من "سياتل" العرب ... إلى الرئيس أوباما
...............................................................
|
عصام عبد العزيز |
عصام عبد العزيز
........................
سيادة الرئيس
ما أكثر الرسائل التي أرسلت ومازالت تتوالى عليكم من شعوب الأمة العربية والإسلامية... من العلماء وقادة الرأي والفكر فيها ومؤسسات المجتمع المدني... وهي وإن اختلفت في اللغة والمبنى إلا أنها اتفقت في المعنى من حيث المطالب والأهداف.... غير أن الذي استوقفني سيادة الرئيس وأنا أكتب رسالتي هذه إليكم ... رسالة قديمه أُرسلت إلى من أسس هذا البنيان الذي تربعت على عرشه... إنها من "سياتل" زعيم الهنود الحمر...
لا أشك أنك قد قرأتها أكثر من مرة لأنها من الأدب السياسي الرفيع ... ولكن لا أظنك أعدت قراءتها بعد أن أصبحت رئيساً... لذا أرسلها إليكم لأني وجدت أنها المعين الذي استقى منه الآخرون رسائلهم إليك وإن لم يقرأوها... فالعقل فن واحد والجنون فنون.
سيادة الرئيس
يقول سياتل في رسالته "إن القائد الكبير في واشنطن وجه إلينا خطاباً عبر فيه عن رغبته في شراء أرضنا. لكم أتعجب كيف للمرء أن يبيع أو يشتري سماءً تظله أو أرضاً تحتضنه؟ إن هذه الفكرة لجد غريبة بالنسبة إلينا فإذا كنت لا تملك نسيم الهواء أو ترقرق الماء، فلعمري كيف لك أن تبيعه؟.
كل ذرة رمل من هذه الأرض مقدسة لدى شعبي، فنحن جزء منها وهي جزء منا، فالزهور الفواحة بالعطر أخواتنا والأيائل والخيول والنسر العظيم إخوان لنا ، وذُرى الصخور ورحيق المروج وحرارة جسد يخب الأرض بجوار صاحبه ، كلهم ينتمون لعائلة واحدة.
سيادة القائد الكبير كيف يمكنكم شراء وبيع السماء وحرارة الأرض؟ مثل هذا التصور يبدو غريباً عنا, كل ضفة وكل حشرة مهما كانت تافهة فهي مقدسة في ذاكرة و تجارب شعبي. هذه المياه التي تشع وهي تجري في السواقي و الأنهار ليست مياها. إنها دماء أجدادنا.
ولهذا فإن الزعيم الأكبر في واشنطن عندما يبعث برسالة كي يطلب شراء أرضنا فإنه يطلب ما لا قبل لنا به... ونحن نعرف أن الإنسان الأبيض لن يدرك عاداتنا فأرضنا في عينه مثلها مثل الأرض التي تليها ، وقد أتى غريباً مستتراً تحت جنح الظلام كي يغتصب ما يروق له من أرض ، وهو لم يتخذ أبداً من الأرض أختاً له ، بل كان عدواً لها دائماً وعندما غرس مخالبه في أحشائها أخرج ما في بطنها من خيرات ولم يفتأ يغزو أرضاً أخرى ولم يكتف بذلك بل حدد ثمناً لأمه الأرض ، وحدد ثمناً للسماء التي كانت يوماً أختاً له ، كما لو كانا من السلع التي تباع وتشترى، أو شياهاً تنهب فمالت شهيته لالتهام الأرض وتركها وراءه قاعاً صفصفاً ، وإذا ما ذهبت إلى مدن الرجل الأبيض فلن تجد مكاناً هادئاً أو مرجاً تنصت في حفيف أوراق الشجر في الربيع أو أزيز أجنحة الحشرات ، ونحن نعرف حق المعرفة أن الأرض لا تنتمي إلى الإنسان ، بل هو الذي ينتمي إليها ، وإن كل الموجودات تربط بينها صلة دم يلم شملها داخل عائلة واحدة فكل الأشياء شيء واحد.
بوسعكم مواصلة تلويث أسرتكم لكن لا يجب أن تنسوا أنه سيأتي اليوم الذي ستختنقون فيه بنفاياتكم وعلامة ذلك اليوم هي اغتيال كل الثيران البرية وترويض كل الخيول الوحشية, اليوم الذي سيطال فيه التلوث البشري أكثر المناطق ستراً في الغابات, كما ستشهد التلال النخر على يد خلف المتعالين اليوم, فكيف سيكون مصير الغابة إذن؟ دون شك فإنها ستندثر. ومصير البشرية؟ سيندثرون هم أيضاً. ليتنا كنا ندري آنذاك بماذا كان يحلم الرجل الأبيض وعن أي آمال كان يتبادلها مع أطفاله خلال ليالي الشتاء الطويلة, وماذا كان ينقش على ذاكرتهم؟ .... لكن اليوم الذي سينقرض فيه الهنود الحمر من على وجه الأرض, ذكراهم ستبقى مجرد سحابة تجوب المروج والضفاف و الغابات, فإنها ستذكركم بأنفاس شعبي, لأن شعبي كان يعشق تلك الأرض كما يحب الطفل سماع خفقان قلب أمه ساعة ولادته.
سيادة الرئيس
ألا ترى معي أن "سياتل" الذي أرسل هذه الرسالة إلى سيد البيت الأبيض عام 1854م لم يمت وأنه كتبها اليوم وليس بالأمس البعيد ؟
ألا ترى معي أن ما جاء في هذه الرسالة من مضامين سياسية ومطالب لا يختلف عما جاء في الرسائل التي أرسلها إليكم علماء هذه الأمة ومفكريها إلا في بعض التفاصيل؟
ألا ترى معي أن ما جاء في هذه الرسالة من تحذير للبشرية من مستقبل بائس في حالة سيطرة أمريكا على العالم قد تحقق!!
سيادة الرئيس
منذ أن أرسل "سياتل" بهذه الرسالة وحتى اليوم لم تتغير سياسات سيد البيت الأبيض لا في الشكل ولا في الجوهر... بل للأسف زادت طغياناً وإفساداً في الأرض أتت على الأخضر واليابس... فالنهب المنظم والاستنزاف لخيرات ومقدرات الشعوب بل وعلى مستقبل ومستحقات الأجيال القادمة يسير على قدم وساق ولا يحتاج الأمر إلى دليل أو ضرب الأمثلة.... فأنت سيادة الرئيس شاهد عيان على جرائم من سبقوك على هذا العرش فالتاريخ حاضر لديك ولدينا في فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان وباكستان.
سيادة الرئيس
حضرت إلي أرض الكنانة بلد الأزهر الشريف لتوجيه كلمة للعالم الإسلامي بيد أن الشعوب الإسلامية التي اكتوت بنار الظلم والعدوان الأمريكي تحتاج إلى أفعال لا إلى أقوال... فأنت السياسي المحنك ولديكم من الذكاء والفطنة ما يجعلك تعرف ما هو المطلوب منك بالضبط أن تفعله... وكما يقول المصريون "تفهمها وهي طايره"
فخامة الرئيس
شعوب العالم الإسلامي ببساطة شديدة تريد: أن تعبد الله وحده لا شريك له وأن تعيش وفق شريعة الإسلام... وأسلافك ومن نصبتموهم على رقابنا في العالم العربي والإسلامي يريدون منا إسلاماً أمريكانياً كما يقول الشهيد سيد قطب" يجوز أن يستفتي في منع الحمل, ويجوز أن يستفتي في دخول المرأة البرلمان, ويجوز أن يستفتي في نواقض الوضوء ولكنه لا يستفتي أبدا في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنا المالي, ولا يستفتي أبدا في أوضاعنا السياسية والقومية, وفيما يربطنا بالاستعمار من صلات.. فالحكم بالإسلام, والتشريع بالإسلام, والانتصار للإسلام لا يجوز أن يمسها قلم, ولا حديث, ولا استفتاء" ... وهذا يا فخامة الرئيس... دونه رقابنا ... لن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ... ومحاولة فرض ذلك أياً كانت الوسيلة فمصيره الفشل لأنه وعد من الله سبحانه وتعالى لنا في سورة الأنفال " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(36) لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(37).
سيادة الرئيس
العالم الإسلامي يريد العدالة والحرية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره... فبالأمس القريب تحرك سيد البيت الأبيض ومعه أوربا من أجل تمكين أقل من مليون كاثوليكي في تيمور الشرقية من الانفصال عن الدولة الاندونيسية بدعوى حق هؤلاء الكاثوليك في تقرير المصير، فلماذا لم يتحركوا من أجل الإنسان الفلسطيني أليس له حقوق؟ وتعلم أنهم تحركوا من أجل تطبيق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وحقوق الإنسان في حرب الخليج الأولى والثانية وجنوب السودان ودارفور، والعراق، وأفغانستان... ولكن رغم صدور مئات القرارات الدولية بخصوص فلسطين لم يطبق قرار واحد !!
سيادة الرئيس
لا يوجد شعب على هذه الأرض تعرض لمثل ما تعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم وعدوان وبدعم معنوي ومالي وعسكري أمريكي... ومن ثم فلا تنتظروا من المسلمين علاقات طبيعية ما لم يرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وتعاد له حقوقه وأرضه. والأمر كما قال لكم رئيس الوزراء المنتخب المجاهد إسماعيل هنية في رسالته إليكم " إن البوابة الوحيدة إلى العالم الإسلامي هي عبر فلسطين.وبوابة العالم الإسلامي وهي فلسطين معروفة جيدا، ومفتاحها هو العدالة والحرية للفلسطينيين" ألا ترى فخامة الرئيس أنكم تأخرتم في الرد على رسالة هذا المجاهد.
سيادة الرئيس
نريد منكم أن ترفعوا أيديكم عن رعاية وتأييد ودعم الأنظمة الاستبدادية ونخبتها الفاسدة... فهي أصل الداء وموطن البلاء ... خلوا بيننا وبينهم... فرحيلهم قاب قوسين أو أدنى... ومصالحكم الحقيقية هي في التعاون مع الشعوب الإسلامية .. تعاون قائم على العدل والإنصاف والمصالح المشتركة لا على الإثم والعدوان ... إن أردتم أن يعم العالم الأمن والسلام ..
سيادة الرئيس
لقد قلتم أكثر من مرة أمام الصحفيين "إنني أدرك من أين تأتي رؤية التغيير أولا وأخراً ، إنها تأتي مني. وهذا هو عملي..." وها نحن نراقب خطاكم وأقوالكم وننتظر بشوق أفعالكم ونرجو ألا يطول الانتظار.
esamabdelaziz@gmail.com
06/11/2014