الاحتلال البريطانى وكانت بين الدول الاستعمارية بعضها البعض. أما اتفاقية 1959 فقد كانت بين مصر والسودان فحسب. وكثرة كلام مسئولينا عن القانون الدولى يبلوه ويشربون ماءه!، فالذين يتحدثون كثيرا عن القانون الدولى والاتفاقات الدولية هم الضعفاء، كما يحدث فى حديث حكامنا عن القضية الفلسطينية!! إن العلاقات الدولية - بما فى ذلك المياه والأنهار الدولية - تخضع أساسا لعلاقات القوى، والضعيف يُضرب على قفاه، والقوى يؤول القانون الدولى على هواه.
ودول المنبع كلها أو معظمها تقيم علاقات قوية مع إسرائيل والولايات المتحدة وهذه الأزمة خلقها بالأساس الحلف الصهيونى - الأمريكى.
ويقول المسئولون المصريون أنهم يتفهمون احتياجات دول المنبع ولكن أى مشروع مائى يجب أن يتم بالتنسيق مع مصر وبإشراف البنك الدولى، وكأن البنك الدولى جهة محايدة! وليس أداة للهيمنة الأمريكية وهذه مسألة أصبح يعرفها أى تلميذ فى سنة أولى اقتصاد! والبنك الدولى مع الصندوق هما اللذان خربا مصر من الداخل (بسياسة الخصخصة وغيرها) فلماذا سيحميان الأمن القومى المصرى من الخارج؟! كما أن دول المنبع بدأت إقامة مشروعات مائية بعيدا عن البنك الدولى.
هذا النظام المصرى يستخدمه الحلف الصهيونى - الأمريكى لخنق غزة، ولكن هذا الحلف الشرير يستهدف أساسا خنق مصر وإضعافها لحساب إسرائيل ولا يراعى صداقة مبارك وخدماته، فلديهم إستراتيجية وينفذونها بدم بارد. يريدون حصة مياه لإسرائيل التى تعانى من فقر مائى أكثر من مصر، ويريدون مصر ضعيفة بلا زراعة ولا رى لا لتستمر مصر متصدرة دول العالم فى استيراد القمح والذرة فحسب، ولكن أيضا لأن مصر الضعيفة هدف مطلوب فى حد ذاته.
ولو كان لدينا حكام "رجالة" - حتى بمعايير المصلحة المصرية الضيقة - لردوا على قرار وزراء دول المنبع فى شرم الشيخ بفتح الحدود مع غزة! وهذه أول مرة نسمع عن مؤتمر دولى يأخذ قرارا ضد الدولة المضيفة وفى موضوع مصيرى. قرار شرم الشيخ المائى كان صفعة لحاكم شرم الشيخ، ولكن النظام كان مشغولا بموضوع أهم، وهو البرهنة على تعافى الحاكم وحضوره احتفال عيد سيناء.
وهذه هى طبيعة الصراع العالمى والإقليمى، فإذا ضربت فى أقصى الجنوب على بعد آلاف الأميال، ترد فى الشمال.. فى غزة.
ولكن حكامنا لسان حالهم يقول: إحنا بتوع الأمريكان وإسرائيل وهم لن يخذلونا أبدا، ولن ينسوا ما قدمناه ونقدمه من خدمات لهم، حتى أن سفيرة أمريكا فى القاهرة قالت تصريحا عجيبا، قالت: إنه عندما تطلب واشنطن من القاهرة طلبا، فإن القاهرة تستجيب بأكثر من مما طلبته واشنطن!
وهذه هى سياسة نظام مبارك الإقليمية والدولية.
ونذكر من لم ينتبه إلى أن قرار شرم الشيخ كان إلغاء الاعتراف بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل وفقا لاتفاقية 1929، بما يعنى تناقص متوالى لحصة مصر المعتادة.
ولكن ما هو حجم الخطر المحدق بمصر؟ ومدى قربه من الناحية الزمنية؟
لا يمكن القطع بالزمن الذى سيمر حتى تشعر مصر بنقص حصتها ولكن يقدر الخبراء أن الأمر لن يستغرق أكثر من 6 سنوات وسيتحول الأمر إلى نوع من الموت الزاحف البطىء يزداد عاما بعد عام، أى إن هذا سيكون الانجاز الأكبر فى فترة الرئاسة السادسة لمبارك (2011-2017). وأشرنا من قبل أن مصر تشعر بنقص المياه من الآن بسبب الزيادة السكانية والثبات فى حصة المياه، ولذلك فكان هناك سعى لزيادة الحصة (عن طريق جونجلى)، ولذلك فإن بداية النقص فى حصة مصر سيقفز بنا فورا إلى مجاعة مائية خلال سنوات محددة. ولا أتصور أن يسعى الحلف الصهيونى - الأمريكى إلى تجفيف نهر النيل تماما لأن ذلك سيحول المصريين جميعا إلى كتلة من الثوار المجاهدين (يا روح ما بعدك روح) ولكنهم سيتعاملون معنا كما نتعامل نحن - بأوامرهم - مع غزة، وأيضا كما تفعل إسرائيل مع غزة. أى الحصار وإعطاء الحد الأدنى من الإمدادات المائية حتى نبقى بالكاد على قيد الحياة، ويفرضون علينا مزيدا من الشروط السياسية، (فهم لا يشبعون من تنازلات مصر) ويضمنون استمرار ضعفنا، واستمرار ضعفنا يعنى الحيلولة دون توحيد الأمة العربية.
فى حوارى مع أحد المسئولين بوزارة الخارجية المصرية (منذ 15 عاما) كان يركز على انتقادات شاملة لنظام الإنقاذ فى السودان، وكنت أرد عليه بما ذكرته فى هذا المقال، ولكن الجزء الأهم من الحوار كان حول منابع النيل ويكشف أحد أسباب اطمئنان أو غيبوبة السياسة المصرية فى هذا الملف. وقال لى المسئول: إننا مطمئنون ولا نخشى من حكاية بناء السدود فى أثيوبيا، لأن طبيعة الهضبة الأثيوبية لا تسمح بذلك لأن مياه الأمطار تنحدر عليها بسرعة فائقة بحيث تكتسح أمامها أى سد يمكن بناؤه. وقد نام المسئولون على أساس هذه الحقيقة، وتجاهلوا أن العلم يتقدم وأنه يمكن بناء مجموعة من السدود الصغيرة فى أماكن معينة (كان للبنك الدولى مشروع قديم لبناء 30 سدا صغيرا فى أثيوبيا)، والآن يوجد فى أثيوبيا 4 سدود!! كذلك فإن بناء السدود ليس هو الخطر الوحيد على حصة مصر فهناك التوسع الزراعى فى أثيوبيا وبلاد المنبع حيث يمكن استغلال المزيد من مياه النهر فيها. وهذا ما يحدث الآن حيث بلغت المشروعات الزراعية فى المنبع قرابة العشرين مليون فدان!! وهى ما تزال فى بدايتها لذلك لن نشعر بآثارها إلا بعد عدة سنوات. وبينما كان حكامنا نائمون فى العسل فإن دول العالم تسرح وتمرح فى بلدان المنبع خاصة فى أثيوبيا وهى أهم بلد لنا فى مصادر المياه (85 أو 86% من نهر النيل) وفى أثيوبيا وحدها نجد الشركات الهندية استأجرت 415 ألف هكتار (الهكتار أكبر من الفدان) للزراعة فى أثيوبيا، والاستئجار تصل مدته إلى 84 سنة.
- شركة ألمانية استأجرت 13 ألف هكتار للزراعة.
- شركة باكستانية تزرع قصب السكر فى 700 ألف هكتار وبدأت بنحو 28 ألف هكتار كمرحلة أولى وبتمويل من بنك أثيوبى.
- تستهدف شركات سعودية زراعة 5 ملايين هكتار.
- شركة برازيلية زراعية تمتلك الآن 17 ألف هكتار.
- شركة كورية جنوبية تستأجر 690 ألف هكتار.
- تستأجر الأردن 25 ألف هكتار.
- تتفاوض الإمارات لاستئجار 378 ألف هكتار.
أما بالنسبة للسودان والذى لاشك سيظل ملتزما بحصته المائية مع مصر إلا أنه كما ذكرنا لن يعود يقدم لنا فائضا من المياه غير المستخدمة حيث تقام المشروعات الزراعية العملاقة التى تلكأت مصر فى الدخول فيها أو رفضتها كما أسلفنا فهناك مشروعات زراعية سعودية فى السودان بـ 400 مليون دولار لشركة واحدة وشركة أخرى حصلت على 25 ألف هكتار، وشركة ثالثة على 10 آلاف هكتار، وشركة رابعة زرعت بالفعل 42 ألف هكتار، وأنتجت عام 2008 150 ألف طن قمح. وهناك مشروع أمريكى لزراعة 800 ألف هكتار ومشروع للإمارات على 28 ألف هكتار، ومشروع بريطانى على 18 ألف هكتار فى جنوب السودان ومشروع كويتى عملاق، ومشروع قطرى، ومشروع دنماركى فى جنوب السودان.
وهذا ملخص تقرير موثق نشرته صحيفة الفجر, وهو وحده كاف لإقالة النظام بأسره ولا نقول الحكومة. فالعلاقات الدولية والأمور العليا للأمن القومى مسئولية مؤسسة الرئاسة فى المحل الأول.
ما الحل إذن؟!
فى هذا الموضوع كما فى كل القضايا الكبرى فلا حل إلا بإقالة النظام، وهل يوجد أهم من الماء أساس الحياة؟! وقد طرحنا الحل منذ 15 عاما ونحن لا نخاطب هذا النظام الفاشل ولكننا نخاطب الأمة ونضع برنامجا لنظام وطنى قادم بإذن الله.
الحل هو ما قامت به كل بلدان الأرض (عدا مصر)، الحل قامت به الدول المشار إليها آنفا وكذلك الصين وإيران وتركيا الموجودة بقوة فى معظم دول القارة السمراء فى حوض النيل، رغم أن علاقة هذه الأطراف جميعا مع دول حوض النيل ليست مصيرية كعلاقة مصر، فالمسألة بالنسبة لمصر حياة أو موت ومع ذلك سبقتنا الأردن وباكستان وبلاد تركب الأفيال!!
المعالجة الصحيحة ولا نقول الحل لأنه لا توجد حلول سحرية شافية، فالمسألة مسألة نضال وكفاح وإصرار وجدية بعيدا عن الهزل والتهريج عن "عظمة مصر" و"أن مصر لا تسمح".. الخ المعالجة الصحيحة تبدأ باستعادة الرؤية الإستراتيجية لمصر تجاه أفريقيا، ودول حوض النيل تمثل 20% من القارة! ولابد أن تكون فى قلب هذه الإستراتيجية بحكم الجوار عموما، وبحكم نهر النيل خصوصا وأولا.
الاهتمام بالنيل فطرة: كان حكام مصر منذ فجر التاريخ مشغولين بنهر النيل الذى ارتبطت حياة مصر به حتى عبده المصريون القدماء ضمن ما عبدوا من دون الله، وأعنى بالذات الحكام الراشدين فقد كانوا يرسلون البعثات تلو البعثات لاستكشاف أعماق النهر ومحاولة الوصول إلى منابعه واصله وكذلك البعثات البحرية التى وصلت حتى بلاد بونت (الصومال)، ووصل محمد على إلى جنوب السودان وحاول أبناؤه الوصول للحبشة ووصل الجيش المصرى فى عهد الخديوى إسماعيل إلى أوغندا عند خط الاستواء فى فتح شبه سلمى، ولا تزال المدافع المصرية موجودة فى أوغندا كآثار تاريخية.
أما حكام اليوم فهم مشغولون بالسفر إلى أمريكا وفرنسا وألمانيا وتوطيد العلاقات مع الغرب وإسرائيل.
مصر أفريقية: لمصر هوية أفريقية، بمعنى أن الأفريقية أحد عناصر ومكونات الشخصية المصرية، بل أن فترات ازدهار الحضارة المصرية القديمة ارتبطت بعاصمتها طيبة فى أقصى الجنوب. وقد أوضحت دراسات علمية أن مينا موحد القطرين والذى نعتبره مؤسس أول دولة مصرية أفريقى زنجى سودانى الأصل وتماثيله تكشف هذه الملامح. وفى مراحل تالية حكم مصر حكام أفارقة من أصل سودانى (أو ما يسمى السودان الآن وكان يطلق عليها اسم بلاد النوبة) كذلك فإن علاقات مصر بأفريقيا تتجاوز محور نهر النيل وتصل إلى أقصى غرب القارة مما فصلته فى دراسات سابقة.
والعلاقات مع محور نهر النيل لم تكن سياسية واقتصادية وعسكرية فحسب بل كانت ذات طابع ثقافى ودينى، ولا شك أن دخول الإسلام إلى بلدان منابع النيل كان من أهم الروابط مع مصر، وهو أمر لا يخطر على بال حكامنا الآن فهم لا يحبون سيرة الإسلام من أصله. وقد لا يعرف كثيرون أن مسلمى أثيوبيا كان لهم رواق فى الجامع الأزهر استمر لمدة ثلاثة قرون باسم رواق الجبرتية نسبة إلى أحد جدود الجبرتى وهو أهم مؤرخ مصرى فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر والجبرتى نسبة إلى جبرت وهى احد بلاد الحبشة. والمعروف أن أفريقيا هى القارة الإسلامية الوحيدة فى العالم، لأنها القارة الوحيدة التى أغلبية سكانها من المسلمين (60%) وكل بلاد حوض النيل بها كم لا بأس به من المسلمين يتراوح بين 20-60% وعلى رأسهم أهل بلاد المنبع: أثيوبيا 60% أوغندا (تتراوح التقديرات بين 40-60%) وكذلك تنزانيا وكينيا.
والأمر لا يتوقف على الاسم، فشخصية الأفريقى بشكل عام أقرب إلى الفطرة وخصائصها أقرب إلى النموذج الشرقى منها إلى النموذج الغربى، وإقامة علاقات طيبة مع الشعوب الأفريقية أمر ميسور ومفتوح إذا قام على أساس الاحترام المتبادل والندية، مع أن نخبتهم أصابها التشوه التغريبى، ولكن هذا مرض عام عندنا أيضا!! وإذا درست الأديان المحلية الأفريقية فستكتشف فيها الأصل الصحيح الذى تم تحريفه إلى الوثنية (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ).
ونحن من كثرة تركيز الإعلام على أوروبا وأمريكا سادت فكرة الالتحاق بالغرب والتعالى على البيئة الأفريقية كالفقير المريض نفسيا الذى يريد أن يتبرأ من أصله وأهله وعشيرته، رغم أن الخير كله معهم.
التوجه نحو شعوب دول الحوض:
من الواجب أن تعطى سياسة الدولة المصرية أولوية قصوى للعلاقات الرسمية والشعبية مع بلدان دول الحوض: حكاما وشعوب. وقد تأخرت فى ذلك 40 عاما أى منذ 1970 على اعتبار أن نظام عبد الناصر قام بالحد الأدنى - ونقول الحد الأدنى فحسب - من هذه العلاقات.
والعلاقات الرسمية وحدها لا تكفى لأن تأخرنا طوال هذه العقود جعل معظم هذه الدول واقعة فى الشباك الإسرائيلية والأمريكية، وهذا ما يجعل تطوير العلاقات الرسمية ليس ممهدا ومفروشا بالورود، ولكنه ليس مستحيلا، فها هى إيران تنتشر فى العديد من الدول الأفريقية، بما فى ذلك دول حوض النيل رغم عدم احتياجها لنهر النيل!! وتقيم المراكز الثقافية والمصانع والمستشفيات ومعامل تكرير البترول (فى الأيام الأخيرة زار الرئيس الإيرانى زيمبابوى وأوغندا وبحث مع الأخيرة التعاون البترولى بمناسبة الاكتشافات البترولية فيها).
