مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 التناول التلفزيوني لسيرة عمر بن الخطاب

 
  

بقلم: زهير كمال
....................

حظيت سيرة الخليفة عمر بالاهتمام في منتصف القرن العشرين بعد قيام الثورة الناصرية وفي مرحلة النهوض والتخلص من الاستعمار القديم.

صدرت في تلك الفترة عدة مؤلفات هامة تتناول عمر لكتاب أمثال عباس محمود العقاد وخالد محمد خالد والشيخ محمد رضا وكان أهمها في تقديري كتاب محمد حسين هيكل بعنوان الفاروق عمر.

ثم توقف تناول سيرة عمر لمدة طويلة حيث أصيبت المنطقة بالجمود والسطحية، ولعل مجرد سرد تاريخه وإنجازاته والحديث عن عدله، كان مما يزعج هؤلاء الذين لهم مصلحة في وقف النمو الطبيعي للأمة وتذكيرها بأمجادها التليدة.

أبدع كتاب تلك الفترة في تناول عمر بعد استنباط ما استطاعوا قراءته في الكتب القديمة رغم صعوبتها، وعلى سبيل المثال يذكر عباس محمود العقاد أنه اعتمد على كتاب واحد وهو المنتظم للجوزي في تأليف كتابه عبقرية عمر.

وأتيح للباحثين في سيرة عمر في العصر الحالي الكثير من إمكانات البحث والتنقيب في كافة الكتب القديمة والحديثة فهناك مادة غزيرة وصلت الينا ينبغي تنقيتها وإعادة كتابتها من جديد، ويمكن لباحث ذكي أن يقوم بربط الأحداث ببعضها والوصول الى أقرب ما يمكن من حقيقة ما حدث فعلاً..
ما يؤسف له حقاً أن مؤلفي الأعمال التلفزيونية التي تناولت عمر في رمضان هذا العام لم تكن على المستوى المطلوب منها لتقديم الشخصية بحيث تترك في مشاهدها التأثير المطلوب.

في قصة الفاروق للدكتور نبيل العوضي تكرار لما ورد في الكتب القديمة من أخبار عمر، فلا تجد أي تأثير للكاتب على السيرة وقد أعطاني انطباعاً أنه يشبه الحكواتي القديم الذي اندثرت حرفته مع الزمن.

حاول الداعية عمرو خالد أن يخرج عن المألوف في برنامجه ( عمر صانع حضارة) وللأسف لم يوفق في إبراز الشخصية كما يجب وظل يراوح من بعيد مرتكباً في طريقه بعض الأخطاء التاريخية القاتلة نظراً لعدم تعمقه في البحث، فعلى سبيل المثال ادعى أن سارية بن زنيم الموجود في بلاد فارس قد سمع عمر عندما ناداه من منبر المسجد النبوي في المدينة صارخاً يا سارية الجبل. والإسلام خال من غيبيات كهذه ، فالمعجزة الوحيدة فيه هي القرآن الكريم.

وفي حلقة أخرى قال مخاطباً بنات مصر : أنقذكم عمر من الموت والرمي في النيل، جرياً على ما يعتقده في عادة أهل مصر من رمي فتاة بكامل زينتها طلباً للفيضان. لم يقرأ الرجل كتاب الفاروق عمر لمحمد حسين هيكل الذي فند فيه هذه الأسطورة جملة وتفصيلاً واستعان فيها بعالم آثار، وإذا كنا لا نريد الدخول في تفاصيل بحث هيكل فربما يكفي أن نسأل أنفسنا إن كان أقباط مصر يرمون بناتهم في النهر وهم الذين يدينون بالمسيحية!
ضمن المغالطات التاريخية في المسلسل إبقاء الداعية لأبي عبيدة عامر بن الجراح حياً عند وفاة عمر وكان الرجل قد مات في طاعون عمواس قبل فترة طويلة.

من الطريف أن الداعية خالد افتخر بأنه صور الأحداث في مكان وقوعها ولم أجد أسخف من هذا، فبرنامجه عبارة عن سرد تاريخي وكان يمكن أن يضع في الخلفية صورة مناسبة للموقع بدل الانتقال بكامل الطاقم والتصوير وقد كلفهم ذلك وفاة أحد العاملين إضافة الى أنه بذخ في غير محله، وأتصور أنه لو كان عمر حياً لدار بدرّته على رأس الداعية ومنتجي البرنامج، فالحضارة الحقيقية تقتضي التفكير والتدبر ، ويعرف الداعية تكاليف حج عمر وابنه في أحد المواسم والتي بلغت 192 درهماً وقال عمر في ذلك أسرفنا.

مسلسل عمر:

بحثت عن عمر في المسلسل المسمى باسمه فلم أجده .
عند تناول السينما أو التلفزيون لسيرة شخصية هامة فإن التركيز يكون على المرحلة التي يكون فيها تأثيره على الأحداث وقدرته على إحداث تغييرات في مجرى الحياة والعالم هي الأقصى. وإن تناولت السيرة طفولته وشبابه فإنما بشكل مختصر وتركز على الأحداث التي شكلت شخصيته وطبعتها بهذا الشكل.

على مدى أكثر من عشرين حلقة تناول المسلسل قصة الإسلام كيف بدأ في مكة وكيف انتشر تدريجياً، وقد تناولت العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية هذا الموضوع بالتفصيل ولم تكن هناك أية إضافة ذات قيمة.

وفيما تبقى من حلقات المسلسل عندما أصبح عمر الرجل الأول وصف صديقي زياد السلوادي فحواها قائلاً: كانوا يقرأون لنا سيرته من كتاب وحال ذلك بين تفاعل المشاهد مع الشخصية.
وقع المؤلف في عدة أغلاط تاريخية فادحة أظهرت عدم دراسته لهذه المرحلة التاريخية بجدية أو تعمق.

وفيما يلي بعضها:

1. تمثيل الشخصيات: أجمعت الكتب التاريخية أن عمر كان عندما يمشى وكأنه راكب حصاناً وهذا يعني أن طوله يفوق المترين على أقل تقدير ويعني أيضاً أنه أطول ممن حوله من الصحابة وتقول الكتب إن علي بن أبي طالب كان ربعة يميل الى الامتلاء وفي المسلسل كان علي نحيفاً وأطول من عمر! أما المغيرة بن شعبة فقد كان أعور بشعاً يفرق شعر رأسه من منتصفه، وقد أظهره المسلسل عادياً ويتمتع بعينين سليمتين، أما عمرو ابن العاص فقد كان أصلع ، ولا يتسع المجال لتوصيف باقي الشخصيات وهي موجودة في الكتب، ومن يريد إتقان عمله كان عليه البحث عن شخصيات أقرب ما تكون الى الحقيقة. كان على المؤلف أن يعطي توصيفاً لكل الشخصيات وعلى المخرج اختيار المناسب.

2. لوحظ كرنفال للملابس في مكة قبل أربعة عشر قرناً مما يصلح عرضاً للأزياء في يومنا هذا، صحيح أن تجار مكة الأثرياء كانوا قادرين على شراء ملابس فائقة الجودة بمقاييس ذلك الزمن ولكن لا أعتقد أنهم كانوا من الغباء بحيث يرتدونها على هذه الصورة في حر مكة اللاهب.

3. استعمل مشركو مكة قيوداً حديدية لتقييد (الصابيئن) من أولادهم، كان الروم ماهرين في صناعة هذه القيود وقد أرسل معاوية عندما كان والياً على دمشق عينة منها مع أبيه الى الخليفة عمر كي يراها ، ويعني ذلك أنهم لم يستعملوها قبل الإسلام، إن كانوا عرفوها أساساً.

4. قصة إسلام عمر تستحق التأمل، فهذا رجل يحمل سيفه ذاهباً لقتل عدو قريش الذي فرق بين الأب وابنه ، يذهب الى بيت أخته ، يضربها ، يسمع بعض القرآن، يرق قلبه فتنجلي بصيرته فيذهب الى الرسول مسلماً وذلك خلال عدة ساعات. ألا تستحق هذه المشاهد التأمل والتحليل المنطقي، بخاصة وأننا نعرف أن عمر صاحب عقلية جبارة لا تخضع للعواطف بسهولة، لماذا لم يفكر الكاتب أن مسافة زمنية تفصل هذه الأحداث بعضها عن بعض؟ وهل يمكن أن يكون زار أخته مرتين وقد شج رأسها في المرة الأولى وفي المرة الثانية ذهب من عندها الى محمد كي يعلن إسلامه. فبين إسلام عمر وتسجيل واقعة إسلامه 100 عام على الأقل.

5. في معركة الجسر، أول معركة مع الفرس عام 13 هجرية قتل المؤلف ماردان شاه قائد الجيش الفارسي، وليس هناك سوى ماردان شاه واحد قتل في آخر معارك الفرس وهي معركة نهاوند عام 21 هجرية.

6. تم تسطيح معركة اليرموك الى درجة غير عادية، فهذه المعركة يدرسها الطلبة في الكليات الحربية نظراً لأهميتها في التاريخ العسكري. ورغم توافر الإمكانات المادية الضخمة لم نعرف كيف انتصر جيش صغير على جيش يماثل أربعة أضعاف عدده ، فكل ما قدمه المؤلف قول الممثل شبيه خالد بن الوليد في لهجة إملائية ليس فيها أي احتراف : إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان. وقد تبرع الكاتب من عنده أن جعل أبا عبيدة عامر بن الجراح يخفي كتاب أمير المؤمنين بعزل خالد وتوليته مكانه. ولكن أسوأ ما فعله هو إعطاء شهادة لأبي سفيان أنه فقد عينه في المعركة، ليس هناك كتاب تاريخي واحد يؤكد على هذا الادعاء، تقول الكتب إن أبا سفيان فقد عينه في إحدى المعارك وقد تكون اليرموك إحداها، وبعض الكتب قالت إنه فرح عندما تقدم الروم في إحدى مراحل المعركة ومدحهم قائلاً: إيه يا بني الأصفر! وعلق على ذلك الزبير قائلاً : قاتله الله لا يأبى إلا نفاقاً. ربما يحتاج المؤلف الى إعطاء تفسير واضح لماذا أعطى أبا سفيان صك البراءة وهل لعب المال دوراً في ذلك؟

7. درة عمر هي الأشهر في التاريخ وهي عصا قصيرة كان يحملها دائماً وقد ذكرت في مقال سابق عن عمر أنها كانت أقوى من صولجان كسرى وسيف هرقل. حول المسلسل العصا القصيرة الى عصا طويلة مثل عصا موسى (يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى) .
8. أجمعت المسلسلات الثلاثة على أن فيروز الذي اغتال عمر كان يعيش في المدينة ، وتنهار نظرية الاغتيال التي أجمعوا عليها إذا عرفوا أن الرجل كان يعيش في الكوفة مع سيده المغيرة الذي كان واليها أثناء تلك الفترة وأنه قدم خصيصاً لتنفيذ عملية الاغتيال .

ما تقدم جزء من الأخطاء التي يكررها بعض من يتناول سيرة عمر بدون تفكير أو إعمال للعقل والمنطق.

وكان المؤمل من صاحب التغريبة الفلسطينية أن يقدم عملاً يتناسب مع الشخصية التي يتناولها، ما يؤسف له أن هذا الطاقم لم يع أهمية عمر بن الخطاب في تاريخ الإسلام والعالم فهو الرجل الثاني من حيث الأهمية التاريخية وهو الذي وضع مبادئ الإسلام موضع التطبيق وأقام أول دولة للفقراء على كوكب الارض وهي أول دولة في العالم القديم سبق دستور قيامها، وغيرت فترة حكمه البالغ عشر سنوات وجه العالم ولا يزال اسمه يشع بعد كل هذه القرون.

أبدع حاتم علي في التغريبة وفتح له ذلك أبواب خزائن المال وأزال بذلك عقبة كبيرة أمام كل مبدع ليستمر في إبداعه وقد لاحظنا ذلك في بعض المبدعين أمثال جيمس كاميرون وستيفن سبيلبيرج فكل عمل يقدمونه يكون أقوى مما سبقه. وكنت أتمنى أن لا يكون المال هدفاً في حد ذاته لأصحاب الفن والإبداع.

مرّ عمر برجل يلعب ببعض الحجارة الصغيرة فتعجب ثم قال:
سبحان الذي خلقك وخلق عمرو ( بن العاص)!
فأشد ما كان يكرهه الخليفة هو الغباء!

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية