مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 فضائية في قطار الثورة العربية

 

مستقبل الجزيرة

 

بقلم : زهير كمال
....................


يا راقصاً في الظلام من يبالي بك!
في الغرب تخصص كل العائلات مبلغاً شهرياً من اجل الحصول على المعلومات سواء كان ذلك لرؤية القنوات التلفزيونية والانترنت والجرائد ومبلغ آخر للحصول على الثقافة بشراء الكتب وحضور المسرحيات والمتاحف والحفلات الموسيقية، كما تساهم الدولة والجمعيات المختلفة والمكتبات العامة بتنظيم حفلات مجانية للجمهور في مختلف المجالات.(لم تتوفر بعد احصاأت عن تأثير الأزمة الإقتصادية العالمية على الثقافة)
في منطقتنا العربية لا تحتاج العائلة سوى مبلغ مقطوع في البداية لشراء الأجهزة التي تتيح لها مشاهدة الفضائيات مجاناً اما اذا ارادت الحصول على الانترنت فعليها تخصيص مبلغ شهري لذلك ولابد من مبالغ اخرى لشراء الجرائد والكتب.

ضمن الحقائق ايضاً سنجد ان مشاهدي الفضائيات في العالم العربي يبلغ عشرة أضعاف مستعملي الانترنت وان الجرائد العربية تتعثر مالياً بسبب قلة اقبال الجمهور على شرائها، ولن نتطرق لباقي وسائل الثقافة حتى لا نصاب بالكآبة.

العامل المادي في معظم البلاد العربية، حيث تكافح العائلات من أجل البقاء إضافة الى انتشار الامية بسبب جهل وعجز انظمتنا الحاكمة يجعل الفضائيات هي المزوّد الرئيسي للمعلومات في المنطقة، ولا يخفى بالطبع ان المعلومات تصل الى المشاهد في بيته وهو جالس على الاريكة او الأرض، يتناول عشاءه الذي يحتوي على اللحوم او الدجاج عند العائلات الميسورة او يتناول الفلافل، الفاصوليا او الطعام، عند أغلبية عائلاتنا. وفي كل الاحوال لا فارق يذكر بين المتلقّين عندما يتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة وهي تنقل الأحداث حال حصولها في مناطق العالم المختلفة.
يشاهد قناة الجزيرة الفضائية مائة وخمسون مليوناً الى 200 مليون مشاهد كل يوم في المنطقة المتدة من المحيط الى الخليج، واذا استثنينا الاطفال والشيوخ فان كل السكان يستقون معلوماتهم من القناة بما فيهم مستعملي الانترنت ومتصفحي الجرائد وقد يبلغ عددهم عشرين الى ثلاثين مليوناً على اقصى تقدير في كل العالم العربي.

مجتمعاتنا التي تستقي معلوماتها من الفضائيات يتشكّل معظم رأيها العام مما تشاهده.

الحقيقة السابقة تقودنا الى ان صاحب رأي ينشر رأيه على الانترنت او في الجرائد انما يرقص في الظلام، فرأيه لا يصل الا لشريحة محدودة من الجمهور. هذا الجمهور الذي يقرأ الفرد فيه ربع صفحة في العام اما استعمال حاسوب وتصفح الانترنت انما هو مثل حلوى العيد لطفل صغير.
ولهذا فالساعون الى الشهرة يحاولون بشتى الوسائل الظهور على الشاشات الفضائية. وحتى الكتاب المشهورين أمثال محمد حسنين هيكل استعمل الجزيرة وغيرها لإيصال رأيه في الأحداث او وجهة نظره في تاريخ مصر الحديث.

ولكن حتى لا نظلم الانترنت وتأثيرها على الأحداث، هناك حالة واحدة لعبت فيها شبكات التواصل الاجتماعي دوراً هاماً وهي الحالة المصرية. ولكن شباب مصر، ورد الجناين، انما حالة خاصة عبر التاريخ.

اذا كان البعض يركلك من الخلف فاعلم انك في المقدمة
تكوّن طاقم الجزيرة منذ تأسيسها من صحفيين ينتمون الى كل الأقطار ومن مختلف الاتجاهات السياسية، وعكس هذا الحالة السياسية العربية، كان عدد من طاقمها ممنوعاً من العمل في بلادهم الاصلية وربما كانوا هاربين منها وكانت الجزيرة ملاذاً لهم كما كانت اوروبا ملاذاً لآخرين قاموا بإنشاء الجرائد والمجلات المستقلة.

ساهم هؤلاء الصحفيون في رسم استراتيجية الجزيرة وهي كشف أخطاء النظام العربي وفضح الترهّل في الأوضاع العربية.
كان هناك الكثير من الذخيرة يستطيعون إطلاقها ولم يكن عليهم سوى فتح صندوق العفن وكشف الحقائق المؤلمة للمشاهد العربي.
واذا كانت الجرائد والمجلات العربية الصادرة في اوروبا تقف على حدود كل بلد عربي عندما تحتوي على رأي مخالف لنظام حكمه فقد دخلت الجزيرة بدون استئذان الى كل البيوت العربية المتعطّشة للحقيقة. وفي المحصّلة منعت الجزيرة بين وقت وآخر في كل البلاد العربية عدا لبنان وأحيانا تم مصادرة أجهزتها او توقيف صحفييها ووصل الامر الى اغتيال بعضهم في اوقات مختلفة من تاريخها.

حتى هذه اللحظة لم يعرف في تاريخ الصحافة على مستوى العالم مؤسسة إعلامية تعرّضت لما تعرضت له الجزيرة، و يرجع معظم الفضل في ذلك الى النظام العربي الذي لا يستطيع العيش الا في الظلام. فقد ارتكبت العائلات الحاكمة المجازر المروّعة بحق شعوبها، وصل بهم الأمر انهم لم يتورّعوا عن قتل المساجين الذين لا حول لهم ولا قوة بدم بارد. وبلغت شهرتهم في التعذيب وابتداع وسائل الحصول على الاعترافات الآفاق، ولو استعرضنا تاريخ الانسانية منذ بدأ تسجيله لن نقرأ عن ارسال طرود من المعتقلين من بلد الى آخر الا في الحالة العربية ليؤكد مدى استهتار العائلات الحاكمة بالإنسان العربي وبالقيم الإنسانية.

ساهم كشف الجزيرة لممارسات الأنظمة ومنعها من ممارسة أعمالها ومحاولاتها الالتفاف على هذا المنع على زيادة عدد مشاهديها حتى وصلت الى هذه الأرقام القياسية في عدد المشاهدين.

ولكن مهما بلغت قوة الإعلام وذكاءه في مخاطبة المشاهد فانه لا يصنع انتفاضة او ثورة كما حدث في الثورة العربية، وانما هي المعاناة التي يعيشها كل مواطن فرد في حياته اليومية ثم تحوّله ببطء وبالتدريج الى الشعور انه لا يستطيع عمل شيء بمفرده.

ولو استعرضنا تاريخ كل دولة عربية على حدة فاننا سنجد الآف الانتفاضات الصغيرة والتي لم تتح لها التحوّل الى ثورة شاملة ولكننا نلمس آثار هذه الانتفاضات في عدد المعتقلين السياسيين وعدد الشهداء والجرحى والمنفيين والهاربين وفي المقابل عدد منتسبي الاجهزة الامنية وتعدّدها. فهذه الشعوب حيّة لا تقبل الهوان ولا الهزيمة او الإنبطاح، وفي عز الظلام كانت (الشارع العربي) المعروف عنه انه يختلف في رأيه عن حكامه في كل القضايا.

ومن رحم هذه الانتفاضات ومن تراكم القهر انطلقت الثورة العربية التي سنظل نعيش زخمها وقوة فعلها الى مدى طويل حتى تحقق أهدافها في العزّة والكرامة والمساواة للمواطن بغض النظر عن عرقه ودينه ومذهبه، في العدالة الاجتماعية وفي مجتمع تكافؤ الفرص الخالي من الفساد وفي حاكم منتخب يمثّل شعبه ويتجدّد مع الزمن.

واذا كان من دور للفضائيات ومنها الجزيرة في الثورة العربية فهي في مواكبة الحدث وايصال المعلومات الى الجمهور في كل مكان وعلى سبيل المثال فان اهل حمص او حماة يعرفون ما يفعل اهل درعا او دير الزور وهذا الامر مهم للروح المعنوية للجميع وكان يمكن للنظام ان يقطع الاوصال ويخمد الثورة في كل مدينة على حدة وفي مثل آخر عرف الليبيون والعالم بصمود شباب مصراتة الاسطوري امام آلة القذافي الجهنمية واسلحته الفتاكة.

اما الدور التحريضي الهام فهو في عرض بعض المشاهد على مدار الساعة على سبيل المثال:
رؤية الشعب اليمني رئيسهم يتأتا باللغة العربية ولا يعرف كيف يقول جملة عربية صحيحة او مشاهدة السوريون شبيحة النظام يضربون رجلا ويهينون كرامته، او مبارك يحلف انه لم يكن ينوي الترشح مرة اخرى
تقوم الفضائية ببث هذه اللقطات عدد كبير من المرات كل يوم وفي كل مرة تقوم بتثبيت الموقف الغاضب عند المتظاهرين وزيادة اصرارهم على التخلّص من هؤلاء المتخلّفين. وهو ما لا تستطيعه جريدة او موقع انترنت!
في نفس الوقت تعرض مشاهد للجيش الجديد الذي يتشكّل في ليبيا، جيش مهلهل يلبس كل فرد فيه ما يحلو له يستعملون سياراتهم الخاصة ويقومون بتركيب رشاشات عليها غنموها من مرتزقة القذافي ولكن تجد في محياهم العزم والاصرار والمستقبل ويضعون على شفاهنا ابتسامة الأمل.
او مشاهد المعتصمين في ساحات اليمن والمتظاهرين في مدن الشام المختلفة كل هذه المشاهد عملت على اطالة عمر الثورات السلمية وأثبتت ان شباب الامة يتحلّون بطول نفس اسطوري وتصميم لا يلين على تحقيق أهداف الثورة.

وللمهتم بالشأن العربي، سيكون لشباب ليبيا واليمن وسوريا دوراً كبيراً في صياغة مستقبل المنطقة نجد بوادره في تأييد شباب اليمن لسوريا والعكس.
ويرجع الفضل للجزيرة في إحياء كلمات شيخ الشهداء عمر المختار (نحن لا نستسلم ننتصر او نموت) ولهذه الكلمات وقع السحر على الشباب الثائر، وتعيد الثقة بالنفس لكل الشعوب.

يزيد حنق العائلات الحاكمة ومن يتبعهم من الراقصين في الظلام على دور الجزيرة ولكن نتيجة معركة كسب العقول والقلوب محسومة سلفاً، فمن يقف مع تطلّعات الشعوب ورغبتها الجامحة في التغيير يكسب المعركة دائماً وتتغاضى الجماهير عن أخطاءه.

لا يفل الحديد الا الحديد.
انتبهت الأنظمة العربية منذ زمن الى خطورة الجزيرة ولكن لم يستطع اي نظام منها، رغم الصرف الهائل على الاعلام، منافسة الجزيرة . الى ان استطاع النظام السعودي اطلاق فضائية العربية التي تحاول اللحاق بالجزيرة ولكنها لن تستطيع التأثير على مشاهدي الجزيرة او التقليل من اعدادهم ويرجع ذلك للأسباب التالية:
1. بين الجماهير العربية والنظام السعودي ما صنع الحداد، ومهما حاول النظام تزيين وجهه فسيظل مكشوفاً، بينما تتبع الجزيرة دولة صغيرة في المنطقة.
2. بينما تؤيد قطر الثورة العربية يقف النظام السعودي ضدها على طول الخط بل انه يحتضن اعداءها، يعيش فيها المجرم الهارب زين العابدين بن علي والمطلوب لقضاء بلاده، كما عالج النظام مجرم الحرب علي عبدالله صالح وأرسله الى بلاده ليفتك بالمزيد من شعبه، حوّل جيشه الى شرطة وأرسله الى البحرين ليساعد مجرم الحرب الآخر حمد بن عيسى، وهكذا عندما تهاجم العربية مجرم الحرب بشار الأسد لاستعماله جيشه ضد الشعب السوري فانها لا تتمتع بالمصداقية.
3. فرق كبير بين موظف يقبض راتبه آخر الشهر وبين رجل حر يحب عمله ويحاول الابداع فيه وهذا هو الفرق بين العربية والجزيرة .

مستقبل الجزيرة

تأثّر امراء قطر بالجزيرة وأداءها الذي فاق توقعاتهم، فقد أصبح لهذه الامارة الصغيرة رأي في الاحداث ودور عربي اكبر بكثير من حجمها، ولم يعرف قبل ذلك اهتمام إمارات الخليج بالسياسة العربية وعرف عنهم تفضيلهم للعزلة، كانت امارة الكويت هي الاكثر قرباً من الشأن العربي وصل الى حد انضمام بعض امراءها الى المقاومة الفلسطينية ويرجع الفضل الى الاعداد الكبيرة من العاملين العرب والفلسطينيين فيها، بينما كانت الامارات الاخرى تفضل الأجانب على العرب، وكان لحرب الخليج دوراً في تغيير المفاهيم والتصرّفات لهذه الامارات الصغيرة.

من السابق لأوانه الحكم ان كانت الجزيرة قد ارتكبت الخطأ الأول في تاريخها بترددها الواضح في تغطية ثورة البحرين بعد ان بدأت بتغطية شاملة لأحداثها عند انطلاق ثورتها.

في العادة فان الخطأ الاول في الاعلام هو الخطأ الأخير وربما يذكر البعض إذاعة صوت العرب القاهرية التي سقطت شر سقطة بعد كشف المستمعين للكذب المتعمّد والتهويل في خسائر اسرائيل في حرب 1967
تغلبت الجغرافية السياسية للإمارة على الخط الذي تنتهجه الجزيرة وأتكهن ان استقالة مدير الجزيرة الفلسطيني كانت لهذا السبب وليس كما تردد في وسائل الإعلام عن تسريبات وثائق ويكيليكس الى آخر هذه المعزوفة وبتعيين أمير قطري مديراً لها فانه من المتوقّع سيطرة دولة قطر على نهجها المستقل.

تقف الجزيرة اليوم على مفترق طرق فاذا تغلبت سياسة الدولة فمن المتوقع ان تتوقّف تدريجياً عن تغطية أخبار المغرب والاردن بحجة انتماء الدولتين القادم الى مجلس التعاون الخليجي. وهذا يعني سقوطها وتحولها الى فضائية تقليدية.

اما اذا استمرت في استقلالها ونقلت الاخبار بدون تحيز فانها ستستمر الى فترة طويلة
الى يوم تنتهي فيه سيطرة النظام على الإعلام اي بالغاء وزاراته في كافة الدول العربية.
الى يوم تصبح الصحافة بمختلف وسائلها سلطة رابعة.
الى يوم يصبح للفرد فيه حرية الاختيار بين الفضائيات، الانترنت او الوسائل الاخرى.
الى يوم لا يكون فيه ظلام دامس تحاول بعض الشموع البسيطة تسليط الضوء على الخفافيش التي تعيث فساداً وتمتص دماء الابرياء.
وهذا اليوم قادم مهما طال الزمن.
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية