من خطاب عبدالناصر 22 فبراير - شباط
...............................................................
| |
جمال عبد الناصر | |
أيها الإخوة:
كلنا نذكر كيف حاول شباب من طيارين السعودية الأحرار، بطائرتهم المحملة بالسلاح المعد لضرب ثورة اليمن، كيف حولوا هذه الطائرات إلى القاهرة ليكشفوا مؤامرات الرجعية والاستعمار ضد حق شعوب أمتنا العربية فى الثورة
كلنا نذكر - أيها الإخوة - بفخر واعتزاز كيف جاء قائد سلاح الجو الأردنى سهل حمزة إلى القاهرة، وكيف أن ضميره الحى رفض أن ينفذ مخططات الاستعمار والرجعية، وهذا الضمير الحى - أيها الإخوة - كان بالنسبة لنا هو ضمير شباب أمتنا العربية، ثم جاء بعد هذا من رفاقه اتنين من الطيارين
كان هذا لنا رمز لتصميم شعب بأسره أن لا يسكت ولا ينام على الغدر وعلى الظلم، تصميم شعب بأسره أراد أن يعلن للعالم أجمع أنه يتعاون وأنه يناضل من أجل نفس الأهداف التى نناضل من أجلها فى كل بقعة من أرجاء الأمة العربية
كلنا نذكر كيف انتقل مئات من الضباط والجنود من جيش السعودية، من الجانب المعادى لثورة اليمن إلى جانب الثورة نفسها وضد أعدائها، وهم يؤكدون للدنيا أن جيوش الأمة العربية ليست جيوش الحكام دائماً، وإنما هم لأمتهم، وإنما هم جنود نضالها، وليسوا حرباً عليها مهما كانت المغريات
إن الذين أرادوا توجيه جيوشهم ضد شعوبهم أصبحوا وحدهم الخائفين إلى درجة تدفعهم إلى الهرب من بلادهم وراء أسوار المستشفيات التى حولوها من دور للعلاج إلى مراقص للجوارى
من الذى كان يتصور أن حكم أسرة الإمام سوف ينتهى، وأن حكم سعود سوف يجد نفسه برغم القوة الأجنبية التى تسنده وتحميه ذليلاً، وأن العرش الذى أقامه تشرشل" فى الأردن سوف يجد شعباً فى الأردن يدفع الأبطال من أبنائه إلى تحديه علناً، برغم اعتماده المطلق على مساندة الاستعمار له، وعلى تدعيم إسرائيل له
الحمد لله لأن ثورة الجزائر قد انتصرت، إن ثورة الجزائر بالنسبة لنا نصر عظيم، لقد كان الاستعمار يريد للجزائر أن تكون فرنسية، كانوا يقولوا الجزائر فرنسية واليوم نحمد الله أن الجزائر اليوم عربية، وقد ضاع شعار الجزائر فرنسية ورفع علم الجزائر العربية، علم الأحرار فى الجزائر
حينما حلت النكسة، وقام الانفصال رأيتكم هنا فى القاهرة، الصبح أما رحت الإذاعة شفت الشعب هنا فى القاهرة وأنا خارج من الإذاعة، شفت الناس بتبكى، شفت الناس منفعلة، كنت على ثقة فى هذا الوقت أن هذا الشعور الذى لمسته من أبناء الجمهورية العربية المتحدة فى القاهرة هو شعور كل عربى حر فى جميع أرجاء الأمة العربية، كنت على ثقة أن هذا الشعور هو شعور الشعب السورى الحر فى سوريا لأنى كنت أعرف الشعب السورى الذى كان دائماً يرفع علم الوحدة، وحينما كنت أقول فى سوريا، أن دمشق قلب العروبة النابض كنت أعنى ما أقول؛ لأنى كنت ألمس هذا من قلب كل فرد من أبناء دمشق وأبناء سوريا
حصلت النكسة من سنة ونص، والحقيقة تجربة الوحدة كانت تجربة رائدة، رغم النكسة ورغم الانفصال، كلنا نعرف كيف أراد الاستعمار دائماً أن يفصل شعب مصر عن العروبة، كيف أراد الاستعمار دائماً أن يقيم العداوة ويقيم المحاور، يقيم العداوة بين دمشق وبغداد أو بين بغداد والقاهرة ويقسم.
كلنا نعرف إن الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى رفع شعارات هنا فى مصر، إن مصر مالهاش دعوة بالعرب، كلنا نعرف إن بعد ثورة ١٩ لم تتجه الأنظار عبر سيناء إلى المشرق العربى، ولكن هناك دعوات للانعزالية.
ثم جاءت حرب فلسطين واستجاب الشعب المصرى إلى داعى الواجب، ولم تتمكن كل دعايات الاستعمار أن تنسيه عروبته، فهب ليؤدى الواجب، ثم كانت نكسة فلسطين فى سنة ٤٨ و٤٩، وبعد هذا بدأت النغمة القديمة، النغمة القديمة الانعزالية، النغمة القديمة التى خطط لها الاستعمار، النغمة القديمة التى خططت لها الصهيونية، وأخذوا من نكسة فلسطين أسباب للانعزال وأخذوا من نكسة فلسطين دوافع لإقناع الشعب العربى فى مصر بأنه الأفضل له ألا يدخل فى مشاكل العرب الأخرى وكانت هذه هى إرادة الاستعمار والصهيونية.
ولكن حينما تحررنا، حينما قامت ثورة ٢٣ يوليو سنة ٥٢ معبرة عن إرادة هذا الشعب وعن آمال هذا الشعب ظهرت حقيقة هذا الشعب، الحقيقة الطبيعية، الحقيقة البسيطة، احنا شعب طيب، احنا شعب بسيط، احنا شعب لا يمكن لأفكار الاستعمار ولا يمكن لشعارات الاستعمار مهما حاول، ومهما أخذ من الزمن فى محاولة تركيزها فى عقولنا ونفوسنا، احنا شعب لا يمكن أن نتأثر بهذا.
بمجرد ما تحررنا، بمجرد أن قامت ثورة ٢٣ يوليو وقضت على الاستعمار الأجنبى وعلى الاستغلال الداخلى، قضت على الاحتلال البريطانى، على طول بالطبيعة أظهر شعوره.. بالطبيعة أظهر الشعب روحه.. بالطبيعة أظهر الشعب إنه جزء من الأمة العربية وأنه يسعى إلى الوحدة العربية، وأنه يشعر من صميم قلبه أن لابد له من أن يلتقى مع إخوته العرب فى جميع أنحاء الأمة العربية.
وكان هذا واضح كل الوضوح لأن الشعب هنا فى مصر كان يتفاعل فى الحال وبطريقة سريعة مع كل قضية عربية، وكان يشعر أن ما يصيب أى وطن عربى يصيبه، وأن ما يسر أى وطن عربى يسره.
وبهذا - أيها الإخوة - كان أمامنا الطريق مفتوح حتى نؤكد عروبتنا، وحتى نتحد وحتى نلتقى وحتى نحقق الأهداف التى رفعناها دائماً، رفعناها رغم محاولات الاستعمار ورغم محاولات الرجعية ورغم محاولات الصهيونية، لم تكن الوحدة العربية أبداً بالنسبة لنا فى مدلولها بأى حال من الأحوال الوحدة الدستورية، الوحدة المكتوبة على الورق، ولكن كانت الوحدة العربية التى تعنى أننا جميعاً نلاقى الأعداء، وأننا جميعاً نلتقى فى كل المناسبات، أننا جميعاً فى وجه أعدائنا، وأننا جميعاً نحتفل بانتصاراتنا، الانتصار فى العراق هو انتصار لدمشق والقاهرة، والانتصار للقاهرة هو انتصار لدمشق والعراق وباقى أجزاء الوطن العربى.
هذا هو ما كنا نشعر به ونحن نرفع شعار الوحدة العربية، ماكناش أبداً بأى حال من الأحوال بننظر للوحدة العربية بالتعقيدات اللى بينظر إليها السياسيين، بالتعقيدات والكتابات والورق والاتفاقيات.
كان فعلاً هناك وحدة عربية.... لما الفرنساويين ضربوا دمشق ثارت القاهرة، ولما الاستعمار اعتدى علينا فى ٥٦ ثارت دمشق وثارت بغداد فى وجه نورى السعيد.. دى الوحدة العربية الحقيقية، هى الوحدة المنزهة عن الهوى، الوحدة المنزهة عن الغرض، الوحدة التى تنبع من الشعب الحر الأبى المناضل الذى يظهر للعالم أجمع أنه على استعداد دائماً لأن يناضل بروحه ولأن يناضل بدمه فى سبيل تحقيق أهدافه وفى سبيل تحقيق آماله، دا كان موقفنا بعد الثورة.
وحينما واجهنا فى سنة ٥٨، حينما واجهنا البحث من أجل الوحدة العربية، وأنا كنت فى هذا الوقت أشعر أن التجربة قد تكون تجربة متسرعة، وكلكم عارفين اللى أنا قلته فى سنة ٥٨؛ أنا قلت فى سنة ٥٨ نحن فى حاجة إلى خمس سنوات حتى نرسى الوحدة على مراحل؛ وبهذا نرسى هذه الوحدة على أساس علمى وعلى أساس سليم، ولكن الشعب العربى فى مصر والشعب العربى فى سوريا فرض الوحدة فرضاً فى هذا الوقت، وفى رأيى إن هذا الفرض لم يكن بأى حال بطريقة عاطفية.. يمكن احنا ممكن نحللها إنها طريقة عاطفية.. أبداً، بالنسبة للشعب ماكانتش العملية طريقة عاطفية، بالنسبة للشعب العملية كانت طريقة إيمان وكانت طريقة نضال وكانت هناك فرصة لوضع الآمال الكبرى فى الوحدة العربية موضع التنفيذ، وكان علينا احنا المسئولين واجب أن ننفذ إرادة هذا الشعب.
العاطفية مطلوبة، عاطفية الشعب مطلوبة لأن الشعب حينما ينفعل وحينما يتفاعل مع أهدافه ومع روحه يمثل القوة الكبرى للوحدة وللأمة العربية ونضالها.
لكنا خدعنا، خدعنا بعد الوحدة ليه ؟ ...هو الحقيقة كان فيه ثورة هنا فى مصر وبعد كده كان فيه ثورة فى العراق فى ١٤ يوليو، ماكانتش فيه ثورة أبداً فى دمشق ولا فى سوريا، وأنا كنت فى هذه الأيام أشعر بنوع من العجز ونوع من التناقض، كان فيه تناقض كبير اجتماعى كان فيه تناقض كبير بين المصالح.... حينما أراد السياسيين الوحدة كل واحد أراد الوحدة ليحقق هدف، الشعب ماكانش عايز كده، السياسيين كل واحد كان عايز يحقق هدفه السياسى، الشعب كان عايز يحقق أمله، أمله فى الوحدة، أمله فى الحرية، أمله فى الاشتراكية، كان بده يضع شعاره موضع التنفيذ، الشعب كان منزه عن الهوى، الشعب كان منزه عن الغرض، الشعب كان على استعداد أن يقاتل ويناضل دائماً من أجل وضع الوحدة موضع التنفيذ.
ولكن التناقض الاجتماعى، ديكتاتورية رأس المال والإقطاع التى كانت تتحكم فى هذه الأيام هناك فى سوريا والتى كانت لها قوى قبل الوحدة استمرت بعد 58، واستطاعت هذه القوى أن تنافق، وأنا قلت بعد الانفصال ان احنا غلطنا لأن احنا آمنا للقوى المعادية بالطبيعة للثورة، ولكنها نافقت وخدعت، فاطمأنينا لهذا النفاق من الرجعية وتعاونا مع الانتهازية، وكانت الرجعية التى تنافق والانتهازية التى تنافق تعمل من أجل ضرب الوحدة حتى تحفظ لنفسها استغلالها , وبهذا كانت الطعنة التى وجهت إلينا، وجهت إلى الوحدة، وأخذنا الدرس من النكسة.. أخذنا الدرس من الانفصال.
فى نفس الوقت - أيها الإخوة - احنا هنا لم نكفر، ما كفرناش أبداً بالشتايم اللى انشتمناها، ما كفرناش أبداً بعد الاتهامات اللى وجهت إلينا، ولكنا آلينا أن نكافح ونناضل من أجل الأهداف التى أعلناها فى الحرية والاشتراكية والوحدة , أعلنا أننا لم نكفر بالوحدة أبداً، ونحمد الله النهارده بعد سنة ونص من الانفصال، واحنا بنحتفل بعيد الوحدة ان احنا ما كفرناش بل زاد إيماننا بالوحدة العربية.
نحمد الله ان احنا شفنا الشعب السورى الباسل وهو يناضل من أجل مبادئه وأهدافه، ناضل من أول يوم، رفع صوته من أول يوم، وبعد هذا رفع صوته يوم ٢٨ مارس، بعد ٢٨ مارس رفع صوته، وكان صوته يصل إلينا دائماً.
الشعب السورى لم ترهبه السجون ولم يرهبه الرصاص، الشعب السورى كشف الخديعة من أول يوم، الخديعة اللى أرادت أن تضلله، الخديعة اللى استخدمت كل الأسلحة؛ استخدمت الانتهازيين واستخدمت المرتدين واستخدمت كل شىء، هذه الخديعة هل صدقها الشعب ؟ لم يصدقها الشعب السورى.
فى يوم ٢٨ مارس ارتفع من سوريا أعلى الأصوات وأقواها، ارتفع صوت الجيش السورى، ارتفع يقول كل ما كنا نقوله بعد مؤامرة الانفصال، الجيش السورى يوم ٢٨ مارس عمل بيان فى العام الماضى.
كانت إذاعات الانفصالية الرجعية توجه إلينا الاتهامات واحنا بنقول إن التحالف الرجعى الانفصالى قام ليقضى على مكاسب الفلاحين والعمال، ليخضع سوريا مرة أخرى لديكتاتورية الإقطاع ورأس المال.
وكان من الواضح طبعاً بعد الانفصال أن الرأسمالية والإقطاع حققوا أهدافهم، حصل تحالف جمع أعداء الوحدة والعدالة الاجتماعية، قضوا على مكاسب العمال والفلاحين، وأرادوا إنهم يخدعوا الشعب بإنهم يعملوا بعض القوانين الزائفة ولكن الشعب لم يخدع.
فى ٢٨ مارس الجيش السورى - النحلاوي - أعلن بيان قال فيه عن الحكام :
لقد تمكنت هذه العناصر عن طريق التحكم أن تبعد بالسلطتين التشريعية والتنفيذية عن مهمتهما الأساسية، كما تمكنت من تعطيل سائر التشريعات والقوانين والأنظمة التى حققت وضمنت مكاسب الفلاحين والعمال، وبقية فئات الشعب، فراحت هذه العناصر تصدر التعليمات والأوامر التى تناقض التشريعات والقوانين، وتعمل على طرد الفلاحين وطردهم من قراهم وانتزاع أراضيهم منهم، وحملهم على تركها والهجرة منها، ولإعادة سيطرة أنصارهم ومحاسيبهم وأعوانهم، فهدمت بيوت الفلاحين على رءوسهم وأحالت أراضيهم المزروعة بعرقهم ودموعهم وجهودهم إلى خراب.
كما راحت هذه العناصر تعمل جاهدة للإبقاء على التشريعات التى تجعل مكاسب العمال صورية ونظرية وغير حقيقية، فنزفت بذلك الحقوق، وزهقت المكاسب واستهترت بالقوانين والتشريعات وخنقت الحريات، ولم تعمل على تحقيق الاستقرار ودفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.
لقد استطاعت هذه العناصر الحاكمة المتآمرة، استطاعت أن تنفذ إلى الوزارات والدوائر والمؤسسات فملأتها بالمحاسيب والأنصار وأغدقت عليهم من المراتب والدرجات جزافاً وبدون حساب، كأن الدولة مزرعة لهم، وكأن الشعب قد سخر لمصلحتهم، ولم تكتف بذلك بل حرفت المجلس التأسيسى عن مهمته الأساسية وجعلته شبه معطل فلم يعد هم هذا المجلس إلا زيادة رواتب أعضائه، فارتفعت من ٦٠٠ ليرة سورية إلى ما يعادل ٢٠٠٠ ليرة سورية لكل نائب يقبضها كل شهر.
لقد ظنت هذه العناصر ومن ورائها الاستعمار وأعوانه، والذين يعملون لحسابه ومصلحته أن الجو قد خلا لهم، وأن البلاد قد خلعت خيراتها ومقدراتها لمحاسيبهم وأنصارهم فأسفروا عن وجههم وراحوا يعملون ويتآمرون على سلامة البلاد وأمنها وحريتها، ويقبضون كما كانوا بالسابق أجر خيانتهم وثمن بيع ضمائرهم وعهدهم، وكأن العهد لم يكن مسئولاً فى الوقت الذى كان الجيش السورى يقف فى وجه إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل.
لقد راح الجيش يطلب من المسئولين الكف عن حماية العناصر التى تآمرت على سلامة البلاد، وامتدت أيديها إلى الغير فقبضت منه مئات الألوف ليثأر منهم بإحالتهم للقضاء ليقول كلمته فيهم.
ولم يترك الجيش باباً إلا وطرقه ولا طريقاً إلا وسلكها لتقويم الاعوجاج وإصلاح الانحراف وإنقاذ البلاد، إلا إنه لم يلق من المسئولين إلا حماية لهذه العناصر حيث راحوا يراوغون ويسوفون ويماطلون أملاً منهم بكسب الوقت، ولعل الأيام حسب ظنهم تلهى الجيش عنهم، وعن العناصر التى حموها وحالوا دون إحالتها إلى القضاء.
فقد سيطرت العناصر المتآمرة المستغلة سيطرة لم يعد ينفع معها نصح ولا تحذير، فلم يلق الجيش أخر الأمر آذاناً صاغية ولا أفئدة واعية.... إن الجيش العربى السورى بلغ هذا إلى المسئولين.
دا الكلام اللى اتقال فى 28 مارس سنة ٦٢ ، الكلام اللى قاله الجيش كان أبلغ من كل كلام قلناه، الكلام اللى قاله الجيش فى هذه الأيام كان انعكاس لما شعر به شعب سوريا بعد نكسة الانفصال .
الملك سعود دفع فى عملية الانفصال ٧ مليون جنيه وجاب عملاؤه وحطهم فى دمشق، وكان فى عنفوان غروره، وكان فى عنفوان وهمه بأن ملايينه المسروقة من شعب الجزيرة العربية.. هذه الملايين سوف تستطيع أن تخضع أمامه كل مقاومة، وكان بيعتقد ان هذه الأموال المسروقة، المسروقة من شعب الجزيرة العربية يمكنها أن تشترى كل ضمير.
السنة اللى فاتت كان حكم الإمام فى اليمن، وكان الإمام فى هذا الوقت مطمئن جداً إلى أن المد الرجعى أخذ طريقه، وكلنا نعرف إنه فى هذه الأيام بدأ يهجو الوحدة والاشتراكية والحرية بالشعر وبالنثر، ودا اللى بيهجو بالشعر لازم مطمئن خالص.
فى نفس الوقت كانت بغداد فى عزلة، كانت فى عزلة الحكم الفردى، وكلنا نعرف من سنة ٥٨، حاولنا الالتقاء مع بغداد، ولكن الحكم الفردى فى بغداد كان ضد فكرة القومية العربية، وكان ضد فكرة الوحدة العربية، وكان ضد فكرة الالتقاء بأى حال من الأحوال، حاولنا بكل وسيلة من الوسائل، ولكن لم تفلح هذه الوسائل ولم تنجح.
السنة اللى فاتت وأنا باتكلم معاكم من هذا المكان كانت الثورة الجزائرية وراء قضبان السجون فى فرنسا وعلى الجبال فى الجزائر تقاتل، السنة اللى فاتت وأنا باتكلم معاكم هنا، كانت الرجعية فى سوريا تظن أن الأمر استتب لها، وكان عرش الاستعمار فى الأردن يتصور أنه فى أمان.
النهارده واحنا بنحتفل بعيد الوحدة بنستعرض إيه البلايا اللى ابتلينا بيها السنة اللى فاتت؛ ابتلينا بلايا كبيرة جداً، ما أثرتش فى أعصابنا، وما أثرتش فى إيماننا؛ الانتهازية فى سوريا.. المرتدين فى سوريا، الناس اللى اشتغلوا معانا فى وقت الوحدة ازاى كشفوا عن وجوههم.. كشفوا عن الانتهازية وعن الردة وبدأت حملات شتائم.. حملات اتهام.
هو كان باين إن فيه هدف، هذا الهدف ان احنا نكفر ونقرف من الوحدة، أو من العمل العربى، ولكن يمكن كثير منكم سمعوا راديو دمشق أو كان راديو إسرائيل بيردد ما تقوله دمشق، قالوا علينا بنتعاون مع... قالوا دا جمال عبد الناصر متفق مع "بن جوريون"! وفيه اتفاق بين مصر وإسرائيل!! وليه ما اتقفلش خليج العقبة؟! دا دليل على إن فيه اتفاق..... هل هم فى هذا كانوا مخلصين؟
طبعاً علشان نقوم بأى عمل عسكرى لازم نكون على أتم استعداد..... ما أخدناش احنا قضية فلسطين للمزايدة بدليل اللى بيسمع كلام "بن جوريون"، ما قالش على العظم أبداً، هو اللى معتبره عدوه الوحيد هنا الجمهورية العربية المتحدة أساساً، كل الكلام وكل الحملات على الجمهورية العربية المتحدة.
حينما قامت ثورة العراق إيه كان رد الفعل فى إسرائيل؟ أول تصريح اتقال إن دا بيخل التوازن فى العالم العربى، الإخلال بالتوازن فى العالم العربى بيؤثر على سلامة إسرائيل..... يعنى إيه إخلال التوازن فى العالم العربى؟ إيه هو التوازن فى العالم العربى؟ لمصلحة مين التوازن فى العالم العربى؟
حاجة بسيطة قوى:
التوازن فى العالم العربى ان بغداد تبقى ضد القاهرة والقاهرة ضد بغداد، ودمشق تبقى ضد القاهرة وسياسة المحاور، يعنى ما يبقاش فيه وحدة.. وحدة هدف.
كان من الواضح من أول يوم إن إسرائيل تخاف من لقاء القاهرة وبغداد؛ لأن دا يخل بالتوازن، طبعاً إذا أخل بالتوازن بتبقى إمكانيات شعب العراق مع إمكانيات شعب الجمهورية العربية المتحدة بتكون قوة كبرى، حينما تكون هناك وحدة هدف بتستطيع هذه القوة إنها تكون مؤثرة.
اتهمونا هذه الاتهامات، واحنا كنا على ثقة إن الشعب العربى بيعرف الانتهازيين ويعرف المرتدين ويعرف الرجعيين ويعرف الانفصاليين ويعرف المستغلين، وماكانش أبداً واجبنا يدعونا إلى أن نستجيب لهذا الاستفزاز بأى حال من الأحوال.
اشترينا قمح من أمريكا، قالوا دول اتفقوا مع أمريكا على إسرائيل، وفيه اتفاق بين أمريكا وعبد الناصر علشان إسرائيل ولتأمين إسرائيل.. وحصل مكاتبات، وبعدين نشر جواب "كيندى" وردى على جواب "كيندى"؛ زوروا وثائق وعملوا كل ما فى طاقتهم.... ولكن هل أجدى هذا بشىء؟ أبداً، الانتهازية اليوم تتراجع فى سوريا مذعورة، المرتدين اليوم بيتراجعوا فى سوريا ويدوروا على المفر، حملات الشتائم وحملات الاتهام تحطمت أمام ضمير الأمة العربية , لم يجدى هذا بشىء.
سعود استخدم الإسلام وقال إن الاشتراكية ضد الإسلام، وابتدا يعلن حرب عنيفة، هل أجدى هذا بشىء؟ سعود بيحارب معركة يائسة.
دا اللى احنا شفناه، ودا البلاء اللى شفناه فى السنة اللى فاتت، ما أثرتش فى إيماننا بل زادنا تصميم وإيمان، ما أثرش فى إيمان الأمة العربية لأن الأمة العربية أمة واعية تعرف من هم الذين يعملون من أجل أهدافها، ومين هم الانتهازيين والمرتدين.
كلنا نذكر كيف انتقل مئات من الضباط والجنود من جيش السعودية، من الجانب المعادى لثورة اليمن إلى جانب الثورة نفسها وضد أعدائها، وهم يؤكدون للدنيا أن جيوش الأمة العربية ليست جيوش الحكام دائماً، وإنما هم لأمتهم، وإنما هم جنود نضالها، وليسوا حرباً عليها مهما كانت المغريات
إن الذين أرادوا توجيه جيوشهم ضد شعوبهم أصبحوا وحدهم الخائفين إلى درجة تدفعهم إلى الهرب من بلادهم وراء أسوار المستشفيات التى حولوها من دور للعلاج إلى مراقص للجوارى
من الذى كان يتصور أن حكم أسرة الإمام سوف ينتهى، وأن حكم سعود سوف يجد نفسه برغم القوة الأجنبية التى تسنده وتحميه ذليلاً، وأن العرش الذى أقامه تشرشل" فى الأردن سوف يجد شعباً فى الأردن يدفع الأبطال من أبنائه إلى تحديه علناً، برغم اعتماده المطلق على مساندة الاستعمار له، وعلى تدعيم إسرائيل له
الحمد لله لأن ثورة الجزائر قد انتصرت، إن ثورة الجزائر بالنسبة لنا نصر عظيم، لقد كان الاستعمار يريد للجزائر أن تكون فرنسية، كانوا يقولوا الجزائر فرنسية واليوم نحمد الله أن الجزائر اليوم عربية، وقد ضاع شعار الجزائر فرنسية ورفع علم الجزائر العربية، علم الأحرار فى الجزائر
حينما حلت النكسة، وقام الانفصال رأيتكم هنا فى القاهرة، الصبح أما رحت الإذاعة شفت الشعب هنا فى القاهرة وأنا خارج من الإذاعة، شفت الناس بتبكى، شفت الناس منفعلة، كنت على ثقة فى هذا الوقت أن هذا الشعور الذى لمسته من أبناء الجمهورية العربية المتحدة فى القاهرة هو شعور كل عربى حر فى جميع أرجاء الأمة العربية، كنت على ثقة أن هذا الشعور هو شعور الشعب السورى الحر فى سوريا لأنى كنت أعرف الشعب السورى الذى كان دائماً يرفع علم الوحدة، وحينما كنت أقول فى سوريا، أن دمشق قلب العروبة النابض كنت أعنى ما أقول؛ لأنى كنت ألمس هذا من قلب كل فرد من أبناء دمشق وأبناء سوريا
حصلت النكسة من سنة ونص، والحقيقة تجربة الوحدة كانت تجربة رائدة، رغم النكسة ورغم الانفصال، كلنا نعرف كيف أراد الاستعمار دائماً أن يفصل شعب مصر عن العروبة، كيف أراد الاستعمار دائماً أن يقيم العداوة ويقيم المحاور، يقيم العداوة بين دمشق وبغداد أو بين بغداد والقاهرة ويقسم.
كلنا نعرف إن الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى رفع شعارات هنا فى مصر، إن مصر مالهاش دعوة بالعرب، كلنا نعرف إن بعد ثورة ١٩ لم تتجه الأنظار عبر سيناء إلى المشرق العربى، ولكن هناك دعوات للانعزالية.
ثم جاءت حرب فلسطين واستجاب الشعب المصرى إلى داعى الواجب، ولم تتمكن كل دعايات الاستعمار أن تنسيه عروبته، فهب ليؤدى الواجب، ثم كانت نكسة فلسطين فى سنة ٤٨ و٤٩، وبعد هذا بدأت النغمة القديمة، النغمة القديمة الانعزالية، النغمة القديمة التى خطط لها الاستعمار، النغمة القديمة التى خططت لها الصهيونية، وأخذوا من نكسة فلسطين أسباب للانعزال وأخذوا من نكسة فلسطين دوافع لإقناع الشعب العربى فى مصر بأنه الأفضل له ألا يدخل فى مشاكل العرب الأخرى وكانت هذه هى إرادة الاستعمار والصهيونية.
ولكن حينما تحررنا، حينما قامت ثورة ٢٣ يوليو سنة ٥٢ معبرة عن إرادة هذا الشعب وعن آمال هذا الشعب ظهرت حقيقة هذا الشعب، الحقيقة الطبيعية، الحقيقة البسيطة، احنا شعب طيب، احنا شعب بسيط، احنا شعب لا يمكن لأفكار الاستعمار ولا يمكن لشعارات الاستعمار مهما حاول، ومهما أخذ من الزمن فى محاولة تركيزها فى عقولنا ونفوسنا، احنا شعب لا يمكن أن نتأثر بهذا.
بمجرد ما تحررنا، بمجرد أن قامت ثورة ٢٣ يوليو وقضت على الاستعمار الأجنبى وعلى الاستغلال الداخلى، قضت على الاحتلال البريطانى، على طول بالطبيعة أظهر شعوره.. بالطبيعة أظهر الشعب روحه.. بالطبيعة أظهر الشعب إنه جزء من الأمة العربية وأنه يسعى إلى الوحدة العربية، وأنه يشعر من صميم قلبه أن لابد له من أن يلتقى مع إخوته العرب فى جميع أنحاء الأمة العربية.
وكان هذا واضح كل الوضوح لأن الشعب هنا فى مصر كان يتفاعل فى الحال وبطريقة سريعة مع كل قضية عربية، وكان يشعر أن ما يصيب أى وطن عربى يصيبه، وأن ما يسر أى وطن عربى يسره.
وبهذا - أيها الإخوة - كان أمامنا الطريق مفتوح حتى نؤكد عروبتنا، وحتى نتحد وحتى نلتقى وحتى نحقق الأهداف التى رفعناها دائماً، رفعناها رغم محاولات الاستعمار ورغم محاولات الرجعية ورغم محاولات الصهيونية، لم تكن الوحدة العربية أبداً بالنسبة لنا فى مدلولها بأى حال من الأحوال الوحدة الدستورية، الوحدة المكتوبة على الورق، ولكن كانت الوحدة العربية التى تعنى أننا جميعاً نلاقى الأعداء، وأننا جميعاً نلتقى فى كل المناسبات، أننا جميعاً فى وجه أعدائنا، وأننا جميعاً نحتفل بانتصاراتنا، الانتصار فى العراق هو انتصار لدمشق والقاهرة، والانتصار للقاهرة هو انتصار لدمشق والعراق وباقى أجزاء الوطن العربى.
هذا هو ما كنا نشعر به ونحن نرفع شعار الوحدة العربية، ماكناش أبداً بأى حال من الأحوال بننظر للوحدة العربية بالتعقيدات اللى بينظر إليها السياسيين، بالتعقيدات والكتابات والورق والاتفاقيات.
كان فعلاً هناك وحدة عربية.... لما الفرنساويين ضربوا دمشق ثارت القاهرة، ولما الاستعمار اعتدى علينا فى ٥٦ ثارت دمشق وثارت بغداد فى وجه نورى السعيد.. دى الوحدة العربية الحقيقية، هى الوحدة المنزهة عن الهوى، الوحدة المنزهة عن الغرض، الوحدة التى تنبع من الشعب الحر الأبى المناضل الذى يظهر للعالم أجمع أنه على استعداد دائماً لأن يناضل بروحه ولأن يناضل بدمه فى سبيل تحقيق أهدافه وفى سبيل تحقيق آماله، دا كان موقفنا بعد الثورة.
وحينما واجهنا فى سنة ٥٨، حينما واجهنا البحث من أجل الوحدة العربية، وأنا كنت فى هذا الوقت أشعر أن التجربة قد تكون تجربة متسرعة، وكلكم عارفين اللى أنا قلته فى سنة ٥٨؛ أنا قلت فى سنة ٥٨ نحن فى حاجة إلى خمس سنوات حتى نرسى الوحدة على مراحل؛ وبهذا نرسى هذه الوحدة على أساس علمى وعلى أساس سليم، ولكن الشعب العربى فى مصر والشعب العربى فى سوريا فرض الوحدة فرضاً فى هذا الوقت، وفى رأيى إن هذا الفرض لم يكن بأى حال بطريقة عاطفية.. يمكن احنا ممكن نحللها إنها طريقة عاطفية.. أبداً، بالنسبة للشعب ماكانتش العملية طريقة عاطفية، بالنسبة للشعب العملية كانت طريقة إيمان وكانت طريقة نضال وكانت هناك فرصة لوضع الآمال الكبرى فى الوحدة العربية موضع التنفيذ، وكان علينا احنا المسئولين واجب أن ننفذ إرادة هذا الشعب.
العاطفية مطلوبة، عاطفية الشعب مطلوبة لأن الشعب حينما ينفعل وحينما يتفاعل مع أهدافه ومع روحه يمثل القوة الكبرى للوحدة وللأمة العربية ونضالها.
لكنا خدعنا، خدعنا بعد الوحدة ليه ؟ ...هو الحقيقة كان فيه ثورة هنا فى مصر وبعد كده كان فيه ثورة فى العراق فى ١٤ يوليو، ماكانتش فيه ثورة أبداً فى دمشق ولا فى سوريا، وأنا كنت فى هذه الأيام أشعر بنوع من العجز ونوع من التناقض، كان فيه تناقض كبير اجتماعى كان فيه تناقض كبير بين المصالح.... حينما أراد السياسيين الوحدة كل واحد أراد الوحدة ليحقق هدف، الشعب ماكانش عايز كده، السياسيين كل واحد كان عايز يحقق هدفه السياسى، الشعب كان عايز يحقق أمله، أمله فى الوحدة، أمله فى الحرية، أمله فى الاشتراكية، كان بده يضع شعاره موضع التنفيذ، الشعب كان منزه عن الهوى، الشعب كان منزه عن الغرض، الشعب كان على استعداد أن يقاتل ويناضل دائماً من أجل وضع الوحدة موضع التنفيذ.
ولكن التناقض الاجتماعى، ديكتاتورية رأس المال والإقطاع التى كانت تتحكم فى هذه الأيام هناك فى سوريا والتى كانت لها قوى قبل الوحدة استمرت بعد 58، واستطاعت هذه القوى أن تنافق، وأنا قلت بعد الانفصال ان احنا غلطنا لأن احنا آمنا للقوى المعادية بالطبيعة للثورة، ولكنها نافقت وخدعت، فاطمأنينا لهذا النفاق من الرجعية وتعاونا مع الانتهازية، وكانت الرجعية التى تنافق والانتهازية التى تنافق تعمل من أجل ضرب الوحدة حتى تحفظ لنفسها استغلالها , وبهذا كانت الطعنة التى وجهت إلينا، وجهت إلى الوحدة، وأخذنا الدرس من النكسة.. أخذنا الدرس من الانفصال.
فى نفس الوقت - أيها الإخوة - احنا هنا لم نكفر، ما كفرناش أبداً بالشتايم اللى انشتمناها، ما كفرناش أبداً بعد الاتهامات اللى وجهت إلينا، ولكنا آلينا أن نكافح ونناضل من أجل الأهداف التى أعلناها فى الحرية والاشتراكية والوحدة , أعلنا أننا لم نكفر بالوحدة أبداً، ونحمد الله النهارده بعد سنة ونص من الانفصال، واحنا بنحتفل بعيد الوحدة ان احنا ما كفرناش بل زاد إيماننا بالوحدة العربية.
نحمد الله ان احنا شفنا الشعب السورى الباسل وهو يناضل من أجل مبادئه وأهدافه، ناضل من أول يوم، رفع صوته من أول يوم، وبعد هذا رفع صوته يوم ٢٨ مارس، بعد ٢٨ مارس رفع صوته، وكان صوته يصل إلينا دائماً.
الشعب السورى لم ترهبه السجون ولم يرهبه الرصاص، الشعب السورى كشف الخديعة من أول يوم، الخديعة اللى أرادت أن تضلله، الخديعة اللى استخدمت كل الأسلحة؛ استخدمت الانتهازيين واستخدمت المرتدين واستخدمت كل شىء، هذه الخديعة هل صدقها الشعب ؟ لم يصدقها الشعب السورى.
فى يوم ٢٨ مارس ارتفع من سوريا أعلى الأصوات وأقواها، ارتفع صوت الجيش السورى، ارتفع يقول كل ما كنا نقوله بعد مؤامرة الانفصال، الجيش السورى يوم ٢٨ مارس عمل بيان فى العام الماضى.
كانت إذاعات الانفصالية الرجعية توجه إلينا الاتهامات واحنا بنقول إن التحالف الرجعى الانفصالى قام ليقضى على مكاسب الفلاحين والعمال، ليخضع سوريا مرة أخرى لديكتاتورية الإقطاع ورأس المال.
وكان من الواضح طبعاً بعد الانفصال أن الرأسمالية والإقطاع حققوا أهدافهم، حصل تحالف جمع أعداء الوحدة والعدالة الاجتماعية، قضوا على مكاسب العمال والفلاحين، وأرادوا إنهم يخدعوا الشعب بإنهم يعملوا بعض القوانين الزائفة ولكن الشعب لم يخدع.
فى ٢٨ مارس الجيش السورى - النحلاوي - أعلن بيان قال فيه عن الحكام :
لقد تمكنت هذه العناصر عن طريق التحكم أن تبعد بالسلطتين التشريعية والتنفيذية عن مهمتهما الأساسية، كما تمكنت من تعطيل سائر التشريعات والقوانين والأنظمة التى حققت وضمنت مكاسب الفلاحين والعمال، وبقية فئات الشعب، فراحت هذه العناصر تصدر التعليمات والأوامر التى تناقض التشريعات والقوانين، وتعمل على طرد الفلاحين وطردهم من قراهم وانتزاع أراضيهم منهم، وحملهم على تركها والهجرة منها، ولإعادة سيطرة أنصارهم ومحاسيبهم وأعوانهم، فهدمت بيوت الفلاحين على رءوسهم وأحالت أراضيهم المزروعة بعرقهم ودموعهم وجهودهم إلى خراب.
كما راحت هذه العناصر تعمل جاهدة للإبقاء على التشريعات التى تجعل مكاسب العمال صورية ونظرية وغير حقيقية، فنزفت بذلك الحقوق، وزهقت المكاسب واستهترت بالقوانين والتشريعات وخنقت الحريات، ولم تعمل على تحقيق الاستقرار ودفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.
لقد استطاعت هذه العناصر الحاكمة المتآمرة، استطاعت أن تنفذ إلى الوزارات والدوائر والمؤسسات فملأتها بالمحاسيب والأنصار وأغدقت عليهم من المراتب والدرجات جزافاً وبدون حساب، كأن الدولة مزرعة لهم، وكأن الشعب قد سخر لمصلحتهم، ولم تكتف بذلك بل حرفت المجلس التأسيسى عن مهمته الأساسية وجعلته شبه معطل فلم يعد هم هذا المجلس إلا زيادة رواتب أعضائه، فارتفعت من ٦٠٠ ليرة سورية إلى ما يعادل ٢٠٠٠ ليرة سورية لكل نائب يقبضها كل شهر.
لقد ظنت هذه العناصر ومن ورائها الاستعمار وأعوانه، والذين يعملون لحسابه ومصلحته أن الجو قد خلا لهم، وأن البلاد قد خلعت خيراتها ومقدراتها لمحاسيبهم وأنصارهم فأسفروا عن وجههم وراحوا يعملون ويتآمرون على سلامة البلاد وأمنها وحريتها، ويقبضون كما كانوا بالسابق أجر خيانتهم وثمن بيع ضمائرهم وعهدهم، وكأن العهد لم يكن مسئولاً فى الوقت الذى كان الجيش السورى يقف فى وجه إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل.
لقد راح الجيش يطلب من المسئولين الكف عن حماية العناصر التى تآمرت على سلامة البلاد، وامتدت أيديها إلى الغير فقبضت منه مئات الألوف ليثأر منهم بإحالتهم للقضاء ليقول كلمته فيهم.
ولم يترك الجيش باباً إلا وطرقه ولا طريقاً إلا وسلكها لتقويم الاعوجاج وإصلاح الانحراف وإنقاذ البلاد، إلا إنه لم يلق من المسئولين إلا حماية لهذه العناصر حيث راحوا يراوغون ويسوفون ويماطلون أملاً منهم بكسب الوقت، ولعل الأيام حسب ظنهم تلهى الجيش عنهم، وعن العناصر التى حموها وحالوا دون إحالتها إلى القضاء.
فقد سيطرت العناصر المتآمرة المستغلة سيطرة لم يعد ينفع معها نصح ولا تحذير، فلم يلق الجيش أخر الأمر آذاناً صاغية ولا أفئدة واعية.... إن الجيش العربى السورى بلغ هذا إلى المسئولين.
دا الكلام اللى اتقال فى 28 مارس سنة ٦٢ ، الكلام اللى قاله الجيش كان أبلغ من كل كلام قلناه، الكلام اللى قاله الجيش فى هذه الأيام كان انعكاس لما شعر به شعب سوريا بعد نكسة الانفصال .
الملك سعود دفع فى عملية الانفصال ٧ مليون جنيه وجاب عملاؤه وحطهم فى دمشق، وكان فى عنفوان غروره، وكان فى عنفوان وهمه بأن ملايينه المسروقة من شعب الجزيرة العربية.. هذه الملايين سوف تستطيع أن تخضع أمامه كل مقاومة، وكان بيعتقد ان هذه الأموال المسروقة، المسروقة من شعب الجزيرة العربية يمكنها أن تشترى كل ضمير.
السنة اللى فاتت كان حكم الإمام فى اليمن، وكان الإمام فى هذا الوقت مطمئن جداً إلى أن المد الرجعى أخذ طريقه، وكلنا نعرف إنه فى هذه الأيام بدأ يهجو الوحدة والاشتراكية والحرية بالشعر وبالنثر، ودا اللى بيهجو بالشعر لازم مطمئن خالص.
فى نفس الوقت كانت بغداد فى عزلة، كانت فى عزلة الحكم الفردى، وكلنا نعرف من سنة ٥٨، حاولنا الالتقاء مع بغداد، ولكن الحكم الفردى فى بغداد كان ضد فكرة القومية العربية، وكان ضد فكرة الوحدة العربية، وكان ضد فكرة الالتقاء بأى حال من الأحوال، حاولنا بكل وسيلة من الوسائل، ولكن لم تفلح هذه الوسائل ولم تنجح.
السنة اللى فاتت وأنا باتكلم معاكم من هذا المكان كانت الثورة الجزائرية وراء قضبان السجون فى فرنسا وعلى الجبال فى الجزائر تقاتل، السنة اللى فاتت وأنا باتكلم معاكم هنا، كانت الرجعية فى سوريا تظن أن الأمر استتب لها، وكان عرش الاستعمار فى الأردن يتصور أنه فى أمان.
النهارده واحنا بنحتفل بعيد الوحدة بنستعرض إيه البلايا اللى ابتلينا بيها السنة اللى فاتت؛ ابتلينا بلايا كبيرة جداً، ما أثرتش فى أعصابنا، وما أثرتش فى إيماننا؛ الانتهازية فى سوريا.. المرتدين فى سوريا، الناس اللى اشتغلوا معانا فى وقت الوحدة ازاى كشفوا عن وجوههم.. كشفوا عن الانتهازية وعن الردة وبدأت حملات شتائم.. حملات اتهام.
هو كان باين إن فيه هدف، هذا الهدف ان احنا نكفر ونقرف من الوحدة، أو من العمل العربى، ولكن يمكن كثير منكم سمعوا راديو دمشق أو كان راديو إسرائيل بيردد ما تقوله دمشق، قالوا علينا بنتعاون مع... قالوا دا جمال عبد الناصر متفق مع "بن جوريون"! وفيه اتفاق بين مصر وإسرائيل!! وليه ما اتقفلش خليج العقبة؟! دا دليل على إن فيه اتفاق..... هل هم فى هذا كانوا مخلصين؟
طبعاً علشان نقوم بأى عمل عسكرى لازم نكون على أتم استعداد..... ما أخدناش احنا قضية فلسطين للمزايدة بدليل اللى بيسمع كلام "بن جوريون"، ما قالش على العظم أبداً، هو اللى معتبره عدوه الوحيد هنا الجمهورية العربية المتحدة أساساً، كل الكلام وكل الحملات على الجمهورية العربية المتحدة.
حينما قامت ثورة العراق إيه كان رد الفعل فى إسرائيل؟ أول تصريح اتقال إن دا بيخل التوازن فى العالم العربى، الإخلال بالتوازن فى العالم العربى بيؤثر على سلامة إسرائيل..... يعنى إيه إخلال التوازن فى العالم العربى؟ إيه هو التوازن فى العالم العربى؟ لمصلحة مين التوازن فى العالم العربى؟
حاجة بسيطة قوى:
التوازن فى العالم العربى ان بغداد تبقى ضد القاهرة والقاهرة ضد بغداد، ودمشق تبقى ضد القاهرة وسياسة المحاور، يعنى ما يبقاش فيه وحدة.. وحدة هدف.
كان من الواضح من أول يوم إن إسرائيل تخاف من لقاء القاهرة وبغداد؛ لأن دا يخل بالتوازن، طبعاً إذا أخل بالتوازن بتبقى إمكانيات شعب العراق مع إمكانيات شعب الجمهورية العربية المتحدة بتكون قوة كبرى، حينما تكون هناك وحدة هدف بتستطيع هذه القوة إنها تكون مؤثرة.
اتهمونا هذه الاتهامات، واحنا كنا على ثقة إن الشعب العربى بيعرف الانتهازيين ويعرف المرتدين ويعرف الرجعيين ويعرف الانفصاليين ويعرف المستغلين، وماكانش أبداً واجبنا يدعونا إلى أن نستجيب لهذا الاستفزاز بأى حال من الأحوال.
اشترينا قمح من أمريكا، قالوا دول اتفقوا مع أمريكا على إسرائيل، وفيه اتفاق بين أمريكا وعبد الناصر علشان إسرائيل ولتأمين إسرائيل.. وحصل مكاتبات، وبعدين نشر جواب "كيندى" وردى على جواب "كيندى"؛ زوروا وثائق وعملوا كل ما فى طاقتهم.... ولكن هل أجدى هذا بشىء؟ أبداً، الانتهازية اليوم تتراجع فى سوريا مذعورة، المرتدين اليوم بيتراجعوا فى سوريا ويدوروا على المفر، حملات الشتائم وحملات الاتهام تحطمت أمام ضمير الأمة العربية , لم يجدى هذا بشىء.
سعود استخدم الإسلام وقال إن الاشتراكية ضد الإسلام، وابتدا يعلن حرب عنيفة، هل أجدى هذا بشىء؟ سعود بيحارب معركة يائسة.
دا اللى احنا شفناه، ودا البلاء اللى شفناه فى السنة اللى فاتت، ما أثرتش فى إيماننا بل زادنا تصميم وإيمان، ما أثرش فى إيمان الأمة العربية لأن الأمة العربية أمة واعية تعرف من هم الذين يعملون من أجل أهدافها، ومين هم الانتهازيين والمرتدين.
المزيد