فالبلاد الإفريقية بأحوالها الراهنة عطشى لأى نوع من التعاون الدولى ولأى نوع من الاستثمار فهى المكان الأقل نموا حاليا فى العالم بأسره.
وقد فتحت معظم الدول الأفريقية أبوابها لليبيا حتى فى زمن عداء ليبيا لأمريكا والغرب، ومصر انسحبت وتركت الريادة لليبيا بغض النظر عن مدى جدية الدور الليبى، ولكنه على الأقل أنشط من الدور المصرى. وأصبح الاتحاد الأفريقى مرتبطا بليبيا أكثر من أى بلد آخر! وقد ساهمت ليبيا فى بناء العديد من المدارس والمساجد والمؤسسات الاجتماعية، ولديها معهد أفريقى أشبه بالجامعة الأفريقية فى الخرطوم.
وفى فترة سابقة قامت دول الخليج بنشاط مماثل للدور الليبى فى بناء المدارس والمساجد الإسلامية وغيرها من الهيئات الاجتماعية. (فى جامعة القاهرة معهد للدراسات الأفريقية ولكنه للمصريين) والعجيب أن معظم دول المنبع أعضاء فى تجمع الكوميسا الذى دخلته مصر، ولكن دخول مصر كان بلا عائد وظل الميزان التجارى لمصر مع هذه الدول بالعجز. والمفترض أن يكون التعاون مع دول الحوض فى كل شىء وليس حول نهر النيل فحسب، فهذه ستكون أنانية مرفوضة ذات مردود عكسى. كما أن هذا التعاون حسن النية فعلا ولا يهدف للإساءة لهذه الدول أو السيطرة عليها، بل هى المجال الحيوى الطبيعى لعلاقات مصر الخارجية حتى وإن لم يجمع بيننا نهر النيل.
ولكن حكامنا بعد نوم استمر 40 سنة، استيقظوا فجأة منذ شهور، وأخذوا يرددون هذا الكلام الذى قلناه منذ 15 عاما، ثم كان التنفيذ ركيكا وباليا وتم الإعلان أن نظيف سيزور دول الحوض ويطويها لمصلحة مصر!! وبالفعل زار أثيوبيا ومعه عشرات المستثمرين، وهذا أسلوب فج ومفاجىء يمكن أن يؤدى إلى رد فعل عكسى وهذا ما حدث.
فالأمور الإستراتيجية لا تتم معالجتها بهذه المظاهرات الساذجة، التى يبدو فيها الطابع الأنانى مفضوحا، وكأن أثيوبيا كانت تائهة منذ 40 عاما والآن ذهب نظيف ليحل كل مشاكلها! وهذا فيه استفزاز للكرامة الوطنية الأثيوبية. خاصة فى ظل تصريحات تقول: لن نسمح لدول المنبع بكذا، ونهر النيل خط أحمر.. الخ فهذه الأمور يجب أن تتم بهدوء وتدرج وتخطيط وتحسس مواقع الأقدام وبعد مباحثات ضيقة بين الحكومتين، وليس بإرسال طائرة مملوءة بالمستثمرين!! ليس لدى معلومات خاصة ولكننى متأكد أن هذه الزيارة فشلت، وقد تأكد ذلك فى شرم الشيخ فى مؤتمر المياه حين صفعتنا أثيوبيا وأخواتها على أرضنا وبين جمهورنا!! إذا كنت قد تأخرت 40 سنة فلا يمكن تعويض ذلك خلال عام واحد، ولابد من الصبر والعمل الجاد الهادىء بدون أى صخب ومن ذلك:
- زيارات رسمية للرؤساء بين مصر ودول المنبع كل على حدة، ووضع أسس لتطوير العلاقات الثنائية. فيما عدا زيارة واحدة للسودان، فإن مبارك لم يزر أى دولة من دول الحوض على مدار 29 عاما، وزيارته لأثيوبيا عام 1995 كانت لحضور قمة أفريقية. ولكنه زار سويسرا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مئات المرات!!
وليس المقصود بالزيارات الرسمية الانشغال بالبروتوكول ولكن هذا هو المدخل المتعارف عليه لتطوير العلاقات بين بلدين، بنية تكوين لجنة تعاون مشتركة على مستوى الوزراء.
- رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى فى بلدان الحوض بكفاءات عالية، وزيادة عدد العاملين فى السفارات المصرية لأكبر عدد ممكن، مع توزيع العمل عليهم وليس على أساس المظاهرات والمظهريات.
- تنظيم خطوط طيران مباشرة بين القاهرة وعواصم هذه البلدان.
- إرسال بعثات من الأزهر ودعاة، وزيادة عدد الطلاب الدارسين من هذه الدول فى مصر سواء فى التعليم العام أو العالى أو الأزهرى (عندما كنت فى المدرسة السعيدية فى الستينيات كان معنا فى الفصل طالب اوغندى!) سواء بالمنح أو على حساب الدارس وفتح فروع للأزهر فى هذه البلدان.
- لا أريد التوسع فى التفاصيل لأنى أعرف أن حكومتنا لن تنهض بالمهمة ولكننى أشير إلى تعاون فى مجال التعليم - المقاولات - الزراعة - إلى آخر المجالات كلها.
دور المجتمع الأهلى:
وفى هذا المجال فإن دور المجتمع الأهلى لا يقل أهمية عن الدور الرسمى بل قد يفوقه، ولابد أن يكون واضحا أننا لا نتسلل لهذه البلدان بشكل مخابراتى بل نقيم معها علاقات تعاون مخلصة لتحقيق مصالح متبادلة فى المياه وغير المياه، وأن هذه مصلحة مصر الحقيقية حتى بدون نهر النيل لأنها دول الجوار ولأن نصفهم على الأقل مسلمين ولأن هذا هو السوق الطبيعى للاقتصاد المصرى (إذا كان لدينا ما نصدره!).
وإذا كان السودان يرحب بالاستيطان المصرى، فالأمر لن يكون كذلك فى باقى بلدان الحوض، لذلك لابد من التدرج ونسج العلاقات الشعبية بصورة تدريجية، والتى هى مطلوبة فى حد ذاتها، بعثات علمية، ودارسون للماجستير والدكتوراه، ومراكز بحوث، ومستثمرون يذهبون بشكل فردى وليس فى صورة مظاهرات. وتنمية العلاقات مع المسلمين، عن طريق الحركات الإسلامية فى مصر (بدلا من اضطهادها ورميها فى سجون مصر!!) وغيرها من الهيئات الإسلامية الخاصة. والمعروف أن المسلمين فى هذه البلدان مهمشين ومبعدين عن مواقع السلطة، وهم أيضا يعانون من أوضاع تعليمية أسوأ بحيث لا يمكنهم تولى المناصب العليا. وبالتالى فإن التعامل الرسمى معهم سيثير حفيظة الأنظمة هناك، ولذلك فهذا دور الهيئات الإسلامية الخاصة، وتطوير أوضاع المسلمين فى هذه البلدان يكون لصالحنا من الناحية الإستراتيجية، وبتحولهم لجماعة ضغط لصالح مزيد من تطوير العلاقات مع مصر، وحماية المصالح المصرية هناك، وليس بهدف إحداث قلاقل أو ثورات. ولكن مهمتنا التوصل إلى حالة تكون فيها هناك أرضية واقعية للمصالح المشتركة بين مصر وبلدان الحوض، وبالتالى نصبح جزءا لا يتجزأ من المعادلة الداخلية. (والمثير للسخرية أنه لا تخلو الآن بلد أفريقى من منظمات أهلية تركية!!) وللكنيسة المصرية دور بالتأكيد مع الكنيسة الأثيوبية، ولكن بعض الكتاب يكتبون فى الصحافة بدون معلومات، ولا يعرفون أن العلاقة النظامية الكنسية لم تعد موجودة، وأن الكنيسة الأثيوبية استقلت ولم تعد تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية حيث كان أسقف أثيوبيا يتم ترسيمه فى الكنيسة المصرية. ومع ذلك فيمكن للكنيسة المصرية أن تلعب دورا ولابد من محاولة إقناعها بذلك باعتبار أن المسيحيين المصريين معنيون بطبيعة الحال بأزمة المياه، بدلا من الانشغال بالمسائل الطائفية الضيقة على حساب الاهتمام بالأمور القومية العليا التى تهدد المصريين جميعا. ولا أريد التفصيل كثيرا ولكن أشير إلى العناوين العامة لأنى على يقين أن النظام المصرى الحالى لا يقوى على العمل الاستراتيجى الذى يعنى الجدية والتضحية والمثابرة والمغامرة وهى معانى غريبة عن حكومة رجال أعمال، هم فى الحقيقة وكلاء لشركات أجنبية، وحكم غير مشغول إلا برعاية صحة الحاكم حتى يستطيع أن يتولى الحكم حتى عام 2017 وخلال هذه السنوات ربما لن تظهر قضية شح المياه بشدة، ولكنها ستكون واضحة عندما يرشح نفسه عام 2017 ليحكمنا حتى 2023. وفى كل الأحوال فإن برنامج النظام الحقيقى فى هذا المجال هو البكاء عند أعتاب البيت الأبيض، وقالوا وسيظلوا يقولون: هل بعد كل هذه الخدمات التى قدمناها تحرجونا بحكاية مياه النيل. وكما ذكرت فإن البيت الأبيض (أسود القلب) لا يعرف العواطف، وهو لن يطلب من دول منابع النيل تجفيف النهر نهائيا حتى لا يخرج الشعب المصرى ويدمر كل شىء، ومصر فى النهاية مستعمرة أمريكية، ولكن سيقوم بالتحكم فى "محبس" المياه لمصر كما تتحكم إسرائيل فى "محبس" الكهرباء لغزة، بحيث يتم تأديب مصر عند اللزوم بتقليل المياه وليس منعها تماما، وبحيث تتواصل مصر فى ضعفها وذبولها كمجرد ممر للقوات والمصالح الأمريكية، ومن ذلك أن توافق على إمداد إسرائيل (لا غزة) بالمياه! وأن تتراجع كدولة زراعية وتعيش على الاستيراد الغذائى من الولايات المتحدة وغيرها.
