| | | | تخبط رسمي يصاحب الحكم علي الصحافيين المصريين بالحبس ...............................................................
بقلم: محمد عبد الحكم دياب ....................................
عندما صدرت الأحكام ضد عدد من رؤساء تحرير ومحرري صحف مصرية، مستقلة ومعارضة. كانت مصر، وما زالت، تعيش حالة من فقدان الثقة الكاملة في الخطاب السياسي الرسمي، وتعاني من مضار ضياع الحقائق وسط طوفان من الإفك العارم. يملأ الصحف وأجهزة الإعلام الحكومية، وكما صار للفساد منظومة تديرة وتحميه، أضحي لهذا الإفك منظومته الخاصة. تصيغه وتنشره وتتكسب منه. فأجهزة الإعلام والصحافة الحكومية لا يتطرق إليها الخجل وهي تردد أكاذيب أصابت الرأي العام بالملل، عن أزهي عصور الديمقراطية. ويأتي أكثرها سخفا ما تدعيه من أن حسني مبارك لم يغلق صحيفة ولم يكسر قلما، وكأن هذا الكلام موجه إلي قطعان من البلهاء، أو إلي مخلوقات بلا ذاكرة. ويبدو أن التصور الذي سيطر علي مخيلة العائلة الحاكمة بأنها انتصرت علي القضاة، وشقت صفوفهم، وأشاعت الفتنة بينهم، وهذا غير صحيح، جعلها تكرر نفس الشئ مع المحامين. استقطبت فريقا منهم، واختارت من بينهم من وكلته لمقاضاة الصحافيين، دفاعا عن حسني مبارك وابنه وزوجته، وعن قيادات الحزب الحاكم. وهو ما أطلقت عليه بعض الأقلام نظام الحسبة السياسية ، مقارنة بـ الحسبة الدينية التي أشهرها الشيخ يوسف البدري في وجه مفكرين وأكاديميين متهما إياهم بالكفر. وتهدف العائلة من ذلك شق صف المحامين من جهة، وإشعال الخلاف بينهم وبين الصحافيين من جهة أخري. كما فعلت ودقت أسافين بين القضاء والصحافة، واختارت قضاة، من بين قلة، علي خصومة مع الحيدة، وفي تضاد من النزاهة. ومن بينهم القاضي الذي حكم بحبس الصحافيين. فهو يعمل مستشارا لدي وزير السياحة. المقرب من جمال مبارك، وتربطه صلة قرابة بوزيري النقل والإسكان. ويحصل مقابل عمله في مكتب وزير السياحة علي أكثر من عشرين ألف جنيه شهريا، خلافا لمرتبه الذي يتقاضاه من القضاء. أي أنه يخضع للسلطة التنفيذية، بشكل يجعل الحكم الذي يُصدره معيبا، وينتقص من استقلالية القاضي، ويضع نزاهته محلال شبهة. وأفشل الموقف المشترك، من نقابات المحامين والصحافيين واتحاد الكتاب، ضد حكم الحبس، هذا المسعي سيئ القصد. وقد يبدو ذلك طبيعيا في ظروف تغطية خيمة منظومة الفساد السوداء للمجتمع بأسره، وإذا ما تحالف الفساد مع الاستبداد فإنه لا يتمكن من الحياة والاستمرار إلا في ظل تبعية كاملة وتطلع دائم للخارج. تطلع العبد للسيد. لا يري ما يراه الأسوياء، من توجهات إيجابية في الأخذ بالنهج الديمقراطي. فتوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، بخطاياه السياسية والعدوانية، استدعته الشرطة، وهو في منصبه، لتستمع لأقواله، فيما عرف بتهمة تلقي أموال مقابل ألقاب ، طالت مسؤولين قريبين منه. ونتابع، هذه الأيام، إعادة فتح ملف موت الأميرة ديانا، بعد عشر سنوات من الحادث المروع الذي أودي بحياتها، وحياة صديقها عماد الفايد، لأن هناك اتهاما موجها إلي أفراد من العائلة المالكة، يزعم بأنها تآمرت علي اغتيالها، وتشكلت لذلك هيئة محلفين من أحد عشر عضوا، للتقصي والتحقيق مجددا في الاتهام، الموجه ضد الأمير فيليب، زوج الملكة تحديدا. أما في مصر لا تجد توضيحا أو ردا أو تحقيقا، حول ما يكتب ويذاع وينشر عن ثروات حرام، ومظاهر فساد، نجمت عن زواج المال بالسياسة. وحين نُشِرت معلومات، علي هذه الصفحة، تتعلق بمليارت نقدية مصرية حائرة في مصارف أوربية، واستغلال بعثات دبلوماسية في شبهة غسل أموال، تخص مسؤول كبير في الحزب الحاكم ، وكان ذلك في حزيران (يونيو) الماضي. فالذي حدث هو أن وفدا أرسلته سلطات مصرية عليا إلي العاصمة الأوربية المقصودة. لا ليحقق ويبحث في الاتهام إنما ليحقق ويبحث عمن سرب المعلومات من داخل مبني البعثة الدبلوماسية!! وهو نفس الأساس الذي تم التعامل به عند إصدار الأحكام ضد الصحافيين. إلا أن هناك شيئا ما قد طرأ عشية إعلان الاتهام الموجه لرئيس تحرير الدستور ، بخصوص شائعة مرض حسني مبارك، وهو ما أدي لاحقا إلي تحويل القضية إلي محكمة جنح بولاق، بعد أن كانت محالة إلي محكمة جنح أمن الدولة العليا طوارئ، تحت رقم 195 لسنة 2007، وهي مما لا يجوز الطعن علي أحكامها . وطرح سؤالا عن طبيعة هذه الخطوة، وهل تعتبر تراجعا أم مناورة لتمرير العاصفة؟ ورأينا أنه لا هذا ولا ذاك. فعشية إصدار الأحكام كان التخبط قد وصل مداه. ويعود ذلك إلي انتقال الحكم من الحال العشوائي، إلي وضع التخبط، نتيجة فقدان التماسك والوحدة، بين أركان العائلة ، وتناقض وتضارب مصالحها، وكان تماسكها وموقفها الموحدة يمنحها قدرة علي كبح إفرازات العشوائية، بضغط الأمن والشرطة، وبلطجة الحزب الحاكم، وسطوة المال ورجاله، أما الآن. تعددت مراكز القرار وتضاربت مصالح البيت الحاكم. شيء لم يحسب حسني مبارك حسابه، حين تنازل عن صلاحياته لابنه. وتصوره أن هذا يريحه ويخفف من ضغوط سيدة القصر ، وهي تستعجل اتمام عملية التسليم والتسلم، وإخراجها بشكل يبدو ديمقراطيا. وكانت شائعة المرض جزءا من عملية الإخراج، لتقليد الإبن رئاسة الحزب الحاكم، كمرحلة أولي يتولي بعدها رئاسة الدولة، والمبرر المعلن هو أن الوضع فرضته ظرورف التخفيف عن الأب لظروفه الصحية!! وألقي هذا التخبط بظلاله علي تصرفات أحمد عز، أمين التنظيم، والذراع الأيمن لجمال مبارك، ومحتكر صناعة وتجارة الحديد، وحين أعد العدة لإجراء انتخابات الحزب الحاكم، من القاعدة إلي القمة، بما فيها انتخاب رئيس الحزب. استغل الظروف ودفع جمال مبارك للتطلع إلي القفز علي رئاسة الحزب. وفي هذه الحالة يصبح تصعيد عز لشغل منصب الأمين العام، الذي يحتله صفوت الشريف، رئيس مجلس الشوري ورئيس المجلس الأعلي للصحافة، مقبولا ومنطقيا، علي الأقل بين أوساط رجال الأعمال، ومجموعة الحرس الجديد، وأعضاء أمانة السياسات. وبدا ذلك ممكنا بعد أن تأكد للبعض أن عز استطاع التغلغل داخل الحزب، وتمكن من السيطرة عليه، بالمال والصفقات والمقابل العيني، وأنه تمكن من التخلص من عدد لا بأس به من الحرس القديم والمرتبطين بهم. وهذا أغري الابن بالاعتماد عليه، طمعا في كسب أصوات الحزب، إذا ما حانت لحظة الحسم، وأصبح الإبن متحمسا لوضع صديقه أمينا عاما. وأرتبكت الحسابات، وابتدأ التخبط. شعر الأب بالقلق. ورأينا ذلك منعكسا علي سير الانتخابات الحزبية، وأسرع حسني مبارك بالتدخل معلنا أنه سيصدر قرارا جمهوريا ، بتعيين قيادات الحزب العليا، وما هي إلا أيام حتي ألغي زكريا عزمي، رئيس ديوان الرئاسة والأمين العام المساعد للحزب، ما ورد علي لسان حسني مبارك. وصرح بأنه (أي الأب) سيتقدم للترشيح لرئاسة الحزب في الجولة الأخيرة من الانتخابات، أي أنه سيكون المرشح الوحيد. مجهضا مخطط عز وجمال المشترك، الذي يجد مباركة من سيدة القصر ، سوزان مبارك!! وصل التخبط حد صدور قرار بعزل رئيس جهاز المخابرات العامة، عمر سليمان، ثم التراجع عنه، وكان ذلك تعبيرا عن قلق انتاب العائلة من ميل أوساط أمريكية إليه لملء الفراغ، إذا ما غاب مبارك الأب. لسبب أو لآخر، وكان رأي المتحمسين للتوريث أن إعفاء رئيس المخابرات العامة، ضروري لقطع الطريق علي واشنطن، ووضعها أمام أمر واقع. لا تجد فيه مفرا إلا بقبول التوريث، إلا أن هناك من حذر من رد فعل جهات سيادية حساسة، وتأثير ذلك علي الأوضاع المتفجرة، وكانت النتيجة التراجع وسحب قرار العزل. ووصف الوضع عشية صدور الأحكام لا يكتمل إلا بالتعرف علي التناقض، الذي يحكم الحياة السياسية المصرية، فهي من جهة تشهد صحوة واضحة ومحددة المعالم، ومن جهة أخري تعاني من موت حقيقي للسياسة بشقيها في الموالي والمعارض. وموت السياسة جعل للأحزاب تأثيرا سلبيا علي الرأي العام، ووصلت في غرابتها درجة غير مفهومة. حيث غاب عنها حافز العمل من أجل الوصول إلي الحكم، وفضلا عن أنه حافز يبرر وجودها ذاته. مع ذلك لا تجدها تملك برنامجا للحكم،أو تمارس عملا جادا في هذا الاتجاه. وموت السياسة عوضه الشارع المصري، بصحوته، بعيدا عن الأحزاب، وعوضته الجماعات الجديدة، الرافضة للنظام السياسي. وقد يعطي ذلك إحساس مزيف، من الممكن أن يقنع العائلة بأنها في مأمن من الخطر، وهذا الإحساس، إن كان موجودا، لا تتوفر فيه شروط الصحة الكاملة. فالصحوة زادت من اعتماد المواطن علي نفسه، ودفعت به إلي الشارع مباشرة، دون انتظار أحد. هذا لا يجعلنا نغفل غياب قوي مؤثرة. غيابها يبطئ من إيقاع الصحوة. هناك قوتان كبيرتان غائبتان عن الشارع. المنتجون (الفلاحون والعمال) والحركة الطلابية، وإذا تحرك العمال من باب المطالب الاجتماعية والمعيشية، فإنهم لم يتحولوا بعد إلي قوة سياسية. في وقت ما زال الطلاب غائبين، والبعض الذي يحمل الأمن والشرطة مسؤولية هذا الغياب. محق إلي حد كبير. وعليه ألا يتجاهل قوة تأثير الجماعات الدينية علي الطلاب. وهو تأثير أحدث تغييرا في الأولويات العامة لديهم. وجاء علي حساب الأولويات الوطنية والمعيشية والتحررية. يكونون في ذروة حماسهم واندفاعهم حين يتظاهرون احتجاجا علي دراسة أو قصيدة أو صورة، يرون فيها ما يخدش الحياء، أو ما يسئ إلي المعتقدات، وقد يكونون محقين في حماسهم واندفاعهم. إلا أن قيمة ذلك تضيع أمام فتوره أو انعدامه. حين التصدي للغلاء والفساد، والبلطجة والنهب والتعذيب، والاستبداد والخيانة الوطنية والاستسلام. ومن الصعب أن تستثني أحدا، اللهم إلا نشطاء حزب العمل المجمد، رغم قلتهم والحصار المضروب حولهم، يتظاهرون بشكل دوري، ضد فساد الحكم واستبداده، وخيانة كثير من المنتسبين إليه. فتراهم في الأزهر كل جمعة، يعبرون عن موقفهم. وفك أسر الحركة الطلابية من قيود أولويات التيارات الدينية، أصبح مطلبا ملحا لكل القوي الوطنية، المندمجة في الصحوة الحالية والراعية لها. كل هذا وغيره كشف لنا حال مصر عشية الحكم علي الصحافيين، فزاد ما تنشره صحفهم، من الإقبال عليها، وجعل من مادتها غذاء للحراك السياسي المتصاعد. لهذا قُدّمت قربانا علي مذبح الاستبداد العائلي وفساد الحكم وتبعيته، لكي يبقي الوضع علي ما هو عليه، وهذا هو المستحيل بعينه.
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|