| | | | بين المحظورة والمحجورة
| | زعيم المحجورة | |
بقلم: د.عمار على حسن ............................
ينحشر المصريون بين جماعتين الأولى سماها إعلام السلطة «المحظورة» وسوّقها لآذان الجماهير وأذهانهم على هذا المسمى، والثانية يبحث الناس لها عن اسم وها أنا أطلق عليها «المحجورة». الأولى معروف أنها جماعة الإخوان المسلمين، وسميت هكذا لأن هناك قرارا بحظر نشاطها، ينافح عنه كثيرون ويثبتون وجوده، ويرفضه الإخوان ويبرهنون على غيابه. أما الثانية فهى حزب الحاكم الذى يسمى «الحزب الوطنى الديمقراطى» ... لكن لماذا هو «جماعة محجورة»؟
والإجابة تسير فى طريقين، الأول هو أن تسمية المحجورة تعود إلى أن هذا الحزب، الجاثم على صدور المصريين بالتغلب والبطش والفساد، قد شاخ فى موقعه، وبلغ من الكبر عتيا، وذهب عقله، وطار جنانه، فلم يعد أمينا على أموال الشعب ولا مصلحة الوطن، ولذا وجب الحجر عليه، كما يُحجر على شيخ طاعن يبدد ثروة أبنائه وأحفاده بإنفاقها على أهوائه وملذاته أو يتراخى فى الحفاظ عليها لأن ستائر النهاية تسدل أمام عينيه.
أما الثانى فهو محجور المؤدية فى التصريف اللغوى إلى كلمة التحجر، جوازا، وذلك لأنه حزب جامد راكد، صلد وصلب علينا وعنيد معنا بينما هو أمام الأحزاب الحقيقية فى البلدان الديمقراطية مجرد غبار تذروه الرياح، وهو حزب تيبست مفاصله وتخثر الدم فى عروقه، فمات وتحنط، لأنه لم يعد لديه ما يقدمه لنا، وانعدمت فى يده أى حلول لمشاكلنا التى صنعها، لكن الناس يظنون أنه حى يرزق، لأنهم يقدسون الأموات، ويخافون من هيبة الموت وغموضه، وينتظرون الخلاص من السماء.
وعلى ما بينهما من خصام فإن «المحظورة» و«المحجورة» تعملان معا من أجل أن تستمرا على قيد الحياة السياسية، وتمدا سيقانهما على قدر خريطة الوطن، فلا يجد غيرهما على رقعتها مكانا أو مسارا. فـ«المحجورة» تخنق الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية وتقتل الحركة الطلابية وكل النزعات الراغبة فى الاستقلال عن تسلط أهل الحكم وتجبّرهم، فتفسح، من حيث لا تدرى ولا تريد، الطريق أمام «المحظورة» كى تقوى وتترعرع فى كل المساحات التى ينحسر عنها النظام الحاكم والتى تتسع بمرور الأيام. أما «المحظورة» فتنتظر، بصبر سلحفاة ودأب نملة، أن تؤدى الأفعال الطائشة والخائرة والبائرة لـ«المحجورة» إلى سقوط الدولة المصرية فى يد الإخوان، مطمئنة إلى أن «المحجورة» فى حاجة ماسة إليها كى تستعملها «فزاعة» للخارج الذى لا يطمئن على مصالحه مع حكم أتباع الأيديولوجيات الإسلامية فيجد نفسه مضطرا لوضع يده فى يد المستبدين، والداخل الذى يخشى من وصول المحظورة إلى السلطة، إما خوفا على تصدع التوافق الاجتماعى أو ذعرا من الجور على حرية التعبير والإبداع، وهما مجالان مهمان لم يفلح الإخوان، حتى الآن، فى إنتاج ما يطمئن الناس حولهما.
«المحجورة» تحتكر الدولة المصرية كلها بسيطرة على المال العام وتوزيعه على محاسيبها ومريديها، وهيمنة على أدوات إنتاج الخطاب بشتى أشكاله وتحكم شديد فى البيروقراطية وأجهزة الأمن. والمحظورة تمتلك تنظيما موازيا للنظام الحاكم وهياكله، وهذا هو سر الخوف منها، رغم الحصار الذى يفرض عليها من كل جانب، والتشويه الذى يمارس ضدها من كل باب. فالتنظيم العجوز الذى يعيش منذ اثنتين وثمانين سنة والذى تحول لدى أتباعه إلى «عجل مقدس» هو سر قوة «المحظورة»، واستخدام كل ما بحوزة الدولة المصرية من تنظيمات عمرها آلاف السنين هو سر احتفاظ «المحجورة» بالسلطة كل هذا الوقت.
وموت السياسة الممنهج أدى بأغلب الناس إلى أن يجدوا أنفسهم مخيرين بين «المحظورة» و«المحجورة»، وعلى هذا الدرب لا تمتلك الأولى إلا محاولة جذب الناس إليها من خلال توظيف الدين واستغلال الأداء الهابط لـ«المحجورة». أما الثانية فليس أمامها من سبيل كى تستمر متربعة على عرش مصر سوى قهر العموم وتشويه الخصوم وتغييب أى تكافؤ للفرص بين المتنافسين فى السياسة، وتربية زبانية منافقة منتفعة، مكونة من كبار رجال السلطة فى الحزب وخارجه، وكبار رجال الأمن، وأصحاب الحظوة من رجال الأعمال، والمتولين الوظائف العليا فى الجهاز البيروقراطى، ووجهاء الريف من ذوى الأملاك وأصحاب العصبة والعزوة العائلية والعشائرية، وقادة الرأى المنتفعين من النظام من بين المثقفين والفنانين والإعلاميين ولاعبى الكرة.
وإذا كانت هناك مخاوف حقيقية من «المحظورة» فهناك مصائب حقيقية من «المحجورة»، فالأولى على الأقل ليس بيدها قرار تسيير هذا البلد، وما تنفقه من مال على الانتخابات فهو إما من حصيلة تبرعات جُمعت لأعمال الخير فذهبت إلى لعبة السياسة القذرة، وإما من أموال رجال الأعمال المنتمين للجماعة. أما «المحجورة» فتفتح ميزانية البلد كله على خزانتها وتمنح أراضى الدولة لأتباعها وتبيع المصانع والشركات المملوكة للناس لأذنابها، وتستعمل ما لدى الدولة من وظائف وخدمات لخدمة مرشحيها، وتحرم الباقين من كل شىء، ثم تدعى بعد ذلك بصوت جهير أن الانتخابات نزيهة، والمواطنين سواسية، والأجيال القادمة فى أمان، وكل شىء على ما يرام، لأنه يتم وفق برنامج السيد الرئيس.
يا أيها المصريون، منذ اليوم إن قلتم على الإخوان «المحظورة» فقولوا على الحزب الوطنى الحاكم «المحجورة» وإذا كانت الثانية تتكفل بالأولى تنكيلا وتمزيقا وتعذيبا وتغييبا، فلنتكفل نحن بـ«المحجورة» رفضا واستهجانا ونبذا وإزاحة حتى نستعيد الحقوق التى هضمها الفاسدون المستبدون، دون أن ننخدع بمعسول الكلام وادعاء البراءة والطهارة والاستقامة التى تصدرها الأولى.
ولا أقول هنا إن الواجب هو إقصاء الاثنتين أو اجتثاثهما، لكن من الضرورى أن نكافح حتى تستقيم الأمور على هيئتها الطبيعية فيعرف كل طرف قدره ويدرك مستوى تعلق الناس به واقتناعهم بمسلكه من عدمه، فيعود الإخوان جزءا من كل كما كانوا من قبل، ويصبح للحزب الوطنى تمثيل سياسى بقدر وجوده الحقيقى لا بفعل القهر والتزوير.
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|