أحداث نجع حمادي الجذور
...............................................................
| |
بطرس بطرس غالى رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان ندد بحادث نجع حمادى وطالب بتطبيق القانون على الجميع لضمان سيادة الدولة | |
أحمد عبد الحكم دياب
.........................
كان لحادث الاعتداء الإرهابي على الأخوة الأقباط بمدينة نجع حمادي في يوم عيد القيامة المجيد أثر محزن في نفوس كل أبناء مصر المحروسة فالاعتداء غير مبرر ويتسم بالهمجية ويعود بصعيدنا الغالي إلى اتون الثأر والتوتر. أن الظروف التي أدت إلى بروز الجماعات المتشددة المتسترة وراء الدين تختلف في أسبابها عن فترة الستينات والسبعينيات من القرن الماضي فشيوع الفساد بشكل سرطاني في كل مؤسسات المجتمع وضياع الشباب في بحور البطالة المتلاطمة وغموض المستقبل وانتشار الفقر والعشوائية كانت هي الأرضية التي ترعرت فيها أفكار التطرف والاضطهاد ورفض الآخر والحقد الاجتماعي والعنف.. وساعد على ذلك غياب عدد من مؤسسات الدولة عن القيام بدورها أولها المؤسسة التعليمية التي أهملت دورها التربوي وتدني فيها مستوى برامج التعليم عامة والتعليم الديني خاصة مما ترك مصير وعقول الأطفال والشباب لعبه في يد الأقرب إلى تشكيل وعيهم وعقائدهم وتلفقتهم الأيدي المتحفزة عاملة علي التأثير على العقول في اطهر وأقدس الأماكن وهو المسجد نتيجة غياب أخر لمؤسسة أخرى وهي المؤسسة الدينية فالخطيب يتبع وزارة الأوقاف التي لم تهتم مطلقًا بعملية إعداده بل أنشغلت بتقنيات تخفيض مكبرات الصوت واختراع طريقة مركزية للأذان وتقصير مدة خطبة الجمعة ولم تهتم بإعداد المسجد لمؤسسة دينية يتم فيها الإجابة من فقهاء وعلماء متخصصين عل تساؤلات الشباب.
ومشيخة الأزهر اهتمت بالجانب السياسي ومقابلة الزوار من ديانات أخرى والتحاور معهم وتنفيذ قرارات السلطة التنفيذية ومصادرة الكتب والمطبوعات دون أن تهتم بالمناهج الدينية وتثقيف الوعاظ والخطباء وهذا يدفعنا للمؤسسة الثالثة التي غاب دورها وهي المؤسسة الإعلامية التي ركزت على من تسميهم الفقهاء الجدد الذين اربكوا عقول الشباب بفتاويهم المتناقضة التي بدلاً من تشكيل الوعي أدت إلى تدميره.. ولم يبق في الساحة سوى المؤسسة الأمنية التي راحت تعالج هذه الأمور بما يتناسب مع أهدافها وبطريقتها البوليسية العنيفة وهنا بدأت تظهر جماعات قبطية متعصبة أتاح لها المناخ السياسي فرص الانتشار والتمدد خاصة مع ليونة التعامل الأمني معهم قياسًا بما يحدث لجماعات الإسلامي السياسي أو المتشدد.
وإذا كنا ممن يصرون على أن الأقباط ليسوا أقلية في هذا البلد المتناسق نسيجه العرقي والأثني، بل هم جزء أصيل من هذا النسيج إلا أنه وللأسف الشديد يوجد فريق من الجماعة القبطية يصر على التعامل كأقلية ويطالب بالحقوق السياسية والثقافية المفروض أن يتمتعوا بها.. وهذا ما يجعل البعض يتعامل مع الأمر من منظور طائفي ديني بعيدًا عن الانتماء الوطني وحقوق المواطنة ويتفاعل عدد من قيادات الكنيسة مع هذا الرأي باقحام رجال الدين دائمًا في التصدي والتعامل مع المشاكل الحياتية واليومية التي تحدث في القرية أو الحي أن ما حدث في نجع حمادي هو أمر بعيد كل البعد عن الجانب الديني بل مرتبط بقضية ثأر نتيجة قيام شاب مسيحي باغتصاب فتاة مسلمة.
والاغتصاب في الصعيد عار يستحق فاعله القتل سواء كان من الأقرباء أو من الاباعد ولو كان الذي فعل هذه الفعلة الشنعاء مسلمًا لحاولوا قتله.. إلا أن تسييس الأمر واستغلاله في مآرب أخرى هو ما دفع إلى ما حدث.. كما أن معالجة الأمن لقضية الاغتصاب لم تكن بالشكل المقنع في المجتمع الصعيدي والتي أغفلت نهائيًا العرف والعادات والتقاليد، وألغت الجانب الاجتماعي وركزت فقط على البعد الأمني.