رؤية إستراتيجية بعيدة المدى:
ما ذكرناه أنفا يدخل تحت بند خطة الحد الأدنى، أما خطة الحد الأقصى فلا يمكن أن يقوم بها إلا نظام إسلامى فى مصر. والدائرة الإسلامية عموما محور أساسى فى أى نهضة مصرية داخلية، ولابد أن نجلى بعض جوانب شعارنا الأصلى (الإسلام هو الحل) فى مجال السياسة الخارجية بما فى ذلك الدائرة الأفريقية.
يشير بعض الكتاب إلى سياسة عبد الناصر تجاه أفريقيا ويطالبون بالعودة إليها، ولا شك أن تلك السياسة كانت رشيدة بالمقارنة مع سياسة الفشل الراهن وقد قامت على أساس التحالف والتعاون مع حركات التحرر الوطنى من الاستعمار التقليدى.
ولابد من الانتباه إلى أن هذه القضية لم تعد مطروحة فى أفريقيا حاليا، وإنما المطروح الآن هو النهضة الاقتصادية المستقلة والفكاك من ويلات الفقر والتخلف، وأمام الأفارقة نموذجان لا ثالث لهما: النموذج الغربى - النموذج الإسلامى. وقد سقط الخيار الشيوعى الذى زحف على القارة حينا من الدهر بتحالف بعض الأنظمة المستقلة وحركات التحرير مع الاتحاد السوفيتى. والشيوعية الآن أصبحت خيارا من الماضى ليس لأفريقيا فحسب بل للعالم بأسره. والإسلام هو الأقرب لنفسية الشعوب الأفريقية الفطرية، وقد ذكر لى كثير من الدعاة العرب فى أفريقيا، أن إقبال الأفارقة على الإسلام يتم بمعدلات سريعة، وأنهم تربة خصبة متشوقة للإسلام. ولا شك أنها عانوا مرارات لاستعمار الأوروبى وتجربة الاستعباد الأمريكية.
ولا شك أن القضية الكبرى التى تربط مصر بأفريقيا، هى النمط الحضارى الإسلامى وأيضا النمط الاستقلالى الذى يحض عليه الإسلام، والاستقلال عن الهيمنة الغربية هدف يمكن أن يجمع الأفارقة من غير المسلمين أيضا. وقضية الاستقلال أصبحت ليست فى مواجهة استعمار عسكرى تقليدى، ولكن من خلال التبعية الجديدة التى تأخذ شكل الهيمنة الاقتصادية والسياسية واختراق الأجانب للطبقة الحاكمة ونشر أسوأ ما فى ثقافة الغرب دون قيمه الايجابية! والإسلام هو الاستجابة الحضارية لخطر التبعية للغرب وهو خطر قائم بالفعل فى أفريقيا وليس قادما. ولقد كان لدى الشعوب الآسيوية من الثقافة القومية الخاصة (الصين - اليابان - الهند) نموذجا لخوض تجربة تنموية استقلالية، ولكن الثقافة الأفريقية المحلية لم تشكل أساسا كافيا للقيام بنهضة تنموية ذات شخصية مستقلة. فهناك فراغ روحى وثقافى فى القارة الأفريقية لا يملأه إلا الإسلام.
إن حرب الغرب على السودان بهدف إضعافه وتمزيقه، سببها الرئيسى أن السودان بدأ يمثل نموذجا لمشروع نهضة حضارى إسلامى، ما كان يمكن أن يترك لتمتد إشعاعاته للقارة المتعطشة له، خاصة مع الفشل الذريع فى محاكاة النموذج الغربى. وإذا صمد النظام السودانى الإسلامى والتحقت به مصر بكل إمكانياتها وإبداعاتها فى إقامة نظام إسلامى متطور يجارى مشكلات وتحديات العصر، فإن ذلك سيفتح الباب لانقلاب عميق فى القارة السمراء نحو الإسلام كمشروع للنهوض الحضارى المستقل، وإنشاء تكامل واتحاد أو سوق أفريقى حقيقى، وهى الشعارات التى ترفعها ليبيا، ولكنها لا تملك الطاقة ولا القدرة على تحقيقها فى الواقع حتى وإن حسنت النوايا.
وأيضا يفسر التآمر والتكالب الغربى ضد الصومال، بأنه إذا ترك لحاله، لتوحد وقام فيه نظام من طراز إسلامى، ولأصبح السودان - الصومال نواة المحور الإسلامى الأفريقى خاصة مع قربها الجغرافى.
ولو كان لدينا حكم رشيد لأدرك أن الإسلام هو الرابطة الحقيقية التى يمكن أن تربط مصر بالقارة الإفريقية، حتى وإن كان هذا الحكم الرشيد غير إسلامى وغير متدين. فمثلا وجدنا تركيا - حتى قبل تولى حزب العدالة التنمية للحكم - تركيا العلمانية أدركت أن إحياء روابطها مع القومية الطورانية (التركية) فى أوسط آسيا لا تكون إلا بالإسلام, وخلال زيارتى لأذربيجان وجدت كتبا إسلامية توزع هناك بكثافة مطبوعة وقادمة من تركيا وتوجد فى صفحتها الداخلية الأولى صورة لأتاتورك!! فحتى النظام الواعى لمصالحه الإقليمية وإن كان غير متدينا إلا أنه يدرك ضرورة استخدام الدين كمكون ثقافى فى علاقته بالشعوب المحيطة به التى تجمعها به صلة عريقة أو لغوية. وبالمناسبة أذكر أن اللغة السواحلية المنتشرة فى شرق أفريقيا قريبة الصلة باللغة العربية، بل هى لغة عربية محرفة وبها نسبة كبيرة من الكلمات العربية.
