الثقافة في خدمة السلطة
...............................................................
| |
أحمد دياب | |
بقلم:أحمد عبدالحكم دياب
............................
اشكالية الثقافة وقضايا المجتمع من الإشكاليات التي كثر الجدل فيها، وزاد الحديث عن علاقة الفكر والثقافة بالسلطة، وكيف يتحول المثقف المستقل فجأة إلي بوق تبريري يستخدم حصيلتة الفكرية والثقافية في تبرير تصرفات النظام أي نظام في مقابل منصب أو موقع في المنظومة الإعلامية أو التشريعية ولدينا عدد من القيادات الفكرية التي كان نتاجهم الفكري والثقافي يتمتع بقبول وإقبال من المحللين وعامة المهتمين بالشأن العام وفجأة بعد أن نال هؤلاء مواقع في الدولة تغيرت نبرة نتاجهم إلي التبرير المفضوح والدفاع غير المنطقي، والدعاية الفجة وتغاضوا عن ماضيهم وعقائدهم. إن أول أمثلة هذه القيادات شخصية مثل الدكتور علي الدين هلال الذي كان عميدًا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومدير مركز البحوث والدراسات بجامعة القاهرة ثم نال موقع وزير الشباب وبعد فضيحة صفر المونديال ترك الوزارة ليصبح أمين إعلام الحزب الوطني الحاكم وقد كان يعد من أبرز الكفاءات الأكاديمية في مجال العلوم الاجتماعية والسياسية فجأة تحولت هذه المكانة الأكاديمية المرموقة إلي أحد ابرز المدافعين عن السلطة ظالمة ومظلومة دون مراعاة العلمية والموضوعية المفروض أن يتحلي بها استاذ الجامعة والخبير والأمر ذاته ينطبق علي الأستاذ الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية أو شئون مجلس الشعب والشوري والتي أصبحت مهمته الأساسية هي الرد علي منتقدي الحكومة وتبرير تصرفاتها بعد أن كان علمًا قانونيا مشهوداً له في المحافل المحلية والاقليمية والدولية ويدخل في هذا الإطار عدد لا بأس به من الأساتذة والأكاديميين الذين يبحثون عن منصب ويقدمون كل المسوغات التي وضعها عبده مشتاق من أجل تحقيق ذلك. نموذج آخر من هذه النماذج هو الدكتور مصطفي الفقي وهو دبلوماسي وأكاديمي معروف كانت له اسهامات وفيرة في اثراء الفكر القومي، وتحمس في بداية حياته للتجربة الناصرية إلي أن دخل في أتون المواقع الرسمية فعمل دبلوماسيا في بريطانيا والنمسا والهند ثم خاض انتخابات مجلس الشعب وكشفت المستشارة نهي الزيني عن تزوير حدث لصالحه في دائرته الانتخابية مما كان يستوجب تخليه عن عضوية البرلمان لكنه لم يفعل وكتب وهو يقيم تجربته عند بلوغه سن الخامسة والستين أن هذه كانت علامة مظلمة في تاريخه لوثته وانتقصت من مكانته وهو الآن رئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، وقد قبل زيارة الكيان الصهيوني إلا أن الزيارة لم تتم لأسباب سياسية وكانت الصدمة الكبري عندما قال في تصريح له لجريدة المصري اليوم أعلن فيه أن مرشح الرئاسة في مصر لابد أن ترضي عنه الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني مما استفز الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل للرد علي الصحيفة وآثار لغطاً كثيراً في الشارع السياسي المصري وجاءت ردود فعل عديدة من كتاب المقالات والأعمدة وبالطبع فإن المتابع سيلاحظ دفاع د الفقي عن تصرفات النظام السياسي وتخليه عما كان يردده من قبل بخصوص الشأن الفلسطيني والقضايا العربية الشائكة مثل احتلال العراق، والعدوان علي لبنان والسودان. آخر النماذج التي جعلها الموقع الإداري والوظيفي تغير من حيادها العلمي وموضوعيتها في معالجة القضايا الوطنية هو الدكتور عبد المنعم سعيد، وهو أكاديمي معروف حصل علي الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية ووصل في تخصصه البحثي إلي أن أصبح رئيسًا لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورغم ارتباطه بجماعات التطبيع ومشاركته في تأسيس جماعة كوبنهاجن وغيرها من أجل الترويج لاتفاقيات كامب ديفيد وغيرها فإنه كان يحاول دائمًا وخاصة في كتاباته أن يميل إلي التحليل العلمي وبعد أن تولي موقع رئاسة مجلس إدارة مؤسسة الأهرام تغيرت الأمور وأصبحت كتاباته تتسم بالتبرير ومحاباة النظام والدفاع عن الحزب الحاكم ومناصرة الحكومة، وكان أقصي ما وصل إليه في هذ المجال هو ما كتبه عن الدكتور محمد البرادعي ومهاجمته لمجرد أنه تجرأ وأعلن أنه يمكن أن يرشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، وكانت هذه الكتابات محل سخط وعدم رضا من جموع المثقفين الأمر الذي جعله يعود للموضوع كاتبًا مقالاً مطولاً تحت عنوان «الرد علي المقال الذي لم أكتبه» وكان ما بين السطور في هذا المقال يؤكد علي تأثره بردود الفعل علي تغيير مواقفه وتخليه عن التحليل العلمي وفي هذا المقال يقول صراحة إن المنصب الذي تقلده لم يجعله يغير من جلده، بل إن القراء هم الذين فهموه خطأ أن هذه النماذج تبين الأزمة الحقيقية التي يمر بها الفكر والثقافة في مصر، وتوضح أن السلطة والمال هما اللذان لهما اليد الطولي في التحكم في الأمور، فالسلطة قادرة علي شراء بعض المثقفين، وبعض المثقفين غير قادرين علي مواجهة الفساد وعسف السلطة أن الأزمة تكمن في أفول نجم الاستنارة المبنية علي مبادئ حقيقية وتتبني أهدافًا نبيلة خدمة لامتها وشعبها، إن انشغال المثقفين الخائفين ابرز علي السطح افرازات لا تمت لهذا المجتمع بصلة، ولا تخدم قضاياه، وهذه النوعية هي المتلهفة للارتماء في أحضان السلطة، أية سلطة بحثًا عن الحماية والأمن. إن بعضاً منا يكتب عن قضايا شائكة، يتصور الرقيب أنها قد تفهم خطأ، فيحجبها حرصًا علي الكاتب والمطبوعة معًا، مما جعل هذه القضايا لا تأخذ حقها من النقاش المجتمعي وأصبحت وجهة نظر واحدة هي المسيطرة علي أقلام الكتاب وعقول القراء.