أن قراءة فيما سبق الحادث تبين بعض ما ذهبنا إليه من إصرار البعض على اعتبار أقباط مصر أقلية، وهذا ما دعاهم إلي الاستعانة ببعض منظمات المجتمع المدني بالخارج وحثها على اتخاذ مواقف للضغط من أجل الحصول على ما يسمونه حقوق مهدرة، ثم مساومة السلطة على اتخاذ مواقف بعضها يسيئ للكنيسة أكثر من ينفعها أن قضية مثل قضية وفاء قسطنطين الغت كل مصداقية لأي نداء يطلق من الكنيسة عن حرية التدين.. كما أن الإصرار على تشكيل لجنة من رجال الدين لمناقشة أي مسيحي أو مسيحية يحاول الدخول في الإسلام وعدم تطبيق الشيء ذاته مع المسلم الذي يتنصر هي نوع من عدم المساواة وجعل المجتمع يشعر بأن هناك فئة في المجتمع تعامل بطريقة خاصة بغض النظر عن تقديس المسلمين للمسيح وأمه العذراء مريم الذي أفرد لهما القرآن الكريم مواقع جليلة ونعتهم بأجمل الصفات .
كما أن عدد من زعماء الجماعة القبطية من الآباء والقساوسة ومن قادة منظمات المجتمع المدني يحددون مطالبهم دائمًا في زيادة إعداد الكنائس، وتشكيل كوتة قبطية، ومنح الأقباط نسبة من الوظائف العامة والمناصب في السلطتين التشريعية والتنفيذية.. كل هذا يجعل قضية المواطنة من القضايا المهملة ويركز على الجانب الطائفي ويرسخ فكرة الأقلية وهو أمر يرفض الكثير من قادة الفكر من الأقباط الذين ينادون بالمساواة في حقوق المواطنة. أن صحيفة مثل صحيفة النبأ عندما نشرت خبر عن انحراف راهب رغم اعترافه قامت الدنيا ولم تعقد، في نفس الوقت الذي تهاجم أقلام كثيرة مواقف لقيادات دينية مسلمة، نفس الشيء حدث عندما تم مصادره بحث الدكتور محمد عمارة الذي يحمل عنوان ( تقرير علمي ) ولم يصادر البحث الذي يرد عليه للدكتور سمير بطرس. في ذات الوقت تجد في المكتبات كتاب بأسم (وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها) من إعداد الراهب القمص انطونيوس الانطوني يشوه كل قادة الإسلام ابتداء من عمر بن الخطاب وعمر بن العاص وحتى أحمد بن طولون ويصفهم بأنه جماعات من البدو يحملون (تلك الروح المادية الجشعة) وهذا الكتاب لم يصادر .
اذن فالقضية قضية شائكة ذات ابعاد سياسية واقتصادية وثقافية تستخدم فيها أساليب تصب جميعها في الغاء دور الدولة وجعل الكنيسة هي الآمر الوحيد في هذا الشأن ويجب ألا ننسى أن أحداث دير أبو فانا كادت تؤدي هي الأخرى لمذابح وتوتر شديد لولا حكمة القيادات الشعبية وتحكيم العرف رغم اللوم الشديد الذي يوجه للدولة في تعاملها مع هذا الأمر.
إن قضية اغتصاب فتاة أو اغتصاب أرض حتى ولو بحجة بناء دار للعبادة أمر مستهجن في صعيدنا الغالي ومن هنا فإن الحد من نفوذ المؤسسات الدينية في معالجة القضايا الحياتية للمجتمع وترسيخ دعائم الدولة والحرص على تطبيق القانون بكل صرامة سيحول دون تكرار هذه الحوادث.
ان إعادة الثقة بين اطياف الجماعة الوطنية تتطلب بصدق الحرص على إعلاء شأن الدولة والانضواء تحت رايتها، وإذا كانت هناك مطالب أيًا كان نوعها فيجب أن تكون في إطار مبدأ المواطنة وما يفرضه من حقوق وواجبات فالمواطنة هي نوع من التعاقد العرفي المرتبط بالمشاعر والانتماء والذي بناء عليه تذوب كل الكيانات الأخرى وتتقزم أمام كيان الدولة ومكانتها.. إن استغلال ضعف السلطة التنفيذية أو التشريعية أو انتهاز فرص تردي بعض الأوضاع في تحقيق مكاسب ذاتية هو نوع من الانتهازية الممقوتة والتي نربأ جميعًا بأن يوصف بها أي طيف من أطياف الجماعة الوطنية في مصرنا المحروسة.. ويجب أن يعلم الجميع أن الحل ليس في التقليل من شأن الدولة أو الحط من قدراتها بل الحل الحقيقي يكمن في العمل على إعلاء شأن الدولة وإعادتها لوضعها المفروض.
أحمد عبد الحكم دياب
haneen_diab@hotmail.com