الالتهاب الكبدى الفيروسى (سى) ولعنة السفر الى الخليج
...............................................................
| |
ابو السعود | |
د.مجدى ابو السعود
......................
حينما يتراجع دور الدولة فى رعاية المواطن صحيا وتتدنى ثقافة المجتمع على المستويين الشخصى والعام لاسباب مرتبطة ايضا بتراجع دور الدولة فى كافة المجالات تتفاقم الامراض ولعل امراض الكبد هى اكثر الامراض انتشارا فى مصر الان وبصفة خاصة امراض التهابات الكبد بانواعها الخمسة الرئيسية , A,B,C,D,E بخلاف انواع اخرى واكثرها خطورة وانتشارا وتاثيرا على الكبد من مضاعفات كسرطان وتليف الكبد وما يستتبعه من فشل كبدى يودى فى نهاية المطاف بحياة المريض هو نوع C ذلك الفيروس الذى لم يكن معروفا علميا قبل عام 1989 ليس لعدم وجوده ولكن لعدم اكتشافه معمليا وقد يكون ذلك احد اسباب تفاقم المضاعفات التى تصيب المرضى المصابين به لتاخر تشخيصهم ومن ثم تاخر علاجهم الى ان اصبحوا فى حالة لايجدى معها العلاج بعقار الانترفيرون المكتشف منذ سنوات ليست طويلة والذى لازالت الابحاث والدراسات الاكلينيكية تجرى على المرضى الخاضعين للعلاج به لاثبات مدى فاعليته , وقد اصبح من المعروف ان اغلب مرضى االكبد وخاصة الالتهاب الكبدى C هم من غالبية فقراء مصر اضافة الى فئة الكوادر الطبية التى تتعامل معهم, هذا الفيروس الذى ينتقل عن طريق الدم بالاساس من شخص مريض الى اخر سليم وبنسبة ضئيلة عن طريق الممارسات الجنسية الخاطئة فقبل اكتشاف الفيروس فى اواخر الثمانينيات من القرن الماضى وفى ارياف مصر واحيائها الفقيرة فى المدن وبسبب استعمال السرنجات الزجاجية الناقلة للعدوى بسبب استعمالها لاكثر من شخص فى علاج البلهارسيا وغيره قبل استعمال السرنجات البلاستيكية الاحادية والالات الحادة كالامواس وادوات الجراحة غير المعقمة اضافة الى بعض النظريات التى تشير باصابع الاتهام لمرض البلهارسيا المتوطن فى اجساد المصريين بسبب تلوث مياه الشرب باعتباره مساعدا على استمرار ذلك الفيروس بالدم ولان هذا الفيروس بطىء جدا فى تاثيره وبالتالى فقد يستغرق من عشرة الى خمسة عشرة عاما قبل ان تظهر اعراض المرض على المريض وبالتالى فمعظم هؤلاء المرضى قد اصيبوا منذ سنوات طويلة قبل اكتشافه معمليا ولم يتنبهوا الى اصابتهم الابعد فوات الاوان الامر الذى وصل بعدد المرضى وفق الاحصائيات والابحاث العلمية الى مابين 10-12 مليون مريض مصاب مكتشف معمليا ناهيك عن الاعداد الاخرى التى لم يتم اكتشافها بعد, الامر الذى اصبح يشكل خطرا قوميا يهدد الثروة البشرية المصرية التى يقتات اغلبها من عرق ايديهم , ومن غرائب الامور ان مرضى هذا الفيروس يتم اكتشافهم بمحض الصدفة, فبسبب الازمة الاقتصادية الخانقة التى تسببت فيها حكومات عصر الخصخصة والفساد والبطالة فى مصر وانتشار الفقر بصورة مرعبة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث اضطر اغلب المصريين الى محاولة الخروج من عنق الزجاجة والسفر الى الخارج خاصة الدول العربية على مدار الثلاثين عاما الماضية والمتزامنة مع تهميش المواطن المصرى ووضعه فى مرتبة ماتحت خط الفقر.وقبل اكتشاف ذلك الفيروس اللعين ومنذ سنوات ليست بعيدة لم تكن اية دولة خليجية تطلب من المواطنين المصريين الراغبين فى السفر اليها للعمل لتحسين اوضاعهم الاجتماعية المتردية شهادة صحية تفيد خلوهم من فيروسات الكبد الى ان بدات دولتان بالتحديد دونا عن سائر الدول الخليجية والعربية وهما السعودية والكويت فى بدايات التسعينيات من القرن الماضى وعقب اكتشاف فيروس (سى) بالتحديد فى فرض قيود صارمة على سفر فقراء المصريين للعمل بها ومن هذه القيود استخراج تلك الشهادة التى تفيد خلوهم من فيروسات الكبد وتكون معتمدة من المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة بالقاهرة فى حين ان باقى الفحوصات الطبية المطلوبة للسفر وعن طريق التعاملات بين شركات تسفير هذه القوى العاملة وبعض المستشفيات الخاصة بالقاهرة يتم استخراج شهادات صحية تفيد خلوهم من جميع الامراض مقابل مبلغ مادى يطلبه المستشفى دون ادنى فحص طبى وبمجرد ان يدفع (الزبون) المعلوم يعطى خطابا بخلوه من جميع الامراض بما فيها ماقد يكون امراضا معدية خطرة اخرى غير فيروسات الكبد مثل الدرن وغيره فيما عدا تلك الشهادة اللعينة الخاصة بفيروسات الكبد والايدز والتى اصبحت فى قبضة المعامل المركزية لوزارة الصحة بالقاهرة فقط حتى باقى المحافظات لم تعد تعتمد تلك الشهادات بناءا على قرار وزارة الصحة ومن يذهب الى المعامل المركزية بالقاهرة بشارع الشيخ ريحان سوف يرى بنفسه الالاف المؤلفة من جميع محافظات مصر فى انتظار استخراج تلك الشهادة ومن هنا بدات مافيا جديدة منذ اواسط التسعينيات من القرن الماضى للنصب على المواطنين الراغبين فى السفر لدول الخليج التى اصبحت جميعها تطلب الان تلك الشهادة اللعينة التى اوقفت حال المصريين حتى بعض الدول الاخرى مثل ليبيا اصبحت تطلبها هى الاخرى من المصريين ايضا ومن المثير للدهشة ان تلك الدول لاتفرض هذه القيود الا على المصريين فقط دون سائر جنسيات العالم الاخرى ,فبعد اجتياز راغبى السفر لتلك الدول من المصريين للاختبارات الفنية التى يطلبها صاحب العمل فى تلك الدول وتبدا رحلة استخراج الاوراق اللازمة للسفر يقع الضحية الراغب فى السفر فى قبضة هذه المافيا المنظمة التى تعمل فى سرية تامة ومركزها فى المعامل المركزية بالقاهرة وينتشر افرادها ووسطاؤها الذين يصطادون الضحايا فى جميع انحاء الجمهورية ولعل بداية الرصد الرسمى لعمل هذه المافيا هو ماكشفت عنه جريدة الاهرام بتاريخ 19 سبتمبر 2002 فى صفحة الحوادث والقضايا من القبض على مدير عام بوزارة الصحة و4 اخرين تقاضوا 15 الف جنيه رشاوى لتمرير مثل هذه الشهادة وقد كان هذا المبلغ متواضعا بالقياس للرشاوى التى تطلب الان من الضحايا, وقد كان من الشائع وقت بدء عمل هذه المافيا ان الحد الادنى لابتزاز الضحايا يبدا من خمسة الاف جنيه وتدرج هذا المبلغ فى الارتفاع حتى وصل الان الى اكثر من ستة عشرالف جنيه يدفعها الضحية من دم قلبه وبعد ان يقترض من اقربائه واصدقائه ومن طوب الارض لحين الفرج الذى لاياتى غالبا اقول لايعلم الضحية انه فى هذه الدول التى تفرض هذه القيود يتم اعادة نفس الفحوصات المعملية المبدئية التى تجرى بالمعامل المركزية بالقاهرة والتى لاتؤكد اصابة راغبى السفر فى الاصابة بفيروسات الكبد (ب ,سى) على وجه التحديد ومن يشتبه فى اصابته يتم ترحيله الى مصر بمنتهى البساطة ويضيع على الضحية المسكين مادفعه لهذه المافيا التى تصطاد فى الماء العكر وما دفعه لشركة تسفير العمالة يتبعولايخفى على القاصى والدانى فى مصر وجود هذه المافيا المنظمة التى تعمل كالخفافيش فى الظلام وفى سرية تامة لاستخراج هذه الشهادة سليمة من المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة بالقاهرة حتى لو كان الشخص مصابا او مشتبها فى