ونحن لا نروج لأعمال تآمرية أو انقلابية أو مخابراتية (وإن كان العمل المخابراتى ضد إسرائيل لخدمة الوطن ليس عيبا) أو ما تسمية الأنظمة المرتعشة التدخل فى الشئون الداخلية، أو تصدير الثورة، وكل هذه الشعارات السطحية، بل نروج لعمل حضارى دعوى ثقافى مخلص للارتقاء بأوضاعنا وأوضاع جيراننا وأشقاءنا (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، ومن باب أولى إحياء الروابط الإسلامية التى أمرنا بها اللهك (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
بل تاريخيا انتشر الإسلام فى أعماق القارة الأفريقية دون مصاحبة عسكرى واحد. وكما نجدد إسلامنا بالفقه المعاصر وبالنهضة الفكرية الإسلامية، فإننا نريد أن ننقل هذا الفقه المعاصر أو ما يسميه البعض (الإسلام السياسى) إلى أعماق أفريقيا. فقد لاحظت من خلال لقاءاتى المتعددة مع المسلمين الأفارقة فى بلاد مثل نيجيريا أو السنغال أو مالى أن الإسلام هناك هو بعض العبادات والشعائر وتعلم اللغة العربية والقرآن ولكن لا توجد حركات أو أحزاب سياسية إسلامية مؤثرة.
ولا شك أن أفريقيا بحر لا نهاية له، ولذلك لابد أن نركز على دول الحوض، كما أن توحيد أفريقيا على أساس إسلامى أو استقلالى يأتى فى سياق مشروع عربى إسلامى شامل وليس مجرد مشروع لمصر، ولكن لمصر دور ريادى فيه بالتأكيد عندما تجدد إيمانها، وعندما تعيد اكتشاف نفسها، وعندما تدرك أن نهضتها مرتبطة ومشروطة بنهضة أمتها واستقلالها.
* * * * *
هوامش المقال:
الهوامش تكون أحيانا أهم من المتن وبها حقائق مهمة ولكن تركتها للهامش حتى لا نعرقل المقال بالمعلومات الكثيرة:
بلغت الاستدارة المصرية لأفريقيا، وضيق أفق نظام الحكم إلى حد التورط فى إطلاق الرصاص على الأفارقة المهاجرين أو النازحين أو المتسللين، حدث هذا فى ميدان مصطفى محمود بقلب القاهرة (نازحين من جنوب السودان)، ويحدث كل يوم على الحدود مع إسرائيل، بحيث تقتل قوات الأمن وتصيب العشرات كل عام، وكأنهم يصطادون الكلاب الضالة. وقد اقتربت من هذه المشكلة خلال زياراتى المتكررة للعريش وأيضا خلال وجودى فى قسم رفح وسجن العريش!!
ولا أدرى ما هى مصلحة مصر فى قتل الأفارقة الذين يحاولون التسلل لإسرائيل؟ وبداية فإن قتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق، مخالف لشريعة الله، فالتسلل لإسرائيل بحثا عن فرصة العمل ليس عقوبته الإعدام، مع كراهيتنا ورفضنا لإسرائيل ولكن العدل هو العدل. وعقوبة التسلل فى القرار الجمهورى المصرى تصل إلى الحبس 3 سنوات، وبالتالى فإن إعدام الأفارقة المتسللين الذين يستخدمون الأراضى المصرية كمجرد ممر مخالف للشريعة وللقانون المصرى. وهذه الممارسة تعكس حالة من الاحتقار والازدراء لجنس الأفارقة، لأن الأمن لا يفعل ذلك مع المتسللين الإسرائيليين للأراضى المصرية وهؤلاء يتعمدون الإساءة للأمن المصرى (على خلاف الأفارقة)، بل يتم تكريمهم وإعادتهم إلى الكيان الصهيونى، ولم نسمع عن حادثة واحدة لقتل إسرائيلى متسلل، أو حتى رد النار على من يطلق النار علينا من إسرائيل!! (فى الشهر الماضى وحده أعادت مصر ثلاثة من المتسللين لإسرائيل).
ولم أكن - فى البداية - متعاطفا مع هؤلاء الأفارقة، وتصورت أنها مجرد شبكة إسرائيلية لتجنيد عناصر من السودان (خاصة من الجنوب) وإعادتهم لخدمة مصالح إسرائيل. ولكن مع اقترابى من المشكلة اكتشفت أن هؤلاء ليسوا من جنوب وغرب السودان فحسب، بل من بلاد أفريقية عديدة تبدأ بدول حوض النيل كأريتريا وأثيوبيا وتصل إلى وسط غرب أفريقيا وأن كثيرا منهم مسلمون!! وأن أساس الظاهرة اقتصادى اجتماعى، فقد انتشر بين الأفارقة متوسطى الحال أن هناك فرص عمل مربحة فى إسرائيل ويسمعون عن أرقام الأجور والمرتبات الفلكية بالنسبة لهم فأصبحت هناك آلية اندفاع أفريقى لإسرائيل عبر مصر، فيذهب الزوج ثم يستدعى زوجته وأولاده، ويذهب شاب من قرية ما ثم يرسل لأقاربه وأصدقائه لكى يلحقوا به. ولا يعنى هذا أن إسرائيل لا تشجع هذه الظاهرة، ولا تستفيد منها اقتصاديا ومخابراتيا وسياسيا، ولكن العمل السياسى والمخابراتى الناجح هو الذى يوظف ويوجه موجة حقيقية فى الواقع. لذلك فإن إسرائيل لا تطلق النار على هؤلاء الأفارقة عندما يدخلون إليها، وهى تستفيد منهم فى سد احتياجاتها للعمالة غير الماهرة فى الأعمال التى لا يود اليهود العمل بها، وكبديل عن العمالة الفلسطينية وأيضا عن العمالة الأسيوية الأكثر كلفة. وبالتأكيد فإنها ستنتقى منهم من يصلح لأدوار سياسية ومخابراتية ثم تعيد تصديرهم إلى بلادهم للاستفادة منهم. وأخيرا صرح مسئول إسرائيلى باقتراح إنشاء مدينة فى النقب على حدود مصر لاستيعاب هؤلاء الأفارقة!! تصور كيف يفكر العدو فى الاستفادة من أشقائنا المسلمين الأفارقة! بينما نحن نطلق عليهم الرصاص!! طبعا نحن لا يزيد عمالة أفريقية فى مصر ولكن يجب أن نستفيد منهم بصورة مختلفة خاصة وان هذه الظاهرة تتسم بطابع عشوائى، ولا تنظمها الموساد من الألف إلى الياء. فمثلا شبكة التهريب (أى تهريب الأفارقة لإسرائيل) شبكة مصرية صميمة من بعض العناصر فى سيناء، حيث تستقبل الأفريقى من مطار القاهرة وتوصله إلى حدود إسرائيل مقابل عدة آلاف من الدولارات للشخص الواحد، وهو نوع من البيزنس للحصول على المال فى ظل حالة القحط فى سيناء وانعدام التنمية فى وسطها وشمالها.
وفى لقاءاتى مع هؤلاء الأفارقة وجدت نسبة كبيرة من المسلمين، وعندما سألتهم كيف يذهب مسلم للتكسب فى إسرائيل، قالوا لى - وبعضهم أثق فى صدقه - أنهم لا يعرفون شيئا عن خلفية إسرائيل وأنها كيان قام على أساس طرد الفلسطينيين، وأنهم لم يفكروا إلا أنها مجرد بلد به فرصة عمل والمرتبات مرتفعة فيها لا تقل عن ألف دولار فى الشهر.
وفى حوارى مع موسى وهو من بوركينا فاسو قال لى أنه نادم على محاولته السفر لإسرائيل وأنه أدرك حرمة ذلك ولن يعاود المحاولة مرة أخرى. كان موسى جارى فى أحد عنابر سجن العريش، وهو يحفظ كثيرا من القرآن رغم عدم معرفته للغة العربية بشكل صحيح، وقد كان هو مؤذن العنبر، وكان صوته عذبا جميلا، وأطلقت عليه اسم (بلال)، وهو شديد التدين وكان يشرف على إيقاظ أهل العنبر لصلاة الفجر، وكان يخاصم الذى لا يصلى. وكنت أقرأ القرآن مع موسى كل ليلة وأصحح قراءته وأشرح له المعانى باللغة الغنجليزية وهو يفهم الإنجليزية رغم أن لغته الأصلية فرنسية. واعتبر موسى أنه مسئول عنى وعن راحتى وكان مهتما بكل حوالى باعتبارى وافدا جديدا على العنبر.
وفى مواعيد صلاة العشاء والفجر كانت أصوات الأفارقة العذبة التى تتلوا القرآن تصلنا عبر النوافذ، وعلمت من موسى أنهم من بلاد أفريقية شتى! وقد لاحظت أن العلاقات بين الأفارقة حميمة ولا تعرف مسألة الحدود بين بلدانهم. وعندما سألت موسى: كيف تعلم الإنجليزية، قال: من سفرياته لغانا!!
وفى حوارى مع أهل العنبر، قلت لهم: لو أن لدينا حكما رشيدا لألقى القبض على هؤلاء المتسللين، ووضعهم فى معسكر أو مدرسة أو معهد، لمدة شهر أو 3 أو 6 شهور، وإعطاهم دروسا فى الإسلام واللغة العربية، وشرح لهم مسألة الصراع العربى الإسلامى - الصهيونى، واكتسب منهم أصدقاء لمصر، ثم أرحلهم معززين مكرمين إلى بلادهم. والحكومة فى كل الأحوال تنفق عليهم فى الأكل والشرب فى السجون، بل يمكن لمنظمات أهلية متخصصة أن تقوم بهذا الدور. وهكذا نحول النقمة إلى نعمة، ونقوم بواجبنا تجاه نشر الدعوة الإسلامية وتدعيم أواصر العلاقات المصرية الأفريقية.
بينما نحن نطلق الرصاص على الأفارقة بعنجهية أن هؤلاء خرقوا سيادة مصر!! وبينما انسحبنا من أفريقيا من 20 عاما على الأقل خاصة فى دول حوض النيل (وهذا ما يقوله مسئولون بالأمن القومى المصرى فى برامج تليفزيونية)، تقوم إسرائيل منذ الستين.
magdyhussien@hotmail.com