| | | | السقوط في فخ الليبرالية بحث في فلسفة نهاية التاريخ ...............................................................
د. وليد سعيد البياتي ...................
الليبرالية - liberalism - اشتقت كلمة ليبرالية من ليبر liber وهي مفردة لاتينية الاصل تعني (الحر). وفي الوقت المعاصر فان الاتجاهات الليبرالية الحالية تعبر عن مذهب أو حركة وعي اجتماعي- سياسي داخل المجتمع، تهدف لتحرير الانسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية الثلاثة (السياسية والاقتصادية والثقافية)، وقد تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناها، تتكيف الليبرالية حسب ظروف كل مجتمع، وتختلف من مجتمع غربي متحرر إلى مجتمع شرقي محافظ. (فهي تصلح للمجتمعهات الغربية التي تخلت عن القيم والاخلاقيات، ووضعت الانسان محل الله)، الليبرالية أيضا مذهب سياسي واقتصادي معاً ففي التفسير السياسي تعني: " تلك الفلسفة التي تقوم على استقلال الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية وتأييد النظم الديمقراطية البرلمانية والإصلاحات الاجتماعية " .المنطلق الرئيسى في الفلسفة الليبرالية هو أن الفرد هو الأساس، بصفته الكائن الملموس للإنسان، بعيداً عن التجريدات والتنظيرات، ومن هذا الفرد وحوله تدور فلسفة الحياة برمتها، وتنبع القيم التي تحدد الفكر والسلوك معاً). راجع الموسوعة الفلسفية.
والليبرالية فكرة تقع على النقيض من الواقع الاجتماعي والفكري للمجتمعات ذات الاتجاه الروحي والعقائدي الديني، فهي تدعو الى التحرر من كل الافكار ورفض التقيد بالانظمة والترتيبات والاعراف الاجتماعية، وهو ما أدى إلى الانهيار الاجتماعي الامريكي و الاوربي المعاصر، حيث فقد الشباب كل القيم والمعايير الاخلاقية والعرفية التي كانت سائدة إلى قبل السبعين سنة الاخيرة.
حيث فقدت الكنيسة قيمتها بالنسبة للمسيحيين في اوربا وخاصة بريطانيا، وفي مجارات الكنيسة للتهور الاجتماعي والاندفاع اللا محدود باتجاه الشذوذ نجدا (الكنيسة) تقدم تفسيرات خاصة للعلاقات الشاذة تناقض النصوص الانجيلية والتوراتية. بل ان (الدكتور وليامس) رئيس الكنيسة الانجيليكانية في بريطانيا يجعل العلاقات بين المثليين (رجال ونساء) أو الشذوذ الجنسي (اللواط والسحاق) موازيا للعلاقات بين الرجل والمرأة بعقد الزواج، أي انه جعل زواج المثليين جنسيا يطابق الزواج الشرعي بين الرجل والمرأة.
كما هي لا تتفق (الليبرالية) ومعظم النظم الشرقية وكل النظم الاسلامية التي تتبنى قيما عليا، ومن هنا نجد ذلك الصراع بين الشرق والاسلام والاتجاهات الليبرالية المفروضة على مجتمعاتنا. فالانسان في الفلسفة الليبرالية هو الخالق وهو الوحيد القادر على تفسير حركة التاريخ وتبرير تصرفاته ولهذا لايخضع للمنطق الالهي. والعلاقات ضمن النظرية الليبرالية يتحدد شكلها وفق مفاهيم (بالجدل النازل) في حين ان العلاقات بين الانسان والخالق تتحدد وفق (الجدل الصاعد) باعتبارها علاقات تعبدية من الانسان للخالق. أشكالية الصراع:
يواجه النظام الليبرالي في هذه المرحلة صراعا في داخل الحلقات الضيقة، متمثلا في الجناح اليميني المتشدد والذي ظهر ظهورا عارما بعد الحادي عشر من سبتمبر (11/9) والذي يمكن تمثيله بذلك الاتجاه في الذي ظهر بين القادة العسكريين وثلة كبيرة من السياسيين الامريكيين بعد حادثة (بيرل هاربر)، غير ان اليمين المتطرف الذي قاد الادراة الامريكية خلال مراحل (بوش الاب وبيل كلنتون وبوش الابن) كان قد كشف عن تطرف يقع في أقصى اليمين الامريكي مما جعل الادراة الامريكية اشبه بسائق قطار يدفع بعرباته إلى المالانهاية حتى وإن واجه الهاوية.
أما الجناح الليبرالي التقليدي الذي يعتقد بإن على الدول أن تبقي على قدراتها في السيطرة على الاقتصاد، وأن يكون للسياسة المركزية قوة الضغط على القرارات الداخلية، فهذا الاتجاه كان سائدا لفترة مابعد الخمسينات من القرن الماضي وحاليا يمكن إعتبار اليابان كاحد قيادات الليبرالية المحافظة التي تتبنى هذا الاتجاه حيث العقيدة الاقتصادية المتبعة تضع قيمة الانشاء أعظم من قيمة المضاربة، من جانب آخر لايمكن إغفال المؤسسات الالمانية التي عرفت بالدقة والقوة.
لاشك أن الاتجاه الذي قادته الولايات المتحدة ويقع إلى اقصى اليمين المتطرف قد تمكن لفترة أن يهيمن على القرار الدولي عندما دفعت الولايات المتحدة الكثير من دول العالم لتبني سياساتها الخارجية، بحجة محاربة ما تسميه بالارهاب، وهو نفس الارهاب الذي صنعته الادارة الامريكية في مواجهة الجيش السوفياتي في أفغانستان، فابن لادن والقاعدة جزء من ملف خاص تم صنعه في مكاتب الاستخبارات الامريكية منذ عصر الرئيس الامريكي الاسبق (ريغن).
وعلى الرغم من أن الحكومة الليبرالية البريطانية التي قادها (أنتوني بلير) قد مثلت نفس الاتجاه الامريكي اليميني المتطرف في اوربا غير ان سياساتها في الارتماء الكامل في الصحن الامريكي قد ابعدها كثيرا عن مائدة الغداء الاوربية مما افقدها الكثير من المكانة والعلاقات داخل الاتحاد الاوربي. ومن هنا يمكن أعتبار بريطانيا في المرحلة العمالية المعاصرة بقيادة (براون) قد تلقت الخسارة الاكبر في الانهيار الاقتصادي الاخير والذي شارك كل من (بوش الابن) و(توني بلير) في التسبب به كل من موقعه، فهناك اتجاه نمى منذ عصر (مارغريت تاتشر) يدعو إلى عودة الاستعمار البريطاني وكانت بريطانيا تامل في استعادة ماضيها في عصر (الكولينيالية) عبر الانفصال عن اوربا والاندماج في المنظومة الامريكية باعتبار ان الطرفين ينتمون إلى خلفية تاريخية عرقية (أنكلوسكسونية). المعضلة:
لاشك ان الاشكالية العرقية كانت أحد أطراف الصراع الليبرالي فالمحافظين الذين الانكلوسكسون حاربوا على الدوام من أجل الحفاظ على العرق (الاري) ولعل الفكر النازي قد تأثر بالمنهج الانكلوسكسوني في قضية تفسيره للعروق، وطرح نظرية تنقية العرق الاري من الاعراق المختلطة، وفي بريطانيا مثلا وعلى الرغم الحساسية تجاه النظرة العنصرية للاعراق الاخرى غير إن واقع المجتمع الابيض (وخاصة المجتمع الارستقراطي) يبقى محصورا في أطر العرقية، فعلى الرغم من وجود أدباء وكتاب وفنانين وشخصيات علمية من عروق مختلفة إلا إن الواقع يقول بعدم إمكانية وصول غير العرق الاري للسلطة العليا.
قد يتصور البعض إن القضية العرقية قد حلت في الولايات المتحدة بوصول (أوباما) للسلطة وأنه لم يعد ثمة فوارق بين الاسود والابيض والتي كانت سائدة بالذات الى ثمانينات القرن الماضي، وينسى كل هؤلاء الفرحين باوباما إن الرئيس الامريكي مجرد اداة في يد القوى الصناعية التي تتحكم في الاقتصاد الامريكين وفي يد مراكز الضغط المتحكمة بالبيت الابيض والتي اوصلت (ايمانويل) الاسرائيلي لموقع كبير مستشاري الرئيس القادم.
الاشكالية العرقية التي قادتها كل المنضمات التي اوجدت الفصل العنصري في مدن المسيسيبي وعلى رأسها (منظمة كوكلوكس كلان) حيث ملايين الامريكيين البيض ترفض أي تعامل مع السود والعروق المهاجرة، هذه المنضمات قد سكتت بعض الشيئ توافقا مع القرار الاسرائيلي، فكل تصرفات وكلمات الرئيس الاسود ستكون تحت المجهر الاسرائيلي وعند صدور أي تلميح (مجرد تلميح) ضد الدولة العبرية سيتم تحريك هذه المنظمات لتنغيص حياة الرئيس الاسود أوربما لانهاء حكمه.
بالتاكيد ستخبرنا الايام القادمة مالذي سيجري فالتاريخ الامريكي لا يعرف الاتزان منذ ان تم أشراك الجيش الامريكي في أكثر من (250) حربا منذ ما قبل عصر الاستقلال، وما بعده. لاشك أن العالم كان سيكون أكثر سعادة وهدوءا وأقل اضطرابا لو لم تدخل امريكا الساحة الدولية، او لو بقيت مجرد جزيرة كبيره خارج عالمنا، ولكن هذه الاماني ليست جزءا من فلسفة التاريخ، وهي خارج المنطق التاريخي ولكنها تبقى أماني في صدور الكثير من فقراء العالم. أما نحن المكتوون بالقهر الامريكي، وبظلم الاتجاهات الليبرالية والتنظيرات الديمقراطية التي لاتنتمي فعلا إلى مفاهيم هذه الفلسفات والرؤى، بل اصبحت عائقا امام الليبرالية الحقيقية والديمقراطية التي لم توجد إلا في اوراق الفلاسفة، نحن نقول أن نهاية التاريخ الامريكي سيكتبه الامريكان انفسهم وستكون النتائج الايجابية خارج الارض الامريكية.
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|