«مبارك» يظهر للمرة الأولى
| |
الخاسرون | |
كتب أحمد شلبى وفاطمة أبوشنب ٤/ ٨/ ٢٠١١
منذ إسناده مهام الرئيس إلى نائبه اللواء عمر سليمان يوم ١٠ فبراير الماضى، ظهر الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، أمس، بعد ١٧٤ يوماً، داخل قفص الاتهام بأكاديمية الشرطة فى أولى جلسات محاكمته ونجليه وحبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، و٦ من قياداته السابقين، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، المتهمين فى قضايا قتل المتظاهرين والتربح والإضرار العمدى بالمال العام وتصدير الغاز لإسرائيل. وظل الرئيس السابق راقداً على سرير طبى طوال الجلسة التى استغرقت نحو ٣ ساعات، حيث تم تجهيزه له بعد نزوله من الطائرة التى أقلته من مستشفى شرم الشيخ إلى مقر انعقاد المحكمة، وطوال الجلسة لم يتكلم مبارك إلا بجملة واحدة، عندما سأله القاضى عن الاتهامات المنسوبة له فرد قائلاً: «كل هذه الاتهامات أنكرها تماماً»،
فيما ظل جمال وعلاء واقفين طوال الجلسة أمام سرير والدهما الطبى لإخفائه عن كاميرات التليفزيون، التى كانت تسلط الأضواء عليه، فيما جلس حبيب العادلى وقياداته السابقون على مقاعد تم تجهيزها لهم داخل قفص الاتهام، وجميعهم التزموا الصمت عدا أسامة المراسى الذى حاول الحديث أكثر من مرة للقاضى، إلا أن رئيس المحكمة التفت عنه، وطالبه بالتنسيق مع محاميه، قبل إبداء أى تصريحات. وعلى صعيد الجلسة طلب المدعون بالحق المدنى والمتهمون ودفاع المتهمين حضور عدد كبير من الشخصيات العامة السابقة والحالية، وعلى رأسهم المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان واللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة سابقاً، ونائب رئيس الجمهورية سابقاً.
منذ الثانية من فجر أمس، تحولت القاهرة الجديدة إلى شبه ثكنة عسكرية استعداداً لانعقاد أولى جلسات محاكمة مبارك ونجليه علاء وجمال ، ورجل الأعمال المقبوض عليه فى إسبانيا حسين سالم، بتهم قتل المتظاهرين والتربح والإضرار العمدى بالمال العام وتصدير الغاز لإسرائيل، بأسعار أقل من ثمنها الحقيقى، فضلاً عن نظر القضية التى ضمت إلى الدائرة نفسها، التى تتعلق باتهام حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، و٦ من قياداته بتهمة قتل المتظاهرين فى أحداث ثورة ٢٥ يناير، وما بعدها من وقائع أدت إلى سقوط العديد من الشهداء والمصابين.
وخصصت وزارة الداخلية قرابة ٥٠ ألف مجند بالتنسيق مع القوات المسلحة لمحاصرة أكاديمية الشرطة، التى تمتد لأكثر من ٤٠ فداناً، ولمسافة أكثر من ١٥ كيلو متراً، وتأمينها، وتم تخصيص البوابة الرئيسية لإدخال المتهمين، الذين حضروا من سجن مزرعة طرة فى سيارات مصفحة، فيما تم تخصيص البوابة رقم ٨ لدخول المدعين بالحق المدنى والمحامين والصحفيين، وتم تجهيز شاشة عرض كبيرة أمام الباب «٨» حتى يتسنى لأسر الشهداء والثوار ومؤيدى الرئيس السابق متابعة تفاصيل الجلسة على الهواء مباشرة، وسمحت أجهزة الأمن لكل من يحمل تصريحاً مسبقاً من وزارة العدل بالدخول إلى مقر الأكاديمية بعد أن وفرت لهم تصاريح وسيارات لنقلهم من أمام البوابة إلى القاعة. وشددت أجهزة الأمن من تفتيشها لكل المترددين على القاعة، وتم إخضاعهم لتفتيش ذاتى، عبر أكثر من ١٥ بوابة إلكترونية.
وداخل قاعة المحاضرات رقم ١، التى خصصت لنظر القضية، كان المشهد التاريخى بالنسبة للمصريين: القاعة تمتد لأكثر من ٦٠٠ متر وتتسع لأكثر من ٥ آلاف شخص، وتم تجهيزها مسبقاً بمعرفة شركة المقاولون العرب، وأنشئ بداخلها قفص الاتهام، الذى تتراوح مساحته من ٢٠ إلى ٢٥ متراً مربعاً، ومعلق فوقه ٣ مراوح وبداخله ٥ مقاعد مخصصة للمتهمين، فيما تم إنشاء قفص ثان حول قفص الاتهام وجلس فيه أكثر من ٥٠٠ مجند ليفصلوا بين الحضور والمتهمين ، وكانت كاميرات التليفزيون المصرى قد تم تجهيزها منذ ليلة أمس الأول، وكانت معدة للاستخدام مباشرة بمجرد وصول المصورين والفنيين. وقال مصدر أمنى إنه تم تمشيط القاعة فجر أمس، ولم يسمح لأحد بدخولها إلا بعد مروره على البوابات الإلكترونية، وخصصت وزارة الإعلام ٦ كاميرات وقرابة ١٠٠ شخص من مصورين وفنيين لنقل المحاكمة على الهواء، وتم تركيب شاشات «LCD»، داخل القاعة حتى يتسنى لمن يجلس فى الأعلى أن يتابع ما يحدث على المنصة، وداخل القفص، وأنشئت منصة لهيئة المحكمة كتب عليها «العدل أساس الملك».
وقبل بدء المحاكمة بساعة تفقد اللواء محسن مراد، مدير أمن القاهرة، القاعة وطالب ضباطه بضرورة تشديد الحراسة الأمنية واليقظة التامة، واضطر الضباط إلى سحب جميع الهواتف المحمولة التى كانت بحوزة المجندين، بعد أن شوهد أحدهم يلتقط صوراً للقفص، وتم تخصيص جزء من القاعة للمحامين الخاصين بالمتهمين، وجزء آخر منفصل للمحامين المدعين بالحق المدنى، وبلغ عددهم قرابة ١٠٠ محام، فيما تم تخصيص جزء ثالث للصحفيين والإعلاميين وبلغ عددهم قرابة ١٠٠ صحفى، فيما لم تسمح أجهزة الأمن سوى لـ٤ فقط من المجنى عليهم بالدخول إلى قاعة المحكمة، وتم منع عدد كبير من المحامين من الدخول لعدم حصولهم على تصاريح مسبقة، وعلى رأسهم المستشار محمود الخضيرى والمحامى أمير سالم، وفوجئ المراسلون الأجانب أثناء حضورهم داخل القاعة بوفد من الضباط يقتربون منهم، ويقدمون لهم المساعدات فيما يتعلق بالترجمة.
كان المشهد الأكثر إثارة للحاضرين داخل القاعة عندما شاهدوا على شاشات العرض الطائرة التى أقلت الرئيس السابق إلى مقر الأكاديمية، وسارع الجميع للخروج من القاعة لمشاهدته أثناء إنزاله منها، إلا أن الأمن حال دون ذلك، وفرض كردوناً أمنياً على الطائرة التى أنزلته فى مهبط يبعد قرابة نصف كيلو متر عن مقر القاعة، ووفرت وزارة الصحة سيارة إسعاف مجهزة وسريراً طبياً، ونقلته من المهبط إلى غرفة مكيفة تم تجهيزها لحين بدء المحاكمة.
كانت الساعة تقترب من التاسعة والنصف تقريباً، عندما شاهد الجميع الرئيس السابق محمولاً على السرير الطبى، ويتم إدخاله إلى الغرفة التى خصصت له، وحرص كل من تواجد فى المنطقة من أفراد أمن ومجندين وضباط شرطة وجيش على رؤية الرئيس السابق أثناء إدخاله إلى الغرفة، إلا أن فرقة من الصاعقة والقوات الخاصة حالت دون ذلك، ومنعت الجميع من الاقتراب منه، تم إدخال جمال وعلاء إلى الغرفة نفسها، وتقابلا مع والدهما بعد قرابة ٥ أشهر، فلم يشاهداه منذ أن تم ترحيلهما إلى سجن مزرعة طرة، بينما بقى «مبارك» داخل مستشفى شرم الشيخ.
وظل علاء ممسكاً فى يد والده فيما أمسك جمال بمصحف لونه أحمر، وأخذ يقرأ القرآن له، ثم أغلق الأمن الغرفة عليهم، لحين بدء الجلسة، ومع صعود هيئة المحكمة برئاسة المستشار أحمد فهمى رفعت، وعضوية المستشارين محمد عاصم بسيونى وهانى برهام، وفريق من المحامين العموم لنيابة استئناف القاهرة، من بينهما المستشاران مصطفى سليمان ومصطفى خاطر، وبدأ أفراد الأمن فى إدخال المتهمين إلى قفص الاتهام، وكان أول من ظهر هو حبيب العادلى بملابس الحبس الزرقاء، نظراً لصدور حكم ضده، وظل واقفاً على باب القفص واضعاً يده فى جانبيه، منتظراً إدخاله القفص، وتبعه إسماعيل الشاعر، ثم أحمد رمزى وبعدهما كل من حسن عبدالرحمن وعدلى فايد، وبعدهما أسامة المراسى وعمر الفرماوى اللذان حضرا بملابسهما المدنية نظراً لمحاكمتهما مخلى سبيلهما، وبعدهما ظهر جمال مبارك ثم أخوه علاء، وكان الجميع فى انتظار الرئيس السابق، وكان يتردد أنه سيتم إدخاله فى مكان آخر بالقاعة، نظراً لظروفه الصحية، إلا أن الجميع فوجئ بإدخاله قفص الاتهام، ووقف قرابة ٥ آلاف شخص يحاولون الاقتراب من القفص ليروا الرئيس السابقس، وكيف يبدو بعد تلك الفترة التى اختفى فيها، وهل صحيح أنه متعب أم أنه يتمارض، إلا أن الأمن حال دون ذلك، ولاحظ الجميع أن جمال عند دخوله إلى القفص داعب أسامة المراسى وطلب منه الدخول أولاً، إلا أن الأخير اعترض لكن جمال أصر على أن يدخل المراسى قبله، وهو ما حدث بالفعل.
ووقف الجميع على بعد ١٠ أمتار تقريباً يرصدون تحركات المتهمين داخل قفص الاتهام، وجلس حبيب العادلى وباقى المتهمين من وزارة الداخلية على المقاعد فى جانب، بينما تم إيداع السرير الطبى وفوقه الرئيس السابق على الجانب الآخر، وظل علاء وجمال واقفين أمامه طوال الجلسة، للحيلولة دون ظهور والدهما على شاشة التليفزيون، وظل الرئيس السابق راقداً فوق سرير طبى طوال الوقت داخل القفص، واضعاً ذراعه فوق رأسه، وكان يقف وراءه ٢ من أطباء وزارة الصحة رافقاه من المستشفى حتى قفص الاتهام، وبين الحين والآخر كان علاء يقترب من والده ويتحدث إليه فى الخفاء، ولا يدرى أحد ما الحوار الذى كان يدور بينهما، إلا أنه بدا للجميع أن جمال طلب من الضباط الموجودين داخل القفص للحراسة أن يديروا المراوح عن والده بعدما أشار الأخير بأن تيار الهواء يؤثر على صحته.