حماس وعشر سنوات من التهدئة
| |
مشعل | |
بقلم : زهير كمال
..................
قال الشيخ: يمكن أن نعقد هدنة لمدة عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، فالرسول (ص) عقد هدنة مع أعداء الإسلام في صلح الحديبية.تلقى شيوخ حماس الآخرين هذه الفتوى وحاولوا جهدهم تطبيقها كما قال الشيخ الشهيد أحمد ياسين.كان تحليل الشيوخ أن العدو قوي جداً ونحن في منتهى الضعف وأنه خلال مدة الهدنة سنقوى وسننازله مرة ثانية، وسنتغلب عليه إن شاء الله .مثل هذا التحليل إنما خلاص من المشكلة القائمة ورميها على أكتاف جيل قادم عل وعسى أن يستطيع فعل شيء ما.يتوقف كثير من الشيوخ في العصر الحالي عند نقطة إمكانية عقد هدنة مع الأعداء، بدون بحث أو تحليل للوضع القائم على الطبيعة، هم كمن يرى من جبل الثلج ربعه الصغير الظاهر فوق الماء ولا يفكر في الباقي ، الأساس الحامل للجبل. عند تحليل صلح الحديبية من منظور استراتيجي كما فكر الرسول الأعظم وخالف بها كل أصحابه ، لو شبهنا اتجاه حركة طرفي الصراع بالخطوط البيانية فإن خط القوة الجديدة المتمثلة في الإسلام هو خط صاعد للأعلى بدون عثرات ولا يضير الخط نقطة توقف بسيطة يستجمع بها قوى أخرى تضاف الى رصيده وزخم حركته. بينما نجد خط الطرف الثاني يسير في اتجاه أفقي وربما يميل الى الأسفل بفعل خسارته لعوامل قوته كل يوم. ولن يستفيد كثيراً من انتصار تكتيكي لا يؤثر على تغيير موازين القوى.
وقد لوحظ إصرار الرسول على كتابة شروط الصلح وتخلى مقابل ذلك عن صفته كنبي مقابل تسجيل عقد الصلح. ففي ذلك نقل الحالة بين طرفي الصراع من الفردي الى العام بغض النظر عن الموقّعين على العقد. أوضاع طرفي الصراع في فلسطين لا تشابه إطلاقاً أوضاع المتعاقدين على صلح الحديبية.
لو استعرضنا صلحاً آخر مشهوراً في التاريخ وهو صلح بريست ليتوفسك الذي عقده لينين مع ألمانيا القيصرية وتخلى فيها للألمان عن بعض الأراضي الروسية مقابل إيقاف الحرب على الجبهة الروسية، وخالف في ذلك أصحابه أيضاً، ولكنه كان يفكر من منظور استراتيجي أيضاً، فالثورة البلشفية كانت في منتهى الضعف وتحاول التقاط أنفاسها وتجميع قواها، مقابل ألمانيا القوية، ولكن لينين بحسه السياسي الراقي كان يدرك أن موازين القوى على الجبهات الأخرى ليست في صالح ألمانيا وأنها ستعمل على انهيارها، وسيكون جاهزاً وقت الانهيار لنقض الصلح واسترداد الأراضي الروسية المغتصبة. وقد لوحظ ايضاً تسجيل شروط الصلح كتابةً.
في الحالتين السابقتين ففي وجود منظّر استراتيجي يتمتع باستشفاف للمستقبل نجد أنه يتم توظيف الزمن لصالح كسب الصراع.
عندما ننتقل الى الحالة الفلسطينية نجد أن ميزان القوى يميل بشكل حاد الى أحد طرفي الصراع وهو الطرف الإسرائيلي ولم يستطع الطرف الفلسطيني حلحلة هذا الميزان قليلاً لصالحه رغم التضحيات الجسيمة التي قدمتها وما تزال الجماهير الفلسطينية.
ويرجع ذلك الى عدة عوامل من بينها:
التداخل الكبير بين الفلسطينيين ودول الجوار إضافة الى الفرق الحضاري الكبير بين شعب قادم من العالم الأول وشعب من العالم الثالث ولكن أهم نقطة هي عدم توافر قيادة سياسية واعية تتمتع ببعد الأفق وتتميز بالإصرار والعزيمة وتستعمل التفكير المنطقي وتوظف قدرات شعبها المعطاء خير توظيف.
وكان المتوقع بعد سقوط الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة فتح في فخ أوسلو، نظراً لقصر نفسها، أن تقوم حركة حماس باستلام الراية وقد فعلت الى فترة محدودة، وأثبت الشعب الفلسطيني المحاصر من إسرائيل والأنظمة العربية المتواطئة معها أنه قادر على اجتراح المعجزات والصمود وحتى تسجيل انتصارات صغيرة تضاف الى رصيده ، وكان الصمود في حرب 2012 ووصول صواريخ فلسطينية الى العمق الإسرائيلي لأول مرة هو قمة المعجزات في هذا الصراع الطويل.
ولا يخفى على أحد أن حماس قد اكتسبت ثقة الجماهير العربية التي تعرف اتجاه البوصلة وهي إبقاء الصراع محتدماً ومتواصلاً وقد استشعرت أن هناك فكي كماشة بدأت تتشكل يحيطان بإسرائيل من الشمال متمثلاً في حزب الله ومن الجنوب متمثلاً بحماس، صحيح أنهما فكّان ضعيفان ولكن إمكانية تطورهما الى فكين قاتلين هو أمل هذه الجماهير الفلسطينية والعربية.
ما حدث بعد الحرب كان مريباً نوعاً ما ولكن يمكن اعتباره هدنة بدون عقد أو صلح.
أصبحت فيها حماس مثل الفتوة أو القبضاي الذي يحمل العصا ليوقف الإخلال بالأمن في الجزء الجنوبي من فلسطين بينما نجد سلطة محمود عباس تقوم بنفس الوظيفة في الوسط.
ما يعني ببساطة توفير احتلال مريح لا يكلف إسرائيل شيئاً بل العكس تقوم بفتح حنفية الحياة المتمثلة في المعابر عندما تشاء وتقفلها متى تشاء.
لم يكن الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود يدرك أن الحياة الفلسطينية ستكون على هذا المنوال عندما قال:
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى
كانت قمة المأساة دخول قيادة حماس في الخارج للاحتفال بالنصر في غزة وكان ظني أنها ستبقى فيما يعتبر جزءً محرراً من فلسطين، ولكنهم خرجوا ثانية الى المنافي. رحم الله أمير الشعراء عندما قال:
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا
وبدلاً من الاهتمام بالشأن الداخلي وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وضم أكبر عدد ممكن من الجماهير الى النضال والتخلص من الآفات التي تعيق المسيرة ، نجد أنهم انخرطوا في السياسة العربية، وكانت النتيجة فشلاً ذريعاً على كل الصعد، مما أدى الى انحسار الاهتمام بالقضية الفلسطينية واستمرار العدو بعمل ما يحلو له واستمرار معاناة الفلسطينيين في كل مكان في الداخل وفي الخارج.
ومن المؤكد أن قيادة كهذه لن تعترف بأخطائها الجسيمة التي أضرت بمصالح الشعب الفلسطيني فتتقدم باستقالتها، فهي جزء من العقلية العربية المبنية على التبرير والترقيع.
يعلمنا الإنسان القديم، عندما لم تكن وسائل إشعال النار متوافرة، أن يبقيها متقدة ليلاً نهاراً.
وهكذا الثورة!!