الوضع الدستورى لحرم السيد رئيس الجمهورية
..............................................................
| |
مجدى حسين | |
بقلم : مجدى أحمد حسين
...........................
تحت هذا العنوان كتب المغفور له محمد حلمى مراد مقالا فى جريدة الشعب منذ 20 عاما تقريبا ..حول أنشطة السيدة جيهان السادات التى أصبحت تتدخل فى الشؤن العامة دون ان يكون لها وضع دستورى .
و أشار الى نماذج من النشاط السياسى الذى يتعدى الأنشطة الاجتماعية .. و قال فيه [ ان الدستور المصرى القائم لا يتضمن نصا تتقلد بمقتضاه حرم رئيس الجمهورية منصبا رسميا فى الدولة تباشر بمقتضاه اختصاصات معينة و تتم مساءلتها اذا حادت عنها .. فلا سلطة أو صلاحيات بلا مسؤلية] . كان ذلك المقال فى 24/3/1981 .. وقال المراقبون ان هذا المقال .. كان من أهم أسباب دفع اسم الدكتور حلمى مراد فى قائمة المعتقلين 1981..
و الحقيقة ان ما قامت به السيدة جيهان فى ذلك الزمان لا يقارن بما تقوم به حاليا السيدة سوزان مبارك من اشتغال واسع النطاق فى العمل السياسى من موقع السلطة .. و ما يتصل بذلك من رئاسة اجتماعات تضم رئيس الوزراء و الوزراء .. و اعطاء توجيهات لهم .. و اقتراح التشريعات و الضغط من أجل تمريرها .. و تمثيل مصر في الامم المتحدة .. و الاشراف الفعلى على عدة وزارات أهمها : الثقافة و التعليم و الصحة .. و أيضا الاشراف على المحافظين .. و اقامة العديد من المشروعات .. و الاشراف المباشر عليها .. و توظيف امكانيات الوزارات فى ادارة هذه المشروعات ..
و فى الأسبوع الماضى طالعتنا الصحف بأنباء عقد اجتماع برئاسة السيدة سوزان مبارك بوصفها رئيس اللجنة الفنية الاستشارية للمجلس القومى للطفولة لاستعراض خطة تعليم الفتيات و التى سيبدأ تطبيقها فى 7 محافظات ، ترأس السيدة سوزان مبارك الاجتماع الذى يضم وزراء التربية و التعليم و المالية و التخطيط و محافظى المحافظات السبع لاعداد الخطة .. ( الجمهورية 15/2/2002)
و فى الاجتماع تم ادماج هذه الخطة فى الخطة الخمسية الجديدة للدولة 2002 - 2007 .
نحن فى حقيقة الأمر أمام شقين : الناحية الدستورية الشكلية - و الناحية الموضوعية ( أى مضمون اهتمامات و فكر السيدة سوزان مبارك) .
بالنسبة للشق الأول فقد حسم د. حلمى مراد منذ عشرين عاما هذه القضية .. حين قال لا سلطة ولا صلاحيات بلا مسئولية .. و حيث لا توجد أى جهة دستورية يمكن ان تساءل سيدة مصر الأولى .. عن عملها العام .. فانه لا يحق لها ان تمارس كل هذه الاختصاصات واسعة النطاق .
قد يقول قائل .. و هل القواعد الدستورية محترمة فى بلادنا ؟! ولم يبق الا الوضع الدستورى لحرم الرئيس ؟ و هل الوزراء أكثر كفاءة من السيدة سوزان مبارك ؟
نعم القواعد الدستورية و نصوص الدستور مهدرة فى بلادنا .. فى كثير من مواضع الدستور .. فالدستور ينص على عدم اغلاق الصحف بالطريق الادارى .. و صحيفة الشعب مغلقة بقرار ادارى .. و قد حكم القضاء بعودتها .. و الحكومة تنتهك الدستور مرة أخرى باهدار أحكام القضاء .
و الدستور ينص على تعيين نائب لرئيس الجمهورية .. و مصر بلا نائب منذ عشرين عاما .. و الدستور ينص على حماية الحريات السياسية و الشخصية و يجرم التعذيب .. و كل هذه الأمور غير محترمة فى بلادنا .. و الدستور ينص على تعدد الأحزاب و على حرية الانتخابات .. و الحكومة تقوض التعددية الحزبية و تزور الانتخابات .. الخ الخ .
