النظام السوري ، إسرائيل والثورة الليبية
| |
بشار الاسد | |
بقلم : زهير كمال
...................
من استمع الى خطابات القذافي المرتجلة يدرك ضحالة تفكير الرجل ولامنطقيته إضافةً فهذه الخطب ليست من النوع الذي يبعث الحماس في جمهور المستمعين فتلتهب مشاعرهم ، كما يحدث مع الخطباء المفوّهين ذي الشخصيات الكاريزماتية. كان الله في عون الشعب الليبي الذي كان مرغماً على سماعه طيلة اربعين عاماً وهو يسرد تفاهات لا معنى لها ، هذا الشعب الذي رأينا مؤخراً كوكبةً محترمة من مثقفيه فضلوا الذهاب للمنفى على البقاء تحت سلطته . عندما بدأت الثورة الليبية في 17 فبراير كانت سلميةً بحتة انتشرت في كافة المدن والتجمعات السكانية الهامة والدليل ان قواته حاربت في كل منطقة بلا إستثناء. فالشعب لا يريد القذافي، وقد برّر استعمال القوة ضد شعبه ان غيره فعلها، ولكن شتّان فهذه ثورة شعبية شاملة ثم ان الخطأ لا يبرر الخطأ.
انضم الى الثورة عدد كبير من رجال العهد القديم وعندما أصدر القذافي الأوامر لطياريه الليبين هرب بعضهم بالطائرات ، وبعضهم رموها في الصحراء ، فمن الذي يطاوعه قلبه ان يضرب أهله الموجودين على الارض، ولاحظنا الإنهيار الكامل لسلطة العقيد لفترة وجيزة ، ولكنه نهض ثانيةً ، لم يكن نهوضه بفضل تجميع ما تبقى من قواته بل بفضل المرتزقة ، يدفع لهم بسخاء من مال الشعب الليبي. ولوحظ ايضاً دقة التخطيط والتنفيذ ويدل ذلك ان من خطط وأدار المعارك ضد الشعب هم من المرتزقة ايضاً.
إتهم القذافي معارضيه بأنهم يتناولون حبوب الهلوسة ، هذه أول مرة في التاريخ يذكر رئيس موضوع كذلك، لم يكن الامر مجازياً كما فهم البعض. طبعاً هذا إتهام عار عن الصحة فالعائلة الليبية عائلة محافظة ومتدينة والشباب جادون ، ويثبت ادعاءه ان الرجل يعرف تأثير حبوب الهلوسة على الانسان فهو مدمن لها ، وقد صرح الصحفي الشهير فريد زكريا أحد اعمدة CNN انه موقن بان القذافي كان تحت تأثير المخدّر اثناء مقابلته له عام 2009 ، كان القذافي مورّم الوجه ولسانه ثقيل ولا معنى إطلاقاً لما يقوله.
شذّ القذافي عن النموذج المعهود في تصرفات الطغاة عند مواجهتهم للثورة فلم يكن عنده سوى العصا فقط ، فالشعب بالنسبة له ليس سوى حفنة من الجرذان الذين لا يستحقون الحياة ولهذا لاحظنا الخسائر الكبيرة في الأفراد ، ليس مستغرباً على مرتكب مجزرة سجن بوسليم ضد 1270 سجين لا حول لهم ولا قوة.
كان تصريح القذافي ان نظامه خط دفاع عن إسرائيل تصريح إستراتيجي ذكي لا قدرة لعقله المحدود على إستنباطه والمعتقد ان هذه إحدى بنات أفكار توني بلير مستشاره ذو العقل البارد.
حاولت اسرائيل تعطيل أي قرار دولي لإتاحة المجال لسكين القذافي ان تقطع لحم الثورة الشعبية التي لا تمتلك أي مقومات للدفاع عن النفس .
في نفس الوقت أدرك النظام العربي الرسمي القديم ان سقوط طرابلس يعني سقوط الجزائر ويعني سقوط دمشق ، تماماً مثل سقوط المنامة وصنعاء الذي سيكون مقدمةً لسقوط الرياض.
ظهرت الحقيقة المرّة فمصالح النظام السوري تلتقي مع مصالح إسرائيل. اليس من المفترض ان لا يتفق عدوان على نفس الموقف؟ الأمر واضح فالنظام السوري يدافع عن نفسه ، بينما يقف الشعب السوري حتماً مع أخيه الشعب الليبي .
هذا هو التناقض الذي تواجهه الشعوب مع أنظمتها باستمرار ، وأينما تذهب في عالمنا العربي تجد ان النظام في كفة والشعب في الكفة الاخرى . وفي نظر النظام يختصر مفهوم الوطن في بقاءه سالماً معافى ولا بأس من التضحية ببعض الأراضي، بعض السكان ( المغرّر بهم دائماً) او بعض الثروة لهذا الغرض.
لم يكن هناك سوى محاولة واحدة من النظام السوري لإسترداد الجولان طيلة اربعة وأربعين عاماً من إحتلال إسرائيل .
منذ 1973 لم نشاهد النظام السوري يجهز نفسه بجدية مثل باقي الشعوب الاخرى التي تفقد أراض للأعداء ، والسبب بسيط فقدان التخطيط الاستراتيجي الطويل المدى وإهمال عوامل القوة وعدم تنميتها.
أهم عوامل القوة هي الانسان العربي الذين يتشدقون دائماً انه أغلى ما يملكون ولكنهم يعاملونه مثل كم مهمل زائد عن الحاجة .
خير مثال القيادة الفييتنامية وما استطاعت عمله في توظيف شعبها ويثبت ان شعباً صغيراً قادر على هزيمة قوى عاتية أقوى منه بكثير (فرنسا وامريكا) ، اذا امتلكت قيادته التصميم والإرادة.
لم يضع النظام السوري لنفسه جدولاً زمنياً لتحرير الأرض السورية المغتصبة ولم يطلب أحد منه ذلك ، ألم يكن في مقدور النظام ان يضع خطة لخمسة وعشرين عاماً مثلاً لتحرير الجولان مستفيداً من عدد السكان الذي يبلغ أربعة أضعاف سكان العدو؟ لم يفعل النظام ذلك وانما إعتمد على ما يمكن وصفه بالفهلوة في العمل السياسي وهذا ناتج عن أولويات خاطئة أهمها الحفاظ على وجوده وإحساسه العميق انه مفروض على الشعب وهذه هي عقلية الذين يقومون بانقلابات عسكرية يسرقون السلطة ويبقى همهم الدائم كيف يحمون وجودهم فيها بدون إعتبار للمصالح الحقيقية للدولة .
مثل صارخ على عقلية النظام هو دخول الجيش السوري الى لبنان ، كانت الفرصة متاحة لتطبيق مباديء حزب البعث التى تتكلم عن وحدة الشعوب العربية ، ولبنان ليس سوى قطعة من سوريا الكبرى والمفترض ان الجيش السوري سيتصرف كأنه جيش لبنان ولكنه للأسف لم يكن سوى قوة إحتلال غازية جعلت أهله يشعرون انهم أمام إستعمار جديد . وكانت فرحتهم غامرة عندما أجبر على الخروج ، لم يشكّل النظام اي لجنة لبحث الفشل الذريع وخيانة مباديء البعث الذين يحكمون باسمه.
ومن قبيل المواساة لشعب لبنان ان تعامل النظام مع شعبه لا يختلف كثيراً ، فالفساد ينخر المجتمع والمثقفون مكمموا الأفواه، ومن يرفع رأسه مصيره القتل او الإعتقال .
وشعب سوريا آخر من يعرف ما يدور حوله ، تتأثر مصالحه بشكل مباشر وتهان كرامته باعتداءات اسرائيلية مباشرة وغير مباشرة ، يهمهم النظام انه سينتقم ، لم يأت هذا الانتقام أبداً ، كأمثلة على ذلك تدمير اسرائيل لمبنى في الصحراء السورية ، قيل انها مفاعل نووي، واغتيال الشهيد عماد مغنية في قلب دمشق .
كان صبر الشعب طويلاً وكان مطلوباً منه ان لا يفكّر او يعرف الحقائق . ولكن الى متى يستطيع اي شعب تحمّل كل هذه المآسي.
وهذا ما تعنيه الثورة السورية
هل يمكن للنظام ان ينقذ نفسه الآن بعد إنفجار الوضع وقيام الثورة ؟
نعم يمكن ذلك اذا أتخذ النظام خطوات ثورية جذرية فلم تعد المهدئات كافية لإنقاذ رأسه ، وهذه القائمة قد تكون مقبولة لدى الشعب السوري
• حل حزب البعث العربي الاشتراكي – الفرع السوري ، فهو لا يختلف عن التجمع الدستوري في تونس او الوطني في مصر.
• حل البرلمان وتشكيل وزارة تكنوقراط تقوم بإجراء إنتخابات نزيهة وشفافة خلال ستة أشهر.
• حل الأجهزة الأمنية وإطلاق سراح كافة المعتقلين والإعتذار عن جريمة التطهير العرقي في حماة.
• حرية الصحافة ومحاربة الفساد.
وبعد، لقد طفح الكيل بالشعب العربي فالأنظمة الحاكمة أثبتت انها اسوأ من الإستعمار القديم وهي أنظمة غير وطنية لا تبالي بمستقبل أوطانها ولا تعي المخاطر المحدقة والذئاب التي تنتظر اي فرصة للإنقضاض على بلادنا . وما يؤسف له ان هؤلاء الزعماء لا يبالون بتدمير القليل الذي بني في عهدهم وبقتل مواطنيهم وقد فسر البعض ذلك ان هذا عناد ولكنه للأسف غباء مطلق وبلادة مشاعر لصوص صغار يريدون الحفاظ على ما سرقوه.
تخطت الثورات العربية النقاش ان كان النظام السوري وطنياً ام مدع للوطنية او ان النظام السعودي مسلم او مدع للإسلام او ان القذافي ثوري او دجّال كبير ولكن ما زال الكثير من المثقفين العرب يتمسكون بالمنطق الشافيزي في التحليل .
لم يصلوا بعد لوجود كفّتين ، والمنطق السليم يتطلّب الوقوف مع كفة الجماهير والتضحية بكفة النظام وإلغاء وجود معادلة كهذه ، اذ لا بد للنظام ان يكون نابعاً من الجماهير ممثلاً لها ومعبراً عنها . ولكن في مراحل تاريخية هامة ، كالتي نمر بها الآن ، تضيع بوصلة البعض ويتوهون ، والبعض مستفيد من القديم ، وغيرهم يقف معه نتيجة الخوف من المجهول القادم.
هذه سنة الحياة . ولكن الفجر قادم دائماً!