هوان الوطن وهوان المواطن
...............................................................
| |
ابو الغيط | |
بقلم: حمدى قنديل
....................
فى الوقت الذى كان فيه الرئيس يتحدث فى ذكرى تحرير سيناء عن "استرداد كرامة الوطن وعزته" وعن "توسيع قاعدة العدل الاجتماعى" والوقوف إلى جانب الفقراء، كان المواطن المصرى وكانت مصر ذاتها فى هوان فاضح.
فاض الهوان بالمواطن إلى الحد الذى دفع جراح القلب الشهير د. مجدى يعقوب إلى القول إن "قلوب المصريين هى الأكثر ألما ومرضا بسبب القهر والظلم".. أصدقه.. أضحينا نلاقى القهر والظلم عند كل منعطف. • 40٪ من المصريين ينفقون ألف جنيه سنويا. أى أقل من 3 جنيهات فى اليوم الواحد • حكومة تعاند فى وضع حد أدنى إنسانى للأجور فى حين تغدق مليونا من الجنيهات راتبا شهريا لألف من الأزلام.
• مئات من المواطنين عرضهم معروض على رصيف مجلس الشعب، فى حين نجد ممثلى الشعب من الحزب الحاكم بين من يتولى وظيفة حكومية بالمخالفة للدستور يتقاضى مقابلها بدلات قدرها 750 ألف جنيه فى عام واحد، ومن يلهف مئات الملايين من المال المخصص لعلاج الشعب جشعا وطمعا وسحتا وكفرا وأسعار دواء تحدد وفقا للسوق العالمية، ومستشفيات خارج الخدمة، وغالبية ساحقة دون تأمين صحى، 70 ألفا منهم يموتون بالسرطان كل عام، و40 ألفا بفيروسات الكبد • مياه شرب نعبها مخلوطة بمياه الصرف، وغذاء كالسم الهارى مروى بالمجارى • 7 ملايين طفل محرومون من الحقوق التى نصت عليها دساتير ومواثيق وديانات الأرض جميعا
• ألف عشوائية فى البلد، بينها 85 عشوائية تحيط القاهرة بحزام متفجر يسكنه 10 ملايين بائس، غير مليونين يعيشون فى المقابر • 35٪ من حملة المؤهلات العليا والماجستير والدكتوراه دون عمل، بخلاف مئات ألوف أخر من العاطلين، يدفع العشرات منهم للموت غرقا كل عام فى قوارب الهجرة • ديون لبنك التسليف تفتك بالفلاحين، وأراض عصية على الرى، ونفقات للزرع والحصد تفوق ما تجلبه المحاصيل من إيراد
• سلع تشتعل أسعارها بزيادة 14٪ فى 2009، وجنون فى أسعار المياه، وتهديد برفع أسعار الوقود والكهرباء، وقفزة فى أسعار اللحوم بنحو 40٪ فى أشهر معدودة.
لا ينتهى إلى هنا القهر والظلم
• مقامرة بأموال أرباب المعاشات وتأميناتهم، ومغامرة بسندات تنذر بإغراق مصر فى الديون • مواطنون عاديون يتحملون 60٪ من الضرائب فى حين تسدد بعض الشركات الكبرى 8٪ فقط من ضرائبها المستحقة، وضرائب تفرض حتى على السكن، وجباية 10٪ على الربح فى بيع السيارات المستعملة (التى تباع عادة بخسارة) • كبار الحيتان يعفون من ديون بالمليارات فى حين يطارد بالحبس صغار المدينين، ويورد سائقو مشروع إحلال التاكسى بأقساط بنوك زادت بنحو 500 جنيه كل شهر • خدمات واجبة/لا تقضى إلا بالرشوة، وحقوق لا تصل إلى أصحابها سوى بالوساطة
• فروق فاجعة بين ملايين من البسطاء لا يجدون الفتات وبين قلة فاجرة من المنتفعين بالحكام، من محتكرين ولصوص أراض وصيادى مشروعات بالأمر المباشر وحواة استيراد و"حرامية خصخصة" (اللقب الذى صكه النائب البرلمانى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية).
• قانون طوارئ نعيش تحت رحمته ثلاثين سنة، فنعتقل دون إذن ونحاكم أمام محاكم عسكرية ونعذب فى أقسام الشرطة، ونمنع من حقنا فى التظاهر، ونهدد بضرب النار، ويسحل شبابنا وتعرى بناتنا فى الشوارع
• حكام يعاملون المواطنين كعبيد، من خليفة ولى الأمر الذى يأمر سكان مدينة دماص بإغلاق نوافد بيوتهم عشر ساعات لأنه سيتعطف عليهم بزيارة إلى رئيس مدينة أخميم الذى يمنع الأهالى من دفن موتاهم فى الجبانة دون مشورة
• تمييز ضد الأقباط وضد الشيعة وغيرهما من الأقليات يؤدى إلى وضع مصر ثمانى سنوات ضمن الدول الأكثر انتهاكا للحريات فى العالم
• نباح فى برامج الفضائيات كل ليلة دون مجيب، وتنصت على خصوصياتنا دون رخصة، وتضييق على أحزابنا دون مسوغ، وتزوير لإرادتنا فى الانتخابات دون رادع..
يدفع القهر والظلم معظم فئات المواطنين للاحتجاج والتظاهر والاعتصام، حتى إن جريدة نيويورك تايمز تقول إن "الكل فى مصر يعتصم إلا قوات الأمن".. ها هم بالفعل كذلك، وفى مقدمتهم العمال الذين يعترف الاتحاد الرسمى للعمال بأن بعضهم يعانى من السخرة التى عادت بعد أيام حفر قناة السويس.. لكن العمال ليسوا هم الغاضبون وحدهم..
هناك المعاقون، وهناك موظفون حكوميون، وهناك أساتذة جامعيون وأطباء، وهناك أهالى من القرصاية ومن طوسون، وهناك سائقون من الدقهلية، وهناك أسر من منشأة ناصر تمترسوا فى بيوتهم، وهناك طلبة فى المنوفية محتجون على اعتقال زملائهم، إلى أن نفذت المظاهرات التى تحمل لافتات "لا للحزب الوطنى" إلى عقر الكاتدرائية المرقسية، ووصل الاعتصام إلى سكان عقار فى عابدين تظلموا من فاتورة مياه بـ 86 ألف جنيه فرضت عليهم بتقدير جزافى.
أى هوان هذا الذى يلاقيه المواطن؟
ثم ماذا عن هوان الوطن؟.. يقول الرئيس إن "الوطن ينعم بالعزة والكرامة والكبرياء".. ولكن أستاذ تاريخ الأدب الشهير د. الطاهر مكى يصدمنا بأن "حالاتنا الآن كالأندلس قبل سقوطها".. أصدقه.. قبل السقوط تصر إسرائيل على تغول المستوطنات، وتقتحم الأقصى، وتقرر ترحيل 70 ألف فلسطينى من الضفة الغربية، فنقابل ذلك كله مرة ببيان حكومى يعرب عن "القلق البالغ"، ومرة بخطب فى البرلمان تندب وتولول..
قبل السقوط تتآمر إسرائيل على مياهنا بالتواطؤ مع دول منابع النيل فلا نملك غير الشكوى، وتهدد السياحة فى سيناء بتحذير مواطنيها من خوض مخاطرها فلا نملك إلا النفى..
قبل السقوط يتسلل إلى أراضينا إسرائيلى مسلح فنعيده إلى الحدود سالما فى ذات اليوم الذى تصدر فيه أحكام بالسجن المؤبد فى قضية خلية حزب الله، تطالب منظمات دولية بإعادة النظر فيها.. قبل السقوط نقيم سورا فولاذيا بمساعدة أمريكا لنحكم مع إسرائيل الحصار على أهل غزة، ونفجر الأنفاق بيننا وبين القطاع، فى حين تعد تركيا سبع سفن لنجدة المحاصرين.
قبل السقوط تحذر دراسة لمجلس الوزراء من فجوة خطيرة فى إمدادات الغاز فى ٢٠٢٠ فنستمر فى ضخ الغاز لإسرائيل بأقل من تكلفة استخراجه، ممعنين فى تحدى أحكام القضاء التى قضت بزيادة سعره وتعديل كميته.. قبل السقوط يؤكد سفير مصر فى إسرائيل أنه لا يقيم فى دولة أعداء، نافيا بذلك تصريحا لوزير الخارجية وصف فيه إسرائيل بالعدو، وما كان لينفى إلا لأن التصريح سقط سهوا من فم الوزير الذى عادة ما تسقط من فمه الكلمات كما تتساقط النفايات من كيس زبالة مخروم.. قبل السقوط تصدر أمريكا التعليمات بإجراء مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فنهرول للضغط على المظلوم مراضاة للظالم.. قبل السقوط تقود تركيا وإيران ومعهما إسرائيل المنطقة من شرقها لغربها، فى حين كنا نحن إلى عهد قريب أصحاب الكلمة والقدرة والمكانة.
وأخيرا وقبيل الدوى المروع للسقوط ترسل رئاستنا إلى إسرائيل تهنئة بعيد قيامها يوم نكبتنا، وذكرى اغتصاب أرضنا وانتهاك شرفنا وسفك دمنا.. ولا نكتفى.. نزيد فنستقبل اليوم نتنياهو فى شرم الشيخ، التى اعتاد الحضور إليها حتى للإفطار فى رمضان، بدلا من أن نقدمه ووزراءه للمحاكمة.
يا لهوان الوطن!