تضليل الرئيس في قانون أحمد عز!
...............................................................
بقلم : عادل حمودة
...........................
ينتمي أحمد عز ورشيد محمد رشيد إلي نفس السلطة والحكومة والثروة.. لكن.. ساعة الجد.. أخرج كل منهما مسدسه ليطلقه علي الآخر.. وسعي كل واحد منهم إلي نشب أظافره وأنيابه في رقبة رفيقه وصاحبه وشريك حزبه.. فلو كانت الثورات تأكل أبناءها.. فإن الثروات تأكل أشقاءها.
والحقيقة أن وزير الصناعة والتجارة قام بحشو قانون الاحتكار برصاص وبارود وقنابل مسيلة للدموع.. لكن.. أمين التنظيم ومحتكر الحديد ومحتكر السيطرة علي الأغلبية في مجلس الشعب نجح في حشو القانون بالمانجو والتين والعنب والشيكولاتة.. وراح يأكلها ويستلذ بها.. وهو يخرج لسانه للموالاة والمعارضة معا.
والحقيقة أيضا أننا انتظرنا من الوزير بلاغا حربيا فإذا به يسكت عن الكلام.. وتصورنا أنه سيدخل علينا بثياب المقاتل فإذا به يهرب من ميدان المعركة في مجلس الشعب ويختفي في ظروف غامضة.. فهناك من قال إنه أصيب بنزلة برد وعاد إلي أهله في الإسكندرية.. وهناك من أقسم أنه يتنقل بأحزانه بين شقته في لندن وشقته في باريس.. لكن.. المؤكد أنه في مهمة غير معلن عنها في المانيا.. فهل أرسلوه إلي هناك حتي لا يحرج نفسه ويحرج غيره؟.. هل أرسلوه ليشتري ورقة بوستة مثلما فعلت شويكار مع فؤاد المهندس في أحد افلامهما الشهيرة؟.
وقد كشف هروب رشيد محمد رشيد عن عدم تدريب مناسب في التعامل مع البرلمان والخوف من أعضائه.. كما كشف عن عجز في القدرة علي عرض ما هو مؤمن به.. والقتال في سبيل ما يسعي إليه.. إن ذلك يعني أننا أمام وزراء مبتسرين.. جاءوا وهم محميين بخيام الأكسجين.. فإذا ما تعرضوا لفيروس ولو ضعيف في الجو الطبيعي.. عطسوا وكحوا وسخنوا.. ولزموا الفراش. وفي وسط الصراع بين مهندس الصناعة ومهندس التنظيم لا يستطيع أكثر الناس بلاهة أن يتساءل عن موقف جمال مبارك أمين السياسات وصديقهما المشترك مما يجري؟.. هل انحاز إلي أحمد عز علي حساب رشيد؟.. هل هو الذي أرسل رشيد إلي مهمة المانيا كي يحافظ علي ماء وجهه؟.. هل وقف علي الحياد بينهما رغم أن ذلك الموقف يعني هزيمة رشيد وتراجع أسهمه في خلافة أحمد نظيف؟
وقد جرت العادة أن يتنحي القاضي عن نظر القضية عندما يكون طرفا مباشرا فيها.. لكن.. أحمد عز ملك الحديد والصلب والصاج والخردة أصر علي أن يدير معركة قانون الاحتكار في مجلس الشعب بنفسه.. ولنفسه.. لم يتنح حرجا.. وإنما بقي قهرا.. وأثبت أنه صاحب رؤية مستقبلية ثاقبة.. فقد سيطر علي أغلبية من النواب ووضعهم في جيبه في انتظار اليوم الذي يستفيد منهم فيه.. وكان هذا اليوم هو يوم الأربعاء الماضي.. حين حول قانون الاحتكار من فص من الماس إلي قطعة خردة وضعها في أفران مصانعه لتزيد من سيطرته وسطوته.
ومادام المحتكر يضع قانون الاحتكار فلماذا لا تطالب بقية فئات المجتمع معاملة بالمثل؟.. تجار الكيف هم الذين يحددون العقوبات المناسبة لهم في قانون المخدرات.. سائقو النقل والميكروباص هم الذين يحددون الغرامات والمخالفات في قانون المرور.. والعاهرات والقوادون وبلطجية الكباريهات وبيوت الدعارة هم الذين يحسمون قانون الآداب العامة.
وقانون الاحتكار لا يزيد في حقيقته علي مادتين.. بدونهما يتحول التشريع إلي نص مكتوب علي ورق تواليت في حمام أمين التنظيم وصاحب مصانع حديد عز وعائلته.
المادة (22) وكانت تنص علي رفع الحد الأدني من غرامة الاحتكار من 30 ألفا إلي 100 ألف ورفع الحد الاقصي من 10 ملايين إلي 50 مليونا.. أو 10% من قيمة ما تنتجه الشركة المحتكرة.. أيهما أكبر.. وقد وضعت وزارة رشيد تلك الأرقام بناء علي فحص ميزانيات أكبر أربعين شركة في مصر وهي ميزانيات تتراوح ما بين ثلاثة وثلاثين مليار جنيه، كما أنها ميزانيات ستنمو وتكبر وربما تجاوز بعضها المائة مليار جنيه ومن ثم فإن القانون الذي سيحكم السوق خلال العشر سنوات القادمة وجد أن تلك الغرامات مناسبة للحد من الاحتكار والتخفيف منه وقد تمنعه.
وعندما وصل القانون إلي مجلس الشوري لم يأخذ أكثر من ساعة ورفع الأعضاء النسبة من 10 إلي 15% فليس لـ أحمد عز رجال فيه.. وبالطبع لم يعترض صفوت الشريف بل وافق علي رفع النسبة إلي 15%.. فما بينه وبين أحمد عز أكثر مما بين النجار والحداد والسباك.
لكن.. عندما عبر القانون الشارع ووصل إلي مجلس الشعب انفجرت الحرب.. وبدا واضحا لأول مرة أن الحكومة والحزب الوطني غير متوافقين تماما.. وبات مؤكدا أن قوة نواب المجلس ورئيسه في كفة أحمد عز.. ولا نقول في مكان آخر.
لقد خرجت المادة (22) من اللجنة الاقتصادية كما جاءت من مجلس الشوري بالغرامات نفسها.. وبدأ التصويت عليها.. وكان واضحا أن التصويت سيقرها بأغلبية مناسبة.. ولكن.. فجأة وصف فتحي سرور التصويت بأنه مريب.. فأعيدت المادة إلي اللجنة الاقتصادية من جديد.. وعندما جاءت منها مرة أخري نزعت منها نسبة الـ 15% واكتفت اللجنة برفع الغرامة إلي 300 مليون جنيه.. وبات مؤكدا أن بركات أحمد عز وكراماته قد حلت.
أما المادة الثانية المهمة في القانون فهي المادة (26) وكانت تنص علي إعفاء المبلغ عن جريمة الاحتكار من العقوبة.. وهي مادة معمول بها في جرائم أخري مثل الرشوة.. كما أنه معمول بها في غالبية قوانين الاحتكار في الدول الرأسمالية.. فمن الصعب إثبات جريمة الاحتكار إلا بالكلام.. بالنطق.. لأنها جريمة تربيطات شفهية.. واللافت للنظر أن الأغلبية وافقت علي هذه المادة.. قبل أن توافق كاملة علي القانون.. لكن.. إعادة المادة (22) إلي اللجنة الاقتصادية منح أحمد عز ورجاله وقتا لإعادة النظر في المادة (26) التي اثارت الفزع في قلوبهم وجيوبهم فقرروا إعادتها من جديد للتصويت بعد تعديلها.. ليكون الإعفاء من العقوبة تقديريا للمحكمة.. وفي هذه الحالة يعفي المرشد من نصف العقوبة لا كلها.. وهو نسف وتدمير للمادة والقانون.
ويبدو أن المناقشات الإعلامية والصحفية التي جرت حول هذه المادة لفتت نظر الرئيس فتدخل للبقاء عليها، فقيل له إن أحمد عز سيعيد صياغتها بحيث تتوافق مع تعليمات الرئيس.. ولكن.. جاءت الصياغة الأخيرة تضليلا لتعليمات الرئيس.. بل جاء القانون كله مختلفا عما تريده الحكومة وما يريده الرئيس.. لتتحول قاعة مجلس الشعب إلي قاعة مسرح هزلي عبثي فيها بطل واحد يتولي كل المهام.. التمثيل والإخراج والإضاءة وقطع التذاكر ووضع المتفرجين في مقاعدهم مربعين.. صامتين.. وإلا ضربهم علي أقدامهم.
لقد قام أحمد عز بتغيير القانون في ساعات قليلة ضاربا عرض الحائط بكل المؤسسات والهيئات واللجان الحكومية والحزبية والتشريعية التي وضعته في صورته الأولي.. فهو أكبر منها وأهم.
ولو تصورنا أن تعرية مواقف أحمد عز سوف تحرجه فنحن مخطئون فهو أصلا ينتمي إلي نادي العري السياسي.. حيث المكسب أهم من السمعة.. والسلطة أهم من الصورة العامة.. والقوة أهم من قصائد الشعر.
إن كل المقالات والتعليقات والتشريعات لن تستطيع أن تزحزح حجرا من حجارة إمبراطورية أحمد عز.. فقد بناها بطوبة من السلطة وطوبة من الثروة.. بطوبة من السيطرة علي أعضاء مجلس الشعب وطوبة من السيطرة علي أمناء الحزب الوطني.. ولو كان قد تجاوز الحكومة وأجبر وزيرا بارزا فيها علي الهروب من المواجهة فإنه في الوقت المناسب ولو جاءته الفرصة المناسبة سيتجاوز لجنة السياسات وسيجبر رئيسها علي المثول أمام المحاكمة.. فليس لطموحه سقف.. وليس لقوته حد.
ولو لم تتدخل السلطة لإعادة قانون الاحتكار إلي ما كان عليه فإن علي وزير الصناعة أن يستقيل وعلي باقي زملائه في الوزارة أن يدخلوا المغارة ويكتبوا عليها" مغلقة للتحسينات".
والفرصة الوحيدة أن يعيد الرئيس القانون إلي المجلس من جديد.. لقد اعتاد الرئيس أن يناقش المؤثرين في المجلس قبل إقرار التشريعات.. لكنه.. هذه المرة جري تضليله.. فليتدخل لتصحيح القانون طبقا لما أرادته حكومته التي هي جزء من السلطة التنفيذية التي يرأسها والتي تلقت ضربة علي رأسها أفقدتها الوعي وربما افقدتها الصلاحية.
علي أن خسارة أحمد عز ــ الذي بدا أنه خرج من مجلس الشعب منتصرا ــ لا تقل عن خسارة رشيد محمد رشيد.. فقد أجمعت الموالاة والمعارضة علي كراهيته.. وضرورة التخلص منه.. وكأن المباراة التي جرت بين الرجلين هي مبارزة بالمسدسات انتهت بقتلهما معا.