كل هذا صحيح .. ولكننا نعارض الخروج على الدستور ما استطعنا الى ذلك سبيلا .. ازاء كل هذه الانتهاكات ..
و موضوع حرم الرئيس .. موضوع مهم بلا شك .. لأن ممارساتها أصبحت أشبه بممارسة نائب رئيس الجمهورية .. دون ان تتولى هذا المنصب رسميا .. فنائب رئيس الجمهورية هو الذى بامكانه ان يرأس رئيس الوزراء .. و يتخطاه الى الاتصال المباشر بالوزارات .. وان كان ذلك يجب ان يتم بصورة مقننة و منظمة .. حتى لا تحدث فوضى فى ادارة البلاد .. و حتى لا يحدث تعدد لمراكز اتخاذ القرار فى السلطة التنفيذية .. و مع ذلك فان السيدة / سوزان مبارك لا تتولى هذا المنصب .. و تقوم بمحتواه .. فى مجالات عديدة .. تشمل قطاعات ثقافية و اجتماعية و تعليمية و صحية .. الخ الخ .
أما بالنسبة لكفاءة الوزراء .. فهى ليست كبيرة بالتأكيد .. و لكن المسألة ليست فى الكفاءة بالمقارنة مع حرم رئيس الجمهورية .. و لكن فى امكانية محاسبتهم فى البرلمان .. فى الصحافة..
أما محاسبة حرم رئيس الجمهورية .. فهو أمر يبدو محرجا .. كما انها لا تتولى منصبا رسميا منصوص عليه فى الدستور حتى يمكن محاسبتها .. بل ان الدستور يتضمن نصوصا لمحاسبة رئيس الجمهورية .. و لا يتضمن نصوصا لمحاسبة حرمه ..
و رغم كل ذلك يبقى ان الموضوع الأكثر أهمية .. هو مضمون اهتمامات و نشاط السيدة سوزان مبارك .. فقد أنشأت مجلسا للمرأة .. و أصبح سلطة غير مفهومة .. أصبح سلطة فوق كل السلطات الأخرى .. و بلغ الأمر الى حد التدخل فى الاعلام .. بل و حتى فى المسلسلات التلفزيونية .. اذا تعارضت المسلسلات مع ما ينادى به مجلس المرأة .. حتى و ان كان متوافقا مع الشريعة الاسلامية .
و هذا يفتح مناقشة قضية المرأة .. التى أصبحت مطروحة على الأمة من وجهة نظر غربية و أصبحت و كأنها النقطة الأولى و الأهم فى جدول الأعمال الوطنى .
الاسلام كرم المرأة و حررها و أعطاها كامل حقوقها .. و الاسلام يركز على دور المرأة و تحريرها .. و أهمية مساهمتها فى بناء المجتمع المسلم .. على قدم المساواة مع الرجل .. و لكن الاسلام ركز على دور المرأة و الرجل .. و ركز على اعتبار الأسرة هى الوحدة الأولى للمجتمع .. و ليس الرجل وحده .. أو المرأة وحدها .. و المعركة المثارة فى التجارب الغربية بين المرأة و الرجل .. معركة تخص الغرب وتنتسب الى تحلل المجتمعات الغربية .. التى تتفكك عناصرها الى الفرد .. و الفردية الشديدة .. وهى مشكلات تخلف و ليست مشكلات تقدم .. و ليس هذا الجانب هو الأمر المفيد و الايجابى فى تجارب الغرب .. الذى يجب ان نركز عليه .. و على استيراده باعتباره أساسا للتقدم المفقود فى بلادنا .
و حديث السيدة سوزان مبارك لقناة أبو ظبى الفضائية و المنشور فى صحيفة الجمهورية بتاريخ 15/2/2002 نموذج على هذه المشكلة ..
تتحدث سيادتها عن " المشكلة الأساسية هى دور المرأة فى اتخاذ القرار حيث لايزال هذا الدور على مستوى العالم دون المستوى الذى تطمح اليه " ..
فالقول بان المرأة لم تتساو فى العالم مع الرجل فى عدد الوزراء و النواب و القادة السياسيين و العسكريين .. يؤكد ان تجارب البشرية منذ بداية الحياة على الأرض و حتى الآن .. هى كذلك .. و من غير المعقول ان تكون البشرية كانت مخطئة تماما منذ آدم و حواء حتى الآن .. و كانت تنتظر المركز القومى للمرأة لكى يصحح هذا الخطأ التاريخى .. و القديم قدم البشرية .. حتى التجارب البرلمانية فى الغرب .. وكأن هذا الخطأ قد سقط سهوا من الكتب السماوية و آخرها القرآن الكريم ..
ان المساواة الكمية فى المشاركة السياسية غير موجودة لأن هذه سنة من سنن الله فى خلقه .. و حتى فى أكثر البلدان أخذا بفكرة المساواة المطلقة بين الرجل و المرأة .. فان نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان و الحكومة ظلت أقل بكثير من نسبة الرجل .. ولا يرجع ذلك الى العقبات التى توضع أمام المرأة من قبل الرجل .. بل لأن هذا من طبيعة الأشياء ..
المساواة المطلقة تعنى الظلم .. لأن المساواة معناها الحقيقى .. التكافؤ و التعادل بين طرفين فى مركز واحد .. فاذا انا أخذت على سبيل المثال مبدأ المساواة المطلقة فى تحديد مرتبات العاملين .. فهذا هو الظلم بعينه .. فان التسوية بين المرتبات يجب ان تكون على أساس الكفاءة و السن و المركز الذى يشغله صاحب المرتب ..
المساواة اذن تعنى التكافؤ بين الناس الواقعين فى مراكز قانونية أو اجتماعية واحدة و فى ظروف واحدة ..
و هذا ما يحدث فى الرياضة .. ففى مسابقات الجرى لا يقف المتسابقون على خط واحد .. لان هذه ستكون عدالة شكلية .. فيتم وضع مسافات بين المتسابقين على أساس الأطوال المتباينة للدوائر التى تضيق فى بداية المضمار و تتسع فى آخره ..
كذلك لا توجد مساواة مطلقة فى تحديد اللاعبين المتنافسين .. ولكن على أساس الأوزان .. أو السن أو أى معيار آخر..
لذا فاننا عندما نقول ان الاسلام قدم الصيغة المثلى للمساواة بين الرجل و المرأة .. فلانه وضع فى الحسبان المراكز المتفاوتة لكل منهما .. فالرجل و المرأة متساويان فى القضية الأولى و العظمى .. و هى الايمان بالله .. و لم يكن من قبيل المصادفة أن كان أول المؤمنين برسالة محمد ( صلى الله عليه و سلم ) .. امرأة .. و أول الشهداء امرأة أيضا .. اذن فى القضية الأولى و الحاسمة للانسانية .. و هى الاختبار فى الدنيا .. لمواجهة نتائج أخرى .. فالآيات القرآنية .. تضع المرأة و الرجل على نفس الصعيد .. و هى أهم درجات المساواة .. ( ان المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما ) الأحزاب 35
و على هذا المنوال سنجد آيات عديدة .
و ينتقل الاسلام بعد ذلك الى العمل السياسى المباشر .. ( و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ) التوبة 71
كذلك فان على المرأة واجب الهجرة و الجهاد و البيعة ..
( اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) 10 الممتحنة
(اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ان لا يشركن بالله شيئا ) 12 الممتحنة
و لكن ممارسة واجب البيعة و الهجرة و الجهاد الذى يصل الى حد المشاركة فى اسناد القتال . أو القتال نفسه .. أو ممارسة واجب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر .. لن يجعل المرأة دائما على صعيد واحد مع الرجل .. بشكل كمى .. فستظل الغلبة للرجال فى الجيوش و أعمال القتال .. و السياسة .. لأن للمرأة دورا اجتماعيا لا يقل عن دور الرجل .. وهو الحفاظ على الأسرة .. و تربية النشئ و الأولاد .. و هو الأمر الذى اعتبرناه رسالة سامية .. فان هذه الرسالة تتطلب وقتا و جهدا .. و هذا يؤثر بلاشك على حجم مشاركتها فى العمل العام بصورة مباشرة .. على أساس ان تربية النشئ هو عمل جوهرى فى بناء الأمة المجاهدة .. كما قال الشاعر " الأم مدرسة اذا أعدتها.. أعدت شعبا طيب الأعراق " .. وهذا الأمر عملى للغاية .. فحتى فى الغرب عندما أطلقوا شعارات المساواة المطلقة بين الرجل و المرأة .. فانهم لم يستطيعوا ان يتحدوا سنن الله بصورة كاملة .. فالمرأة هى التى تحمل .. و تلد و ترضع ( ثبت علميا ان الرضاعة الطبيعية ضرورية لصحة الطفل و بنائه بناء سليما ) .. و هى الأنسب لتربية الطفل .. فالمرأة حتى اذا لم تنجب الا طفلا واحدا أو اثنين فان هذا يبعدها عن العمل عدة سنوات .. أو يجعلها غير منتظمة فى العمل خلال عدة سنوات .. و هو الأمر الذى يؤثر على ساعات عملها .. كذلك يؤثرعلى ساعات عملها .. ارتباطها بالطوارئ الأسرية أكثر من الرجل .. لذلك و بصورة مادية بحتة فان مرتبات المرأة فى الدول الغربية أقل بكثير من مرتبات الرجل كقاعدة عامة . و صاحب العمل يفضل عمالة الرجل عن عمالة المرأة فى كثير من الأحيان .
و لكن المسألة ليست مسألة وقت فحسب رغم أهمية ذلك .. فالمرأة بتكوينها هى المهيئة لتربية الأطفال بطبيعتها العاطفية الأنوثية .. التى يريد أصحاب التحرر أن ينزعونها منها و كأنها مسألة مرذولة..الأب لا يمكن ان يعوض حنان الأم .. بل يكون غياب الأب بصورة أكبر .. أو بصورة دائمة (فى حالة كارثة الموت ) أهون فى عملية تربية و تنشأة الطفل .
و عندما تصورت بعض المجتمعات الشيوعية انها يمكن ان تستغنى عن الام بالحضانة خرجت أجيال مشوهة تتفشى الجريمة فى صفوفها .. و انقرضت هذه التجربة التى تصورت ان تربية الأطفال مسألة يمكن التعامل معها و كأنها عملية انتاجية .. لتصنيع الأحذية أو السيارات أو غيرها .. و قد أجمع الفقهاء على ان الأمامة العظمى تكون للرجل دون المرأة .. ونص القرآن على عدم المساواة بين الرجل و المرأة فى الشهادة أمام القضاء .. بطبيعة المرأة العاطفية .
و قد ثبت فى الغرب ان كثير من النساء قادة حركة تحرر المرأة .. بمعنى المساواة المطلقة مع الرجل .. ليست سويات فى حياتهم الزوجية .. وهذا طبيعى .. كما ان حركتهن ترهق المجتمع بأهداف مستحيلة .. ولا تفيد الا فى احداث شقاق .. و خلق نزاع مفترض بين الرجل و المرأة..
على حساب القضايا الأهم فى المجتمع .. و على حساب التلاحم و التكامل و التكافل الاجتماعى بين المرأة و الرجل .
تقول السيدة سوزان مبارك فى حديثها المذكور ..( ان المرأة ليست فقط نصف المجتمع و لكنها المسئولة عن باقى المجتمع و يجب ان يكون لها دور أكبر فى جميع القرارات ) !
و هكذا يندفع المركز القومى للمرأة .. من مسألة المساواة المطلقة الى تغليب المرأة على الرجل .. و هذا مانسميه الأهداف المستحيلة .. على المستويين : مستوى المساواة المطلقة .. و من باب أولى تغليب المرأة على الرجل .. و اشغال المجتمع بهذا الصراع العقيم ..
وهذا يذكرنا بأفلام و مسلسلات حول سيادة المرأة على الرجل .. أو العكس سيادة الرجل على المرأة .. و هى عادة أفلام و مسلسلات كوميدية .. ولكنها اذا تحولت الى أرض الواقع تصبح كوميديا سوداء .. ومأساة .. لانها ستعنى اشغال المجتمع بهدف مستحيل .. وعملية الاشغال هذه تنهك المجتمع بلا طائل .. و تدفع الى السطح بقيم غير محمودة .. أقلها المساهمة فى تفكيك الأسرة .. بتحويل العلاقة بين الرجل و المرأة الى معركة حربية حامية الوطيس .. واشغال المجتمع بمحاولات مستمرة لادخال تشريعات تحدث مزيدا من الفتن داخل الأسرة .
و تضيف السيدة سوزان مبارك: ( ان المرأة العربية أًصبحت مؤهلة فعليا للمرحلة الحالية الا ان الرجل يبقى العائق الذى يحول دون مشاركتها بالشكل المرغوب فى صنع القرار ).
هذه هى النغمة الخاطئة التى نحذر منها .. توجيه طاقة المرأة لمحاربة الرجل باعتباره العائق ..
ان العائق الحقيقى - فى بلاد مثل بلادنا - أمام مشاركة المرأة فى صنع القرار .. هو الاستبداد ..الذى تمارسه السلطة على الرجل و المرأة .. و ليس لاستبداد الرجل على المرأة .. فأين الرجل فى بلادنا - كمجهود واسع و كسياسيين - من عملية صنع القرار ؟!
ان قلة محدودة من الرجال و النساء هو الذين يصنعون القرار السياسى فى البلاد.. و المسألة لا علاقة لها بمسألة الجنس ( رجل أم امرأة).
و أضافت السيدة سوزان مبارك ( ان الرجل على مستوى العالم بيده كل شئ ) .. استمرار لنفس التوجه الذى يلخص العالم فى الصراع بين الرجل و المرأة .. و ليس صحيحا ان الرجل على مستوى العالم بيده كل شئ .. فالمرأة تشارك فى كل بلدان العالم .. بنسب متفاوتة فى ادارة المجتمعات .. فلماذا هذه المبالغة ؟ ولماذا عملية التحريض المستمر على الرجال.. فى معركة مخترعة خارج سياق تاريخ البشرية .. و كما ذكرنا فان تاريخ البشرية حيث كان دور الرجل أكبر من دور المرأة فى القيادة من الناحية الكمية و النوعية .. لا يمكن ان يكون .. على سبيل السهو و الخطأ .. و الكتب السماوية التى أنزلها الله لا يمكن ان تكون قد أغفلت هذا الانحراف البشرى .. و نحن كمسلمين نؤمن بأن القرآن الكريم و السنة المشرفة وضعا الأساس النهائى لهذه العلاقات على أساس انها من قبيل الثوابت التى لا تتغير حتى يوم الدين ..
سنجد القرآن الكريم لم يتوغل فى تفاصيل أمور الحكم السياسى و الاقتصاد و وضع مبادئ دستورية عامة .. تاركا مساحة كبيرة للاجتهاد فى اطارها .. أما فيما يتعلق بعلاقة المرأة بالرجل .. فانه تطرق الى تفاصيل التفاصيل .. وفى هذا اشارة واضحة يؤكدها تاريخ و حاضر البشرية .. الى ان هذه الأمور من الثوابت لا تقبل الاجتهاد .
و اشارة الى أهمية العلاقات فى الأسرة كخلية أولى فى المجتمع .. و هى علاقات راسخة بنيت على فطرة الله التى فطر الناس عليها .. ولاتبديل لخلق الله .. ولا لسنة الله .. ولن تجد لسنة الله تبديلا .. و لن تجد لسنة الله تحويلا .
و قالت السيدة سوزان مبارك ( ان الطريق لايزال مبكرا لكى تتبوأ المرأة العربية منصب رئاسة الدولة و هناك دول اسلامية كثيرة سبقت الدول العربية فى هذا الاتجاه ) ..
وهو اصرار على مخالفة اجماع الفقهاء .. أو ربما عدم معرفة بهذا الحكم .. أى ان الامامة للرجل .
و أكدت انها تتدخل فى شئون الاعلام حين قالت : ( ان الصورة الحقيقية لوضع المرأة العربية لا تبرزها وسائل الاعلام بالشكل المناسب مؤكدة انها ستحاول تغيير هذا الوضع) .
وهى تعترض على برامج " الطبيخ و الملابس " .. مطالبة ببرامج تبرز دور المرأة التى توصل القيم و المبادئ للمجتمع .
و بالفعل فاذا تركت المرأة الطبيخ و الملابس .. فانها ستتحدث فى الأمور العامة التى تهم المرأة و الرجل .. أى المجتمع بشكل عام .. فلا داعى اذن لكثرة برامج المرأة أو استحداث قناة خاصة للمرأة
.. فهذه القناة ستتحول الى أداة لازكاء الصراع مع الرجل .. فى حين ان الدور القيادى المطلوب للمرأة ان تتحدث فى الشئون العامة ككل .. و ليس فى مجال محاربة الرجل ! و مرة أخرى فان الحديث فى الشئون العامة غير متاح للرجل و المرأة الا فى الحدود التى تسمح بها لجنة الأحزاب
.. أو اتحاد الاذاعة و التلفزيون .. أو وزارة الداخلية .. فهناك اغلاق للصحف .. وهناك رقابة غير مرئية على الاعلام الرسمى و الخاص و الحزبى .. و هناك المحاكم العسكرية عند الضرورة !!
و أشارت السيدة سوزان مبارك الى سلبية المرأة فى المجال السياسى من خلال عدم اهتمامها بممارسة حقها الانتخابى بالتصويت .. و هذا الأمر لا يقتصر على المرأة حيث ان الرجال يشاركون فى هذه السلبيات .
وهذا كلام جيد لانه قرن لأول مرة بين المرأة و الرجل .. ولكن سيادتها لم تحدد سبب هذه السلبية العامة .
لا أدرى هل علمت السيدة سوزان مبارك بشيئا عن المآسى التى تعرضت لها المرأة فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة ..و كيف تعرضت للضرب .. و المنع من الادلاء بصوتها الانتخابى .. فى شبرا الخيمة مثلا استخدمت الشرطة خراطيم المياة المخلوطة بمواد كيماوية تؤدى الى حالة من "الهرش" و هذه معاملة مهينة للمرأة .. و فى دائرة مصر القديمة تم احتجاز سيدة من العاملات بحزب العمل فى أحد أقسام الشرطة .. لانها شاركت فى عمل انتخابى ..
و تعرضت النساء لعمليات مشابهة فى دوائر عديدة .. كما استخدمت - فى المقابل - نساء ساقطات فى دوائر أخرى .. لتمزيق ملابس المحجبات الذاهبات للادلاء بأصواتهن .. الخ الخ و خلال ذلك حدثت وقائع يندى لها الجبين لا يمكن كتابتها ..
و هناك مرشحة بالاسكندرية ماتزال الانتخابات فى دائرتها معطلة حتى الآن خوفا من فوزها . لقد تعرضت مشاركة المرأة فى الانتخابات لمآس عديدة يصعب الحديث عنها هنا فى هذه العجالة ..
و لكننا لم نسمع صوتا للمجلس القومى للمرأة و هذا طبيعى .. فالمسألة ليست صراعا بين الرجل و المرأة .. و لكن صراعا بين رجل و امرأة فى جانب الاستبداد .. و رجل و امرأة فى جانب الحرية و المشاركة الشعبية المحجوبة .
و أخيرا تحدثت السيدة سوزان مبارك صراحة عن اشرافها على جميع الوزارات و خاصة الثقافة و التعليم و الصحة لتنفيذ خطط تطوير التعليم .. و تتحدث عن تطوير التعليم الالزامى و الثانوى و الجامعى .. وهى بالفعل كانت قد نظمت سلسلة من المؤتمرات حول تطوير مناهج التعليم .. وهذه نقطة تعود بنا الى المسألة الدستورية .. ولكننا نشير الآن الى المضمون .. ماهو مضمون هذه التغييرات .. و هل تأخذ بالتوجهات التى يطرحها المركز القومى للمرأة ؟ لابد من عرض هذه الخطة و اقرارها فى المؤسسات الدستورية .. بغض النظر عن النتيجة..لأن هذا يكون فرصة لعرض هذه القضايا على الرأى العام .
و كانت السيدة \ سوزان مبارك قد ألقت خطابا فى الأمم المتحدة منذ فترة.. فى جمعية عمومية خاصة لتقييم مقررات كوبنهاجن الاجتماعية .. و تحدثت بزهو شديد عن انجاز قانون الخلع بوصفه انجازا رائعا لتحقيق المساواة بين الرجل و المرأة فى موضوع الطلاق . وهذا مفهوم خاطئ لمسألة الخلع فى الاسلام.. و الحقيقة ان فى العلاقات الزوجية لا توجد المساواة المطلقة فى الطلاق أو غيره .. ولا توجد السيادة الغاشمة للرجل على المرأة .. و الرؤية الاسلامية وسط بين هذين التطرفين .. فكل مؤسسة لها رئيس و هذا لا يقلل من شأن المرؤسين .. و الا لألغينا مناصب الرئاسة فى البلاد . و الرسول عليه الصلاة والسلام يقول "اذا خرجتم فى ثلاثة فأمروا أحدكم ".. و ليس فى ذلك أى اهانة للآخرين .. و القرآن الكريم يقول " الرجال قوامون على النساء " ..
و فيما يتعلق بالطلاق فالأصل فى التشريع القرآنى ان القرار للرجل و القرآن يستخدم تعبير "تسريح باحسان " "تعالين امتعكن و أسرحكن سراحا جميلا "
و الخلع فى الاسلام محدود و ليس أصلا لمعالجة حالات من التعنت المرفوض اسلاميا ..
و لكن المساحة الغالبة فى حالة الخلاف بين الزوجين هى لقانون التكاتف الاجتماعى و التدخل الأسرى لمنع الشقاق ( وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ) النساء 35
و هذه الآية تكشف روح الاسلام فى هذا المجال .. فالمسألة ليست حروبا مستعرة بين الرجل و المرأة .. كذلك فان اللجوء للقضاء و المحاكم ليس مستحبا .. و الأصل ان تحل الأمور فى الاطار الأسرى الاجتماعى .
و الحكمة واضحة فى ان يكون قرار فض العلاقة الزوجية بيد الرجل .. لأن العاطفة و الانفعال العاطفى أقل بشكل عام - كقاعدة - لدى الرجل .. و الممارسة اليومية تؤكد ذلك .. فالمرأة تندفع أكثر من الرجل .. عند الخلافات و قد تكون خلافات صغرى لتطلب الطلاق .. و لكن دون ان تعنى ذلك حقا ..
و قد ذكرنا ملاحظات عديدة حول هذا القانون لدى اصداره .. و أدت حملتنا مع كثير من الخيرين .. الى تخفيف بعض أضراره .
و لكننا نتحدث الآن عن خطاب السيدة سوزان مبارك .. الذى اعتبر ذلك القانون خطوة على طريق المساواة بين المرأة و الرجل .. و هو ما يؤكد ان المجلس القومى للمرأة كان المحرك وراء هذا التشريع .. وان لديه مشروعات أخرى على الطريق !
ان مواصلة تشطير المجتمع ليس فى مصلحة أحد على الاطلاق .. أى تقسيم المجتمع الى اناث و ذكور .. و تحويل المسألة لحزب الاناث .. وحزب الذكور .. فهذا اشغال للمجتمع بعيدا عن قضاياه الرئيسية .. وخلق خصومات اجتماعية بلا أساس .. و تقطيع أواصر التلاحم و التراحم .
فالاجتماع الأخير الذى حرك لدى الكتابة حول هذا الموضوع .. كان يخص تعليم الفتيات .. اذن الفتيات لديهن مجلس .. فهل نؤسس مجلسا للفتيان ؟! ثم يبقى السؤال الأول .. ماهو حال تعليم الفتيات و الفتيان معا ؟! ان أحاديث السيدة سوزان مبارك تقدم صورة باهرة للتعليم .. من حيث عدد المدارس .. ولكن هل تصل الى مسامعها الحالة العامة للتعليم .. التى لا يمكن ان توصف إلا بالانهيار العلمى و الأخلاقى .. ان تسرب الفتيات ليس هو قضية التعليم الأولى .. و لكن تسرب العملية التعليمية .. من الضوابط التربوية و العلمية و الأخلاقية و الدينية .. وهذه مسئولية الحكومة بأسرها ..
magdyhussien@hotmail.com
06/11/2014
مصرنا ©