| | | | حُجر بن عدي
| | حجر | |
بقلم: زهير كمال ....................
في تاريخ الطبري أنه بعد أن استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان ولّى المغيرة بن شعبة على الكوفة وأمره كما أمر غيره من الولاة، بسبّ علي بن أبي طالب في خطب الجمعة.
أخذ المغيرة بلعنه كلما قام خطيباً، وفي إحدى هذه الخطب، سب علياً ومدح عثمان، فقام حجر بن عدي وقال:
إن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل وإن من تزكون وتطرون لأولى بالذم فقال له المغيرة: ويحك يا حجر! اتق السلطان وغضبه ، فإن غضب السلطان مما يهلك أمثالك.
بعد تولي زياد بن أبيه ولاية العراق فأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر خلعه حجر بن عدي، أي لم يعترف به كوال للعراق.
بعثه زياد مع اثني عشر رجلاً مكبلين بالحديد الى دمشق فقتل معاوية ستة منهم من بينهم حجر.
قبل إعدامه كان طلبه الوحيد السماح له بالصلاة، فصلى ركعتين قصيرتين خوف اتهامه بالخوف أو الجبن، وأوصى أن لا يحرروه من قيوده وأن لا يغسلوا دمه فهكذا يريد مقابلة معاوية يوم القيامة.
عند زيارة معاوية الى المدينة، بعد حج ذلك العام، قالت له عائشة، أم المؤمنين، يا معاوية، أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ وكعادته، في قلب الحقائق رد معاوية قائلاً: إن من قتلهم من شهد عليهم. ويذكر بن كثير في البداية والنهاية أن السبب الذي أدى الى إعدامه هو مشادة حدثت بينه وبين زياد بسبب إطالته خطبة الجمعة ويبدو أنه تعمد ذلك لاستفزاز المصلين وقد أرسله مكبلاً مع جماعة يشهدون عليه انه سب الخليفة.
لم يجر معاوية أية محاكمة لهم بل أمر بإعدامهم حال وصولهم، انتقاماً لوقوفهم مع علي ضده.
من جملة ردود الفعل على إعدامه ورد في الاستيعاب لابن عبد البر أن عبد الله بن عمر قد بكى بشدة عندما وصله الخبر الحزين. كان من الممكن لحجر بن عدي أن تنام رفاته في قبره الذي دفن فيه سنة 51 هجرية بدون أن يعكّر صفوها أحد، فقد أصبح جميع من ذكر سابقاً في عداد الأموات منذ وقت طويل، ولهم رب يحاسبهم على أفعالهم.
لكن يشاء بعض الجهلة بفعلة شنعاء متعمدة، وهي نبش قبر حجر، هدفوا من وراء فعلتهم تغذية أحقاد مذهبية لا يحتاجها الوطن العربي الذي تتوالى عليه النكبات بشكل متواصل في العصر الحديث.
وأفعال مزرية كهذه ترجع الى عصور الانحطاط والتخلف واعتقدنا أنها انتهت منذ زمن طويل.
عودة للتاريخ، فإن معظم شيوخ الإسلام العقلاء وعلى اختلاف مذاهبهم يجمعون على الوقوف مع علي بن أبي طالب ضد معاوية في صراعهما على السلطة في ذلك الزمن السحيق قبل أربعة عشر قرناً، فقد كان صراعاً بين أهل الدين وأهل الدنيا أو بين الخير والشر، صراع بين باب مدينة العلم كما وصف الرسول عليه السلام عليّاً وبين رجل تمرغ في الدنيا ظهراً لبطن كما وصف معاوية نفسه.
وفي الوقت الذي أعدم فيه حجر لم يكن المذهب الشيعي قد تشكّل وأصبح مذهباً، وانما أصبح كذلك بعد استشهاد الحسين ومعظم أهل البيت سنة 61 هجرية. ولا نعرف إن كان شيوخ هؤلاء الجهلة الذين نبشوا القبر يعرفون هذه الحقيقة البسيطة وسواء عرفوها أم لا فإن هذا لا يعطيهم الحق في نبش القبور.
بدلاً من نبش قبره كان عليهم أن يرفعوه الى مرتبة العظماء والأبطال وأن يتخذوا منه قدوة ومثلاً أعلى فالرجل هو من بين القلائل في التاريخ العربي والإسلامي الذين طبقوا فعلاً حديث الرسول عليه السلام عندما قال ( إن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، ودفع حياته ثمناً لايمانه بما يعتقد.
لم يتخذوه رمزاً لمقاومة الدكتاتورية والطغيان؟ مقاومة يروجون انهم يقومون بها ضد بشار الاسد. لو فعلوا لأصبحت لهم مصداقية هم في أشد الحاجة اليها، بعد كل ما اقترفوه في حق الشعب السوري، واثبتوا أنهم أبعد ما يكونون عن الثورة وأخلاق الثوار، إذ لابد من التحلي بالأخلاق الرفيعة لانتصار أيّة ثورة.
لابد من سبب او مبرر يجعل عملاً كهذا يقوم به أفراد في مجتمعاتنا دون خجل أو حياء أو وازع، هل يمكن إرجاعها الى طبيعة شعوب الشرق الخاصة ومزاجهم؟
فرغم أن الدين يحترم الموتى بسرعة مواراتهم التراب، إلا أننا نجد الكثير ممن ينبش قبورهم بحثاً عن الكنوز أو التحف المدفونة معهم، ولا يخفى العامل الاقتصادي او الاسترزاق وراء هذا العمل الذي قد يجده البعض مبرراً مثل تبرير نقل توت عنخ آمون وغيره من المومياوات المصرية الى مختلف انحاء العالم للفرجة عليه، إذ لا يفكر هؤلاء الذين يسمحون بعمل كهذا بحرمة الميت وقدسية جسده بل يتعاملون معه كبضاعة، وقد يكون مفهوماً مثلاً اظهار عظمة الحضارة الفرعونية بعرضه في المتحف وجعل المهتمين والفضوليين القدوم من انحاء العالم لرؤية قبره المكشوف، هناك قبور مكشوفة في اماكن مختلفة من انحاء العالم مثل قبر لينين في ساحة الكرملين، حيث تقف الطوابير لرؤيته وتدخل الضريح بدون كاميرات او هواتف وغير ذلك. ولكن هذا موضوع يطول البحث فيه.
في التاريخ أيضاً، أغرب وافظع نبش تم بدافع الانتقام وهو ما قام به عبدالله بن محمد الملقب بأبي العباس السفاح، مؤسس الدولة العباسية، إذ نبش كافة قبور خلفاء بني أمية وعلق بعض هياكلهم على المشانق.
نبش القبور هو أحد المظاهر السيئة التي لا يقوم كافة الشيوخ والعلماء والمثقفون بالتصدي لها بحزم تجعل من يرتكبها يفكر ألف مرة قبل استعمالها وبخاصة لما لها من تأثير كبير على تأليب الأحقاد المذهبية. اليوم، لا يقتصر الامر على التأليب المذهبي فهناك التأليب الطائفي الذي يشتد في مصر الآن لعدم وقوف السلطة الحاكمة بحزم ضده، فلا يكفي رئيس الدولة ان يصف الاقباط بانهم شركاء الوطن ونجد ان الأفعال لا تختلف بين نظام مبارك القديم الذي كان يفتعل الأحداث الطائفية لشغل الناس بها وبين نظام الإخوان الذي لا يمتلك حجة للدفاع عن نفسه ضد ما حدث وسيحدث.
كان ظني ان من يرفعون الراية الإسلامية سيقتدون بحديث الرسول الكريم. (الله الله في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء، السحم الجعاد، فإن لهم نسباً وصهراً ) ويقصد بذلك أم اسماعيل هاجر وزوجته ماريا، أم إبراهيم. يعلمنا التاريخ أن الثورات العظيمة تقوم بتغيير مجتمعاتها وتنقله قفزة على سلم التطور والتحديث بحيث تتغير عادات سيئة مثل ظلم الأحياء ونبش قبور الأموات، ما نراه حتى اليوم عملية تغيير ميكانيكية للرؤساء، اذ لم تهضم قوى المجتمع الفاعلة بعد معنى الثورة ولم تستوعب ما قامت به شعوبها التواقة للتغيير والحياة الافضل. ولكن حركة التاريخ لن ترحم هؤلاء فإنما هم مرحلة عابرة، فالسلطة ليست هدفاً في حد ذاته وإنما هي وسيلة لتحقيق أهداف المجتمع وخدمته وتحقيق تطلعاته.
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|