هل تأكل مصر أبنائها
 | |
البقاء لله | |
بقلم : أبوبكر الصديق سالم
................................
وقع الحادث الأليم أمام كنيسة القديسين بالاسكندرية , وأزهقت الأرواح البريئة قبطية ومسلمة على يد آثمة بغيضة , فاهتزت الدنيا , وجندت كل الأبواق الناكرة والمستنكرة والمستفزة والمستنفرة , ولكن تبقى الجراح تنكت قلوب أهالى الضحايا المنكوبين بفقدان ذويهم , فمن يستطيع شفاء جراحهم التى لن تندمل , أللهم ألهمهم الصبر والسلوان , فهذا كل ما نستطيع به مواساتهم فى هذه اللحظات الأليمة .. وعلى نار هذا الحادث المفجع أتوجه إلى كل المزايدين والمنتقصين أن يخرسوا ألسنتهم البذيئة والقميئة ولا يلعبوا على وتر الطائفية , فالقضية تتلخص فى استغلال مناخ الحرية الإعلامية فى مصر الذى ساعد على نشر أفكار التعصب من أراذل الأقباط والمسلمين على السواء ولم تحرك الحكومة ساكنا ولم تتم محاسبتهم أمام القضاء العادل.
فمن يشكك فى دين الآخر أويذرريه فى العلن أو الخفاء فيجب أن يحاكم أما م القضاء مهما علت حيثيته الدينية أو الوظيفية أوالعلمية , وإن أى قول أوفعل او تحريض بأى صورة على إثارة المشاعر الدينية بين الأقباط والمسلمين أو العكس يجب أن يواجه بكل حزم امام القضاء , والقانون المصرى لا يحتاج إلى تشريع قوانين جديدة لتأدية هذا الغرض .
وكما تمرست الحكومة فى القبض على قيادات وأعضاء جماعة الإخوان فى كل محافظات مصر وقراها ونجوعها , لأنها تعتبر الإخوان العدو الأكبر لها فى المنافسة على الحكم فكانت معركة الحكومة منصبة على الإخوان والمعارضة الهزيلة فقط , فهى قادرة على بتر كل من يشعل نار الفتنة من الطرفين وهى تعلمهم جيدا , ولكنها لم تعن بوأد الفتنة التى تهب بين الحين والآخر بين المسلمين والأقباط من جذورها, فإذا وقعت حادثة طائفية نصبت المجالس والندوات وتوالت اللقاءات بين المشايخ والقساوسة ليتسامحون على الدم المسفوح والحرمات المنتهكة , ويبقى الكمد المهين فى النفوس حتى يجد الفرصة للنزوع والعدوان مرة أخرى .
فلن يقنتع أقباط مصر ولا مسلميها بأسلوب الطبطبة ولا بعرض سماحة الدين الإسلامى وتسامح الدين المسيحى الذى يتغنى بهما بعد حدوث المصائب والكوارث الطائفية .
يجب أن توجه الدولة كل مؤسساتها إلى القيام بواجبها فى حماية أمن كل المصريين بكل ما تحمله من معانى ونصوص دستورية وقانونية , بعد أن أهملته وتفرغت كليا لأمن السلطة وحماية مصالحها فقط , فيجب أن تكون الحكومة حكومة من أجل الشعب والوطن وليست حكومة من أجل السلطة والحزب .
أما أن تقف الحكومة موقف المتفرج والباحث عن الجانى بعد حدوث الكارثة فإنها تصبح الجانى الحقيقى لهذه الكوارث , فالأهمال فى أمن المواطنين جريمة , وتكرار هذه الحوادث المأساوية سوف يزيد من ضخامتها واستفحالها مستقبلا حيث لن يكون فى مقدور أحد أن يصدها لأنها تعتبر حاليا بالونات اختبار , فلماذا ننتظر الاختبار الحقيقى الذى سيدمرأمامة كل شئ .
أن قضية المصريين مسلمين ومسيحيين قضية واحدة , ويجب أن توضع فى حزمة واحدة وأهمها حقوق المواطنة بلا تفريق ولا تمييز. ويتعين على ذلك ان يكون القضاء هوالسلطة الوحيدة والأعلى لنحكم فى قضايا كل المصريين , دون الرجوع إلى أى سلطة دينية , أو سياسية تنازعه فى الحكم , إذ أن القانون يسترشد قبل إقراره بالشريعة الإسلامية أو الاستدلال الدينى من الإنجيل كما هو الحال فى المسيحية , فمن يستهين بحكم القضاء فإنه يعتدى على هيبة الدولة وسلطاتها ويعتبر خارجا عليها .
ويجب أن تنتهى كل مظاهر وفعاليات السلطة الدينية فى مصر لكلا الجانبين المسيحى والمسلم فإنها السبب الرئيسى للفتنة الطائفية , فإنهما قد تحولا إلى سلطة سياسية تسعى لكسب مواقف ومواقع ومعارك كانه لا توجد دولة بين ظهرانيهم .
أن مصر أظلت كل المصريين تحت جناحيها قرونا طويلة اتسمت بالتآخى والمشاركة الوطنية والوجدانية بين كل عناصرها , ولم تصف يوما أن بها أقلية أو أكثرية , إنما عائلة واحدة تحمى وتحتضن كل أفرادها دون تمييز .
فأعطوا الحكومة فرصة لتراجع حساباتها ولتدرك مدى تقصيرها فى حق المصريين وتصحح مسارها من أجل مصر لكل المصريين , وليذهب كل من دعا إلى شقاق أو خلاف أو فتنة إلى الجحيم .
