| | | | هل يكون البرادعي رئيس مصر القادم؟ ...............................................................
هويدا طه ............
عبارة مقرونة بأسف العجز تجدها على لسان المصريين- من كل الطبقات- كلما جمعتهم مجالس الحديث عن مستقبل مصر القريب.. (إن مكانش جمال مبارك يبقى الإخوان.. للأسف مفيش بديل؟ عندك بديل؟!) وكلما ظهرت شخصية تحظى بمحبة الناس لصدقها في موقف ما.. تبرق العيون ثم سرعان ما ينطفئ كلاهما.. السؤال والشخصية..
** حدث ذلك أيام أزمة القضاة.. برز المستشار هشام بسطاويسي كنموذج تطيره أجنحة الأحلام.. كان صادقا محترما مؤيدا للضعفاء.. ثم سرعان ما انتهى كلاهما.. حركة القضاة والأمل في بسطاويسي!
** وقبلها كان السيد عمرو موسى وزيرا للخارجية.. كان يتحدث بطريقة فيها اعتزاز بالنفس والوطن فأعجبت به الجماهير.. رغم ارستقراطيته.. فانتشرت في الأجواء أحلام بأن يقود موسى (الذي لقبه البعض بالفارس!) هذا البلد للخروج به من نفقه المظلم.. ثم سرعان ما انتهى كلاهما.. الحلم بأن يكون موسى رئيس مصر القادم مضى إلى النسيان.. وموسى نفسه انتهى منفيا إلى قبو الجامعة العربية!
** وبينما كان الشارع المصري ساكنا.. لا تسري فيه روح السياسة.. بزغت حركة كفاية مدوية بشعارها (لا للتوريث..) في ديسمبر من عام 2004، فسخن الشارع وولدت متعاقبة الحركات الجماهيرية حركة وراء أختها.. وساد شعور بأن المصريين لن يعودوا للصمت مرة أخرى.. لكن لم يطل هذا الانتشاء بتلك الحركة.. فقد تحالف الجميع لقتلها.. كلٌ بخنجره.. الإخوان والمباحث وضعف نفس بعض مؤسسيها في صراعهم على زعامة.. إعلامية! فما كان إلا أن أصيبت كفاية.. ككل شيء في مصر.. بالسكتة المفاجئة..
** وحلقت أحلام المصريين بعيدا فتداولوا لفترة اسم الدكتور أحمد زويل! لكن خاب ظنهم حين اكتشفوا أن رجل العلم لا يريحه أن يقوم بهذا الدور.. خرج زويل من القائمة! كل مرة يعود المصريون من عالم الحلم محبطين لا يجدون أمامهم إلا السؤال: إن مكانش جمال يبقى الإخوان.. مفيش بديل.. عندك بديل؟!
أحدث الأسماء
برنامج قناة دريم "العاشرة مساء" هو أنجح برنامج يتناول الشأن المصري اليومي.. الأشهر بين المصريين لأسباب عدة.. منها أن مقدمته منى الشاذلي- مذيعة حبابة- واعية لطيفة عفوية مهذبة.. لا تفتعل الاهتمام بالقضية التي تعالجها في البرنامج بل تشعر بها مهتمة بالفعل، ذكية حاضرة البديهة.. ومعها فريق إعداد من الواضح جدا أنه ممتاز.. يتميز بذكاء في التقاط الهاجس اللحظي عند المصريين.. فما أن يتساءل الناس صباحا حول أمر يشغلهم حتى تجد العاشرة مساء يقلبه مساء مع جميع أطرافه.. ولولا تدخل الأمن في كل همسة إعلامية مصرية لأمكن لهؤلاء جميعا وغيرهم.. أن يقدموا إعلاما مسئولا، وعندما تظهر شخصية ما تدور حولها التساؤلات.. سلبا أو إيجابا.. تحاوره مذيعتنا الحبابة مساء بكل ما يجول بخاطر الناس.. هكذا كانت حلقة العاشرة مساء مع الدكتور محمد البرادعي رئيس الهيئة الدولية للطاقة الذرية.. وبسبب سؤال المصريين الدائم:" مفيش بديل.. عندك بديل؟!" كان سؤال منى الشاذلي المتخابث برقة لضيفها الليبرالي العتيد.. وبابتسامتها تلك التي تنقل بها تساؤلات الناس: إيه سر قرارك بالعودة إلى مصر يا دكتور للمساهمة في العمل العام؟! حديث الدكتور بدا مقصودا بكل كلمة فيه.. خاصة بعد مشاركة للدكتور حسن نافعة- أستاذ جامعي- قال فيها إن اسم الدكتور البرادعي (مرشح كبديل يقود مصر في مرحلة انتقالية!) بدت آراء الدكتور البرادعي كما لو كانت (برنامجا انتخابيا)! بالطبع لم يقلها مباشرة.. لكن الحلقة بدت بدورها كما لو كانت محاولة للإجابة على السؤال: مفيش بديل.. عندك بديل؟!
صرح البرادعي بقراره عدم الترشح مرة أخرى لمنصبه في الهيئة الدولية للطاقة.. الذي أوشكت مدته على الانتهاء.. وقال إنه جاء إلى مصر وزار العشوائيات! قال إنها عار في جبين مصر!.. تحدث عن أمنيته تكوين لجنة تأسيسية تكتب دستورا جديدا.. ورؤيته لكيف يكون مجلس الشعب.. لابد أن يكون من الصفوة المتعلمة الواعية وتنتهي للأبد حكاية (حصة العمال والفلاحين) فهي لا تناسب هذا العصر.. تحدث عن والده نقيب المحامين السابق الذي تصدي لعبد الناصر والسادات دفاعا عن الديمقراطية! وقال إنه لا يحمل سوى جواز سفر مصري ولن يستبدله بغيره! عبر عن شعوره بالمرارة لأن (مصر) ويقصد بها النظام طبعا.. لم تتحمس لترشيحه للمنصب ولا لفوزه بجائزة نوبل.. وأنه حزن لأن الإعلام المصري لم يقم بتغطية حفل تتويجه فحرم المصريين من مشاركته الفرحة! لم يجب على سؤال: لماذا فعلوا (هم) معك ذلك! حرص على عدم إغضاب أي طرف في مصر.. حتى الإخوان! يقول إنه يريد أن (يفعل شيئا) لإعادة مصر إلى وجهها الليبرالي الذي عرفت به حتى أواسط القرن العشرين! تحدث عن تطوير التعليم الجامعي وعن قضايا مصرية أخرى.. كان برنامجا انتخابيا جميلا حقا.. والأجمل أنه بدا صادقا... ولكن..؟؟!!
أحد الذين شاهدوا اللقاء قال: طيب أيمن نور وسجنوه يا ولداه! عمرو موسى نفي إلى قبو الجامعة العربية.. يا ترى ده حيعملوا فيه إيه؟ّ! مش حيسيبوه! مفيش فايدة.. مفيش غير الاتنين إياهم.. ياجمال يا الإخوان.. مفيش بديل.. عندك بديل؟!
جدل حول البديل الإخواني: طرف واحد في هذا النقاش لن أذكره هنا هو.. أنصار الإخوان ذاتهم! هم ليسوا بحاجة لذكرهم هنا فهم يملكون كل وسائل الإعلام تقريبا! ولست منهم على أي حال! أذكر فقط الآراء الأخرى.. غير الإخوانية! فهي مهددة بالبطش الفوقي والجماهيري إذا عبرت عن نفسها! واسألوا أهل غزة! تياران في مصر من غير الإسلاميين يرصدان مدى احتمالية وصول الإخوان بالفعل لحكم مصر.. أحدهما يقول بيأس إن مصر متجهة لا محالة للسقوط في يدهم، التيار الثاني- على العكس- يقول إن مصر (ساعة الجد) ستقف في وجه تحويلها إلى (حظيرة الإيمان) الوهابي!
** اليائسون:
بم يستدل القائلون بأن مصر تسير في نفق ينتظرها في نهايته المرشد العام؟! حجتهم يلخصها تصريح للسيد فاروق حسني وزير الثقافة قال فيه بأسف:"الظلامية تزحف على مصر"! يقول هؤلاء إنه لم ينتبه إلا بعد أن تمت عملية الزحف بالكامل! فالظلامية زحفت وانتشرت وتوغلت بين المصريين منذ زمن! المصريون أصبحوا شعبا (خائفا من الحرية) زاهدا فيها.. لا يريدها! أصبحوا شعبا (يتلذذ بتقييد نفسه) بشبكة من فتاوى التحريم والتقييد لكل نشاط إنساني مبدع! خريجو جامعات يلجئون إلى المشايخ لسؤالهم عن طرق الأكل والشرب.. ويطلبون وصفات دينية للتعامل مع فراش الزوجية والمواصلات والسلع.. ويطلبون صكوكا للغفران من مشايخ يمعنون في وصف الجنة وصفا يشبه.. منتجعات الساحل الشمالي وبورتو مارينا! انتشار التدين (الشكلي) في مصر رصده إحصاء دولي تم على عينة من إحدى عشر دولة في العالم لمعرفة مدى انتشار التدين فكانت النتيجة.. مصر في المرتبة الأولى! لكن مهلا.. لو كان هذا التدين مرتبطا بتطبيق صحيح لما نعرفه في ديننا بأنه (الدين المعاملة) لكان ذلك شيئا جيدا.. لكن تزايد التدين في مصر مرتبط بتدهور أخلاقي وسلوكي وضمائري.. ومرتبط بتناقص الإتقان في العمل.. وزيادة الفساد الصغير بين الشرائح الدنيا والمتوسطة في المجتمع.. والفساد الكبير بين أهل الحكم ومن حولهم.. مرتبط بتزايد الطائفية القبيحة وبزيادة الاستسلام للخرافة وانتظار المعجزات وقهر واحتقار المرأة! هذه العقلية الدينية المتطرفة لم تنبت فجأة في الشعب المصري.. انما سهر على غرسها في تربة الثقافة المصرية أناس (اختطفوا الإسلام) ونسبوه لأنفسهم! فقد عُرف المصريون عبر التاريخ (بالوسطية) في تدينهم.. ما سُميّ (الإسلام المصري)! وسطية ساعدت في استجابة المصريين لمشروع التحديث والنهضة والتقدم الذي بدأ منذ أكثر من قرنين.. فانطلقت إبداعاتهم في الثقافة والفنون والصناعة والزراعة.. لكنها تعثرت لأسباب عديدة على رأسها الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول (بحسب تعبير المفكر المبدع جمال حمدان).. لكن من ضمن الأسباب أيضا هذا (الطنين الوهابي) الذي حل على مصر خاصة في الحقبة السعودية النفطية.. والذي تبناه الإسلاميون فكانت النتيجة ما تراه الآن.. نساء مصر تحجبن ثم تطور الحجاب إلى خمار ثم نقاب فإسدال.. أزياء تبدو فيها النساء كالأشباح.. حتى أن الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر السابق نفسه قال في جلسة خاصة:"شكلهم في النقاب يخوّف العيال"! ومصريون يمزقون روايات المبدعين في مظاهرات غاضبة لأن إسلاميين (قالوا لهم) إنها تسيء إلى الرسول(ص)، فهم شريحة من الناس لا يتوقع منها قراءة الروايات!.. مهووسون متأثرون بما يسمعون من مشايخهم قتلوا مفكرا مثل فرج فودة أو حاولوا قتل أديب مثل نجيب محفوظ.. ولا يمكن لقاتل فرج فودة أن يكون (قرأ عن النقد الديني أو أي نقد حتى لو نقد فني! فمن يتعاطى عقله النقد لا يقتل! أليس كذلك؟!) وصّدق الناس نصابين ذوي لحى نهبوا أموالهم باسم (الاقتصاد الإسلامي) فيما سُمي شركات توظيف الأموال الإسلامية.. وانتشرت قنوات دينية كلها تزايد على بعضها البعض في تحذير الناس من كل شيء له صلة (بالحرية والإبداع والتطور والحداثة).. وكلها تتسابق في إخافة الناس من الله! وتصويره كأنه سبحانه لا هم له سوى شيّ البشر! وظهر تجار الدين.. شباب باحث عن الثروة فيما سمي (ظاهرة الدعاة الجدد).. ووو.. مظاهر تشير كلها إلى (انصراف روح التقدم) عن أرض مصر! استمر (تجهيز) الإسلاميين للمصريين على هذا المستوى الثقافي لعقود وعقود.. ليس فقط لاستلابهم دينيا.. بل لإعدادهم لنصرتهم كالمسحورين حينما يأتي وقت الاستيلاء على السلطة.. بأي طريقة حسب الظروف.. انتخابات.. انقلاب.. تواطؤ.. صفقة من نوع ما..
الآن يُعتقد أن المصريين جاهزون! هكذا يقول أصحاب هذا التيار اليائس! إذ عندما خرج الحزب الحاكم على طبيعته وترك المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية السابقة بلا تزوير(وقد ندم على ذلك فعاد إلى طبيعته التزويرية الأصيلة في المتبقي من الانتخابات!) نجح ثمانون من الإخوان في دخول مجلس الشعب! ماذا فعلوا؟ أثاروا ضجيجا حول المطربات وطالبوا بمصادرة كتب عدة وقاوموا قانون حماية الطفل وقاوموا كل ما من شأنه محاولة تطوير هذا المجتمع المتراجع بشكل محزن! فلو رشح أحدهم في الانتخابات الرئاسية القادمة فسوف ينجح، بالطبع ستكون تلك أول ... وآخر.. انتخابات نزيهة! والنماذج ماثلة.. حماس الابنة الفلسطينية للإخوان نجحت في انتخابات نزيهة ثم انقلبت عليها وأنشأت إمارة إسلامية في غزة! وراسها وألف سيف ألا تعيد كرة الانتخابات! أصحاب هذا التيار اليائس يقولون إذا كان الإسلاميون في مصر جهزوا الشعب المصري إلى هذا الحد وهم خارج السلطة.. فماذا سيفعلون بمصر إذا سقطت في حجرهم؟!
هذا التيار الذي يرصد ما طرأ على مصر مما وصفناه أعلاه.. هو تيار يائس من القدرة على تحويل قلوب الناس بعيدا عن سحر الإخوان! يقول إن الإخوان يصورون للشعب المصري أنهم وكلاء الله على الأرض وأن كل ما عداهم باطل! رفعوا شعار (الإسلام هو الحل) فترسخ في أذهان الناس أن كل حل غير ما يقولون هو حل معادٍ للإسلام.. حتى صار الأمر وكأنه تماهٍ بين الإخوان والإسلام! فكثيرون يتصورون أنك إذا كنت خصما للإخوان فأنت بالضرورة خصم للإسلام! وعندما تتحدث عن النهضة والحداثة وأولوية العلم لتحقيقهما تعامل باعتبارك عدوا للإسلام! وعندما تتحدث عن حقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية والانفتاح على ثقافات العالم وفصل الدين عن السياسة فأنت إذن عدو للإسلام وتكرهه ووو.. إلى آخر تلك الباقة من التهم الخطيرة الجاهزة! بل ويقول هذا التيار يائسا: وقوع البلاء ولا انتظاره! الأفضل أن يحكموها الآن ليشرب المصريون المسحورون المقلب! فيبدءون بفتح عقولهم لنداء من نوع آخر! بدلا من أن يظل الإخوان بعيدين عن السلطة فتظل قلوب المصريين معلقة بهم! ألم يحدث مثل هذا مع سكان غزة؟! ألم يظنوا أن انتخاب حماس سوف يحرر فلسطين من النهر إلى البحر؟!.. فذاقوا مرارة السحل والقتل والإلقاء من الأسطح وتقطيع الأطراف الذي تمارسه ميليشيات حماس ضد كل من يتذمر؟!
** المتفائلون:
لكن هناك تيارا آخر أكثر تفاؤلا! شريحة من المجتمع المصري ما زال لديها أمل أن يعود المصريون إلى رشدهم الوسطي ساعة الجد! فيرفضون ذلك (القفص) الذي يعدهم به الإسلاميون من إخوان وغيرهم! (هذا إذا توفر أصلا خيار الرفض والقبول!) يعتمد هذا الرأي على الذكاء الفطري للمصريين الذين قد يتعاطفون مع ذوي اللحى عندما يضطهدهم الأمن.. لكنهم ينتفضوا خوفا من تطرفهم لو لاح في الأفق احتمال توليهم الأمر! يقول هؤلاء المتفائلون إن شرح (المسألة) للناس واجب كلما سنحت فرصة (وهي فرص قليلة في مقابل طنين الإسلاميين أينما وليت وجهك!) يحاولون إقناع الناس- إن وصلوا إليهم أصلا- بأن هناك بلادا شعوبها مسلمة مثل ماليزيا.. حققت النهضة والحداثة والتقدم العلمي والاقتصادي دون أن يتخلى الناس عن الإسلام.. مسلمون لكن حياتهم لم تتلوث بمثل هكذا ظلامية ونفاق في التفكير والسلوك.. حياتهم لا تسيرها تلك العقلية المتواكلة التي تقيد الحركة إلى الأمام.. وتفقد الناس الإحساس بحركة العالم.. نظامهم السياسي مفصول تماما عن ثقافتهم الدينية.. ليس الإسلام بذاته إذن هو مصدر تلك الظلامية وذلك النفاق الديني والهوس بالفتاوى.. إنما مصدرها من يركبون جواد الإسلام ليخترقوا به الجماهير مصورين لهم أنهم (ورثة الصحابة الأطهار)! هؤلاء المتفائلون يتبنون شعار (شعبنا واعي!) ويقولون إن الشعب المصري فطن ولعله وعى درس ما تفعله النظم الإسلامية في نماذج تحيط به من كل جانب: إيران والسودان والجزائر وأفغانستان وغزة! يقولون: لماذا أنتم يائسون إلى هذا الحد.. ألا تثقون في الوعي الفطري للشعب المصري؟! هل استجاب المصريون مثلا للفتوى الفضيحة فتوى إرضاع الكبير؟! بل شعبنا قادر على التمييز وهو يتطلع إلى التقدم رغم اختناقه من كليهما.. الإخوان والحكومة! انظروا إلى الشباب صغير السن المتطلع إلى ديمقراطيات العالم عبر وسائل اتصال حديثة تمكن منها بحكم حداثة سنه.. ألا تلاحظون أن تأثير التيار الإسلامي في هؤلاء الصغار قد انحسر؟! هل تأثيرهم في شباب مطلع الألفية الثالثة كتأثيرهم المهول على شباب السبعينات والثمانينات؟!
أبشروا.. (المصريون الجدد) يتطلعون إلى الحرية!
على المستوى الشعبي هناك ما يؤيد هذا الاتجاه بين البسطاء من أصحاب ما يسمى (الوعي الفطري).. فقد كنت استقل تاكسيا في القاهرة ودار حديث بييني وبين السائق.. سألته: تفتكر مين جاي بعد مبارك؟ قال بلا تردد: طبعا ابنه أو بقى لو ربنا بيكره مصر.. يبقى واحد من الإخوان! جدل حول الوريث بالنسبة إلى البديل الوراثي هناك تياران أيضا.. أحدهما يقول إن مصر ليست سوريا! (وهي عبارة- يا للصدف قالها الرئيس مبارك نفسه!) وإنها لن تقبل التوريث، والثاني يقول.. بصراحة.. لو الخيار بين جمهورية وراثية وحكم إسلامي.. يبقى جمال أرحم!
** اليائسون:
يقول هؤلاء بأن نظامنا نظام ديكتاتور أصيل.. عريق في ديكتاتوريته! يتصرف بعقلية (أنت لا تسأل عما تفعل وهم يسألون!) وهو نظام إن أراد توريث الحكم الجمهوري فسوف يفعل! ولن يجد من يحاسبه! وإلا أين الأمارة بأنه سئل ذات يوم عما يفعل على مدى ثلاث عقود؟! يقترب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة بعد عامين.. وهناك ما اصطلح على تسميته في مصر (سيناريو التوريث)، فباضطراد واضح.. يتزايد تحكم السيد جمال مبارك وأعوانه يوما بعد يوم في شئون البلد.. الاقتصادية خاصة.. يسحبونه معهم في طريق تحويله إلى شركة خاصة.. (مصر.. شركة خاصة! تاج العلاء في مفرق الشرق.. تصبح شركة خاصة!).. يتزعم مجلس إدارتها نجل الرئيس والموظف البنكي سابقا.. السيد جمال مبارك! أمين لجنة السياسات في الحزب الحاكم.. اللجنة التي تضم أغنى رجال الأعمال في مصر! وأعضاؤها موزعون بين تلك اللجنة والوزارة ومجلس الشعب!.. فمن إذن يمكنه وقف عملية التوريث؟ الشعب؟! أين الشعب؟! الأمر الثاني هو ثقة بدرجة العنجهية.. يتحدث بها رموز الإخوان الكبار عن مستقبل مصر.. تبدو تصريحاتهم وكأنهم هم من يقررون الآن.. كيف ستكون مصر قريبا! فإلى جانب المقولة الشهيرة للسيد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان:"نحن لا نسعى للسلطة.. هي ستسقط في حجرنا"! قال في لقاء صحفي منذ أيام:"ينبغي على النظام أن يعترف بشرعيتنا التي يمنحها لنا الشارع.. وينبغي عليه أن يأتي إلينا ويقول يا إخوان يا مسلمين إحنا في مشكلة كذا وكذا ونريد رأيكم في الحل"! اليائسون من قدرة الشعب على وقف عملية التوريث حينما يواجههم السؤال:" يا جمال يا الإخوان" يقولون طالما إننا لسنا شعبا قادرا على فرز من (يحقق) مقولة عرابي التي فشل في إرساءها:"لسنا عبيدا ولن نورث بعد اليوم".. ولسنا شعبا قادرا على توفير بديل ديمقراطي لقيادة مصر.. ولسنا شعبا قادرا على صنع ثورة ضد كل البدائل.. وطالما أنه لا يوجد إلا خياران.. يبقى جمال أرحم! على الأقل سيستمر نضالنا ضده ولو طال الزمن! أما الإخوان؟ الحكم الإسلامي؟ فلا نضال في هذا!.. لن يبقى مناضل حيا إذا تولوا! واسألوا أهل غزة!
** المتفائلون:
المتفائلون يقولون (لا للتوريث.. لا للإخوان)! بالطبع البعض يقول ساخرا: "ومالو؟! يقولوا ما يريدون.. هو الكلام عليه جمرك؟!" لكن هؤلاء يقولون: لن ترضى المؤسسة العسكرية بخليفة من خارجها (وإن كان البعض يقول: صح النوم! المؤسسة العسكرية سقطت في حجر النظام منذ زمن! أما الأدهى والأمر.. أن تكون سقطت في حجر الإخوان.. كما القضاة!) ويقولون: الشعب لن يقبل التوريث.. جمال مبارك (ليس مهضوما) بين المصريين.. رغم محاولاته الجاهدة لفرض نفسه في مناسبات مما تسمى مناسبات شبابية وما إلى ذلك! يرونه ثقيل الدم! وانظروا إلى النكات التي تطلع كل يوم عليه.. والنكات كما تعرفون وسيلة احتجاج مصرية قديمة! والعالم لن يبلع مسألة التوريث في مصر (حتى لو بلعها من قبل.. بمذاق سوري!) مصر ولادة وسوف يظهر البديل.. لا جمال ولا الإخوان.. والأمل الآن في البرادعي! لكن عليه لسوء الحظ أن يخوض المعركة وحيدا! فلن يجد شعبا يسانده ولن يجد معارضة تتبناه ولن يجد قوة ولا مؤسسات ترعاه! فليرمي عصاه وسوف يصفق المتفرجون إذا ما ابتلعت الثعابين! أو.. ليتلقى مصيرا مشابها لمصائر مرشحين سابقين!.. لكن دائما هناك أمل.. والشعب المصري لا تعرف له (موعد انفجار)! كما يقول الشاعر جمال بخيت:(شعب يصبر خمسين سنة ويقول.. دوول فكة)! صبر حتى الآن.. ثلاثين سنة!
أنت.. عزيزي القارئ- إن كنت مصريا- أين تقف بين هؤلاء؟! يا جمال يا الإخوان.. مفيش بديل.. عندك بديل؟!
howayda5@gmail.com
مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|