قضية الطالبة أسماء إبراهيم تعيد فتح ملف كتاب التدريس التطبيعي
...............................................................
|
خريطة فلسطين |
بقلم : د. إبراهيم علوش
..........................
ابتداءً 25/3/2010، تناقلت مواقع إنترنت كثيرة، وعدد من المنتديات واللوائح البريدية، صيغة ما أو مقتطف من تقريرٍ يشير إلى أن أسبوعية "أخبار الأدب" نددت في عددها الذي يصدر الأحد (28/3/2010) بوضع اسم "إسرائيل" بدل فلسطين على خرائط في كتب دراسية جامعية وكتب جغرافية. ويضيف التقرير: في مقال بعنوان "الغفلة أحيانا أسوأ من الخيانة - الجامعة تتبرع بفلسطين" اعتبر عزت القمحاوي مدير تحرير هذه الصحيفة التي تهتم بالحياة الثقافية والأدبية المصرية والعربية أن "الخريطة التي تستبدل اسم فلسطين ب"إسرائيل" رغم أن الشعب المصري يعتبر أن فلسطين وطن عربي اغتصبه الصهاينة وأن نجد مثل هذا التغير في كتاب صادر عن أقدم جامعة عربية وأهم جامعة مصرية جامعة القاهرة أمر يصعب فهمه".
وتضمن المقال خريطة منشورة داخل كتاب "المجتمع المصري" الصادر عن كلية الآداب جامعة القاهرة عام 2005 من تأليف مجموعة من الأساتذة وقام بمراجعته أستاذ دكتور محمد حمدي إبراهيم.
وقال القمحاوي لوكالة فرانس برس إن "الخارطة الموجودة تم تضمينها في جزء من الكتاب قام بتأليفه الأستاذ محمد صبري محسوب تحت عنوان "التكوين الجغرافي للمجتمع المصري"".
وأضاف "إلى جانب ذلك كشفنا أن كتاب "الجغرافيا الاقتصادية بين النظرية والتطبيق" لفتحي مصيلحي تضمن جدولا يضع إسرائيل كجزء من العالم العربي.. تبين أنه يقوم بتدريسه في جامعة المنوفية في حين اختارت زوجته الكتاب لتقوم بتدريسه في جامعة حلوان".
وأشار القمحاوي إلى أن الصحيفة قررت متابعة هذه القضية إثر صدور حكم بتبرئة أسماء إبراهيم الطالبة في جامعة حلوان من تهمة البلاغ الكاذب بعد أن رفضت الطالبة هذا الخلط باعتبار "إسرائيل" جزء من العالم العربي".
واعتبر أنها "مصيبة ألاّ ينتبه مئات الطلاب في جامعتي حلوان والمنوفية اللذين يدرس فيهما الكتب لهذه المشكلة ولكن أسماء فقط أدركت هذه المشكلة التي تعتبرها وعن حق "طمسا للهوية" وهذا يدفعنا للتساؤل عن دور الجامعات في التدريس وإيقاظ الضمير لدى الطلبة".
وتضمن العدد نفسه مقابلة الطالبة التي أكدت على موقفها ومع مؤلف الكتاب الذي أثار الزوبعة فتحي مصيلحي الذي دافع عنه نفسه بقوله "إن إسرائيل أدخلت هنا كي أوضح أنها حقيقة في جسد الوطن العربي جغرافيا وهي موجودة داخل جسد مغتصب لكن ليس لي كجغرافي علاقة بالموضوع". وينتهي هنا التقرير الذي تناقلته، بدون مبالغة، مئات مواقع الإنترنت الناطقة بالعربية.
لكن ما هي خلفية ذلك التقرير؟
نفهم من متابعة ملف القضية وأحداثها أن أستاذا جامعياً حاول إقحام "إسرائيل" في كتاب جغرافيا يدرس للطلبة المصريين، وأن أسماء إبراهيم، الطالبة في كلية الآداب بجامعة حلوان، اعترضت على هذا الأمر، وقدمت شكوى بهذا الصدد لرئيس قسم الجغرافيا في الجامعة، فردت أستاذة الجغرافيا الاقتصادية ماجدة جمعة، دكتورة المادة، بقضية سب وقذف قيدت ضد أسماء إبراهيم في المحاكم. وكانت الناشطة إيمان بدوي قد حملت مجموعة أفلام فيديو قصيرة على موقع يوتيوب في شهر 2 من عام 2010، خلال محاكمة الطالبة أسماء إبراهيم، تظهر فيما تظهره أن الكتاب المذكور يضم خريطةً لدولة "إسرائيل" تتضمن سيناء وسوريا والأردن!!!!!
الدكتورة المعنية بالمشكلة هي زوجة واضع الكتاب د. فتحي مصيلحي بالمناسبة، وقد جاءت في الامتحان عام 2009 بأسئلة من المادة نفسها التي تعتبر "إسرائيل" جزءاً من المنطقة، وقامت بتهديد الطلبة الذين لا يجيبون الأسئلة كما في الكتاب المقرر، بالرسوب!
وقد برأت محكمة حلوان الطالبة البطلة أسماء إبراهيم التي تصدت لهذا التزوير من تهمة التشهير، أو "البلاغ الكاذب"، وهو ما اعتبره بيان ل"لجنة الدفاع عن حقوق الطالب" في جامعة حلوان في 25/2/2010 انتصاراً للحركة الطلابية ولحرية التعبير، وما اعتبرته أسماء إبراهيم نفسها انتصاراً لعروبة فلسطين. ففي إحدى مقابلات أسماء إبراهيم المحملة على موقع يوتيوب مع صحفي أجنبي أكدت، وهي تحمل علم فلسطين وعليه عبارة "فلسطين عربية"، أنها لم تكن لتربح القضية لولا دعم الأساتذة والطلبة والإعلاميين الذين أحاطوا بها عندما رفعت أستاذة الجغرافيا الاقتصادية د. ماجدة جمعة القضية عليها، ولكنها تعتبر بأن الدعم هو للقضية الفلسطينية، وليس لأسماء إبراهيم، وأن موقفها هو موقف الشارع والشباب المصري، وهو الموقف الذي يظهر نقاءً في الرؤيا وفي الخلق. ونلاحظ من التقرير المتداول على الإنترنت أعلاه أن الدكتور مصيلحي، مؤلف الكتاب، قد تقهقر بعد ذلك باتجاه اعتبار "إسرائيل" موجودة ضمن "جسد مغتصب"...
وخلال فترة المحاكمة قامت قناة MBC بتغطية مستغربة للقضية في برنامج لها، موجود أيضاً على موقع يوتيوب، قدمت فيه "خبيراً" أتحفنا بالحديث عن "الدولة الفلسطينية" - فيما كانت البطلة أسماء تتحدث عن عروبة فلسطين، جوهر القضية في النهاية – وشرح لنا أنه لا يمانع التطبيع "بعد إحقاق الحقوق" وليس "قبل ذلك"... وكأن بقاء "إسرائيل" على 78% من فلسطين هو "إحقاق للحقوق"، وكأن "الدولة الفلسطينية" تتنافى مع مسمى "إسرائيل" الذي اعترضت عليه أسماء، وكأن مقاومة التطبيع تكتيك لا إستراتيجية!!!. كما ركز معدا برنامج الMBC نفسه أسئلتهما لأسماء في الفقرة الأخيرة من البرنامج على "الأساتذة الذين يختبئون" خلفها، وتساءلا لماذا لم يثر هؤلاء الأساتذة مشكلة الكتاب التدريسي موضع المشكلة من قبل؟! وكأن المطلوب من الأساتذة أن لا يدعموا اعتراض أسماء، أو أن لا يقفوا معها في القضية المرفوعة ضدها، في الوقت الذي نفهم فيه من الحوار في البرنامج نفسه أن الأساتذة لا سلطة لهم في اختيار الكتاب التدريسي الذي فرضته د. ماجدة جمعة أو في منعه، وأن التطبيع هو سياسة رسمية تشرف عليها وزارة التعليم، وأن الاتحاد الأوروبي يمول برامج تعاون بين الجامعات المصرية و"الإسرائيلية"، والأهم، أن الكتاب الذي اعترضت عليه أسماء إبراهيم لا يزال يدرس في الجامعات المصرية... فهل كان المطلوب من مقاومي التطبيع في مصر أن يوفروا مثل هذه الفرصة الثمينة للاعتراض على كل موضوع التطبيع الأكاديمي والتدريسي في مصر والوطن العربي؟! بل كانوا يقفون مع أسماء إبراهيم في خندقٍ واحد، ولم "يختبئوا خلفها"...
لكن، بالرغم من النصر القانوني والسياسي والإعلامي الذي تم تحقيقه في هذه القضية، فإن معركة الكتاب التطبيعي في المدارس والجامعات العربية لا تزال في بدايتها. وهي من أخطر المعارك لأنها تتعلق بإعادة تشكيل وعي الأجيال الناشئة تطبيعياً. فتعديل المناهج الدراسية هو أصلاً أحد استحقاقات المعاهدات والاتفاقيات المعقودة مع العدو الصهيوني. وكتاب "الجغرافيا الاقتصادية بين النظرية والتطبيق" لفتحي مصيلحي ليس فريداً من نوعه ولا هو الأول ولا الأخير، والأمثلة كثيرة كما وثق الباحث عبدالله حمودة في ورقته "تغيير المناهج طبقاً لمعاهدات السلام" التي ألقاها في مجمع النقابات المهنية في إربد يوم 3/4/2010. بالتالي، فإن العمل الرائع الذي قامت به أسماء إبراهيم ومقاومو التطبيع الأكاديمي والتدريسي في مصر يجب أن ينظر إليه كبداية، لا كنهاية، لفتح الملف برمته. ولعل ما يسر هنا هو أحد التقارير المنشورة على الإنترنت التي تزعم أن أسماء إبراهيم بصدد رفع قضية عطل وضرر على الأستاذة د. ماجدة جمعة رداً على القضية التي سبق أن رفعتها وخسرتها. ونرجو أن يكون ذلك صحيحاً، وكما قالت أسماء إبراهيم: القضية لا تتعلق بأسماء إبراهيم...