مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أنا والشيطان
...............................................................

 

الرجل العالى
 

 

بقلم : زهير كمال
....................


تناولت بعض افلام هوليوود نجاح الشيطان في اغواء بعض رجال عصرنا ، يتجسد الشيطان في صورة رجل قوي ، أنيق الى حد البذخ يوقع في فخه أحد المغمورين ، محامي ، رياضي او كاتب ، من هؤلاء الذين يبحثون عن النجاح والشهرة والمجد ، يكتب مع الضحية عقداً ، يقوم بتنفيذ طلباتهم ويوصلهم الى القمة ومقابل ذلك يقومون بأعمال القتل والتنكيل والغواية ورغبات الشيطان الاخرى . في العادة ينتهي الفلم بصراع بين الاثنين بعد ملل الضحية من اشياءه الصغيرة وادراكه بتفاهة رغباته ودفعه ثمناً باهظاً مقابلها هو بيعه لنفسه وشعوره ان العقد الذي وقعه مع الشيطان في غاية الاجحاف. فالطرف القوي استغل أشد اللحظات ضعفاً في مرحلة الشباب ، وكعادة افلام هوليوود ينتهي الفلم بانتصار الانسان بعد ان يطهر نفسه من الشر والرغبة.

عندما اشاهد فلماً كهذا افكر في شخصيتين وصلتا الى قمة المجد والسلطة في بلادهما ، اولهما مانويل نورييغا والثاني محمد حسني مبارك.

الملازم مانويل نورييغا انضم الى المخابرات الامريكية في عام 1950 ووصل كجنرال الى رئاسة دولته في بنما عام 1983 ، استمر في منصبه لمدة سبعة سنوات. اصبحت له طموحات استقلالية ونسي ارتباطه القديم بالمخابرات بعد ان اصبح رئيساً، فشقّ عصا الطاعة على رؤساءه ، مما اضطر امريكا الى غزو بنما للحفاظ على مصالحها في القناة ، الممر الاستراتيجي الهام بين المحيطين الاطلسي والهادي ، اقتيد نورييغا الى فلوريدا عام 1990 وحكم علية بالسجن بتهم تهريب المخدرات وتبييض الاموال وغيرها ، انتهت محكوميته في عام 2007.

نورييغا الآن في السادسة والسبعين من العمر ويقضي ما تبقى من حياته في مركز الاصلاح والتأهيل في ميامي – فلوريدا تجنيد نورييجا في المخابرات المركزية الامريكية جاء بعد ثلاثة سنين فقط من تأسيسها عام 1947من أهم الاعمال التي قامت بها المخابرات في بداية عملها هو تجنيد الضباط الصغار في جيوش العالم الثالث ثم دفعهم الى الأمام ببطء شديد حتى وصولهم الى المراتب العليا في مراكز صنع القرار في بلادهم .
في حالة نورييجا احتاج الامر الى ثلاثة وثلاثين عاماً ، ومع انور السادات الى عشرين عاماً.

قبل الحديث عن حالة حسني مبارك لابد من عودة بسيطة الى تاريخ عالمنا العربي في الفترة المباشرة بعد الحرب العالمية الثانية كانت معظم الاقطار العربية ترزح اما تحت الاستعمار البريطاني او الفرنسي وبعضها مرتبط بمعاهدات دفاع مشترك تسمح ببقاء قوات المستعمر على ارضها ، وقلة منها حصلت على استقلال هش.

اضافة لموقع هذه الاقطار المميز وتحكّمها بالممرات الاستراتيجية فقد اكتشف النفط في معظمها والأهم من ذلك هو الكميات الخرافية من المخزون تحت الارض مقابل الاحتياطي المحدود داخل الولايات المتحدة.
كان عدد السكان في هذه المناطق الشاسعة المساحة ضئيل جداً، من الأمثلة على ذلك ان عدد سكان الممكة العربية السعودية لم يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة وعدد سكان مملكة ليبيا مليوناً واحداً.

مصر هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي امتلكت مقومات مجتمع متكامل فعدد سكانها كان يربو على العشرين مليونا، أضف لذلك الموقع المركزي وقناة السويس والتأثير في محيطها وغيرها من العوامل.

ولهذا كان طبيعياً ان ينصب اهتمام المخابرات المركزية على شؤونها، فدول المنطقة الاخرى ذات الاعداد البسيطة من السكان يسهل السيطرة على الملك او الرئيس بعرض الحماية عليه من الأخطار الخارجية او الداخلية على حد سواء كما هو الأمر مثلاً مع العائلة السعودية التي نقلت درع حمايتها من بريطانيا الى امريكا .

مصر كغيرها في المنظومة العربية تتميز بمجتمعات تقليدية محافظة ويلعب الأب او الزعيم دوراً محورياً في حياة العائلة او المجتمع ، والدين جزء أساسي في تركيب الشخصية العربية.

عمل المخابرات يعتمد أساساً على تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الدول وتحليلها ، البنية الاجتماعية ، القوى المؤثرة ، شخصية الفرد العادات، التقاليد ، المزاج، وردود الفعل يلي ذلك وضع الخطط للتعامل مع هذه الدولة او تلك حسب أهميتها على الخارطة الجيوسياسية .

وبشكل عام كان الجيش هو المؤسسة الوحيدة الدائمة التي تمتلك تنظيماً واستمرارية في مجتمعات العالم الثالث التي تعاني من حالة ضعف شديد في البنية والمؤسسات اضافة لتفشي الجهل والامية , ضباط الجيش المصري كانوا هدفاً للتجنيد مع الوكالة وقد برز من بينهم الضابط محمد انور السادات كما كشفت عن ذلك جريدة الواشنطن بوست وزميله القديم السيد حسين الشافعي في برنامج شاهد على العصر الذي اذاعته الجزيرة.

كان السادات عدواً للاستعمار البريطاني وقواته الموجودة على ارض مصر واتهم في محاولة اغتيال أحد اعوانه . حوكم وطرد من الخدمة العسكرية وعانى من الفاقة والتعب في تحصيل لقمة العيش له ولزوجته الجديدة .
وهذه اوضاع مثالية ليرتمي في حضن أي مخابرات تقدم له العون والمادة ووجدناه بعد فترة وجيزة يرجع فجأة الى الجيش الذي طرد منه وبنفس الرتبة .
تلك الايام لم تكن امريكا تشكل خطراً على مصر وشبابها فقد كانت بعيدة عن الاستعمار القديم وأشكاله وهي بلاد الأحلام والديمقراطية وحقوق الانسان، قوية وانيقة الى حد البذخ .

المخابرات في العادة لا تعتمد على عميل واحد في أعمالها ، ليس منطقياً
ان ينقطع الاتصال ويضيع الجهد اذا حدث مكروه لهذا العميل وفي اوضاع المجتمع المصري آنذاك فان بعض الضباط الذين ينتمون الى الطبقة الوسطى لن يجدوا ضرراً في راتب اضافي لتحسين ظروف الحياة المعيشية ، كان بديهياً ان يشكل السادات خلية من أصدقاءه في مختلف أسلحة الجيش وهنا يدخل اسم الطيار الفقير حسني مبارك ابن كفر المصيلحة ومن نفس محافظته المنوفية.

لم يكن مطلوباً من هؤلاء الضباط مهمات صعبة تشعرهم بان ارتباطهم بالخارج فيه ضرر للوطن، وكانت حمايتهم هي من الأولويات، في مثل لافت للانتباه ان عضواً رئيسياً في تنظيم الضباط الأحرار هو انور السادات أثبت وجوده في دار للسينما ليلة ثورة 23 يوليو 1952 بافتعال خناقة هناك تحسباً لفشل الانقلاب . حدوث مشكلة في دار للسينما هو أمر نادر لنا نحن الناس العاديين ولكنه طبيعي ، ولكن لرجل منخرط بالعمل السري لأمر يبعث على التفكير .

اشد ما يكرهه باحث في التاريخ تفسيره على أساس نظرية المؤامرة . ولكن من الصعوبة بمكان كشف عملاء بهذه الأهمية القصوى بعد ان اصبحوا في مراكز حساسة ، لا يتم ذلك الا باعتراف أحد الأطراف وهذا بالطبع أمر مستبعد الا اضطراراً كما حدث في حالة نورييجا ، ولن يتم الكشف عن معلومات حساسة كهذه حتى بعد مرور ستين عاماً على وقوعها! فقد صرح شيخ الباحثين في أرشيف الدول الغربية الاستاذ محمد حسنين هيكل ان ملفات تحتوي على معلومات حساسة لها صفة الاستمرارية تحرق ولا يكشف عنها أبداً .

اذن فليس هناك أمام الباحث سوى الاستدلال والمنطق في قضايا شائكة كهذه .

في موضوع السادات مثلاً، دعم الرجل الناصرية والاشتراكية وآمن بالقومية العربية لمدة ثمانية عشر عاماً ودافع عن هذه المباديء بحرارة منقطعة النظير كل يوم فيها ، ويلاحظ ذلك في كل الخطب والسياسات والتوجيهات التي جعلته عضواً أساسياً في الفكر والنظام ، واهّله هذا الاندفاع والحرارة ليصبح نائباً لرئيس الجمهورية .

قيام السادات بتغيير الاتجاه عندما استتب الامر له لا يستقيم والمنطق، الا اذا كان مرتبطاً بجهة خارجية ويستحق الرجل بجدارة لقب أعظم ممثل في التاريخ فقد استمر دوره مدة طويلة أشبع فيها هوايته التي أحبها. وعندما قام باعظم أدواره على الاطلاق وهو كسر الحاجز النفسي عند العرب نحو اسرائيل ووجودها توجّب اسدال الستار على مسرحية استمرت ما يقارب الثلاثين عاماً.

في موضوع حسني مبارك : قائمة الأعمال اللامنطقية في السياسة والأمن والاقتصاد ومصلحة مصر تطول!

وصل الى مرتبة رئيس جمهورية بفضل التخطيط العلمي الناتج عن تحليل ودراسة شاقة وخطوات بسيطة للأمام مع عمليات التلميع اللازمة (حملة العلاقات العامة) مثل تضخيم دوره في حرب اكتوبر وبطولاته .

منذ توليه المنصب لم يستطع ان يقول "لا" مرة واحدة ، يقضي أيامه في شرم الشيخ تاركاً الامور تتدهور بشكل مخيف . ويحق لنا التساؤل : لماذا قضى رئيس الدولة معظم وقته في منتجع بعيد عن مركز الأحداث في القاهرة ؟ هل هي أوامر عليا من رؤساءه بعد ان تعلموا درس نورييغا؟ أم كما يقول المثل المصري (لا عين تشوف ولا قلب يحزن)؟

ولا يغيب ذكر ان خطب الرئيس مبارك هي اقوى كثيراً من خطب عبد الناصر نفسه ويبدو ان الذي يعد الخطابات ناصري قديم ولكن ما نفع الكلام ؟

وقد يفسر بعض المدافعين عن سياساته انه ورث عن خلفه معاهدات سياسية تكبل يداه ، ولكن لن يستطيع احد الدفاع عن تفريطه بثروات مصر وبيعها بثمن بخس لعدو مصر السابق، فقد قدرت الخسارة الناتجة عن عقد بيع الغاز لاسرائيل بمبلغ لا يقل عن خمسين مليار دولار امريكي !

مصر التي تصدر خبراء الاقتصاد للعالم العربي ودول العالم الثالث لا تكون طرفاً في اتفاقية مجحفة لا تخضع للمنطق البسيط في التجارة الا اذا كانت بأوامر من أعلى سلطة في البلاد. وهو ما يحمل السلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة الضرب بعرض الحائط باوامر السلطة القضائية والقرارات التي اصدرتها محاكم مختلفة لوقف هذه المهزلة.

كان آخر الأعمال اللامنطقية بناء جدار فولاذي تحت الارض تفوق كلفته السد العالي أضعافاً كثيرة وبدون اي مصلحة لمصر وبلا معنى اطلاقاً.
هل من حل لهذه المعضلة الكبيرة والتي تتمثل في ان غيرنا يقرر مصيرنا عنا ؟  وأي مصير!!

نعم الأمر بيدنا، على كل غيور على مصلحة مصر ومستقبلها ومستقبل العالم العربي معها ان يقف حازماً ضد التوريث الذي يعني استمرار المهزلة الحالية ، فالابن البار سيحمي سجل والده بالخضوع للضغط والابتزاز.
وأهم من ذلك النص الصريح في الدستور على تحديد مدتين لمنصب الرئيس والتمسك بتطبيق النص مهما كان الرئيس عظيماً وهذه هي بداية الخروج من الدوامة التي نعيشها.

يركز الكثير من الكتاب الباحثين على اخفاقات الوكالة وأخطاءها عبر تاريخها الطويل ويغفلون نجاحاتها وهذا المقال ليس دعاية لها بقدر ما هو القاء بعض الضوء على نجاحاتها ، لنتمكن من تفسير تصرفات بعض الرؤساء عنما نجدها مخالفة لمنطق الأشياء !

لم يعر أحد اهتماماً كبيراً لخطاب الوداع الذي القاه جورج تينيت في موظفيه في وكالة المخابرات المركزية في شهر يوليو 2004 ، كان تينيت هو ثاني مدير للمخابرات الأمريكية بعد مؤسسسها الن دالاس من حيث المدة التي قضاها في رئاسة الوكالة.

من جملة ما قاله السيد تينيت وهو يدافع عن الاخطاء الكبيرة التي ارتكبتها الوكالة في موضوع غزو العراق : احب ان اطمئنكم ايها السادة نحن جيدون جداً جداً وكرر كلمة جداً عدة مرات .
................

مقال مرتبط بهذا الموضوع : مبارك صهيونى بالمعنى الحرفى والموضوعى للكلمة

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية