مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 بؤس الليبرالية
...............................................................

 

بؤس الليبرالية

 

بقلم : زهير كمال
....................

ميزة التاريخ ان لا احد يستطيع تغييره ، انما هو اخبار لاحداث وقعت ، وانما يمكن تفسيره ويمكن ايضاً ابراز اخبار معينة والتأكيد على معانيها واهمال اخبار اخرى . ما يفعله كثير من كتابنا هذه الايام ويدعو للأسف انهم يتبعون هوى في انفسهم ، عكس الكثير من الكتاب الغربيين الذين يتحلون بالتجرد بنقل احداث التاريخ كما هي، قد يعلق عليها مخالفاً، ولكنه لا يهمل او يحرف جزأ منها ، فهذا مخالف للامانة العلمية المفترضة في كاتب او باحث . في مقال الاستاذ نضال محمد نعيسة تاريخ وحضارة تندى لها الجباه خلط الكاتب بين الماضي والحاضر، وبين الافكار وحملتها بشكل غير علمي وغير دقيق يقول الكاتب انه لا يريد ان يكون شاهد الزور على ما حصل من انحرافات وشذوذ في التاريخ العربي والاسلامي وهاجم البدو الغزاة القتلة السفاحين وهاجم الأفكار البدوية التي جاؤا بها ويقصد الاسلام ويصف ما تم بانه أشرس مؤامرة على الشعوب وعقولها!

احب في عجالة بسيطة ان أذكر للكاتب النقاط التالية :

1. كانت الفرصة مهيأة للغرب المتنوّر لتخليص الشعوب من البدو وأفكارهم ، استمرت هذه الفرصة اكثر من قرنين ولكنه لم يستطع، بل انه أعمل تقتيلاً في هذه الشعوب ونهباً لثرواتها وعندما رحل ترك وراءه مشكلات لا زلنا نعاني منها حتى الآن. وكمثل صارخ على ذلك: الجزائر فقد استمر الاستعمار الفرنسي 130 عاماً واعتبر فيها الفرنسيون الجزائر ارضاً فرنسية واعتبر سكانها الاصليين فرنسيين وعمل على فرنستهم بكل الطرق وصلت الى قتل المتخلفين منهم، ولا ينسى الجزائريون مذبحة ماي 1946 في سطيف والتي استشهد فيها تسعة وعشرون الفاً من أبناء الجزائر.

2. عند استيلاء مملكة قشتالة على الاندلس وانهاء الاستعمار البدوي لها تم طرد العرب من البدو المسلمين واليهود الى المغرب ومن بقي فرض عليه التنصير وتكفلت محاكم التفتيش بتفتيش عقولهم للبحث عن أثر للفكر البدوي وتم تصفية الكثيرين في عملية تطهير عرقي واسعة لم يشهد التاريخ اشد منها فظاعة!

3. عندما دخل الصليبيون مدينة القدس لتحريرها من الاستعمار البدوي أعمل قتلاً في المسلمين والمسيحيين على حد سواء ، ويقال مبالغة ان أنهار الدماء جرت في شوارع القدس لمدة ايام ! يمكن بالطبع ايراد الاف الامثلة على فهم الغرب المتنور لطريقة تحرير عقولنا من الفكر البدوي تتلخص في قتلنا بما نحمل من افكار ! وعلى رأي الكاتب (فقد بلغ حجم الضرر والأذى والعطب الذي اصاب ما يسمى العقل العربي وما لحقه من تشويش حداً انه لم يعد عقلاً) وهذه دعوة صريحة من كاتب متنور لاصدقاءه في الغرب لأقصائنا !

نعود الى التاريخ من النقطة التي بدأت فيها أفكار بدوية جديدة مع راعي غنم اسمه محمد بن عبدالله.

في القرن السابع كانت المجتمعات الانسانية اما بدواً او مزارعين وكلمة بدوي تعني القبائل الرحل وتخصيص الكلمة على بدو الجزيرة خطأ يقع فيه الكاتب ، فالقبائل البدوية من الهون والآفار مثلاً كانت تسيطر على اوروبا وشمال آسيا وكانت ايضاً من الغزاة والقتلة والسفاحين !! ، طبعاً اذا كنا لانريد ان نطلق على بدو تلك الفترة (محاولات الانسان البقاء في بيئة معادية مع قصور التفكير الانساني عن اختراع المناسب للتغلب على الطبيعة) في توصيفه لحروب الردة قال انها هولوكوست ديني مات فيها عشرات الالوف من الابرياء الذين رفضوا الدين الجديد! وبدلاً من الاحتفال بها وتدريسها في المدارس يجب ان ندينها فهي تصل الى مرحلة التطهير العرقي! اذا كان الكاتب يقصد بضع مئات او حتى بضعة الاف فهذا رقم معقول نسبة الى عدد سكان الجزيرة تلك الايام وعلى اي كاتب تقصي الدقة عند تناول الارقام.

يتفق جميع المورخين ان حروب الردة هي حرب فرض الزكاة بمعنى ان معظم اهل الجزيرة لم يكن لهم مشكلة مع الدين الجديد وانما في ركن واحد من اركانه هو ركن الزكاة. والزكاة هي الركن الوحيد الذي يتميز به الاسلام عن غيره من الاديان السماوية والارضية ، ولأول مرة في تاريخ البشرية يفرض دين جديد نوعاً من العدالة الاجتماعية على الارض ويصبح للفقراء حق في بعض الثروة التي يستطيع غيرهم تحصيلها، فالمجتمع هو جسد واحد ولا بد من التكافل بين افراده الا تستحق هذه الفكرة البدوية القتال من اجلها!

وتصوير هذه الحروب على انها هولوكوست ديني انما هو دموع تماسيح لا علاقة له بالواقع . ولا احد يحمل كاتبها على محمل الجد .

ما يهمني في هذه العجالة مناقشة الفكرة التي تتكرر دائماً عند كثير من الكتاب في ان الاسلام قد انتشر بحد السيف في القرن السابع الميلادي كانت ثلاث امبراطوريات تحكم العالم هي الصين وفارس وبيزنطة
كان التنافس بين فارس وبيزنطة على اشده سجالاً فمرة تتغلب بيزنطة على فارس او العكس ولكن هذه الحروب لم تنه اياً منهما ولم تؤثر على النسيج الاجتماعي لكلا الشعبين. الامبراطوريات كما هو معروف تملك جيوشاً وقادة عسكريين محنكين خاضوا معارك وانتصروا فيها اضف الى ذلك مصانع الاسلحة ومخازن الامدادات .

وفجأة اطل البدو من الجزيرة بملابسهم المهلهلة واجسامهم النحيفة واسلحتهم الخفيفة يتحدون الامبراطوريتين معاً وفي وقت واحد ويهاجمون جيوشاً في حالة دفاع وينتصرون عليها في كل معركة
والجدول التالي يبين الاعداد والنسب في كل المعارك الرئيسية (معركة الجسر خسارة للمسلمين):

المعركة جيش المسلمين جيش الساسان النسبة
الجسر 9000 10000 1:1
جلولاء 18000 70000 1:3.5
دومة الجندل 10000 15000 1:1.5
السلاسل 18000 30000 1:1.5
القادسية 30000 120000 1:4
نهاوند 30000 150000 1:5
المعركة جيش المسلمين جيش بيزنطة النسبة
فحل 30000 80000 1:2.5
الجسر الحديدي 17000 50000 1:3
قنسرين 4000 10000 1:2.5
أجنادين 32000 90000 1:3
اليرموك 24000 100000 1:4

وهناك معارك اخرى كثيرة مثل دمشق وبيسان وطبرية والنمارق والسقاطية والقرقس واليس الصغرى والبويب والخنافس وارماث واغواث وعماس ومرج الروم وقرقيسياء وغيرها
وذكر هذه المعارك والاعداد لتأكيد ان طريق الجيوش الاسلامية لم يكن سهلاً.
يرينا جدول المعارك السابق أن المسلمين لم يستطيعوا توفير اكثر من 32000 جندي لمعركة واحدة وهي معركة اجنادين، بينما استطاع الفرس تجنيد 150000 جندي في معركة نهاوند وهي من اواخر معارك الامبراطورية التي جرت سنة 21 هجرية. كان للفرس القدرة على تجنيد هذا العدد الكبير حتى النهاية قبل سقوط الامبراطورية. وفي المعارك المصيرية الكبرى كان عدد المدافعين يتفوق على عدد المهاجمين باربعة اضعاف!
نتيجة هذه المعارك انهيار الامبراطورية الفارسية وتقلص بيزنطة الى ثلث مساحتها بفقدانها لاراضيها في آسيا وشمال افريقيا.
الجدول السابق يظهر خطأ مقولة ان الاسلام انتشر بالسيف ولا بد ان هناك اموراً اخرى غير السيف.
هذه بعض الامثلة على اخلاق البدو الغزاة خلال فترة الفتوحات:

1. قبل معركة اليرموك انسحب ابو عبيدة عامر بن الجراح وجيشه من بلاد الشام وأخلى المدن التي دخلها سابقاً حتى لا يقع في فخ ماهان قائد جيوش الامبراطورية ، قام ابو عبيدة بارجاع مبالغ الجزية التي أخذها من السكان بسبب اخلاله بالعقد بين الطرفين فهو بانسحابه لم يعد قادراً على حمايتهم ، اليس غريباً هذا التصرف من البدو ( اللصوص ) القادمين بغرض النهب والسرقة؟ عند رجوع ( الغزاة القتلة ) بعد الانتصار استقبلهم سكان المدن بالورود والازهار!

2. عندما دخل جيش البدو الغزاة الى مدينة القدس، بعد حصار طويل لها ، للتجول فيها لاحظوا ان الذهب والمال والأثاث الثمين موجود على أرصفة الشوارع ، وقد ذكر المؤرخون أن أهل القدس وضعوا ذلك لاختبار العرب، لم يمس الجنود شيئاً من ذلك.

كان الجنود البسطاء القادمين من بيوت الطين وخيم الشعر ينظرون الى هذه المواد القيمة وكأنهم ينظرون الى صخور ورمال فلم يرمش جفن أحد منهم. ولم يذكر الرواة والمؤرخون حادثة واحدة. وهل يفكر جندي بدوي فقير أن يسبب الحرج لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب! ماذا كان رأي اهل القدس في جيش بهذه العفة والأخلاق؟ فعهد خليفتهم الذي يلبس جبة فيها اربع عشرة رقعة هو عهدهم أيضاً وهذه نوعية جديدة من الناس لم يألفوه من قبل ولم تألفه البشرية كذلك.

لا بد من التوقف والتفكير في كيفية تدوين هذه الواقعة. فالمؤرخ لم يفعل سوى نقل كلام احد الجنود الذين حضروا دخول القدس: قال الجندي للمؤرخ: لقد وضعوا هذه الأشياء الثمينة عمداً لاختبارنا وظنوا انه من الممكن ان نخون العهد ولكننا خيبنا آمالهم. ونقل المؤرخ بدون تمحيص موضوع الاختبار.

وكما يقال فللحقيقة وجه آخر:

ما وضعه أهل القدس على أرصفة الشوارع خارج بيوتهم، إنما نوع من الفداء لحياتهم وحياة أولادهم فهذا حال كل المدن المحاصرة بعد الاستسلام تفدي نفسها خوفاً من عبث الجنود . (خذوا اموالنا ودعونا نعيش)
هذه الحادثة بحد ذاتها تسترعي التوقف والاهتمام فقبل أكثر من عقدين بقليل كان عدد كبير من جنود هذا الجيش يقاتل ويغزو بعضه البعض ويتنازع على المواد الشحيحة الموجودة في صحراء قاسية لا تعطي سوى القليل .

وجاء الاسلام بمبادئه الثورية وأولها جهاد النفس ضد النوازع الشريرة ومبدأ مسؤولية الفرد عن أفعاله، هذه الأفعال التي يحاسبه عليها المجتمع ( الكيان الكلي وليس القبيلة) في الدنيا ، ويحاسبه عليها الله في الآخرة، اصبح هناك نظام قدم الأمان للجندي، العدل والمساواة، وكل الإمكانيات من أجل إسعاده .

ماذا سيقدم في المقابل سوى التفاني والإخلاص والإنضباط بل أكثر من ذلك حياته إذا لزم الأمر. وهذا هو معدن الامة بكل افرادها طيلة تاريخها والى ان يرث الله الارض وما عليها وبدون شوفينية او تعصب. وما نمر به الان لن يكون سوى فترة مزعجة قصيرة في حياتها. اليست غريبة هذه الافكار البدوية؟

3. ستجد قي مصر جواب لماذا انتشر دين البدو في العالم ، مصر هي السهل الممتنع فقد اثّرت في كل الغزاة تعلموا منا ولكنها لم تتأثر من خارجها الا مرتين مرة عند دخول المسيحية ومرة عند دخول الاسلام ، اي انها لاتكسر الا بالكلمة والاقتناع.

4. هل خطر على بالك لماذا لم يظهر مبدعين وعلماء في امبراطوريتي فارس وبيزنطة وظهروا باعداد كبيرة في الامبراطورية البدوية؟ والجواب بسيط ان هذه الافكار ليست حكراً على احد ولا هي ملكية خاصة وليست افكاراً متخلفة ، بل انها افكار ثورية غيرت مجرى التاريخ! وسمحت للتفاعل بين الشعوب في جو خال من التعصب والفرقة واخيراً الهجوم على شعوب الجزيرة والقول انهم بدو قساة سفاحون يضعك في خانة تأليب الشعوب على بعضها ويعني تبعيتك للأجنبي ، لا سمح الله ، ولا نزال نعاني من هجوم الأعداء على خاصرتنا الرخوة ، هذه الفسيفساء الرائعة من القوميات والاديان والمذاهب.

ان تهاجم البدو وأفكار البدوي الاول محمد بن عبدالله فقد فعلها كثيرون قبلك ولم يضار هذا الصرح الشامخ وكان المؤرخون الغربيون اكثر انصافاً منك واعتبروه اول شخصية مؤثّرة في تاريخ العالم حسب المؤرخ الامريكي مايكل هارت وحتى هذه اللحظة لم يعارض احد من المؤرخين هذا التصنيف
ان تهاجم التاريخ قبل دراسته وفهمه جيداً انما يقلل من مصداقيتك وقد يأتي اليوم الذي ستكتشف فيه انك كنت تخدع نفسك، وهذه لحظة مواجهة الحقيقة وما اقساها على النفس!

واذا كنت تكره التخلف مثلنا فلا تلـُم الناس على تخلفها وانما عليك تحليل أسبابه والمسببين له وابحث عنها في امور اخرى مثل تعرية الانظمة الحاكمة ووعاظ السلاطين وأنظمة التعليم وغيرها ، هذا اذا رغبت كمثقف في خدمة شعبك وتنويره ، ولكن رجاءً ابتعد عن دس الفرقة بيننا وعن تراثنا وذاكرتنا!
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية