روح التعديلات في الدستور المصري
بقلم : زهير كمال
.....................
الباحث في التاريخ يدرك مدى أهمية 25 يناير 2011 في تاريخ مصر
يمكننا القول : مرّ على الحضارة المصرية سبعة ألاف عام وبدأت سبعة آلاف أخرى في ذلك اليوم المجيد من أيام يناير 2011 . وليس في هذا اي مبالغة ، والمشاعر المتدفقة بعد انتصار الثورة ليست السبب في هذا القول كما سيظن البعض، فالمسألة أعمق من ذلك ، فقد حدث تغيير نوعي في علاقة شعب مصر بحاكمه ، كانت علاقة خاصة لن تجد مثلها في الشعوب الاخرى ، الشعب المصري عائلة كبيرة والحاكم ربّها ، ويرجع ذلك الى خاصية تواجد الشعب بشكل طولي على ضفتي النيل وما يعكسه ذلك على وحدة المزاج والتقاليد والاعراف بطريقة مدهشة. طوال تاريخ مصر وحتى 25 يناير 2011، كانت العائلة تحترم ربّها وتثق به وتوافقه على ما يفعل حتى لو كان في غير مصلحتها ومهما كان ظالماً ، تصبر وتنتظر موته الطبيعي وترجو ان يكون الرب الجديد أكثر حكمة ورحمة وتتوقع منه ان يعمل على إحداث تغيير في حياتها. ولهذا فإن هذا التأريخ يعتبر علامة فاصلة على الطريق ، فقد تغيّر تفكير العائلة ومزاجها وطردت ربّها .
ما سبب هذا التغيير؟
كنت أظن ان العائلة بدأت تفقد قوة الترابط الأسري بين أفرادها، بفعل الزمن والسفر وثورة وسائل المواصلات والإتصالات ، ولكن تصرفات شعب مصر خلال ثمانية عشر يوماً مجيدة من أيام يناير تثبت ان الزمن لم يغير شيئاً، فما زالت العائلة تتمتع بترابطها كما كانت منذ بدء التاريخ.
ينتاب المراقب الذهول وهو يرى إنتشار المظاهرات المليونية والإعتصامات في كل المدن في نفس الوقت ، ففي العادة عندما تبدأ الثورات، تنتشر بالتدريج بين صفوف الشعب ، ولكن ليس في مصر ، رأيناهم يحملون جرحاهم ويسعفونهم في المستشفيات الميدانية التي أقامها بعض افرادها، رأيناهم يقتسمون لقيمات العيش بدون إثرة او أنانية فليس هناك غريب او منبوذ، وتمنى اطفال الشوارع المعدمين ان يستمر الإعتصام أطول فترة ممكنة فقد شبعوا لأول مرة. صلوا معاً مسلمين ومسيحيين وعقدوا قراناً ، غنوا معاً وأقاموا مسرحيات في الميدان ، أحضروا أطفالهم معهم ، سمحوا لأطفالهم من الجنسين بقيادة المظاهرات كان يبدو الحرص واضحاً على نقل التجربة الى ذاكرة المستقبل، إستمتعوا بوقتهم وزاد إصرارهم على رحيل الرئيس ، لم نقرأ عن مثيل لهذا في الثورات ، ولا أعتقد ان ذلك سيحدث مستقبلاً مع الشعوب الاخرى.
لم يغيّر الزمن المصريين وبقوا عائلة واحدة ، ولكن زيادة طغيان رب العائلة وفساده وإهماله الكامل لها وتمتعه بقصر نظر غير معهود لأهمية المنصب ، جعلتهم يشمرون عن سواعدهم لإنهاء علاقتهم به ، ولم يكن لهم سوى مطلب واحد : ان يرحل ، وقد فعل ، وبرحيله سقط تابو إستمرّ سبعة آلاف عام ، ( رغم شعور بعض افراد العائلة باليتم كما لاحظنا في تظاهرات الوفاء الصغيرة العدد).
المعادلة الجديدة في علاقة الحاكم بالمحكوم انما ترجع الى شعور شباب العائلة ان عليهم استقبال القرن الجديد بروح جديدة وبأساليب جديدة.
هذا الفهم التاريخي، يجب أن ينعكس على التعديلات الدستورية الجديدة . ولا شك ان اللجنة المكلفة تشعر بثقل مسؤوليتها.
فإضافة الى إستلهام روح التاريخ والتغيير النوعي الذي حدث في 25 يناير لابد لهذه اللجنة ان تسأل نفسها : ما السبب الذي دعى الى وجودها ؟ اليس هو الخلل الذي لحق بالدستور من قبل حاكم سمح لنفسه باستباحته وساعده في ذلك إمتلاكه لخاتم مطاطي إسمه مجلس نواب الشعب، اذن فان أهم التعديلات الدستورية هي الخاصة بحماية الدستور نفسه . ولا يتم حمايته من التغيير الا بإرجاع حق تغييره لصاحبه وهو الشعب باغلبية الثلثين وذلك عبر إنتخابات شفافة ونزيهة .
التعديلات الدستورية الخاصة بالرئاسة هامة ويبرز سؤال عن ضمانات وصول رجل صالح لسدّة الحكم ، ففي عصرنا الحالي رجل يمتلك مالاً يستطيع الوصول الى المنصب الأول عبر الصرف الغير محدود على الدعاية والإعلام ، وتحديد كمية المال التي يستطيع المرشح صرفها وتحديد مصادرها هي من أهم النقاط في عدم وصول مرشح من صفاته امتلاك المال او له رتباطات أجنبية ، وينطبق هذا التحديد على مرشحي مجلس الشعب. يجب ان لا نخدع أنفسنا فنحن ما زلنا من شعوب العالم الثالث وعلينا مراعاة درجة التطور الذي وصلت اليه شعوبنا ، وينبغي ان ينص الدستور على ان شراء الاصوات هي جريمة يعاقب عليها القانون ويبعد المرشح عن سباق الانتخابات .
ولتوضيح أهمية هذه النقطة فانني لن أستغرب وصول جمال مبارك الى الرئاسة بعد كل ما جرى ، اذا لم يكن الدستور واضحاً في موضوع المال.
في روح التعديلات الدستورية عدم تدخل الجيش في السياسة تحت طائلة الخيانة العظمى ويمكن لعسكري ان يرشح نفسه للرئاسة بعد مرور خمسة سنوات على الاقل من إنتهاء خدمته في الجيش.
في روح التعديلات الدستورية المواد الخاصة بعزل الرئيس كالخيانة العظمى والإهمال وعدم الكفاءة والمرض والإثراء غير المشروع ، ومثل هذه المواد ينبغي ان تكون سيفاً مسلّطاً على الرؤساء ، كما ان تقديم كشف بالثروة قبل تولي أي وظيفة عامة وتقديم كشف آخر بعد نهايتها بند جدير بالإعتبار .
ومن أجل دفع المجتمع الى الأمام ينبغي ان تنص التعديلات الدستورية على حرية التظاهر والإضراب وتكوين الاحزاب والنقابات أضافة الى حرية الكلمة والصحافة.
هذه بعض النقاط الحيوية التي تهدف الى وضع الحصان أمام العربة ولا شك ان أعضاء اللجنة هم من خيرة رجالات مصر فكراُ وعلماً ويعون أهمية العمل الذين يقومون به، كل ما اتمناه ان يميل الدستور لصالح الشعب أكثر من ميله لصالح الحاكم . أي ان يحمي الشعب من الرئيس في هذه المرحلة التاريخية من التطور. فمجتمعاتنا لا زالت في بداية الطريق ولا تمتلك أحزاباً او منظمات مجتمع مدني قوية . كما ان نسبة الأمية في التعليم والثقافة مرتفعة بفعل الإهمال والحاكم الظالم.
أتمنى على لجنة التعديلات الدستورية ان تعطي نفسها الوقت اللازم للتفكير فالمسألة لا تتعلق ببعض مواد تم التلاعب فيها ، ولإدراك أهمية العمل الذي تقوم به ينبغي ان تسأل نفسها : ما هي عدد لجان التعديلات الدستورية في تاريخ مصر ومتى اجتمعت آخر لجنة ؟ ومتى ستجتمع لجنة اخرى في المستقبل ؟
مهمة صعبة وثقيلة اتمنى لهم التوفيق في إنجازها.