مسرحية بلا نهاية اختفاء رضا هلال
...............................................................
بقلم : محمد أمين المصرى
...........................
لا يزال الغموض هو سيد الموقف في مسرحية اختفاء " رضا هلال " الكاتب الصحفي بالأهرام ، في البداية فإن " هلال " زميل عزيز نعتز جميعا به ، فعلى المستوى الشخصي هو إنسان ودود ودائم الابتسامة ، أما على المستوى المهني ، فيكفيه نجاحه الذي حققه كصحفي أولا في صحيفته وككاتب متميز صاحب فكر وقضية ويدافع عنهما مهما كلفه ذلك من جهد وعناء و (...)!!
فصول المسرحية طالت ولم تصل إلى نهاية حتى الآن بعد مرور سنوات ، بالرغم من الجهود المضنية التي تبذلها أجهزة الأمن لفك طلاسم اختفاء رضا هلال فهل اختطف أم قتل أم جرت تصفيته ؟ مهما كان الأمر فإنها مجرد تسميات ، ولكن المسرحية واحدة و وإن كان البعض لا يحب ترديد مثل هذه المسميات ، بزعم أنها لا تجوز بسبب ان رضا هلال هو زميل وصديق لنا في الاهرام .
فنحن هنا نتحدث بصراحة شديدة ودعنا نتحدث بصراحة مع النفس ، فالكتابة هنا ليست تحقيقا أمنيا يجريه معنا هذا الطرف او غيره و إنما نقول عنه أنه حديث النفس للنفس .
فلو جلس أي منا و اختلى بذاته لساعة تقريبا ، لخرج بعدة سيناريوهات لما جرى لرضا هلال ، والحادث لا يخرج عن ثلاث احتمالات . الأول جنائي والثاني أخلاقي و الثالث سياسي / أمني!!
الإحتمال الأول و الثاني مستبعدان لأسباب كثيرة أهمها أن أقصى جرم فيهما لا يستدعي بالضرورة أقصى عقوبة وهي الاختطاف أو التصفية أو الاغتيال ونحن هنا نطبق المبدأ الشهير لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه ، ولذلك لن نتطرق كثيرا في الحديث عن الشقين الجنائي و الأخلاقي ، ولذلك سنركز حديثنا عن الاحتمال الثالث و الأهم وهو السياسي / الأمني و لن أدعي أنني أخرته للمرتبة الثالثة رغم أهميته حتى أتفرغ له بالإسهاب و لن نضيف جديدا إذا تحدثنا عن علاقات رضا هلال برموز خارجية أو داخلية و كل هذه العلاقات لا تستدعي أيضا تطبيق " حد التصفية " ضده فالصحفي من حقه تكوين صداقات و علاقات تساعده في أداء عمله وتساهم في تبصيره بخفايا القضايا المحلية الدولية ، وحتى القضايا الجدلية تستوجب استشارة مسئولين وذوي الخبرة و العلاقات و السلطة .
و العلاقات المحلية مهما علا شأنها فهي ليست بالخطيرة و لا تشكل خطورة على الأمن العام للوطن فالقضايا الداخلية يعرفها الجميع ويناقشها بصوت مسموع ، ولا ضرر منها وكل القضايا الداخلية معروفة تقريبا ، وليس أقلها ما يصوره البعض بالخلافة أو حل مجلس الشعب أو قضايا الفساد و اتحاد الكرة الفاشل ومباراة السوبر بين الزمالك والأهلي!!
وفي إطار الحديث عن القضايا الخارجية ، فهي شائكة ومنها ما يتعلق بالعراق و أخرى بالتيار الإسلامي والأهم من كل ذلك العلاقات مع الولايات المتحدة أو تشكيل هذه العلاقات ، فموقف رضا من العراق معروف ودعا إلى الإطاحة بنظام صدام حسين بأية وسيلة سواء كانت باحتلال أمريكي أو انقلاب داخلي ، فالهدف هو الإطاحة بنظام قمعي ودكتاتوري دمر بلاده و خربها وعذب شعبه و أهدر المليارات في لاشئ سوى تأمين السلطة للحاكم و لأولاده من بعده .
أما التيار الإسلامي ، فالعداء ليس مستحكما بينه و بين رضا هلال ، لأن الأخير مسلم ولكنه يرفض التوجه السوداوي في الحكم و ليقينه بان الحاكم الإسلامي ليس أفضل من الحاكم العسكري فكلاهما غير مستنير و لا يقبل بالديمقراطية ، ولا الشورى و لا الحرية .
إذا .. القضيتان اللتان ارتبطتا برضا هلال خلال الفترة الأخيرة مردود عليهما بأن الخلاف لا يستدعي الاختطاف أو الاغتيال أو التصفية ولست مع من يردد أن عملاء النظام السابق العراقي وراء تصفيته انتقاما من آرائه و هجومه على صدام حسين و وإلا وجدنا نفس المصير قد طال العشرات ، بل المئات من العرب هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، ما قوة هذا النظام السابق كى يشكل ميليشيات اغتيال المعارضين و المناوئين ، لا سيما و أن صدام نفسه يعيش في كهوف متنقلة و لا يأمن يومه ، ولماذا نشيع الآن أن هذا النظام قوي وسرعان ما عاد للعمل الإجرامي وتنفيذ عمليات قتل وتصفية بحق منتقديه؟
أما عن الإسلاميين فإن المسألة مشابهة إلى حد كبير مع العراق ، لانه مهما كانت درجة العداء فهي لا تستدعي الاختفاء أو الاختطاف أو التصفية ويكفيهم الرد على آراء رضا هلال عبر الفضائيات أثناء المناظرات أو من خلال الكتابات الصحفية ناهيك عن وزر تحمل جرم خطير قد يدخلهم في نفق مظلم لا نهاية له.
نأتي للشق الأهم في المسألة أو ما شاع أو يتردد عن علاقة رضا هلال بالولايات المتحدة الأمريكية أو عشقه لنظام الحكم في أمريكا ورغبته في فرض هذا النظام في مصر أو الدول العربية بل والعالم كله مثلما رفضنا فكرة تصفيته على أيدي عملاء صدام لعدم منطقيتها نرفض أيضا القول أو الزعم بأن هذه العلاقة قد أدخلته في محور الدائرة السوداء " التى لا يعود صاحبها أبدا للحياة.
والسؤال : هل دخل رضا رغم حرصه الشديد وذكائه البالغ هذه الدائرة بمحض إرادته أم تم دفعه لدخولها و اختراقها لمعرفة كواليسها و أسرارها و النيل منها و هو ما استدعى التخلص منه من جانب أحد الأطراف التي تتحكم في هذه الأمور ، فالأطراف ربما تستخدم إنسانا ما و لفترة محدودة للعب دور محدود مرسوم بدقة متناهية ولكن لو درت بأن هذا الإنسان استغل مروره على درجات هذه الدائرة وصعد إلى دور غير مكتوب له فإن مصيره لن يكون الهبوط درجة درجة ، و لكن بإسقاطه مباشرة إلى الهاوية واعتباره كأن لم يكن و إبلاغ رسالة للآخرين من الطامحين لتجاوز حدود المعرفة أو العلاقات!!
كما قلنا فإن ملابسات المسرحية لا تزال غامضة و مبهمة وبلغت من الحبكة الدرامية أقصاها لدرجة أن المؤلف أو المسئول عن إخراجها و تأليفها وقع في مأزق إيجاد نهاية عادلة ومرضية للجميع ، وإذا كانت قواعد الدراما تقول أن النهاية يجب أن تكون سعيدة و تدعو للخير والتفاؤل وتبتعد عن الشر والأشرار فإن مسرحية "رضا هلال" لا تلتزم بقواعد الدراما التي نعرفها جميعا وهو ما يدفعنا إلى القول أن مخرج المسرحية متمرس في عمله و ليس هاويا بل محترفا للغاية ، ولكن فاته أن الشخصية المحورية للمسرحية ليست عادية وستظل في الذاكرة بمعنى أن الجمهور لن ينساها ولن ينشغل بقضية أو مسرحية أخرى وهو مالا نتمناه.
Mamin58@hotmail.com