مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 سنوات التسطيح والتجهيل والعجز

سنوات التسطيح والتجهيل والعجز

بقلم: زهير كمال
..................

لم يجد شباب تونس سوى بيت شعر خالد أبدعه أبو القاسم الشابي في ثلاثينات القرن العشرين يرددون معه : اذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر سمعناه في مظاهراتهم التي انتشرت في كل مكان  شعب تونس ككل شعوب الأرض يريد الحياة ولكن بأية كيفية؟ لم تكن هي الحياة التي يعيشونها في ظل الطاغية زين العابدين، فضّل الشاب محمد بوعزيزي ان يحرق نفسه على ان يعيش حياة كهذه.

عندما ثار الشعب الليبي لم يجد سوى كلمات خالدة قالها شيخ الشهداء عمر المختار في ثلاثينات القرن العشرين يرددون معه:
نحن لا نستسلم، ننتصر او نموت.

لم يفكر الشيخ أبداً ان الشعب الذي تركه وراءه سيردّد هذه الكلمات ليعلن عدم استسلامه لطاغية من بني جلدته هو أسوأ من الاستعمار.
عندما ثار الشعب المصري لم يجد سوى أغاني الشيخ امام والشاعر احمد فؤاد نجم في سبعينات القرن العشرين، يردد معهم روائع تتحدث عن الحرية من الطغاة

مصر النهار يطلقنا في الميادين .. مصر البكا .. مصر الغنا و الطين
مصر الشموس الهلّة من الزنزانين .. هلّة و طارحة بدمنا بسا تين
مصر الجناين طرحة مين يقطفها .. مصر الجناين للي يرفع سيفها
مهما يطول السجن مهما القهر .. مهما يزيد الفُجر بالسجانة
مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر

هذه المرة كان الأمر واضحاً: المواجهة المباشرة بين الشعب وطغاته
في كل مكان ردّدت الجماهير الثائرة بيت الشعر الخالد والقول المأثور لعمر المختار فهما من التراث التاريخي للعرب.
واستحضروا من التاريخ أغاني مرّ عليها على الأقل اربعون عاماً
لماذا لم تجد الجماهير انتاجاً أدبياً وفنياً حديثاً يستعملونه؟
مرّت هذه المنطقة بمرحلة من التسطيح والتجهيل أعجزها عن التقدم والتحديث بشكل تام.

ثلاثة أجيال كاملة لم تقدم شيئاً يضيف للذاكرة العربية بسبب طغاة يحكمون بعقلية القرون الوسطى.
خلال ثلاثين عاماً على الأقل تفنّن الطغاة العرب في تسطيح شعوبهم وتجهيلها
وكانت أهم أساليبهم:
لا تفكّروا نحن نفكّر عنكم.
التفكير مضرّ بالصحة، وسيؤدّي بصاحبه الى الحرمان من العمل و والى الإعتقال وربما القتل.
هذه هي نواقض الوضوء ومبطلات الصلاة يجب ان لا يبتعد تفكيركم أكثر من ذلك لو ابتعد قليلاً فيجب ان لا يخرج عن حل مشكلة إرضاع الكبير وأنواع الزواج سواء كان متعة ام مسيار.

التفكير عيب، احلموا بتجميع المال والثروة وانظروا الى ممثلي السينما كيف يعيشون وكيف يجنون الثروة.

فكّروا في النظرية العالمية الثالثة فقط والكتاب الأخضر هو الخلاص لكل المشاكل وطريق المستقبل المضمون.

لم يختلف في ذلك ملوك الدول او رؤساءها فالكل أصبح ظلاً لله على الأرض يسبّح المنافقون بحمدهم مقابل منصب او مال او نفوذ.
اما الأحزاب الثورية التي ترفع شعارات برّاقة فقد اصبحت جسماً بلا روح منذ زمن طويل وتمحورت حول شخصية الفرد الزعيم حتى لو كان في منتهى الغباء.

كانت النتيجة المتوقعة ازدياد نسبة الأمية والجهل وتعثّر الثقافة وأصبح نصيب الفرد من القراءة ربع صفحة في العام مقابل 11 كتاباً في الولايات المتحدة.

وتضاؤل الإنتاج الفكري الى ثمانية آلاف كتاب وبحث جامعي لجميع الناطقين بالضاد مقابل 300000 في الولايات المتحدة في العام.
لابد ان هناك سبباً لما جرى وليس من سبب أهم من الجهل الموجود في رأس السلطة.
كيف يمكن لمن لا يحسن القراءة والكتابة او لم يكمل المدرسة الابتدائية ان يقود بلداً نحو المستقبل؟
كيف يمكن لعسكري انعدم الخيال لديه نتيجة تمارين الضبط والربط ان يقود بلداً نحو المستقبل؟
كيف يمكن لرجل متوسط الذكاء يسهل خضوعه للإملاءات الأجنبية ان يقود بلداً نحو المستقبل.
كيف يمكن لعميل مخابرات أجنبية اوصلته الى السلطة ان يقود بلداً نحو المستقبل؟
كيف يمكن لنرجسي لا يرى في هذا العالم سوى صورته ان يقود بلداً نحو المستقبل؟
كيف يمكن لطفل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ان يقود بلداً نحو المستقبل؟
كانت النتيجة نهب منظم للثروة وتركيزها في يد نسبة مئوية بسيطة وقد تتضاءل في بعض الدول الى عدد محدود من الأغنياء الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف.
في كل بلاد العالم يقود الإقتصاد السياسة اما في بلادنا فالجهلة في القمة يقودون الإقتصاد.
كانت النتيجة ان الدول العربية بلا منازع هي أكثر الدول فسادأ في العالم وقد تصدّرت الجزائر ومصر القائمة.
عنما نشر الخبر- الفضيحة افتعل النظامان معارك كرة القدم بين الشعبين لتوجيه أنظار الناس وجهة أخرى.
سبّب الفساد في مصر سرقة 3 تريليون دولار خلال ثلاثين عاماً كانت مصر في امس الحاجة اليها حتى لا تقف العجلة.
كانت النتيجة المباشرة غرق 1300 مصري في بحيرة البحر الأحمر ومقتل الألاف في انهيارات المباني وانهيار السكك الحديدية وغير ذلك.
الدول النفطية أرسلت فائض المال الناتج عن بيع النفط الى البنوك الامريكية والاوروبية. أصبح المال رهينة يخافون عليه المصادرة وخوفهم يتحكّم في سياستهم فيجعلهم يعملون لمصلحة غيرهم قبل مصلحة شعوبهم.
انهار الإقتصاد العالمي بفعل فاعل فتبخّرت المدّخرات العربية، ما بقي منها لا يكسب شيئاً فنسبة الفائدة على المدخرات نصف في المائة منذ أمد طويل وستستمر كذلك الى فترة لا يعلمها سوى الله.
أصبح المال العربي نقمة في الحالتين توفّره وزيادته في مكان وندرته ونقصه في مكان آخر.
هذا المال يستعمل لإقراض الدول العربية الفقيرة بفائدة مرتفعة وتصبح خدمة ديونها تستهلك كل انتاجها ويزداد فقر الناس وعدم قدرتهم على الصمود والكثير منهم ينام جائعاً.
قال رسول الله (ص) : ليس بمؤمن من بات وجاره طاو (جائع).
والجوع هو الحالة السائدة في العالم العربي حتى في دول النفط نفسها.
هل يمكن لهؤلاء ان يدخلوا الجنة وجيرانهم جوعى؟ مهما تفانوا في العبادات الأخرى وهل سيقبل الله صلاتهم وصيامهم؟
الدول النفطية تستعمل ما تبقى من أموالها في صفقات أسلحة لا تستعملها وانما تفيد اقتصاد الغرب والرأسماليين أصحاب مصانع الاسلحة. يجد بعض عمال الغرب عملاً بينما تبلغ البطالة في دول النفط نسبة فلكية.
الا ينطبق عليهم: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ؟ (آية 27 سورة الإسراء)
انقسمت المجتمعات العربية الى قسمين، القسم الأكبر يعيش في عشوائيات ومدن صفيح ولا تصل له الخدمات الا ما ندر.
والقسم الأصغر يعيش مرفهاً وكأنه في الجنة لايرى ولا يختلط بالقسم الآخر
وبين القسمين تجد الطبقة الوسطى في المدن تكافح من أجل البقاء ويتضاءل حجمها بالتدريج بنزول معظمها الى القاع بعد انعدام الفرص وانسداد الافق امامها.
كانت النتيجة الطبيعية للتسطيح والتجهيل الوصول الى مرحلة العجز، لم يستطع النظام العربي الرسمي حل مشكلة واحدة من مشاكل الأمة بل فاقم الاوضاع في انحدار مستمر لا يعرف أحد كيف يمكن توقيفه. تمدّدت اسرائيل في العمق العربي وتحاول فرض وجودها بالقوة. وجود اسرائيل في القلب فاجأ العالم العربي ومنع تطوّره الطبيعي بعد استيقاظه من مرحلة سبات طويلة. تفكك دولة الصومال، احتلال العراق، حروب اهلية في بعض الدول، علاقات مقطوعة بين الدول بعضها ببعض وغير ذلك من مظاهر التفكك والانهيار.
وكان لابد من قيام الثورة، فالأمم الحية لا تموت، هذه المنطقة لها تاريخ مشرّف فيها بدأت الحضارة الانسانية وقدّمت الأديان السماوية التي ساهمت في رقي الانسان ورفعه درجات على سلّم التطور.
ومن القهر والعذاب والكمد والمعاناة قامت الثورة، وقف ضدها نسبة لا بأس بها من الفنانين والكتاب وأخذوا يدافعون عن مواقفهم ببلاهة منقطعة النظير، كانوا يؤمنون بكل كلمة يقولونها وهذه نتيجة حتمية لسنوات طويلة من التسطيح، استلاب وعيهم أدى الى إنفصالهم التام عن مجتمعاتهم
كان المفترض، بصفتهم زبدة المجتمع، ان يدعموا اي تغيير ولو كان بسيطاً حتى لو كان رمي حجر صغير في بركة راكدة، الثورات الشعبية ليست حجراً صغيراً بل صخرة ضخمة ترتطم في بحيرة قليلة العمق وسيظل تأثيرها مستمراً الى فترة طويلة.
كان من الممكن للثورة ان تستمر في الإنتشار، فكل الدول العربية تمتلك نفس الظروف الموضوعية وكل الشعوب وصلت الى نفس المرحلة من النضج، ولكن استطاع بضعة أشخاص يتحكمون في أنظمة لها موقع استراتيجي ان يوقفوا القطار
فتعنت القذافي وتمسّكه بالسلطة واحتقاره للشعب والذي أدى لتدخّل الناتو ومقتل الكثير من الأبرياء ادى الى وقف انتشار الثورة في الجزائر والمغرب.
وكذلك علي صالح وبشار الاسد والمجازر المروعة التي قاما بها أوقفا انتشار الثورة في الجزيرة العربية التي يحكمها النظام السعودي وباقي دول الخليج وكذلك العراق ولبنان اضافة الى عدم تجذير الثورة في الاردن والبحرين.
لا يدرك هؤلاء الحكام الجهلة ان صورة طفل ميت يحمله أبوه الباكي على شاشات التلفزيون تهزم أعتى الطغاة. نحن في قرية كبيرة اسمها الكرة الارضية
هناك مقولة ان المحارب في خضم المعركة لا يبالي بالدماء التي تسيل او الأرواح التي تسفك، يقولون عنه انه تعمّد بالدم وسيستمر في معركته الى النهاية ولكن المتفرّج قد يصاب بالهلع ويحجم عن اي فعل جنوني وهذا ما حدث مع شعوب المنطقة التي لم تثر حتى الآن، ولكن الى حين.
ما يميز الثورة العربية التي قامت في بعض الدول والتي ستسستمر الى باقيها ان الذي قام بها شباب الجيل الجديد الذي لم يتأثر بالتسطيح والتجهيل الذي وسم ثلاثة أجيال سابقة او على أقل تقدير جيلين. شباب جريء مندفع لن يتوقف حتى يحقّق أهدافه. ولعل ابرز أمثلة على وضوح الرؤية لدى هذا الجيل استمرار المظاهرات في تونس وليبيا واليمن والسرعة المدهشة التي كشفوا بها المجلس العسكري في مصر فهم يراقبون كل خطوة يقوم بها، ضمن هذه الخطوات التي يقوم بها المجلس هو محاكمة رئيسه السابق مبارك، يحاكمونه على قتل متظاهرين.
لن يحاكموه على قتل أحلام اجيال بأكملها وحقهم في الحياة الكريمة.
يتهمونه بسرقة مليارات الدولارات وقد فعل ولكن لن يحاكموه على سرقة ثلاثين عاماً من مستقبل مصر والأمة العربية
ولأول مرة يصبح الحاكم يحسب حساب خطواته بدقة.
وهذا ما لا يعيه بعض كتاب الطبقة الوسطى الذين ما زالوا في مربع الانقلابات ولم يصل تفكيرهم بعد الى مربع الثورة.
وكأي ثورة جماهيرية يحاول الكثيرون ركوب موجتها خاصة من المتهالكين من ألأحزاب القديمة والتي لم تستطع فعل شيء في المرحلة السابقة، ولكن كما يعلمنا تاريخ الثورات ان الكثيرين من المدّعين سيتساقطون خلال الطريق ولن يبقى سوى الثوار الحقيقين.
كان أروع ما قدمته الجماهير الثائرة للعقل والذاكرة العربية شعار
(الشعب يريد إسقاط النظام ) وسيظل هذا الشعار يتردد الى الأبد الى ان يحقق أهدافه.


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية