الشهيد الحي
...............................................................
| |
ياسر عرفات | |
بقلم: زهير كمال
....................
شعبُ الجبابرةِ المقدامُ منتــَــصِرٌ ** ما دامَ مثلـُكَ من يأتيهِ بالمَـــــدَدِ ... زياد السلوادي
في عز الانتفاضة الفلسطينية الثانية تساوت الخسائر البشرية بين طرفي الصراع على أرض فلسطين، يومذاك تركزت تصريحات كبار المسؤولين الصهاينة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار ، في الحكومة او المعارضة على موضوع واحد : لو أوقف الفلسطينيون مسلسل الارهاب والعمليات الانتحارية فان اسرائيل ستقدم تنازلات مؤلمة لهم لحل الصراع الدائر بين الشعبين. يومذاك اشفقت على ياسر عرفات الذي وضع رأسه بين فكي الذئب وبدأ يصرخ شهيداً شهيداً بعد ان كان صوته في الخارج يلعلع بالتفاؤل وهو يتكلم عن شعب الجبارين الذي سينتصر حتماً!
لم تكن اتفاقية اوسلو مفصلة على مقاسه بل على مقاس محمود عباس وهو لم يقرأ التفاصيل الصغيرة ووثق بعباس وهكذا وقع في الفخ واوقع معه كل الشعب الفلسطيني رغم تحذيرات الخيرين من ابناء شعبه الذين نبهوه ، ولكن عرفات المتعب من مسيرة طويلة من الاخفاقات أدت به الى المنفى التونسي لم يكن ليستمع لأحد.
لم يؤمن محمود عباس أبداً بالكفاح المسلح والمقاومة لتحقيق الاهداف الفلسطينية وربما كان التحاقه بحركة فتح انما لتحقيق رؤيته السلمية في حل الصراع ، تطوره الوحيد هو مقدار الكشف عن مكنونات شخصيته ، ففي كل مرة يظهر جزء كان مخفياً وأخيراً تم كشف ( ادانة المقاومة المسلحة) ، ولهذا لم يكن غريباً على مهندس اتفاقية اوسلو بذل جهوده اثناء الانتفاضة الثانية لوقفها ومساعدة العدو الاسرائيلي ( الصديق في نظره) ووصل به الأمر الى البكاء مع العدو على ضحاياه ثم القبض على المقاومين وايداعهم السجون الجديدة التي انشأتها السلطة من أجلهم او ارشاد الصهاينة للقبض عليهم وهكذا امتلأت سجون اسرائيل والسلطة على حد سواء برجال فلسطين ونسائها ويقف الشعب مدهوشاً امام هذه المهزلة وهو يرى كل يوم الجرافة الاسرائيلية تجرف ما تبقى لدى الشعب وهو أقل القليل.
يصرح عباس وطاقمه في السلطة : لن نبدأ المفاوضات الا بعد ايقاف الاستيطان ويسخر الصهاينة ويردون هذا موقف في غاية التصلّب من السلطة ورئيسها ! المفاوضات ستحقق السلام حتى لو استمرت عشرين عاماً اخرى!
ويقبل شهود الزور في السلطة لعب هذا الدور القبيح ويعرفون في قرارة انفسهم انهم لا يستطيعون تحقيق شيء لشعبهم فالأولى ان يحققوا شيئاً لأنفسهم وهكذا بدأ مسلسل فساد لم يعهده الشعب الفلسطيني من قبل ، ولا يخفى تشجيع اسرائيل لهم فمن يهتم بأموره الخاصة لن يهتم ابداً بمصالح شعبه بل يوفر مادة دسمة لمخابراتها للقيام بابتزازه . وهكذا ينشأ تفاهم غير مكتوب بين الطرفين: لا تبتزوني ولن ازعجكم ! وخير مثال على ذلك التأجيل الأول لعرض تقرير جولدستون حتى لا تضيع صفقة تجارية هامة لأبناء محمود عباس. وبالطبع فان اللجنة التي شكلها لبحث هذا الموضوع والتي أدانته في تقريرها لن تتطرق أبداً للأسباب الحقيقية التي دعته لذلك!
ما تسمح به اسرائيل هو الكلام فلهم ان يطلقوا تصريحات نارية كما يريدون وهو ما يستطيعون اتقانه للضحك على الجمهور ولكن!
هل يكفي الفلسطينيين تصريحات عباس وشلته أنهم متمسكون بالقدس عاصمة الدولة وأن لا تنازل عن حق العودة؟
هل يكفي ليشفع لهم الخطايا الكبرى التي يرتكبونها؟ وما هو الفرق بينهم وبين أطفال الارجنتين واليابان وسيبيريا الذين ينادون بذلك ايضاً؟
اتخاذ موقف لا يؤهل احداً لقيادة شعب وانما تغيير الواقع وعمل خطوات صغيرة وملموسة في اتجاه الهدف هو من سمات القيادات التي تشعرك بجديتها واخلاصها .
وتحقيق الانجازات مهما كانت صغيرة هي ما تفتقده السلطة الفلسطينية منذ نشأتها !
بصبرعجيب يتحمّل الفلسطينيون هذه المهازل ولكن في نهاية الأمر لا يملكون سوى العمل على تصحيح الانحراف واعادة الأوضاع الى نصابها
وتبدو اليوم اكثر من اي وقت مضى بوادر انهيار السلطة القريب، وتم افتتاح ذلك بالضربة الموجعة التي وجهها الضابط الشاب فهمي شبانة لهذه الشلة المنحرفة .
خرج هذا الشاب من رحم المؤسسة الفاسدة وتعامل مع الجميع ويعرف أفرادها جيداً وهو مسلح بالوثائق اللازمة لاسقاط مجموعة كبيرة منها .
من السابق تقييم هذا الفلسطيني فالأمور دائماً بخواتيمها ولكن هناك عدة ملاحظات على ما جرى وهي كما يلي:
1. رغم كونه في القدس المحتلة بين مطرقة اسرائيل وسندان السلطة فقد استفاد من وضعه ، فالسلطة لا تستطيع القبض عليه واسكاته وسلطات الاحتلال قد تضايقه ولكنها لا تستطيع المس به بعد ان أصبح شخصية عامة .
2. شكك البعض ان ما يجري هو تصفية ثارات قديمة بين أطراف فتح المتصارعة ولكن الأمر أخذ حجماً أكبر بكثير من ذلك فقد تم اتهام كامل شلة اوسلو اما بالانحراف المالي او الجنسي او الأمني وبوثائق تدينها ولا تستطيع لفلفة الموضوع والتلاعب أو الالتفاف حوله ولابد من مواجهته ومواجهة الشعب الفلسطيني كله.
3. اختبأت هذه الشلة في جحورها غير قادرة على مواجهة الموقف الا بكلمات الخيانة والعمالة ومثل هذه الكلمات لا تستند الى أسس وانما عليهم ان يدحضوا الوثائق والمستندات ويبرهنوا على عدم صحتها.
دبّ الأمل في الشعب الفلسطيني ثانية بعد تحدي شاب واحد لكل هذه الشلة ولابد من بعض الهمسات في أذن هذا الوطني الشهم:
1. انت لست وحدك ويفخر الفلسطينيون بك ابناً باراً لهم ويشعرون بصعوبة وضعك.
2. هذه الوثائق لم تعد ملكك بل ملك الجمهور الفلسطيني وترتكب خطأً كبيراً باستعمالها كوسيلة تهديد وابتزاز. ومن حق شعبك عليك ان يعرف الحقيقة كاملة ما دام لم ولن يتخذ اي اجراء سابقاً او لاحقاً بحق هؤلاء في ظل سلطة كهذه !
3. مع الاحترام الشديد لتجربتك الغنية والمتشعبة في الحياة الا انك تواجه عتاة في الكذب واللف والدوران والتكتيكات الصغيرة لتخليص انفسهم وقلب الباطل وتصويره على انه حق وهم لا يتقنون سوى هذه الألاعيب في الحياة الطويلة العريضة التي عاشوها في السياسة وخبراتهم لا تقل عن اربعين عاماً في الضحك على الذقون . فرق كبير بين ان تقف لوحدك وبين ان يقف معك شعبك في المواجهة.
4. مع احترامي لتوجهاتك السياسية فان السلطة كمؤسسة هي افضل آلة تفريخ للفاسدين! فاذا افترضنا انك استطعت بموقفك اجبار بعض الفاسدين على الاستقالة فان غيرهم ينتظر دوره ، نظراً للمفاهيم التي انتشرت خلال وجود هذه الشلة وتكريسها للمصلحة الفردية بدلاً من مصلحة الشعب.
5. ان ثراء ابناء محمود عباس خير دليل على فساد الرأس الذي يسمح لعائلته بالاستفادة من منصبه ورجل كهذا غير أمين على مصالح الشعب ولا يمكن تسليمه أمانة كبرى ، لا يمكن لفرد ان يكون جيداً في العمل السياسي وسيئاً في المسائل الأخرى اذ يمثل هذا انفصاماً في الشخصية. وفي تقاليد ومفاهيم مجتمعاتنا العربية ان ثروة الاولاد هي ثروة الاب والعكس !
قد يسجل التاريخ ان فهمي شبانة التميمي بدأ مسلسل انهيار أضعف حلقة في منظومة الفساد العربي ، هذه الحلقة التي تتمثل في سلطة طال وجودها أكثر من اللازم، فهي ليست دولة ولا تمتلك جيشاً وهناك معارضة كبيرة للتوجهات الفاشلة من كل فصائل واحزاب وتنظيمات الجسم الفلسطيني.
وهذا الامر يعتمد على فهمي وتصميمه على المباديء وقدرته على المناورة .