مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 اليوم التاسع عشر

 

الملك مينا موحد القطرين فرعون من الأسرة المصرية الأولى مدينة طيبة (الأقصر حاليا)، استطاع أن يوحد القطرين (المملكتين الشمال والجنوب) حوالي عام 3200 ق.م ولقب لهذا الفضل العظيم بعدة ألقاب مثل (ملك الأرضين، صاحب التاجين، نسر الجنوب، ثعبان الشمال). يعتبر الملك مينا مؤسس الأسرة الأولى الفرعونية.

 

بقلم: زهير كمال
....................

منذ توحدت قبل خمسة آلاف عام ونيف على يد مينا، مرت مصر بانتصارات وهزائم، استقرار وفوضى، توسع وتقوقع ، ولكنها أبداً لم تنقسم .
من ضمن أدوات التوحيد الأساسية اللغة التي تطورت عبر التاريخ الطويل وتبدلت ولكنها كانت دائماً لغة واحدة لشعب بأكمله من أقصى الجنوب في النوبة الى أقصى الشمال في الدلتا. عندما دخلت اللغة العربية الى مصر مع الفتح الإسلامي لم يتمسّك الذين يدينون بالمسيحية باللغة القبطية القديمة مقابل هؤلاء الذين أدخلوا الدين الجديد وبدأوا بتكلم العربية، بل تعلم الشعب كله مسيحيون ومسلمون اللغة الجديدة .

يرجع هذا الى الطبيعة الخاصة للشعب المصري التي تميزه عن باقي شعوب الأرض، وسبق لي تناول هذه الخاصية بالتحليل في مقالات عديدة سابقة.
في الصين أو الهند مثلاً هناك مئات اللغات وآلاف اللهجات وكذلك الحال في أوروبا ذات المساحة الصغيرة بالمقارنة، لو قارنا مصر مع شعوب صغيرة نجد لغتين في دول مثل المغرب أو الجزائر رغم أن الإسلام هو الدين الوحيد في البلدين ، أما في العراق ومساحته أصغر بكثير من مصر نجد قوميتين ولغتين هما العربية والكردية ، لم يستطع مركز الدولة العربي في بغداد وهو على مرمى حجر من المناطق الكردية محو هذه القومية عبر قرون من الزمن رغم أن معظم الأكراد يدين بالإسلام.

هذا المختصر من التاريخ رغم اعتباره من المسلمات التي لا يعيرها أحد اهتماماً ، إلا أنها في غاية الأهمية ، فهي تقود الى النتيجة المنطقية من أن مصر غير قابلة للانقسام أبداً.

ورغم أن الموضوع غير مطروح هذه الأيام إلا أنه يطلع علينا بعض المثقفين بين الحين والآخر بهذه الفزاعة يرددون ما يتمناه أعداء مصر ويطرحونه في اختبارات الرأي العام وتكرار الكذب حتى يصبح مسلمات مع الزمن، ولكن الأعداء يعرفون أنها قد تنجح في كل بلاد العالم إلا في مصر.
إدراكهم لهذه الحقيقة الواضحة، جعلهم يستعملون أسلوباً آخر في التعامل مع مصر، وهو السيطرة على فرعونها الحاكم ، فمن يسيطر على الرأس يسيطر على مصر وعلى مركزها ودورها وتأثيرها في المحيط وفي العالم.
ولعل استعراضاً بسيطاً للتاريخ الحديث يظهر الفكرة :
فقد تآمرت كل القوى الدولية ضد محمد علي باشا بعد أن أدرك أهمية مصر ودورها، وعندما نجحوا في وقف طموحه سيطروا على مصر عبر سيطرتهم على ورثته وتسييرهم حسب المصالح الخارجية ، وعندما حاول رجال مصر الأوفياء وعلى رأسهم سعد زغلول تغيير هذا الواقع أخمدوا ثورة 1919 بالقوة.

ظهرت قوة مصر وتأثيرها في العالم في فترة الرئيس جمال عبد الناصر، فقد شكلت رأس حربة ضد الاستعمار القديم وقادت حركات التحرر في العالم وأصبحت مع الهند ويوغوسلافيا قطباً ثالثاً يقود معظم أقطار أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ، صحيح أن هذا القطب لم يمتلك أسلحة تدميرية فتاكة ولكنه كان يملك قوة الضمير وقوة الشعوب الصغيرة وحقها في الحياة الكريمة.

لم تدم هذه الفترة زمناً طويلاً بفعل الـتآمر المستمر الذي لم يمهل مصر الوقت الكافي لتخطو في طريق التقدم والتحديث وربما أصاب الغرور قادتها فلم ينتبهوا الى أساليب الحكم الصحيحة والرشيدة.

بوفاة جمال عبد الناصر سيطر الغرب ثانية على مصر بسيطرته على حكامها ووصل الأمر الى أن الفرعون الأخير قد بطح مصر لتصبح مداساً لكل من هب ودب.

ومثل طائر الفينيق الذي يتجدد دائماً نهضت مصر في ثورة 25 يناير لتعلن للعالم أنها لا تموت.

وهذه المرة تختلف، يمكننا القول إن الخامس والعشرين من يناير 2011 هو البداية الثانية للتاريخ المصري ، فقد تخلص شعب مصر من فرعونه للمرة الأولى، إذ لم يحدث أبداً في تاريخ العالم قيام عشرين مليوناً في كل أنحاء البلاد وفي نفس الوقت للتظاهر مطالبين برحيل الحاكم إلا في مصر .

كان طبيعياً بعد هذا الإنجاز التاريخي الضخم الذي أنجزه شعب غير منظم أن يتضاءل الزخم الثوري خاصة وأن القوى السياسية القديمة لم تكن على قدر من الحصافة فتدرك أنها أسقطت الرأس ولم تسقط النظام، بل خدرت الجماهير بشعارات خادعة، مثل ( الجيش والشعب إيد واحدة )، أما القوى الشبابية الحديثة فلم تكن من القوة بحيث تنظم الجماهير في أحزاب ذات أيدولوجية ثورية بالسرعة اللازمة لتولي قيادة المرحلة، وهكذا انتهت الأيام الثمانية عشرة الأولى من عمر الثورة.

لم يعرف بعد كيف تم تلميع الدكتور عصام شرف ووضعه في الواجهة كممثل للثورة، لو كان ممثلاً حقيقياً لها لسيطر على مقاليد الحكم، فجميع أعضاء المجلس العسكري تعودوا على إطاعة الأوامر من رؤسائهم، حتى رئيسهم المشير طنطاوي إنما هو وزير دفاع تقليدي لا يملك طموحاً بعد سنواته العديدة في المنصب. لم يكن مطلوباً من عصام شرف إلا التلويح بميدان التحرير حتى ينصاعوا لأوامره ، لم يحدث هذا وكان على شباب الثورة أن ينزلوا الى الميدان كل مرة للضغط لتنفيذ احد مطالبهم.

كان لي شرف الاشتراك مع 38 كاتباً عربياً ومصرياً في توجيه رسالة الى عصام شرف في 30 ابريل 2011 طلبنا منه تحديد خط للفقر تلبية لأحد أهداف الثورة الأساسية وقد ذكرنا ما يلي :
(حجم الفساد المكتشف في مصر غير مسبوق كماً ونوعاً ويضع الجماهير في حالة تأهب تنتظر أي خطأ ولو كان بسيطاً لتنفجر وتعبّر عن غيظ مكتوم ومتراكم، وما نخشاه أن يؤدي ذلك الى رد فعل غير مسبوق . وكمثال من تاريخ مصر ما حدث من انفجار الجماهير على نتائج محاكمات قادة الطيران المسؤولين عن نكسة 1967، ذلك الانفجار الذي يعتبر بسيطاً قياساً بعد أن سقط حاجز الخوف الذي عاشته مصر طيلة التاريخ الى بداية ثورة يناير.)
وبالطبع لم يفعل الرجل شيئاً، وأدى ذلك الى تقوية شوكة المجلس العسكري أفراداً وهيئة وسمح لهم ذلك بتعيين وزير آخر من عهد مبارك ينفذ طلباتهم بحذافيرها.

كان أهم مطلب للمجلس العسكري تقزيم الثورة المصرية وجعلها حدثاً عادياً عابراً، بل جعل الناس يكفرون بها بانعدام الاستقرار والأمن وتدهور الاقتصاد وانحدار حياة المواطنين وجعلهم يتحسرون على الأيام السيئة لنظام مبارك، وهذا التحول البطيء يحدث كل يوم. وقد أظهرت انتخابات الدورة الأولى لرئاسة الجمهورية ذلك ، فنسبة المقترعين لم تتجاوز الخمسين في المائة وهي تقل بكثير عن نسبتها لانتخابات مجلس الشعب، كذلك كان عدد الذين صوتوا لشفيق وعمرو موسى مرتفعاً وهو يمثل عزوف الطبقة الوسطى والتي تمثل 10% من عدد السكان عن الثورة.

وكانت انتهازية الإخوان المسلمين أو جهلهم بالعمل السياسي ،على أقل تقدير، سبباً من الأسباب التي أدت الى الوضع الحالي لانتخابات الإعادة بين مرشحهم ومرشح النظام القديم.

اتخذوا موقفاً صحيحاً في البداية بتعهدهم بعدم الترشح للمنصب الأول وتنبع صحة هذا الموقف من أنهم كتنظيم كبير عليهم تجميع كل القوى الحية في المجتمع وليس تغريبها ومنافستها كما يحدث الآن. المسلم الحقيقي صاحب مباديء وإن قال فعل مهما كانت خسارته ، وهذا ما يتوقعه الناس منهم ، بعض الالتزام بالقواعد الإسلامية في التعامل.

وكان المفترض انتخابات إعادة بين اثنين من مرشحي الثورة حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح.

لم يدرك الإخوان المسلمون وباقي القوى الثورية في المجتمع المصري لعبة المجلس العسكري وقوى الثورة المضادة في إجراء انتخابات رئاسية بدون دستور يحكم علاقة السلطات بعضها ببعض، وهكذا ستتوسع سلطات الرئيس إذا جاء على هواهم وستتقلص إذا جاء عكس رغباتهم.

وحتى هذا التاريخ لم يتم انتخاب أعضاء اللجنة الدستورية بعد أن رفض المجلس العسكري لجنة مجلس الشعب ورضخ الإخوان المسلمون لذلك بعد أن تعودوا على مهادنة السلطة.

وبعيداً عن ألاعيب السياسة وبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية فإن مصر لا يصلح لها سوى النظام البرلماني بحيث يكون منصب رئيس الجمهورية شرفياً ويكون رئيس الوزراء مسؤولاً أمام مجلس الشعب فيعطيه الثقة أو يحجبها عنه.

فإذا أردنا لمصر أن تتقدم فلندفع في هذا الاتجاه الهام ولنأخذ عبرة من الهند وماليزيا وباقي الدول التي أخذت بهذا الأسلوب في الحكم وربما سيكون الأخذ بهذا الأسلوب هو الخطوة الصحيحة في انتصار ثورة خمسة وعشرين يناير التي دخلت يومها التاسع عشر بالمظاهرات التي طالبت بتطهير القضاء بعد أحكامه في قضية قتل المتظاهرين وسرقة غاز مصر التي سجلت ضد مجهول كالعادة.

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية