مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 حتمية انتصار محمد بو عزيزي

بقلم: زهير كمال
....................

نيرون مات ولم تمت روما ........ بعينيها تقاتل
وحبوب سنبلة تموت........ ستملأ الوادي سنابل
محمود درويش

وهذه السنبلة هي محمد بوعزيزي الذي أحيا بموته سنابل كثيرة ليس في تونس فحسب بل في كل هذا الوطن العربي المبتلى بالدكتاتورية والفساد. لا شك ان مشاعر الجماهير التونسية قد التهبت وهي ترى هذا الشاب الذي يحب الحياة ويحاول بكل ما استطاع ان يتأقلم مع الظروف يقتل نفسه بعد ان سدت في وجهه الطرق ، شعرنا جميعاً اننا نحترق معه، والفعل والمعاناة والموت كان المادة التي دمجت الجماهير التونسية في بوتقة واحدة . قدر الماء يغلي منذ زمن بعيد وفعل بوعزيزي اوصله الى الفوران فأطفأ النار تحت القدر.

يسمي المنظرون ذلك : انضاج الظروف الموضوعية للثورة الجماهيرية .
التقى الطاغية زين العابدين مع محمد في المستشفى والتقطت صورة تذكارية بهذه المناسبة ، كان الطاغية بعيداً عن الشاب الممدّد على سرير الموت ، ماذا كان يدور في فكر الطاغية وهو يرى اول ضحاياه امامه وفي نفس الوقت تمتلىء الشوارع بالمظاهرات، تهز الارض تحته ، ليس من شك انه كان مرعوباً من هذا الجسد المغطى باللفافات البيضاء ، وربما خطرت له فكرة ان هذا المسجّى امامه يمكن ان يقفز عليه في اي لحظة لينتقم .

لم يكن الممدّد على سرير الموت محمد بو عزيزي بل كانت تونس كلها !
تونس التي احترقت بنار الفساد والقهر والظلم والعبودية ، تونس التي كانت تتفرج على مجموعة من اللصوص يسرقونها ويحرمونها حقها في الحياة بشرف وكرامة وعدل وفرص متكافئة.

كان رد فعل دكتاتور تونس على ما يحصل في بلاده نموذج مكرر لكل الطغاة ، وكأننا نرى فلماً سينمائياً سبق عرضه عدة مرات ، يراوح بين استعمال العصا والجزرة عدة مرات ثم يبدأ باقالة مستشاريه ووزراءه واحداً تلو الآخر ويحملهم المسؤولية ويضحي بهم بعد ان استعملهم ، رغم كونهم عبيداً مطيعين لكل اوامره وينفذونها بدقة .

ويظهر الخطاب الاخير لزين العابدين ان الطغاة يعرفون ماذا تريد الجماهير ويعرفون انهم يسيرون عكس ما تريده شعوبهم ، ولكن السبب معروف فهم لا يملكون زمام امورهم.

واعترف انه تفوق على الآخرين باعترافه بالفشل ، عزاه بالطبع لهؤلاء الذين اعطوه معلومات خاطئة وتوعّد بمحاسبتهم عليها ، ولكن الجماهير لا تنطلي عليها حيلة مثل هذه ، فيشتد زخمها وحركتها وتكبر مطالباتها مع الوقت ، ففي بداية الثورة تكون اهدافها محدودة وصغيرة ولكنها تكبر مع الوقت امام ضغطها وتراجع الطاغية ، وبعد تذوقها لطعم الانتصار، يصبح رأس النظام هو الغاية . واعتقد انه ادرك هذا .

في خطابه الاخير صرح انه فهم ، محاولاً تقليد الجنرال ديغول ذلك الرجل العظيم ، ولكن شتان بين فهم وفهم ! فهم الجنرال ديغول الشعب الجزائري ، كان يعطيه الاستقلال مضحياً بمصالح فرنسا في مستعمرتها لم يفهم زين العابدين الشعب التونسي وكان يريد خداع الجماهير ليستمر مسلسل السرقة والطغيان .

وكان متوقعاً ان يستمر الطاغية لمدة أطول بعد خطاب الفهم هذا ليعرف ردود فعل المتظاهرين على عرض السمن والعسل الذي قدمه ولكنه لم يفعل ويثير انسحابه المفاجيء تساؤلاً ، فهو مخالف للطبيعة الانسانية التي تمني النفس ان الوضع قابل للاصلاح وان كل شيء سيكون على مايرام .
مهما يكن ، الثورة التونسية معجزة بكل المقاييس ، تتميز عن غيرها انها ثورة جماهير لم تملك قيادة توجهها، الا اذا اعتبرنا الشاب المسجى على سرير الموت هو قائدها الاوحد وآلامه هي الخطابات النارية التي دفعت الجماهير بكل هذا العنفوان الذي رأيناه !

هرب الطاغية وبقي نظامه كما هو ونظراً لقصر الفترة بين بداية الثورة وانتصارها لم تستطع الجماهير افراز قيادات جديدة حتى الآن .
ذكاء المخلصين من ابناء تونس استمرار الضغط حتى ينهار النظام القديم كله ، يساعد في ذلك عودة كل المنفيين امثال المنصف المرزوقي وراشد الغنوشي وغيرهم الى البلاد باسرع وقت ممكن. لابد من استمرار القطار على السكة الصحيحة .

ولعل النقاط التالية هي التي تفرق بين انتصار الثورة الحقيقي او التحايل عليها وسرقة الانجاز العظيم ببعض التلميع وتغيير بعض الوجوه :
1. حل الحزب الدستوري
2. حل البرلمان
3. الغاء الدستور القديم
4. ارجاع الهيبة لسلطة القضاء
5. حرية الصحافة والاعلام
6. حرية التظاهر والتجمع وتشكيل الاحزاب والنقابات
7. انتخابات برلمانية بعد ستة اشهر
8. تشكيل لجنة لمحاربة الفساد وتقديم الفاسدين للمحاكم
9. المطالبة بالقبض على زين العابدين وارجاعه للمحاكمة في تونس ومطالبة الدول بحجز كافة الاموال المسجلة باسمه واسم عائلته وعدم التصرف بها فهي اموال الشعب التونسي.

مخطط القوى المضادة للثورة معروف ويتمثل في احداث اكبر قدر ممكن من الفوضى ولفترة طويلة من الزمن لتجعل جماهير الثورة تكفر بها وتندم على ما قامت به ، وسيعطي هذا انطباعا للجماهير العربية في البلاد الاخرى بعدم جدوى القيام بعمل مماثل، الامر الذي يضع مسؤوليات واعباء اضافية على القوى المخلصة في تونس لارجاع الاوضاع الى طبيعتها باسرع وقت ممكن.

يطرح انتصار الثورة التونسية اشكالية جديدة امام المهتمين بقضايا الوطن العربي وهي : هل يمكن للديمقراطية ان تنجح في بلد واحد من اقطاره ؟
تم طرح هذا السؤال بصيغة مختلفة بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917

كان السؤال : هل يمكن للاشتراكية ان تنجح في بلد واحد ؟
انتصر رأي ستالين على تروتسكي ذلك الوقت ولكن بعد سبعين عاماً سقط ما تم تطبيقه في روسيا تحت مسميات الشيوعية والاشتراكية .
في عالمنا العربي لن تنجح الديمقراطية الا اذا تم نشرها في كافة الاقطار العربية وهناك امثلة على تدخل الدول الدكتاتورية لجر الدول المتقدمة ديمقراطياً الى الخلف ، ففي السبعينات من القرن العشرين استطاع تحالف الحركات التقدمية بزعامة الرجل الفذ كمال جنبلاط تحرير 80% من الاراضي اللبنانية بمساعدة الفلسطينيين وكان من جملة اهداف التحالف الغاء الطائفية ، ولكن تدخل تحالف مضاد من العسكريتاريا السورية والنظامين السعودي المصري ( السادات) ثبّت الطائفية البغيضة ومنع قيام دولة ثورية في المنطقة.

اما الانتخابات اللبنانية الاخيرة فقد دفع النظام السعودي مليار وربع المليار دولار من ثروة اهل الجزيرة لتخريب الانتخابات وانجاح مرشحيهم .
ليس بعيداً ان يتدخل المال الليبي والسعودي والجزائري وغيره في اي انتخابات نزيهة فتحرف الديمقراطية عن مسارها ، هذه الديمقراطية التي دفع فيها الكثير من الدم والعذاب والمعاناة .

ما سبق لا يعني تثبيط عزم الجماهير بل لتوخي الحذر للحفاظ على اعظم حدث عربي في هذا القرن حتى الآن ، هذا الحدث الذي اعاد الثقة للمثقفين والكتاب بشعوبهم وقدرتها على احداث التغيير ، مما سيسارع في انهاض الجماهير وتوحيد جهودها للتخلص من طغاتها.

كلي ثقة ، انه في يوم ما قريباً سنرى وجه محمد بوعزيزي على طابع بريد في دولة عربية ما او نرى اسمه على شارع او ساحة في مدينة ما .
طوبى لكل الشهداء ولكل الناس المجهولين الذين لا نعرف اسماءهم الذين نزلوا الى الشوارع حاملين ارواحهم على اكفهم فصنعوا النصر العظيم.
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية