| | | | صناعة المستقبل
| | التاريخ لايكذب | |
بقلم : زهير كمال ...................
بعد مائة عام ، وفي إستعراض تاريخ المنطقة سيقرأ طلاب المدارس ان عام 2011 كان عاماً مميزاً في تاريخ الدولة العربية الواحدة الممتدة من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي. فقد بدأت سلسلة ثورات في العالم العربي إستهلّتها تونس وانتقلت الى كل الدول القطرية ، ظهر ان الشعوب تعيش على موعد من القدر بعد ركود طال خمسين عاماً، هذا الركود الذي أدى الى أوضاع مأساوية شاملة فقد توقف التطور الإجتماعي والثقافي وكانت نسبة البطالة والجوع عالية ومتقاربة في كل الدول رغم غنى بعضها ، وكان القهر والإستبداد صفة جميع أنظمة الحكم . قد يشكك الكثير في وجود مستقبل مشرق لمنطقتنا ، وهي الغنية بتنوع في الأديان والأعراق والطوائف ، هذا التنوع الذي سيكون عامل قوة في المستقبل عكس ما يجري هذه الأيام ، ولكنها إحدى الحتميات التاريخية وستصل شعوب المنطقة الى هذه النتيجة من أجل مصلحتها ومصلحة الأجيال القادمة . عودة الى حاضرنا (اوائل ابريل 2011) نجد ما يلي: المرحلة الاولى : مرحلة هدم القديم.
1. لقد رسمت ثورة 25 يناير المصرية الطريق للثورات القادمة في المنطقة فقد رفعت شعاراً واضحاً قصيراً وحاداً : الشعب يريد إسقاط النظام ، وهذا الشعار ألهب مشاعر الجماهير ووضع لها هدفاَ محدداً عليها تحقيقه بحيث يشعر كل فرد انه يتحمل مسؤولية شخصية وان وجوده ومشاركته ضرورة ، فبدونه لن يتم الوصول لشيء. تحوّل الأفراد الى تجمعات ضخمة في التظاهر والإعتصام كانت أكبر من قوات الأمن المركزي التي جهزها النظام منذ فترة طويلة لقمع الإضطرابات البسيطة ، وبصدور عارية إستطاعت الجماهير تحطيم الجهاز واصبح النظام مكشوفاً ضعيفاً يتخبط في أفعاله وانتهى المشهد بزوال رأس النظام .
2. كل من يرفع هذا الشعار سيصل الى الهدف المطلوب وهو إسقاط النظام. لاحظنا ان الثورة الليبية رفعت الشعار وستنتصر في المعركة الحالية رغم الخسائر الثقيلة في الارواح التي فرضها تعنّت القذافي ، الذي لم يسأله أحد من المقربين اليه سؤالاً بسيطاً : ماذا يريد بعد ان حكم ليبيا اربعين عاماً وما الذي يهدف اليه بقتل الشعب وتدمير المدن. سيدخل القذافي التاريخ كمجرم كبير مثل هتلر وموسوليني ونيرون وكاليجولا.
3. رفعت الثورة اليمنية هذا الشعار وستنتصر قريباً رغم التضحيات الجسيمة التي قدّمتها من زهرة شباب الامة ، لا يختلف علي صالح عن باقي الزعماء ولا يفيد تلميع صورته انه قد حقق الوحدة اليمنية فهذا تزوير للتاريخ ، فقد قدّم له زعماء الجنوب دولتهم بنيّة صادقة ولكنه إنقلب عليهم بفساده وعقليته القبلية وجهله الكامل . ويعرف صالح في قرارة نفسه ان تسيير مظاهرات مدفوعة الثمن لن يفيده كثيراً ، والحقيقة ان الثورة اليمنية هي الثورة النموذج التي يجب ان تحتذي بها باقي الثورات العربية فهي صامدة تدخل شهرها الثالث بدون كلل وقد إنضم ضباط وجنود الجيش اليمني اليها كأفراد وليس كوحدة واحدة . في الثورة المصرية إستمرت قيادة الجيش متماسكة وقطعت الخط على أفرادها بالإنضمام للثورة كما لاحظنا في اليومين الأخيرين قبل تنحّي مبارك حيث بدأ أعداد من الضباط والجنود بالتخلّي عن أسلحتهم والإلتحاق بالمعتصمين ، ويبدو ان وزير الدفاع طنطاوي قد انتبه لذلك فتم التعجيل بإزاحة رأس النظام . وقد بيّنت في مقالات سابقة طريقة التعامل مع المجلس العسكري الأعلى بإشعاره ان الجماهير هي السيّد في العلاقة وان عليه تنفيذ أوامرها. ( أسوأ شعار رفعه البسطاء يقول : الشعب والجيش يد واحدة ، والمفترض القول : الجيش يد الشعب ، لوضع الامور في نصابها) .
4. ثورة الاردن والبحرين : رفع المتظاهرون شعار: الشعب يريد إصلاح النظام ، وليس أفضل من شعار مثل هذا لوأد الثورة ، فالاصلاح لا يحفّز كل فرد للمواجهة ولا يتطلّب حضور جميع الناس للمطالبة به ، طبعاً شباب البلدين يريدون إسقاط النظام ولكن الشيوخ والعقلاء يريدون إصلاحه وسقف مطالبهم تحويل الحكم المطلق الى ملكية دستورية . ولكن هناك تفصيل بسيط غاب عنهم ان مسبّب المشكلة لا يمكن ان يكون جزءاً من الحل وإنما ينبغي إسقاط الملك أولاً ثم تعيين ولي العهد بالشروط الجديدة للثوار ، لا يختلف طرحهم عن اطروحات هيكل في عهد مبارك فقد اقترح عليه تشكيل مجلس لادارة الدولة ، وقلت وقتها في مقال (أحلام هيكل) ان مبارك سيظل ينفخ في البالون حتى تنفجر . خوف الشيوخ والعقلاء على الملكية يتشابه الى حد كبير مع خوف جماهير كومونة باريس 1871 على البنك المركزي ومحافظتهم عليه وعدم استعمالهم للمال الموجود فيه لدعم ثورتهم مما أدى الى فشلها كما حلّل كارل ماركس أسباب ذلك وقتها. شعار الإصلاح حرم الجماهير من عامل قوّتها وهو الأعداد الغفيرة واستطاعت قوى الأمن المسلحة التغلّب على التجمّعات وإنهاء إعتصام دوّار اللؤلؤة ودوّار الداخلية . طبعاً الأسباب الموجبة للثورة في البلدين لم تتغير وستتعلم الجماهير من نكستها البسيطة وستظهر أقوى في المواجهات القادمة خاصة وان هناك دم مسفوك وشهداء بين النظام والجماهير ولن يفيد تحويل الأنظار واللعب على وتر سني وشيعي وفلسطيني وأردني من النهوض ثانيةً ، ولن تفيد جحافل النظام السعودي فما هي الا منظر تلفزيوني استطاع بعض الثوّار نحيلي الأجسام ومسلّحين باسلحة خفيفة في اليمن التغلب عليها أيام الحرب مع الحوثيين.
5. الثورة السورية : يمكن القول ان الجماهير السورية قد رفعت الغطاء عن النظام ، فالشعوب تستطيع ان تصبر من أجل تحقيق أهداف هامة مثل إسترداد أراضيها. ولكن لم يعد للنظام بعد أربعين عاماً حتى ورقة توت يختفي وراءها وأصبح واضحاً لدى الجماهير انه لم يكن لديه نية لتحرير الجولان ومع هذا فهو يتمسح بوطنية مزعومة وكل همّه البقاء في السلطة . وتزداد معاناة الجماهير من الاستبداد والقهر والفساد والسجن الكبير ( كان الشعار العفوي الذي ردّدته الجماهير حرية ، حرية ) وسيكون الشعار القادم : إسقاط النظام. سؤال بسيط لكل هؤلاء المؤيدين لنظام دموي لا ترف له جفن وهو يسفك دماء شباب كل ذنبهم انهم قالوا لا : هل سيصبح الشعب السوري أقل وطنية لو زال النظام ؟ هم لا يقدّرون الشعب السوري حق قدره ولا يعرفون الشعوب العربية ومعدنها الأصيل ، شعب مصر خير مثال فثلاثين عاماً من سلام مفروض بالقوة لم تستطع ملامسة السطح ، ولو قالوا لمصري او أردني ان الإسرائيلين جيران لاعتبرها مزحة كبرى .
6. فلسطين: يمكن تحليل المظاهرة اليتيمة التي قامت في رام الله بطريقتين الطريقة الاولى: لأول مرة يفقد شباب فلسطين البوصلة فقد ردّدوا : الشعب يريد إنهاء الإنقسام ، لم يقولوا مثلاً : الشعب يريد حل السلطة العميلة لإسرائيل. ويظهر هذا مدى تأثير وسطوة القوى الأمنية التي شكّلها عباس ومدى الرعب الذي زرعته في صدور الشباب ، هذا الشباب الذي لم يعرف الخوف أبداً ، شباب علّم الشعوب كيف تواجه الحجارة الدبابات . مائة عام من الصراع لم تغيّر طبيعة هذا الشعب الصامد ، ولكن ما فعله عباس وشلّته الفاسدة وما ارتكبوه بحق الشعب الفلسطيني خلال فترة قصيرة وتنسيقهم الأمني مع إسرائيل بحق كل المقاومين هي جرائم لا تغتفر. الطريقة الثانية : ربما تكون هذه المظاهرة اليتيمة مدفوعة من عباس، الذي وصل الى مرحلة من الضعف لا يحسد عليها! الم يفكّر أحد ان مجرد ذهاب عباس وشلّته الى بيوتهم سينهي الإنقسام كما أنهت الثورة اليمنية الى الأبد مطالب الانفصال الخاطئة وكما سينهي ذهاب البشير إنفصال جنوب السودان ومشاكل دارفور. ما يؤسف له ان يقع الشيخ الفاضل عزيز دويك في حبائل عباس، ووصفه بِ ( الأخ الرئيس) وهو ليس أخاً وليس رئيساً شرعياً ، كما ان إسماعيل هنية يقع في نفس الخطأ بدعوته لغزة ويدل ذلك على قلة تمرًس في العمل السياسي. ويبعث إشارات خاطئة للشعب الفلسطيني ، وسبب ذلك عدم تحليل المرحلة الحالية وإستنباط الخطوات المناسبة ، ففي مرحلة سابقة قلت ان على حماس ان تمرّ من خرم إبرة صغير ، وتمرّر معها الشعب الفلسطيني ، وقد مرّت هذه المرحلة الصعبة بفضل الصمود الأسطوري لأهل غزة ، اما اليوم فليس هناك سوى التصلّب ضد الخونة والعملاء والمتساقطين ، دعو عباس وشلّته يسقطون كتفاح عفن ، والمثل الجزائري يقول : لا يصح الاّ الصحيح ولا يبق في الواد سوى الحجارة.
7. باقي الشعوب العربية تنتظر ما ستتمخّض عنه المعارك الحالية وسيعطي الإنتصار في اليمن وليبيا دفعة معنوية كبرى لشعب الجزيرة والعراق والمغرب والجزائر لللحاق بالركب. المرحلة الثانية : مرحلة البناء الدولة عقد اجتماعي لإسعاد أضعف وأصغر فرد فيها قاعدة واضحة يتطلب النضال من أجل تحقيقها تضحيات كثيرة ، فدولنا اليوم تغوّلت كثيراً ، ليس هناك من دولة تقتل أبناءها لأنهم يعارضون رأسها ، اهانت الدولة فردها بشكل كبير وحاربته في لقمة عيشه ، وصل الأمر بشبابها ان يحرقوا أنفسهم بعد ان سدّت في وجههم كل الطرق. ما تفعله جماهيرنا اليوم هو إرجاع الامور الى نصابها ووضع الهرم المقلوب على قاعدته ، فهي تتوق الى الحرية والمساواة والعدل والعزة والكرامة وهي حقوق طبيعية حرمت منها لزمن طويل ولم تعد هذه كلمات في الهواء يطالب بها بعض المثقفين ، بل جماهير عارمة لا تكل ولا تيأس قلبت كل المفاهيم المعروفة وغيّرت المعادلات . ولن يوقفها شيء عن صناعة المستقبل الذي يتشكّل بأيديها بعد ان أسقطت حاجز الخوف وعمّدت شبابها بالحديد والنار في ميادين القتال وساحات الإعتصام والتظاهر. الفجر قادم !
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|