اصابته وفروع هذه المافيا منتشرة فى كل مكان فى مصر لالتقاط الضحايا وتتلخص الحكاية فى ان الضحية يقوم بدفع( المعلوم )المتفق عليه مسبقا مع احد افراد هذه المافيامقدما وقد تفننت هذه المافيا فى الطرق التى تستخرج بها شهاده خالية من الاجسام المضادة لفيروسات الكبد من استخراجها معتمدة بالتواطؤ مع احد العاملين بالمعامل المركزية بالقاهرة وفى سرية تامة او بذهاب الشخص راغب السفر مع فرد المافيا الذى يتعامل معه الى المعامل المركزية بالقاهرة وبصحبتهما شخص سليم من فيروسات الكبد ويتم سحب العينة من الشخص السليم بمنتهى السرية والحذر وتستخرج له شهادة سليمة وبعد سفره يكتشف انه كان ضحية عملية نصب مكتملة الاركان فبعد سفره تعيد هذه الدول نفس هذه الفحوصات -كما اسلفت- ومن تشتبه فيه ترحله فورا لان هذه البلاد تتلكك اصلا للمصريين والمشكلة انه حتى بعد التشخيص المبدئى لهؤلاء الراغبين فى السفر باكتشاف الاجسام المضادة فى دمائهم تتركهم الدولة هائمين على وجوههم دون ان تتكفل بعمل فحوصات اخرى متقدمة لتاكيد تشخيص الفيروسات الكبدية وعلاجهم منها وخاصة فيروس(سى) الاكثر انتشارا والاكثر خطورة والتى تصل تكلفته بعقار الانترفيرون الى مايقرب من سبعين الف من الجنيهات على مدار سنة كاملة بواقع حقنة تحت الجلد كل اسبوع لمدة سنة كاملة فاين دور التامين الصحى والعلاج على نفقة الدولة من هؤلاء واين دور الدولة فى الحفاظ على ثروتها البشرية ام ان العلاج على نفقة الدولة اصبح مقتصرا فقط على المحظوظين من حواريى الحزب الحاكم ؟!وما اود قوله فى هذا الصدد اننى اريد طرح الموضوع من منظور علمى اولا بصفتى طبيبا للامراض الباطنة والامراض المعدية على وجه التحديد وسوف اركز على فيروس (سى) بالتحديد ومن خلال معلوماتى الطبية وتبسيطا للقارىء غير المتخصص فاننى اقول ان نسبة كبيرة من المواطنين الذين يتم منعهم من السفر للدول الخليجية وليبيا -مؤخرا-بحجة انهم مصابون بفيروس (سى) ليسوا مصابين فى الحقيقة بهذا المرض اللعين فما يتم فحصه فى دم المتقدم للمعامل المركزية بالقاهرة وايضا حينما يعاد الفحص بتلك الدول بعد السفر هو اختبار وجود اجسام مضادة لفيروس (سى) فقط دون اجراء فحوصات معملية اخرى متقدمة تؤكد وجود هذا الفيروس فان وجدوا فى دم المتقدم للسفر هذه الاجسام المضادة وحسب تعليمات سفارات تلك الدول بالقاهرة فانهم يعطون المتقدم للسفر شهادة تفيد عدم صلاحيته ويتم منعه من السفر وحتى لو تحايل بطريقة او باخرى-كما اسلفنا- لاستخراج شهادة سليمة فان راغب السفر لتلك الدول يخضع لنفس الفحوصات المعملية المبدئية التى تتم فى مصر والتى تعتمد فقط على وجود الاجسام المضادة لفيروس (سى) وهذا من الناحية العلمية خاطىء تماما فليس معنى وجود اجسام مضادة لفيروس (سى)بدم الشخص انه بالتاكيد مصاب بالمرض فهذا التحليل مجرد تحليل مبدئى يعطى انطباعا مبدئيا بان هذا الشخص ربما -اكرر ربما- يكون مصابا بالمرض فنسبة كبيرة من الاشخاص الذين يحملون فى دمائهم تلك الاجسام المضادة لايكونوا فى الحقيقة مرضى بهذا المرض اللعين فمن المعروف علميا ان هناك حقيقة معملية تعرف ب(التفاعل المتداخل) CROSS REACTION .. فهذه الاجسام المضادة لفيروس(سى)بالاضافة لوجودها فى دماء مرضى الالتهاب الكبدى الفيروسى(سى)بعد تاكيده بتقنيات معملية اخرى متقدمة فانها تكون ايضا موجودة فى دماء كثير من مرضى البلهارسيا وبعض مرضى الملاريا كما توجد ايضا فى دماء اغلب الاشخاص الذين كانوا يعالجون من ذلك الفيروس وتلقوا كورسا علاجيا كاملا من عقار الانترفيرون المضاد لهذا الفيروس واصبح خاليا تماما من الفيروس واخذ مناعة ضده بمعنى ان وجود هذه الاجسام المضادة لفيروس (سى) فى دماء مثل هؤلاء الاشخاص يعطى انطباعا خاطئا بان هؤلاء الاشخاص مصابون فعلابذلك الفيروس وهو مايسمى علميا بالنتيجة الايجابية الكاذبة FALSE POSITIVE RESULT اما مايؤكد اصابة الشخص فعليا بذلك المرض اللعين فهى تقنية معملية اخرى تعرف ب P.C.R. كيفى وكمى لتحديد كمية الفيروس بالدم بالاضافة لسحب عينة من نسيج الكبد وتحليلها لمعرفة نسبة تليف انسجة الكبد والتى يتحدد بناءا عليها تقرير مااذا كان المريض المصاب سيجدى معه العلاج بعقار الانترفيرون من عدمه وتقنية اخرى اكثر حداثة ودقة يلجا اليها المعالجون الان لتحديد كمية تليف الكبد تعرف بFIBROSCAN هذا من المنظور العلمى اما من المنظور الانسانى والاجتماعى ان الدول الخليجية ومعها بعض الدول العربية الاخرى مثل ليبيا هى التى خلقت تلك الازمة فهذه الدول تتعنت مع المصريين بسبب الاشتباه بالاصابة بفيروس (سى) على وجه التحديد ويكفيك ان تقرا كم الاعلانات اليومية التى تنشر بجريدة الاهرام بطلب اطباء وعمالة اخرى لتلك الدول ولا يسافر الا عدد قليل بسبب تلك المشكلة التى يجب ان توضع حلول لها..فثمة مسالة هامة لابد من طرحها فى هذا الصدد ,هل هذه الدول التى تتعنت مع المصريين وهى كما يعلم الجميع بها بشر من مختلف جنسيات الارض لايوجد بها امراض اكثر خطورة من فيروسات الكبد؟! وهل هذه الدول بها نقاء صحى كامل الى درجة خشيتها من (تلويثها) بالمصريين ؟! ام هى تلاكيك والسلام ؟!ثم ان هذه الدول تتعامل بيسر وسلاسة مع عمالات الجنسيات الاخرى غير العربية ولاتتعنت فى اجراءات سفرها اليها رغم ان هذه الجنسيات تحمل امراضا اخرى اكثر خطورة من مرضى فيروسات الكبد ,الامر ببساطة يرجع الى ان الجنسيات غير العربية لها حكومات تحافظ على كرامة ابنائها بعكس حكومتنا التى تمتهن المواطن المصرى بالداخل والخارج ,ان هذه القيود التى تفرضها دول الخليج وبعض الدول العربية الاخرى على سفر المصريين للعمل يجعلنا نتحسر ونعض بنان الندم على ضياع دولة عربية كبرى مثل العراق فى قبضة الاحتلال , ذلك البلد العربى الكبير الذى كان البلد العربى الوحيد قبل ماحدث له وخلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى هو الملاذ والملجا لفقراء المصريين بعد ان افقرتهم حكومتهم فقد كانت ابواب العراق مفتوحة على مصاريعها لكل راغب من المصريين فى السفر اليه لتدبير اموره الحياتية واعالة عائلته وبناء منزله وزواجه ولم يكن يقتصر الامر فقط على ذوى المؤهلات العليا والحرفيين بل كان يمتد الامر الى طلبة المدارس والجامعات الذين كانوا ينتهزون فرصة الاجازة الصيفية لتدبير احتياجاتهم من المصاريف الدراسية للعام المقبل ..ان خسارة العراق خسارة فادحة لفقراء المصريين وهم اكثر من تضرروا بتدمير العراق وجعلتهم ملطشة لكل من هب ودب من بدو الخليج يتحكموا فيهم وفى ارزاقهم ولايتورعون عن التنكيل بهم تحت سمع وبصر حكومتهم غير الرشيدة! فمتى يتغير هذا النظام الفاسد وتعود للمصريين كرامتهم المهدرة داخل وخارج البلاد ويتولى امر المصريين نظام اخر يسعى لاصلاح ماافسدته حكومات النظام الحالى المتعاقبة على مدار ثلاثين عاما !!
د.مجدى ابو السعود
اخصائى امراض باطنة وحميات المنصورة
...................
المزيد عن فيروس سى