مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

مع نصر الله ظالماً أو مظلوماً

 

 نصر الله

 

بقلم : زهير كمال
......................

عندما نتأمل حال الإنسان الذي يعيش في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي، فإننا نشعر بالألم العميق ، فهو إما كمٌّ مهمل لا قيمة له أو مستغل بطريقة بشعة ، وإمّا أداة طيّعة في يد الطبقات الحاكمة.
فالتقاليد الموروثة واستغلال الدين والإعلام الحكومي المضلل كلها عوامل لاستلاب وعي الناس وتكريس الأمر الواقع وإطاعة ولي الأمر سواء كان شيخاً أم ملكاً أم رئيساً ، طاعة عمياء بدون تمحيص أو تدقيق. كل الدول العربية ملكيةً كانت أم جمهوريةً، غنية كانت أم فقيرة، فان نظرة الدولة الدونية الى مواطنها عبر قوانينها المتخلفة هي نفس النظرة.  خلال الخمسين عاماً الماضية، رأينا وجوهاً مختلفة وصلت الى أعلى المراتب الوظيفية من أفراد الطبقتين الغنية والوسطى، ميزتهم جميعاً أنهم مرؤوسون ينفذون الأوامر، انضموا الى الحكم وغايتهم مصالحهم الخاصة والاستفادة من النظام وتوظيفه لخدمتهم وخدمة عائلاتهم والمقربين منهم. كانت النتيجة استشراء الفساد والوساطة والمحسوبية في كل مجالات الحياة ، وفي مثل هذا الجو تسهل السرقة ويستطيع هؤلاء تركيز الثورة وتجميعها دون رقيب ولا حسيب.

لن يستطيع أحد تفسير ازدياد نسبة الأمية في المجتمعات إلا لتوقف الدولة عن الاهتمام بالمعلم والتلميذ والمدرسة، أما ازدياد نسبة المرض فهو في توقف الدولة عن الاهتمام بالطبيب والممرض والمريض والدواء والعيادات الصحية والمستشفيات. وانحدار مستوى المجتمع ناتج عن توقف الدولة عن الاهتمام بالفن والكتاب والكاتب والمكتبات. وانتشار العشوائيات ومدن الصفيح وسكنى المقابر لا يعكس سوى أن هذه الدولة لا يعتريها الخجل، وقد يقول أحدهم إنّ الدولة غير موجودة ولكن هذا مخالف للواقع فالدولة موجودة ولكنها دولة النسبة الضئيلة من عدد السكان الذين يتركز معظمهم في بعض أحياء العواصم والمدن الكبرى، حيث توجد الشوارع المعبّدة المضاءة والمياه الصالحة للشرب وغير ذلك من ضرورات الحياة ومباهجها بالنسبة للمحرومين.

في استعراض شريحة واسعة من المجتمعات العربية وهي شريحة الشباب وهي ظهر وسند المجتمع وعموده الفقري والمعوّل عليها بناء المستقبل، نجد رد فعل معظمها هو التفكير في الهجرة علهم يحظون بفرصة ما خارج أوطانهم.

عندما يهاجرون ينجح القليل منهم ، أما معظمهم فإنه يمارس أحط المهن من أجل لقمة العيش، وبعضهم لا يصل أبداً فقد يبتلعه البحر، فيما يعرف بقوارب الموت.

وبالنسبة للغالبية التي بقيت في بلادها فقد وجدت طرقاً مسدودة تبعث على اليأس وكان أمامها إما الإنتحار( الشهيد محمد بوعزيزي رحمه الله، كرمز) أو الثورة والمقاومة.

وعندما ثاروا سرق الانتهازيون وطلاب السلطة الجدد ثوراتهم وحرفوها عن مسارها، فسرقوا الأحلام الوردية بحياة أفضل وبمستقبل واعد للأجيال القادمة.

عندما قاوموا وبخاصة في فلسطين قتلتهم إسرائيل بعلم السلطة الفلسطينية أو وضعتهم في سجونها ليموتوا فيها، وعجيبٌ أن يفرح هؤلاء العملاء أمثال عباس فقد خلًصهم أسيادهم ومشغلوهم من المنافسة ومن قوى المجتمع الحية التي من الممكن أن تعمل على إبقاء المجتمع مقاوماً.
عندما يفرغ المجتمع من قواه الحية فإنّ من السهل قيادته كالقطيع المسالم المطيع الذي من الممكن أن يقاد الى الذبح وهو ساكت راضٍ عن مصيره.

في مجتمع يعيش في سجن كبير مقيد بجنود إسرائيل وعملائها في السلطة الفلسطينية لاحظنا أن هذه القوى الحية ورغم وضعها البائس وبعد يأسها من أن يفعل مجتمعها شيئاً لتحريرها ( فالأسرى لا يملكون من أمرهم شيئاً، ينهضون ويأكلون وينامون بإرادة السجان) تجلّت إرادتها في الأمر الوحيد المتبقي لها وهو حقها في تناول الطعام الذي يقدم لها.

كانت معركة اطلقوا عليها اسم معركة الأمعاء الخاوية. لا يدرك هؤلاء الشرفاء أن مردود معركتهم في النهاية سيولد مزيداً من الإحباط في مجتمعهم فقد دخل في روع كل شاب سيدخل معترك المقاومة أن عليه الوقوف وحيداً أمام الآلة العسكرية الجبارة وأن عليه الحذر من بني جلدته الذين سيسلمون رأسه اليها.

نتيجة هذه الأوضاع محتومة، فشعور الناس أنهم يقفون فرادى أمام قوى الظلم ستبعث داخلهم اليأس من النجاح والنصر.

والى هؤلاء الذين يحلمون بانتفاضة ثالثة أقول:

أنتم واهمون طالما بقي أمثال عباس في الواجهة ، يتباكى مع الباكين ويقول إنه لن يهدأ له بال ولن ينام قبل تبييض السجون الإسرائيلية( لاحظ المصطلح الذي يفضح تفكيره) ، ولكنه في نفس الوقت يبيع وطنه قطعة قطعة بدون مقابل.

وصلت المهزلة أن رجال عباس يقبلون بالوقوف تحت ضغط الابتزاز والتهديد بكشف أسرارهم ، وقد وصلت البلادة حداً غير معقول في المجتمع الفلسطيني فلا أحد يطلب استقالة هؤلاء الخونة الذين باعوا شرفهم وضمائرهم لصالح عدوهم.

والى هؤلاء الذين يتساءلون عن اختفاء القضية الفلسطينية وفقدان الاهتمام بها أقول إن على الشعب الفلسطيني تنظيف بيته أولاً وإن لم يفعل فقل السلام على فلسطين وأهلها وقضيتها.

في بعض الدول التي يبلغ فيها شره حكامها وأطماعهم مبلغاً كبيراً، يتخلصون من شبابهم باستعمال الدين الحنيف حيث يستغلونه في استلاب وعيهم وتوجيهم وجهة خاطئة وإرسالهم للموت في بلاد عربية أخرى.
عن ماذا تنم أوضاع كهذه في كل الوطن العربي؟ أعن جهل، أم عن تخلف، أم عن درجة تطور المجتمعات، أم عن حكم العسكر الجهلة وملكيات القرون الوسطى، أم عن الفهم الخاطيء للدين أم عن ضعف الطبقة الوسطى أم عن كل ذلك مجتمعاً؟ بحيث انطبق على الأوضاع داخل هذه الدول الأمثلة العامية التي تصور الواقع أفضل تصوير مثل (مولد وصاحبه غايب) ، (طاسة ضايعة) ، (حارة كل من إيده إلو).

لا يوجد في هذه الصورة الضبابية الكالحة سوى بصيص ضوء بسيط ظهر في لبنان وفي جنوبها بالتحديد وتحاول أنظمة التخلف والجهل والحفاظ على الوضع القائم إطفاء نوره.

حتى نهاية القرن العشرين كان المعروف عن جنوب لبنان أنه المنطقة المهملة المحرومة من لبنان وأن شبابه يذهبون الى بيروت للعمل في مختلف المهن الوضيعة عند أثرياء لبنان من السنة والموارنة. وكانت النظرة الى الإخوة الشيعة، سكان الجنوب، أنهم الغلابة والمساكين الذين يستحقون الصدقة.

كان من الممكن أن يبقى الأمر على هذه الحال مثل باقي مناطق العالم العربي التي تعج بالغلابة والمساكين لولا بعض شباب لبنان الذي نهض وشكل من هذه الطائفة قوة منظمة يحسب لها ألف حساب في المعادلات الدولية.

ولعله من المفيد أن نذكر أن تشكّل الوعي المتقدم عند هؤلاء الشباب لم يأت إلا بوجود الديمقراطية اللبنانية على كل علاتها الطائفية فقد سمحت للفكر الحر وتبادل الآراء بخلق جيل ناضج قادر على التحليل السليم واستخلاص الحلول.

استطاع حزب الله والمقاومة اللبنانية إخراج إسرائيل من الجنوب بقوة التضحية والشهادة ، فلاذ الجيش الإسرائيلي بالفرار لأول مرة في تاريخه وبدون اتفاقيات ولا معاهدات مذلة كعادته مع محيطه.

وفي حرب عام 2006 لقنوه درساً في منتهى القسوة لم يعتد عليه من الجيوش العربية في حرب تعتبر الأطول في المنطقة.( وبالطبع لا يتغافل أحد عن بطولات الجنود وصغار الضباط العرب في باقي الدول وتضحياتهم التي ضاعت هباء بسبب اهتراء حكامها).

لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية كان سبب الحرب المباشر هو الإنسان العربي، فإسرائيل تحتجز لديها أسرى لبنانيين وعرباً وحزب الله يريد تحريرهم.

وأثبت حزب الله بذلك أنه أحد كيانين في منطقتنا يقيمان وزناً للإنسان، والثاني هم أعداء الأمة في الكيان الإسرائيلي.

أظهرت الحرب ما الذي تستطيع قيادة مخلصة أن تفعله مع جماهيرها في خلق الانضباط والنظام عندها، فقد لاحظنا لجوء مليون مواطن لبناني الى خارج منطقة الحرب حفظاً لحياتهم ثم عودتهم الى بيوتهم وقراهم خلال 48 ساعة بعد انتهاء العمليات العسكرية، في تنظيم على درجة عالية من الدقة .
بينما نلاحظ مسلسل اللجوء الذي لا ينتهي ولا يتوقف للفلسطينيين والعراقيين والسوريين ، يتم رميهم في الصحاري العربية للمعاناة والعذاب والقهر والحرمان، بدون أفق ولا بارقة أمل.

لم نسمع شكوى واحدة من هؤلاء الذين دمرت بيوتهم خلال الحرب، لم تذهب الأموال التي رصدت لغرض إعادة البناء الى جيوب المتنفذين واللصوص والفاسدين.

وعندما يشعر الفرد أن المجموع يحميه ويدافع عنه فإنه في المقابل يعطي ويمتلك الاستعداد للتضحية بحياته مقابل قضية .
هذا ما تعلمنا إياه دروس التاريخ .
وبعد، فهل يمكن لبصيص الضوء هذا أن يتسع ويعم المنطقة كلها؟ أم ستتمكن قوى الظلام والتخلف من القضاء عليه؟

الجواب موجود عند شعوب المنطقة وغريزة البقاء لديها وعند مثقفيها أن لا تؤثر عليهم آلة الإعلام المضلل الذي يحول التناقضات الثانوية الى رئيسية كتحويل إيران الى عدو ونسيان العدو الحقيقي إسرائيل بل والتحالف الخفي معه. أمر يخالف منطق التاريخ والجغرافيا فإيران وشعبها كما هي تركيا ستظلان معنا الى الأبد.

لو نظرنا الى خريطة الهلال الخصيب سنجد فراغاً سياسياً واضحاً.
في العراق، حكومة هشة وضعيفة تأتمر بأوامر الخارج فالمالكي صنيعة ايرانية بامتياز، كانت نتيجة حكمه الفاسد المستمر منذ ثماني سنوات تقريباً أن ستة ملايين عراقي لا يجدون ما يأكلون، وبدلاً من تحسن الأوضاع نجد أنها تتدهور بشكل متسارع.

في سوريا، تدور حرب أهلية طاحنة منذ ثلاث سنوات وسببها هو عدم قدرة رئيسها على تجنبها أساساً لفقدان الحنكة السياسية وحسن الإدارة، وعندما تشرد شعب العراق كنا نلوم العدوان الخارجي وأمريكا، ولكن عندما يتشرد الشعب السوري فلا نلومن إلا أنفسنا.

في لبنان، وصل الحكم الطائفي الى مداه وهو على وشك الانهيار، والدليل على ذلك عجز الطوائف عن تشكيل حكومة مركزية منذ فترة طويلة، ولعل المستفيد الوحيد من ذلك هو إسرائيل التي قامت مؤخراً بترسيم الحدود البحرية من جانب واحد ولصالحها بالطبع ومن المؤكد أنها ضمت مناطق واسعة غنية بالغاز والنفط الى صالحها. لم نر حتى هذه اللحظة أي رد فعل من لبنان والعرب.

في الأردن، ورغم الاستقرار النسبي الظاهري، إلا أن دوامات كثيرة تحت السطح لا يستطيع حكم المخابرات السيطرة عليها الى الأبد، فالفقر والعوز يزداد بوتيرة عالية ومن الممكن أن تنفجر الأوضاع في أية لحظة. وللمسألة علاقة بالفساد المستشري من أعلى الهرم ممثلاً بالملك وزبانييته وبطانته والعلاقات المشبوهة مع إسرائيل والغرب.

بعد هذا الاستعراض السريع لهذه الأوضاع التي تزداد تدهوراً كل يوم أجد أن الحل الوحيد أن يتولى السلطة في هذه البلاد السيد حسن نصرالله فهو الوحيد القادر على قلب المعادلات رأساً على عقب.

لست من الذين يحبون مدح الأحياء ولكن نصر الله هو الزعيم العربي الوحيد الذي يمكن الوثوق به في هذه المرحلة.

والى هؤلاء الذين سيرفعون راية الاتهام بتبعيته الى إيران أقول إنه لو كان شاه إيران هو حاكمها لما وجدنا أية علاقة لنصر الله بها. الخوف من إيران الحالية نابع من وجود فراغ في المنطقة لا تملأه مصر، وعندما يتولى السلطة في مصر رجل في حجم وهامة عبد الناصر ، فسوف نجد أن الأمور سترجع الى مجاريها الطبيعية.

ورغم أن الموضوع خارج عن السياق لكن أغرب ما يحدث الآن في مصر أن مثقفيها ومنهم الأستاذ محمد حسنين هيكل يحاولون تقزيم مصر لتتناسب مع حجم وهامة السيسي، وهذا ما يؤسف له فعلاً.

هذا اقتراح لشعوب المنطقة ومثقفيها لتدارسه والتفكير فيه ، إذ لا بد من وقف الانهيار الذي تزداد وتيرته مثل كرة ثلج تتدحرج من أعلى الجبل.
وللتدليل على أهمية وقيمة ومنطقية الاقتراح أن إسرائيل لن تكون سعيدة بتولي نصر الله السلطة في شرقها إذ أن أعداداً كبيرة من سكانها سيرجعون الى بلادهم الأصلية.

لم تأخذ شعوبنا المبادرة منذ زمن طويل وتضحيات أفرادها تذهب دون نتيجة وقد أزف الوقت لها أن لا تظل جالسة على قارعة الطريق تتفرج على أوضاعها وهي تسير من سيء الى أسوأ .

والوحدة في ظل نظام قوي بعيداً عن الطائفية المقيتة التي يراد لها أن تعم المنطقة وهو أمر مخالف لطبيعتها السمحة، هي الحل الوحيد لمشاكلها، وفي نفس الوقت الذي أقترح فيه حكماً مركزياً لأحد الرجال القلائل المخلصين فإنني لا أخشى على الديمقراطية وفصل السلطات وحرية الإعلام، هذه المرة ستكون ديمقراطية حقيقية تنقل مجتمعاتنا الى الأمام.
فهل من مجيب؟
 



06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية