متى نقضى على ثالوث الفقر والجهل والمرض ؟!!
...............................................................
| |
ثالوث الفقر والجهل والمرض | |
بقلم د. مجدى ابو السعود
...............................
قبل ان اشرع فى كتابة هذا المقال ضمن سلسلة من المقالات عن الامراض المعدية فى مصر - ارجوان اوفق فى كتابتها لجريدة (مصرنا) بشكل علمى اجتماعى سياسى - كنت اتصفح احدى الجرائد المصرية على النت وقد هالنى ما نشرته هذه الجريدة تحت عنوان (بالصور ..غرق شوارع القاهرة والجيزة باكوام القمامة ) ورغم بشاعة الصور التى نشرتها الجريدة الا اننى كنت موقنا انها لم تات بجديد فليست شواع القاهرة والجيزة فقط هى الغارقة فى اكوام القمامة بل لا ابالغ ان قلت ان شوارع مصر باكملها غارقة فى اكوام القمامة ومياه الصرف الصحى الطافحة دوما , هل لهذا علاقة بما انوى كتابته عن الامراض المعدية وانتشارها فى مصر ؟! بالطبع نعم , فهناك علاقة مطردة بين تفشى الامراض الوبائية والمعدية وبين تدنى وانهيار دور الدولة فى الارتقاء بشان مواطنيها والذى ينعكس بالقطع على ثقافة ووعى هؤلاء المواطنين , فمن المعروف علمياواجتماعيا انه كلما ارتقت احوال البشر اقتصاديا وثقافيا كلما تدنت بل انعدمت الامراض المعدية وكلما انحدرت حالة البشر اقتصاديا وثقافيا كلما كانت البيئة صالحة لتفشى تلك الامراض , ولتقارن مثلا بين الدول الغربية وامريكا وبين دول العالم الثالث فى مصر والهند وباكستان على سبيل المثال وعن مدى تفشى الوبائيات فى كلتا المجموعتين من الدول فستجد مجموعة مصر والهند وباكستان هى الاوفر حظا - سيئا بالطبع- فى انتشار تلك الامراض , وفى مصر بالتحديد حيث لازالت ثلاثية الفقر والجهل والمرض تحاصر مواطنيها فلازالت تعد احصائيا من اعلى معدلات العالم انتشارا للامراض الوبائية.
دعونا نتحدث اليوم عن احد هذه الامراض ولنبتدىء باكثرها له علاقة بانهيار خدمات الدولة فى مصر وسلوكيات المواطن المصرى : مرض حمى التيفود , هل هناك علاقة بين فوضى الدولة وفوضى المواطن فى مصر وبين انتشار التيفود؟! , بالقطع نعم فكلا الجانبين مسئول مسئولية مباشرة عن تفشى التيفود فى مصر وان كان العاتق الرئيسى يقع على كاهل الدولة الرخوة فى مصر - التوصيف لاستاذنا الدكتور جلال امين- التى نفضت ايديها عن دعم خدمات البنية الاساسية فى مصر ولعل اهمها والذى له علاقة مباشرة بحياة المواطن اليومية وله علاقة مباشرة ايضا بموضوع مقالنا اليوم عن حمى التيفود هو انهيار مرفقى المياه والصرف الصحى وتكدس اكوام -بل ان شئت فقل جبال -القمامة فى شوارع مصر .
دعونا نتحدث اذن عن حمى التيفود وكيفية انتشاره فى مصر , حمى التيفود مرض وبائى يسببه نوع من البكتريا تسمى السالمونيلا التى تجد طريقا لها للانسان السليم عن طريق ماكله ومشربه فتنتقل هذه البكتريا من الشخص المريض وحامل الميكروب عن طريق فضلاته الى مصادر الشراب والطعام فيتسبب ليس فى انتشار المرض للمحيطين به فقط بل للمجتمع باكمله , لم نبالغ اذن حينما قلنا ان انهيار البنية الاساسية وفوضى المواطن سببان رئيسيان لانتشار العدوى فميكروب السالمونيلا يجد مرتعا له فى المجارى الطافحة فى شوارع مصر بطولها وعرضها ويجد مرتعا له فى مياه الشرب المختلطة بمياه الصرف الصحى ويجد مرتعا له فى جبال القمامة المنتشرة فى شوارع مصر والتى يلجا اليها كثيرون الان فى مصر للتفتيش فيها بحثا عما يسد رمقهم فى عصر قاس ونظام مفلس فشل فى توفير حد الكفاف لهم , ويجد مرتعا له فى ظل سلوكيات وعادات سيئة تسبب الفقر والجهل فى انتشارها كعدم غسل الاطعمة والخضراوات بشكل جيد والاقتراب دون وعى او باستهتار من مصادر العدوى .
تدخل البكتريا الى جسم الانسان السليم عن طريق الماكل والمشرب وتجد طريقها الى الامعاء الدقيقة ومنها الى الدم مؤقتا وعن طريق خلايا الدم البيضاء تصل هذه البكتيريا الى الكبد والطحال ونخاع العظام وتتكاثر فيها لتعود مرة اخرى الى الدم لتغزو الحوصلة المرارية والجهازين المرارى والليمفاوى للمريض لتتكاثر هناك بشكل اكبر وتصل الى الجهاز الهضمى , ونظرا للاستعمال العشوائى للادوية وخاصة المضادات الحيوية ونظرا لتفاوت شدة المرض فلم تعد الصورة المرضية للمرض واحدة كما ورد فى المراجع العلمية , لكن وبشكل عام وبعد فترة حضانة تقترب من اسبوعين فقد تبدو الصورة الاكلينيكية للمرض فى شكل ارتفاع حاد فى درجة الحرارة وفقدان للشهية وصداع واوجاع والام بالعظام واضطراب والام بالبطن وغثيان وقىء مع اسهال او امساك فى بعض المرضى واحتقان بالصدر فى مرضى اخرين وتستمر الحرارة فى الارتفاع لتنخفض قبل شهر من العلاج ان لم تحدث مضاعفات للمرض واهمها الالتهابات الرئوية ونزيف وتهتك الامعاء وقد تصل هذه المضاعفات الى حوالى 20% ان لم يستعمل العلاج الفعال لمقاومة المرض وحتى مع العلاج فقد ينتكس المرض بعد اسبوعين من الشفاء لدى 10% من المرضى وبخلاف الاعراض الكلينيكية فتشخيص المرض يجرى ايضا معمليا عن طريق الدم وعن طريق عمل مزرعة للبراز وحين يتاكد تشخيص المرض يعالج بالمضادات الحيوية وقد كان يستعمل قديما الكلورامفينيكول ونظرا لاعراضه الجانبية المتعددة والحساسية لدى بعض المرضى منه وانخفاض فاعليته امام استفحال المرض فقد صار من الشائع الان فى الاوساط الطبية العلاج بنوع سيبروفلوكساسين فقد اثبت هذا العقار نجاحا كبيرا فى علاج اغلب الحالات وقد يستعمل الامبيسللين فى علاج بعض الحالات التى لديها حساسية من هذا العقار واما حاملى الميكروب فقد يعالجون بالمضادات الحيوية لمدة طويلة وقد يستلزم الامر استئصال الحوصلة المرارية مصدرالعدوى المزمنة , المشكلة الان ليست فى اكتشاف المرض وعلاجه بل المشكلة فى حاملى الميكروب وهم نسبة لاتقل عن 3-5% من المرضى الذين تلقوا العلاج واصبحوا ظاهريا اصحاء لكنهم مجرد وعاء لحمل الميكروب وتفريغه مرة اخرى عن طريق الفضلات لتعود بكتيريا السالمونيلا لاصابة مرضى اخرين وهكذا دواليك يدخل المجتمع باسره فى حلقة مفرغة لاخروج منها ابدا فليس جذريا علاج المرضى المكتشفين معمليا واكلينيكيا بل العلاج الجذرى هو اصلاح مرافق البنية الاساسية المنهارة فى مصر وعلى راسها شبكات المياه والصرف الصحى والتصدى الحاسم والسريع لمشكلة القمامة المزمنة فى مصر والارتقاء بظروف البشر اقتصاديا واجتماعيا فسلوكيات البشر وعاداتهم على المستوى الفردى والجمعى مرتهنة باحوالهم الاقتصادية والاجتماعية فمتى يخرج الشعب المصرى من دائرة الفقر والجهل والمرض ؟!!