في كل بلدان العالم، عندما يعترض حجر طريقا فإن البلدية تسارع إلى إزاحته لتسهيل حركة المرور، أما في العالم العربي فتلقي جهة ما حجرا في الطريق، وبدلا من إزاحته يتفتق عقل من يدعون الحصافة على أن الوسيلة الأمثل للتعامل مع مشكلة الحجر، هي أن توضع لافتة فوقه تقول: «اوع الحجر».
والأنكى أن تلافي الحجر يستوجب على المدى البعيد توظيف مؤسسات بأكملها لهذا الغرض، بداية من العمال الذين يتناوبون الورديات ليلا حاملين الفوانيس لإضاءة اللافتة الموضوعة فوق الحجر، وانتهاء بإنشاء كوبري علوي لتفادي الحجر أو حفر نفق للعبور تحته.
إن واحدة من أهم مسؤوليات قمة الرياض هي إزالة الحجر، بدلا من وضع اللافتة المحذرة عليه واللف والدوران حوله. والأحجار التي تقف في سبيل نجاحنا وتطورنا كثيرة، ابتداء من جميع مؤسساتنا الصغيرة والكبيرة وصولا إلى علاقاتنا الدولية. لكنني سأكون صادما منذ البداية وأقول، إن إبقاء قضية فلسطين لمدة خمسين عاما دونما حل نهائي، هو أكبر حجر يعترض طريق التنمية العربية، فإما أن نرفع هذا الحجر عن الطريق بحل جذري ودائم أو أن نستمر في بناء الكباري العلوية والأنفاق السفلية. خمسون عاما والعرب يدورون حول القضية الفلسطينية، أنشأوا صحافة وإذاعات وتلفزيونات للقضية، وأنتجوا كتابا ومحللين ومفكرين للقضية، وأعدوا جيوشا جرارة وخصصوا ميزانيات ضخمة للقضية، وكلها لم تقدم حلا أو تنفع في أي اتجاه، بل كانت تنضوي تحت شعار: «اوع الحجر».
والطريف أن القضية الفلسطينية لم تجعل العرب فقط يدافعون عن بقائها كحجر جاثم على صدر التنمية في بلدانهم، بل جعلت حتى الإسرائيليين اليوم يشاركوننا نفس المشاعر، لأن في مصلحتهم إبقاء قضية فلسطين كحجر في المنطقة، وانخرط الأميركان بالعملية، فراحوا يضعون تصورا لخريطة تتفادى الحجر بدلا من إماطة الأذى عن الطريق.
الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحده الذي طرح المبادرة الجادة في قمة بيروت 2002، التي كانت بداية حوار جاد لحل قضية فلسطين، لكن «جماعة الحجر» أضافت إليها موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين، ليحولوها من مبادرة جادة تصلح لحل شامل، مستفيدة أقصى ما يمكن من المعطيات الواقعية، إلى مبادرة مستعصية على التطبيق، ولا تختلف كثيرا عن قرارات مجلس الأمن غير المطبقة. فرغوا بذلك المبادرة السعودية من معناها، وأبقوا قضية فلسطين حجرا ليحملوا الفوانيس التي تضيء اللافتة المعلقة عليها، وليصرخوا فينا: «اوع الحجر».
طرح المبادرة اليوم مجددا في الرياض، لا بد أن يكون طرحا جريئا لا يرضخ لـ«لوبي الحجر»، فالقضية الفلسطينية لا بد من حلها أساسا لحل كل المسائل العالقة في المنطقة. وأنا شخصيا متفائل بوجود ممثلين عن ماليزيا واندونيسيا وتركيا في هذه القمة، لأننا كعرب تعودنا منذ خمسين عاما على التعاطي مع قضية فلسطين على أنها قضية معقدة لا يحلها إلا الأنبياء، حتى بلغت عندنا درجة المقدس، فلربما كانت لهؤلاء القادمين من بعيد رؤيتهم الخارجية الجريئة التي تساعدنا على تسمية الأشياء بأسمائها، وعلى رؤية قضية فلسطين كقضية يمكن حلها بوضوح الرؤية، دونما الإغراق في القدسية.
الحجر الذي لا بد لقمة الرياض من التصدي له أيضا، هو تصدير الراديكالية التي أصبحت ثاني منتج في صادرات العرب بعد النفط . يجب على المؤتمرين التحدث بوضوح وشفافية عن تدهور الوضع الأمني في العراق، فالانتحاريون والإرهابيون الذين يفجرون أنفسهم هناك حتى في بيوت الله لم يأتوا من الهواء ولم يصلوا إلى العراق عبر الهواء أيضا. مسؤولية محاربة الإرهاب جسيمة ومشتركة، وتستدعي جهدا عاجلا وجماعيا لا يحتمل التأخير. أما أن يدعي بعض المؤتمرين في الرياض بأن أميركا وحدها هي المسؤولة عن خراب البصرة، (وهنا الخراب بمعناه الواقعي وليس بكناية المثل الشائع)، فإن هذا الادعاء سيكون محاولة للتهرب من المسؤولية، والقفز فوق الحجر من على كوبري.
إيران النووية، حجر كبير آخر ملقى في منتصف الشرق الأوسط، على قمة الرياض أن تتناوله رغم تعقيداته. ستكون في القمة طبعا مجموعة كبيرة من الساسة المدججين بميليشياتهم الإعلامية، والذين سيقولون إن الحجر الإيراني الذي يعترض سلام وأمن المنطقة، «هو حجر إسلامي، وإن في دخول أميركا أو أوروبا في هذا الشأن إهانة لمشاعر المسلمين، وفي إزاحة الحجر إساءة للإسلام والمسلمين.. ولأن الحجر نووي فهو (منور) لوحده، ولا يحتاج إلى عمال بفوانيس.. وهذه إحدى علامات البركة والهدى».
وللأمانة، في لحظة تجل خارجة عن المعقول، خيل إلي بما أن الحجر الإيراني النووي محبط للنفس وجالب للهم، فقد يدفع بعضنا إلى أن يدخن «الممنوع» محملقا في الحجر، وبعد برهة من الوقت، سيتصور أن الحجر بدأ يدور حوله، بدل أن يدور هو حول الحجر!.. كرامة أخرى من كرامات الحجر النووي الإيراني.
التعليم في العالم العربي، يمكن أيضا اعتباره حجرا كبيرا في طريق التنمية، على القمة العربية المقبلة أن تتنبه إليه. خصوصا إذا ما عرفنا أنه لا توجد جامعة واحدة في العالم العربي (الجامعة العربية مستثناة هنا بالطبع) تقدم إنتاجا فكريا يمكن أن يأخذه العالم بعين الاعتبار، اللهم إلا إذا حسبنا لبعض الجامعات تفردها بإنتاج «سوفت وير» الإرهاب وذهنيته. وزراء التعليم العالي عندنا يدعون أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأن الميزانية المخصصة لهم لا تكفي، فلا بد من إنشاء جامعات خاصة شريطة ألا تدرس مناهج «الكفار»!.. حل عبقري شبيه بحل توظيف عمال الفوانيس ليلا لتنبيه المارة الى وجود الحجر الملقى وسط الطريق.
المطلوب من القمة العربية المقبلة في الرياض أن تزيح الأحجار الثقيلة الملقاة على صدر التنمية والتطور والسلام في العالم العربي، لا أن تتهرب من مسؤولياتها فتلتف وتدور حولها، أو أن تبني فوقها وتحتها الجسور والأنفاق. العالم العربي يتوقع من الملك عبد الله بن عبد العزيز والمشهود له بالصراحة والشفافية، صاحب المبادرة التى ستنعقد القمة من أجلها، أن يعيد للعرب ثقتهم بمعنى كلمة «قمة».
وأخيرا، أتمنى أن يكون هذا المقال حجرا يحرك المياه الراكدة في بحيرة الذهنية العربية، لا أن يكون حجرا في الطريق..