مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 برهان غليون مثقف في قطار الثورة العربية

بقلم: زهير كمال
.....................


يقول الدكتور غليون عن استدعاء المخابرات السورية له عند زيارته لبلده : عندما علم سائق سيارة الأجرة بوجهتي أخذ يدعو لي بالتوفيق والأمل ان الموضوع بسيط وتمنّى لي الخروج سالماً، عندما وصلنا رفض أخذ أجرته مكرراً دعواته ان يخفّف الله محنتي.

تثير هذه القصة البسيطة تساؤلات كثيرة أولها : ماذا تريد أجهزة المخابرات من مغترب له مركز مرموق خارج بلاده فهو استاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز الدراسات الإنسانية في جامعة السوربون – باريس؟ هل تريد الترحيب به في بلاده بالقول: لقد رفعت رأسنا في العالم واثبتّ ان العربي يستطيع الإبداع والتفوّق لو اعطيت له الفرصة؟ طبعاً لا، فتكريم الرجل يتم في محافل اخرى أقلها جامعة دمشق التي تخرّج منها.
من المؤكد ان المخابرات لا تريد مناقشته في بعض ما كتبه مثل بيان من اجل الديمقراطية!
هل تريد مثلاً سؤاله من يعني عندما كتب اغتيال العقل؟ او هل كان يلمّح لأحد أعمدة النظام عندما كتب مجتمع النخبة؟
لا، ليس هناك من ضابط مخابرات يعنيه ذلك.
رغم أنه معارض، فالدكتور غليون محظوظ، اعتقاله سيسبّب متاعب هم في غنى عنها، ولهذا تركوه خاصةً انه لم يمارس عملاً على الأرض السورية.
في حالات اخرى عندما بدأ النشاط السياسي للمثقف يزداد ويزعج السلطات، اعتقلوه لعدة ساعات ثم رموه في الصحراء عارياً بعد ان كسروا نظاراته الطبية. حدث هذا مع المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري رئيس حركة كفاية.
كل ما يستطيعون عمله مع الدكتور المشاكس هو تثبيت وجودهم في ذاكرته. يقولون له: نحن هنا، نعرف ونراقب فحذارِ!
وسترتبط الى الأبد زيارته لوطنه الأم بزيارة المخابرات ورؤية ضبّاطه المتجهمين ونظراتهم الشزرة اليه.
لم يعرف سائق سيارة الأجرة المسكين أهمية الراكب الذي نقله، كان انطباعه الذي كوّنه عبر السنين ان الداخل الى هذا المبنى مفقود والخارج منه مولود، يوجد مثيل لهذا المبنى في عواصم ومدن 22 دولة عربية. دخل هذه المباني على مدار السنين ملايين الشباب العرب تم اغتيالهم جسداً او عقلاً وتركت الزيارة القسرية آثاراً لا تمحى بسهولة على وعيهم. والهدف الحفاظ على أمن ورفاهية العائلات الحاكمة او على سبيل التفكّه أمن الوطن.
كان يمكن للدكتور غليون ان يقبع في باريس، معززاً قانعاً بمركزه الأكاديمي الممتاز، فعلها ويفعلها الكثيرون، ولموهوب مثله مجال الكتابة والتأليف في العلوم الانسانية واسع، ويؤهّله ذلك الحصول على التكريم والشهرة وأعلى الاوسمة والجوائز التقديرية من بلده الأصلي. فلماذا اتخذ هذا المنحى الخطر الذي يؤلّب مخابرات بلده عليه؟
عندما تزداد ثقافة الفرد ويتعمّق تفكيره في الأوضاع العامة تبدأ مرحلة الإنتقال من الخاص الى العام وفي السياق تتطور رهافة الشعور والأحاسيس عنده حتى يصل به المطاف الى ضرورة التصدّي للأوضاع الخاطئة التي يرزح شعبه تحتها.
يندمج التفكير المجرّد مع الشعور بالقهر العظيم المتراكم لدى الجماهير منذ أمد طويل.
يسأل المثقف نفسه : من لهؤلاء الغلابة والفقراء والمساكين يعبّر عن تطلعاتهم ويفكّر بمستقبلهم؟
عبّر عن ذلك الدكتور المسيري بالقول: المثقف الذي لا يترجم فكره الى فعل لا يستحق لقب مثقف. ؟
حاول الدكتور غليون وأمثاله من المفكّرين التنبيه للخطر القادم ووصلوا الى النتيجة المنطقية أن الطريق مسدود أمام نمط الحكم القائم في العالم العربي.
أخر ما يفكّر به المثقف إراقة الدماء واللجوء الى العنف من أجل التغيير، ولكن لا سبيل، فالعائلات الحاكمة لا تستطيع التفكير أبعد من أنفها وما دام الحاضر جيداً لها فلماذا تفكّر بشيء أخر.
عند أدراك الجماهير ان ليس أمامها سوى الثورة بعد ان سدّت أمامها كل السبل، فإن هذا الإدراك لا يتم عبر حسابات باردة بل عبر مشاعر وأحاسيس أيضاً، القهر والغيظ وبعض اليأس يتحول الى تهوّر غير آبه بمواجهة الرصاص الحي وأدوات القمع الاخرى التي يستعملها النظام.
ردّ أجهزة السلطة في العالم العربي بما فيها سوريا هو ما تعوّدوا عليه في تعاملهم مع الأفراد، طريقة واحدة ورثها الجلادون عن أباءهم وأجدادهم قبلهم : إضربه حتى يعترف. لم يدرس أحد منهم سايكولوجية جماهير في حالة الثورة . فكلما ازداد القمع زاد إصرار الجماهير على المواجهة وانضمت أعداد جديدة الى الثوار. يقع النظام في فخ غباءه وجمود أفكاره فيشكو مرّ الشكوى من الإعلام ومن وصول المعلومات الى الجماهير، لم يعِ بعد الثورة التكنولوجية الهائلة التي تتيح لأي فرد وبوسيلة رخيصة تصوير الحدث العنيف الذي يصنع الخبر ثم تلهّف وسائل الاعلام على تلقّفه ونشره حال وصوله اليها.
الأنظمة الغبية في بلادنا لا تستطيع تقبّل الحقائق كما هي، لو فعلت فستسقط ، وهكذا تصطنع الأعذار لرد فعلها العنيف. المتمردون قلّة بسيطة مغرّر بها دائماً حتى لو كانت القلّة ملايين البشر، هم عملاء الإستعمار والصهيونية وكل أجهزة المخابرات التي تتحرك في الخفاء، هم المندسّون، هم الرجعيون، هم الخونة الذين سيعقدون الصلح مع اسرائيل، سمعنا الإسطوانة المشروخة تتكرّر في كل الثورات، كل الاتهامات في القاموس ما عدا حقيقة واحدة ان وجودهم لم يعد مرغوباً.
تهتف الجماهير المتظاهرة
ما مِنْحِبّكْ ما مِنْحِبّكْ ارحل عنا انت وحزبك!
ولخّصت بكلمات بسيطة مطالب الثورة.
ويستغرب المرء مصير حزب طليعي يحمل رسالة سامية بعد ان أصبح أداة لخدمة العائلة ولم يعد يختلف في نظر الجماهير عن حزب مبارك الوطني أو حزب بن علي الدستوري.
وسبب التدهور والسقوط معروف: سيطرة العسكر على مقاليد الحكم بمساعدة مثقفي الطبقة الوسطى. فمقابل رجل واحد مثل الدكتور غليون يقول لا، هناك عشرة يبيعون ضمائرهم وعقولهم من أجل مصالحهم الخاصة. ولعل الصفة العامة التي يتميزون بها هي السطحية وضحالة التفكير اضافةً للأنانية المطلقة ، وانتاجهم يباع بالوزن والمقابل منصب او نفوذ او مال ويستطيعون خداع بعض البسطاء بتزييف الواقع وتجميله وتخدير الجماهير.
بعض المثقفين المشهود لهم بالوطنية وقفوا مترددين من الثورة السورية. ولكن هل يحرر الاوطان المقهورين المشغولين بأسباب قهرهم؟ وهل تعتقدون ان شعبنا العظيم سيغيّر جلده ويخون نفسه؟ هل شعوبنا قاصرة لا تعرف مصلحتها، ولا تعرف أعداءها؟
وانما ينبغي التنبيه للمخاطر والتحذير من الذئاب الخارجية التي تتمنى وقوع الفريسة، علماً أن جماهيرنا لا تخاف الذئاب ولا تخشى المتربّصين. فلا تقفوا في طريقها!
في عام 2010 ولمدة شهر كامل لم يذهب الدكتور غليون الى عمله بانتظام كالعادة، ليس بسبب تقصير او كسل بل لأن المظاهرات عمّت فرنسا عندما فكرت الحكومة برفع سن التقاعد مدة سنتين فيصبح 62 عاماً، الأمر الذي سيوفر لها 70 مليار يورو سنوياً، هي في أمسّ الحاجة لها.
كانت الشرطة تحافظ على النظام وتحمي المباني العامة وتسجّل أعداد المتظاهرين وكان الجيش يحاول تشغيل المواصلات العامة ما أمكنه ذلك.
طيلة شهر كامل لم تسجل حالة وفاة واحدة بسبب المظاهرات.
وقتها، كان الدكتور غليون يضحك ويفكّر: في بلادنا مجرّد التفكير بقول لا ، تحوّل صاحبها مداساً لسنابك خيل السلطة.
ما حدث بعد ذلك فاق التوقعات، شدة تمسّك العائلات بالسلطة يجعلها تستعمل الدبابات والصواريخ والمدفعية ضد العزّل من أبناء شعبها.
قال الشاعر الملهم محمد صالح بحر العلوم
كيف تبقى الأكثريات ترى هذي المهازل
يكدح الشعب بلا أجر لأفراد قلائل
وملايين الضحايا بين فلاح وعامل
لم يزل يصرعها الظلم ويدعو: أين حقي؟!


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية