| | | | الرعب الذى ينتظرنا ...............................................................
عبد الحليم قنديل ....................
لست أملك عين زرقاء اليمامة ، وإن كنت أثق أن مصر ذاهبة إالى حريق ، ذاهبة إلى انفجار اجتماعى خطر بتكلفة دم ودمار لا يريدها أحد. نعم ، مصر ذاهبة إلى رعب حقيقى ، وبأكثر مما جرى فى حريق القاهرة قبيل ثورة 1952 ، وبأعنف مما جرى فى انتفاضة 18 و 19 يناير قبل ثلاثين سنة ، فالهدوء الظاهر على السطح قد يغرى بتوقع الاتصال فى الركود ، الهدوء المنبسط كصفحة النيل قد يوحى بتأجيل متكرر لمواسم الفيضان ، مصر على السطح قد تبدو ميته وجثة طافية ، لكنها فى العمق الاجتماعى تغلى ، ومواعيد الغضب تتوالى نذرها ، فالبلد "فى قلبها دمل" ، والدمل بتشديد الميم – فى النطق العامى المصرى – هو قيح صديدى يطفر من قشرة الجلد الأحمر الملتهب ، وقد امتلأ قلب مصر بالصديد ، امتلأ قلبها بصديد النهب العام ، وتوجع قلبها بصديد الكبت العام ، ونزلت مصر – بغالب أهلها – إلى ما تحت خط القهر والفقر والمرض ، واجتمع الشعور بالذل الوطنى إلى الإحساس بالسخط الاجتماعى ، واقتربت لحظة الخطر ، أو قل أنها توشك.
دعاوى الإصلاح السياسى انتهت إلى انسداد سياسى ، انتهت إلى وضع البلد كله فى جراج الرئاسة ، فالسياسة – بتداعى الأحزاب – انتهت إلى جنازة ، وتزوير الانتخابات أصبح قانونا ساريا بتعديلات الدستور الأخيرة ، فقد انتقل الإشراف العملى على الإنتخابات إلى ضباط الشرطة بدلا عن القضاة ذوى الحصانة ، والانتخابات العامة دخلت سلك التعيينات ، ونقابات العمال وضعت تحت يد الأمن ، واتحادات الطلاب يجرى تشكليها بمعرفة الحرس الجامعى ، والنقابات المهنية انتهت – فى أغلبها – إلى التجميد منذ صدور القانون 100 أواسط التسعينيات ، وقانون الطوارىء تحول – بالتعديلات الدستوريه إياها – إلى دستور دائم ، وعدد المعتقلين يفوق – بتقديرات شبه رسمية – رقم الـ 25 ألفا ، والنظام القائم تحول إلى كيان معلق فى هواء كإنسان ابن سينا الإفتراضى ، ولا تكاد تربطه بقاع المجتمع سوى عصا أمنية متضخمة متورمة ، مجرد كيان معلق يستند إلى عصا الأمن ، ويبدو كالنبى سليمان حين مات ، وهو يستند إلى عصاه ، ولم يلحظ أحد أنه مات إلا حين نخر النمل العصا ، فقد مات النظام سياسيا ، ولم تعد إلا العصا تنتظر جيوش النمل فى انفجار يستعجل أوانه ، لقد بنى عبد الناصر سدا عاليا يحجز عن مصر خطر الغرق فى فيضان الماء ، وبنى السادات – ومن بعده مبارك – سدا أمنيا عاليا ، ومما له مغزى أن التضخيم فى العصا الأمنية بدا مطردا بالذات عقب انتفاضة 1977 ، فقد بدأ من وقتها تضخيم جهاز الأمن المركزى وقوات الداخلية خصما من حساب الدور السياسى للجيش ، وانتهينا – بالإحصاءات الرسمية – إلى 850 ألف ضابط وشرطى وموظف فى وزارة الداخلية ، أضف : 450 ألفا من قوات الأمن المركزى ، أضف: 400 ألف مخبر سرى ، والمجموع: مليون و 700 ألف ضابط وجندى ومخبر، وهو ما يعنى أنهم وضعوا – بتقديرات الباحث عبد الخالق فاروق – عسكريا مقابل كل 37 مواطن مصرى ، وهى نسبة قمع تقترب من ضعف مثيلتها فى إيران زمن الأيام الأخيره للشاه ، كانت النسبة الإيرانية عسكريا لكل سبعين مواطن ، ويعكس التضخم الأمنى المفرط إحساسا بالغرائز بدنو النهاية ، فقد تآكلت القاعدة الاجتماعية للنظام إلى حد التلاشى ، ونسب التصويت فى الانتخابات والاستفتاءات تعكس الصورة ، فقد أدار الناس ظهرهم لألعاب النظام ، وتدنت نسبة التصويت الفعلى فى الاستفتاء الأخير على تعديلات الدستور – 27 مارس 2007 – إلى 4% ، وهى نسبة التصويت الحقيقى ذاتها فى الاستفتاء على التعديل الرئاسى للمادة 76 ، والمحصلة: أن تغيير النظام لم يعد ممكنا بسياسة الإقناع ولا بسياسة الانتخابات ، فقد انتهى الوضع لاعتبار الشعب المصرى هو العدو الأول للنظام المصرى ، وانتهت شهوة شفط الثروة وتركيز السلطة – عائليا – إلى ماهو أسوأ ، انتهت إلى تجاهل المؤسسة العسكرية ، والخصم من دورها فى حساب السياسة ، عادت الشعب ، وتجاهلت المؤسسة ، انتهت بمصر كلها إلى مجرد عزبة حكر على العائلة ، رهنت الحاضر لمبارك الأب ، وارتهنت بالمستقبل لصالح العائلة ، وتأبيد حكمها – بعد التمديد – بتعديلات الانقلاب على الدستور وتعديلات النظام الداخلى فى المؤتمر الأخير للحزب الحاكم (!).
والأخطر أن الانسداد السياسى جرى مصحوبا بدفع المصريين – فى غالبهم – إلى جحيم اجتماعى حقيقى ، فلسنا بصدد نظام ديكتاتورى يتحكم – فقط – بالسياسة ، ويعوض عن تغييب الحريات العامة بتقدم فى الاقتصاد ، بل الصورة كلها فيها ملامح المأساة ، وتؤكد أننا انتهينا إلى انحطاط تاريخى عام ، وإلى مايشبه الخروج من التاريخ بالجملة ، فلم يكن الذى جرى فى مصر – بعد انتفاضة 1977 – انتقالا من تجربة إلى تجربة ، بل الذى جرى هو انتقال من تجربة إلى "هدد" ، ومن نظام إلى حطام اقتصادى وسياسى ، ومن دور فى القيادة إلى دور بالقوادة بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل فى 26 مارس 1979 ، قبلها كانت تجربة مصر الكبرى باهرة فى التنمية والتصنيع ، كانت مصر تحقق – بأرقام البنك الدولى – أكبر معدلات التنمية فى العالم الذى كان ثالثا ، كانت معدلات النمو الحقيقى تجرى بمتوسط قدره 6.7% سنويا بين عامى 1956 و 1966 ، وتراجعت معدلات النمو قليلا بعد هزيمة يونيو 1967 ، ودفع غالب الموارد للمجهود الحربى ، لكن معدلات التنمية ظلت مطردة على أى حال ، حققت مصر بين عامى 1967 – 1969 معدل نمو بمتوسط قدره 4% سنويا ، وبين عامى 1969 و 1973 تزايد المعدل فى المتوسط إلى 5.19% سنويا ،كانت مصر – فى سباق التاريخ – تنافس كوريا الجنوبية فى معدلات التنمية والتقدم والتصنيع والاختراق التكنولوجى ، وبعد حرب أكتوبر 1973 لم تتراجع معدلات التنمية ، وإن جاءت هذه المرة مثقلة بالديون ، فقد ارتفع معدل النمو بين عامى 1974 و 1979 إلى 10.94% سنويا ، لم تكن ديون مصر حتى رحيل عبد الناصر تجاوز المليارى دولار ، وبعد حرب 1973 وإلى 1976 تلقت مصر مساعدات عربية وصلت إلى 6354 مليون دولار ، وكانت نسبة 57% من هذا الرقم فى صورة هبات ومنح لا ترد ، لكن باب الاستدانة كان قد فتح على مصراعيه ، وتلقت مصر تمويلا من مؤسسات عربية لتغطية العجز فى الميزان التجارى – مع انفتاح السداح مداح – زاد عن 6216 مليون دولار ، وبين عامى 1978 و 1981 تلقت مصر قروضا أمريكية لشراء أغذية وسلع ، وقبل أن يجرى التحول إلى نظام المعونة المتصل إلى الآن ، أى أن الرواج الاقتصادى بعد 1977 وإلى نهاية عصر السادات كان مصنوعا فى غالبه ، انتهينا لاقتصاد مرهق بثقل الديون ، أريد بالإغراق فى الديون أن تغرق السياسة ، غير أن الصورة لم تكن بلغت بعد حد الخطر ، كان توسع القطاع العام وتشغيل الخريجين يحفظ الأمن على جبهة الاقتصاد والمجتمع ، بعدها انحطت معدلات النمو بشدة بين عامى 1980 و 1992 ، حيث لم تزد نسبة النمو فى المتوسط عن 1.8% سنويا ، وتواصل التراجع بمعدلات النمو إلى الآن ، وباستثناء العامين الأخيرين ، ولأسباب تتصل بموارد طارئة من حملة بيع الأصول وعوائد السياحة المنتعشة والزيادة فى أسعار تصدير البترول ورسوم المرور فى قناة السويس ، وكلها موارد ريعية تضيع مع غيرها فى استيراد منتجات البترول والقمح الذى تعد مصر الآن مستورده الأول فى العالم كله، ولاتضيف لأصول اقتصاد وصلت ديونة الداخلية والخارجية إلى 700 مليار جنيه ، وقد كانت آثار تراجع الإقتصاد مدمرة لحيوية المجتمع ، كانت نسبة البطالة لا تزيد عام 1981 – وقت تولى مبارك – عن 3% ، بينما بلغت نسبة البطالة الآن – بأرقام البنك الدولى – 30% من قوة العمل المقدرة بـ 26.7 مليون شخص ، وتتزايد أرقام العاطلين بعدد يصل إلى 1.5 مليون شخص سنويا ، أضف: موجات إثر موجات من تسريح العاملين بالمعاش المبكر وغيره ، فقد كان عدد العاملين بالقطاع العام قبل 1991 يصل إلى مليون و 13 ألف عامل وموظف ، وانتهى – بحسب تصريحات أخيرة لأحمد نظيف رئيس الوزراء – إلى 320 ألف عامل وموظف لا غير ، ورغم تضخم حجم الجهاز الحكومى ، ووصول عدد العاملين به إلى ستة ملايين موظف ، خمسة ملايين ونصف المليون فى وظائف دائمة ، ونصف مليون فى وظائف مؤقتة ، فإن المتوسط العام للأجور يزيد قليلا عن 300 جنيه شهريا للموظف ، أى أن الموظفين – فى غالبهم الساحق – نزلوا إلى ما تحت خط الفقر الدولى المقدر بدولارين فى اليوم ، وتقول الأرقام الرسمية أن 34% من المصريين تحت خط الفقر ، والرقم رغم أنه مفزع ، إلا أنه خادع لزوم تحسين الصورة ، فثلثا المصريين – على الأقل – تحت خط الفقر بالدخول الرسمية المشروعة إن وجدت ، وكما تتلاعب الحكومة بأرقام الفقراء ، يجرى التلاعب أيضا برقم أطفال الشوارع ، الرقم الرسمى مليون طفل ، والتقديرات المستقلة تصل بالرقم إلى ثلاثة ملايين ، وتصل حدة الفقر والبؤس إلى منتهاها بشيوع ظاهرة العنوسة والإضراب الإجبارى عن الزواج ، قثد بلغ عدد الشبان والشابات الذين تخطوا سن الزواج – دون زواج – إلى عشرة ملايين تقريبا بالأرقام الرسمية ، والتقديرات غير الرسمية تصل بالرقم إلى 13.5 مليون شخص ، أضف أن 45.9 % من سكان القاهرة – ذات الـ 16 مليونا – يقيمون فى المقابر والعشوائيات ، أضف: تفشى الأمراض الخطرة إلى حد تحولت معه مصر إلى مستشفى مفتوح بلا رعاية ولا أسرة ولا علاج مضمون ، أمراض السرطان والفشل الكلوى توحشت ، ووصل عدد ضحاياها إلى الملايين ، ومصر هى الأولى على العالم كله فى مرض الالتهاب الكبدى الوبائى (فيروس سى) ، عدد المصابين بالتهاب الكبد الوبائى وسرطان الكبد تصل بهم تقديرات الحكومة إلى حوالى عشرة ملايين ، ويزيد الرقم – عند المصادر المستقلة – إلى 13 مليونا ، وهم 30% من عدد المصابين بالمرض القاتل فى الدنيا كلها ، أى أن مصر – باختصار – تحولت إلى بلد فقير ومريض وعانس بغالب سكانه ، ولم تعد بطولة البقاء على قيد الحياة ممكنة بغير الرشوة والتسول والفساد وعمليات الاقتصاد الأسود ، ولم تعد من قيمة للعمل إن وجد ، فحتى نهاية الستينيات كانت عوائد العمل تكاد تساوى عوائد التملك فى الناتج القومى الإجمالى ، ثم تدنت عوائد العمل (الأجور) الآن إلى أقل من ربع الناتج الإجمالى ، ولم يزد متوسط الدخل الفردى الحقيقى فى عام 1994 عن مثيله فى العام 1965 ، وتدهور الوضع الآن إلى الأسوأ ، أحمد السيد النجار – الباحث الاقتصادى اللامع – يقدم مثالا يلخص الصورة كلها ، ففى عام 1977 كان الخريج الجديد يعين براتب شهرى قدرة فى المتوسط 17 جنيها ، كان الدولار وقتها يساوى أربعين قرشا مصريا ، وكان الراتب وقتها يكفى لشراء 35 كيلو لحما ، وبعد ثلاثين سنة من عمل الخريج وترقيه الوظيفى ماذا حدث ؟ ، يصل راتب الشخص نفسه إلى 560 جنيها الآن ، وهى لا تكاد تكفى لشراء 18 كيلو لحما ، أى أن متوسط الدخل الحقيقى للشخص نفسه – مع اقترابه من سن المعاش – يساوى نصف دخله الحقيقى وقت تخرجه من الجامعة ، ولا يعنى ذلك – بالطبع – أن ثروة مصر إجمالا لم تزد ، فقد تدفقت إلى مصر فى هذه الفترة موارد مالية غير مسبوقة ، بلغت الموارد المالية فى جملتها ما يزيد عن 200 مليار دولار ، بينها 56 مليار دولار من المعونة الأمريكية ، وما يزيد عن 120 مليار دولار من عوائد عمل المصريين فى الخارج ، لكن شهوة النهب العام شفطت غالب الموارد ، وتركزت الثروة – إلى حدود فلكية – فى يد القلة بالقرب من بيت السلطان ، تقرير لمجلس الشورى – صدر سنة 1994 – ذكر أن 14% من المصريين يحصلون على 74% من الدخل القومى ، وأن 86% من المصريين يحصلون على 26% فقط ، وقد صارت الصورة أسوأ بكثير الآن ، ففى تحليله لخرائط الناهبين الجدد ، يقول العالم المصرى المرموق د.رشدى سعيد – فى كتابه "الحقيقة والوهم فى الواقع المصرى" – أن 2% من المصريين يحصلون على 40% من إجمالى الدخل القومى ، وهؤلاء مجرد جماعة كومبرادور طفيلية فاسدة ، ويعملون بتجارة الاستيراد والأراضى والعمولات والمقاولات والتوكيلات التجارية والنصب والتهليب ، ويطلق رشدى سعيد على هؤلاء تسمية "كتلة البشر الطافيه" ، بينما ينزل بما يقارب 90% من المصريين إلى "كتلة البشر الغاطسة" ، أضف: ما جرى من شفط الثروة باحتكارات الكبار المليارديرات ، أضف: ما جرى بنزح ثروة مصر بالهروب إلى الخارج ، د.عزيز صدقى – رئيس الوزراء الأسبق – يقدر حجم الأموال الهاربة بأكثر من 200 مليار دولار ، أضف: النهب العام بالخصخصة – أو المصمصة – على الطريقة المصرية ، كانت قيمة القطاع العام المراد بيعه أوائل التسعينيات – بالتقديرات الرسمية – تصل إلى 500 مليار جنيه ، ولم تزد قيمة العائد من بيعه عن 35 مليار جنيه ، أى أن إهدار المال العام – فى بيع القطاع العام – بلغ ما يصل إلى 465 مليار جنيه فقط لا غير ، أضف: ما يزيد عن 45 مليار جنيه – بالأرقام الرسمية – جرى نهبها كقروض لم ترد إلى البنوك العامة (!).
هذه بعض ملامح الصورة المفزعة ، وخلاصتها: أن الطبقة الوسطى تآكلت بشدة ، جرى تجريفها سياسيا بالقمع الأمنى المتصل ، وجرى الإنزلاق بها اقتصاديا – فى غالب أقسامها – إلى ما تحت خط الفقر ، وربما يفسر ذلك ضعف وتآكل النشاط السياسى ، فقد كف ماء المجتمع عن التدفق إلى عروق السياسة ، وبدت صورة الشعب المصرى – فى غالبه – كأنه المدهوس تحت عجلات قطار لا يرحم ، بدت مصر كبلد جرى تجريف حيويته ، كانت حيوية المجتمع طافرة بين عامى 1968 و 1977 رغم القبضة الأمنية ، كانت المظاهرات والإضرابات غير مسموح بها قانونا ، لكن المظاهرات – بمئات الآلاف – كانت تتوالى كموج البحر وصولا لانتفاضة يناير 1977 ، بعدها تحول المجتمع – وبالتدريج – إلى ما يشبه الغبار البشرى الآن ، لم نعد مجتمعا بل محطة أتوبيس ، فقد شهدت مصر هجرتها الكبرى ، هجرة إلى خارج حدود الجغرافيا بحثا عن الرزق ، وهجرة إلى خارج حدود الدنيا – الفانية(!) – بظاهرة العودة الدينية ، تحول غالب الناس إلى مستحقين لطلب الزكاة ، ولم تعد السياسة عندهم سوى مواسم لاستحصال المنحة ، فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة (أواخر 2005) كانت الصورة كاشفة لخواء فى العمق ، حصلت جماعة الإخوان على 20% من الأصوات ، وحصلت جماعة النهب العام على 40% من الأصوات ، فقد دفع الإخوان منح الزكاة بالتقسيط فى صورة مستوصفات وجمعيات خير وزوايا تكافل اجتماعى ، فيما كانت جماعة النهب العام جاهزة للدفع نقدا وشراء الأصوات بأعلى سعر ، ولم تخل الصورة – مع تواضع نسب المشاركة – من تصويت احتجاجى ، غير أن مواسم الاحتجاج الحقيقى بدت مدفوعة للظهور باعتبارات أخرى ، فظاهرة الهروب للخارج سدت عليها الطرق ، وكان لحصارالعراق فغزوه – بالذات – أثره الدرامى ، فقد كان العراق يستقبل النسبة الأكبر من العاملين المصريين فى الخارج ، عاد الملايين – بالجبر – إلى البؤس مجددا ، وتصاحبت ظاهرة العودة الجبرية مع تفاقم ظواهر البطالة والمرض والفقر بالداخل المصرى ، كان ذلك – وغيره – دوافع اجتماعية ظاهرة لموجة احتجاج سياسى على السطح ، أضف: زيادة نسبة التمرد – بنقد الرئيس شخصيا – فى صحف معارضة ومستقلة ، وهكذا تكونت نواة احتجاج سياسى غير مسبوق فى طبيعته على مدى الثلاثين سنة الأخيرة ، كان المشهد الأول : مظاهرة ميدان التحرير فى 20 و 21 مارس 2003 ، كانت صواريخ "كروز" تسقط على رأس بغداد أول أيام الغزو ، وكانت أصوات الاحتجاج الصاخب فى القاهرة تمتد باللعنه من بوش إلى رأس مبارك الأب وابنه الوريث ، بعدها ظهرت حركة "كفاية" فى سبتمبر 2004 ، ونظمت أولى مظاهراتها فى 12 ديسمبر 2004 ، وانتقل التمرد – على طريقة كفايه – لأوساط القضاة وأساتذة الجامعات ، بدا التنظيم الذاتى للاحتجاج السياسى ضعيفا ورمزيا ، فخطوط المواصلات ليست سالكة إلى العمق الاجتماعى ، والمجتمع لا يتفهم – بطبائع القهر والفقر – لغة السياسة الكلية ، بدا أن ظاهرة الاحتجاج السياسى تصعد وتهبط ، وينتابها الإحساس باليأس ، لكن عدوى التمرد وكسر حواجز الخوف سرعان ما انتقلت إلى العمق ، وبتأثير متزايد لقطاع الصحافة الحرة ، وبدأا من ديسمبر 2006 وإلى الآن ، تدافعت ظواهر احتجاج اجتماعى مطرد ، إضرابات متوالية للعمال والموظفيين ، واتساع ظواهر التمرد الاجتماعى من العريش شرقا إلى البرلس فى الغرب ، وتحول التظاهر والإضراب إلى ما يشبه الرياضة الشعبية اليومية ، تبدو مصر وكأنها تستعيد حاسة النطق ، تبدو الاحتجاجات إلى الآن مسقوفة بمطالب جزئية ، وتبدو متناثره مفرقة على خريطة الجغرافيا المصرية ، تبدو كأنها تدريبات إحماء متصله إلى يوم العرض الجامع ، تبدو مصر كمخزون غضب ينتظر شرارة التفجير، غضب لايعرف طريقه بالسياسة وبالوعى المضاف ، لكنه ـ فيما يبدو ـ يعرف طريقه بروح انتقام اجتماعى لاتقف عند حدود ، فاضبط ساعتك على اللحظة الموعودة ، اضبط ساعتك على واحد من ميعادين ، إما رفع الدعم على السلع ، أو موت مبارك ، ولا تسألنى ـ من فضلك ـ عن أى الفضلين اقرب ؟!.
إنه الرعب الذى ينتظرنا عند ناصية التاريخ المقبل .
Kandel2002@hotmail. com
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|