اعادة كتابة التاريخ - الجزء الثالث
| |
التاريخ | |
بقلم: زهير كمال
...................
الحضارة الوحيدة في التاريخ التي سمّت الدولة باسم الاسرة الحاكمة Dynasty هي الحضارة الاسلامية فهناك دولة اموية وعباسية وتليها دولة فاطمية وصولاً الى العثمانية، ونطلق ايضاً كلمة العصر مرتبطاً بالاسرة على المرحلة التاريخية، فنقول العصر الاموي مثلاً. وعند اصابة المراكز بالضعف تكونت بعض الدول الصغيرة على اجزاء من الدولة وسمّيت ايضا باسماء الاسر الحاكمة فيها مثل الدولة الايوبية والحمدانية والسلاجقة والاغالبة وغير ذلك.
عوامل عدة تؤدي الى الانتقال من اسرة الى اخرى في امبراطوريات العالم القديم من أهمها الضعف الذي يطرأ على الحكم بفعل نهج التوريث الذي يسمح لحكام ضعاف الشخصية بتولي السلطة .
ظاهرة التوقف عن التقدم ثم الانحدار ظاهرة عامة في العالم القديم سواء درسنا تاريخ بريطانيا او فرنسا او الصين وعادة ما يبدأ الانحدار بعد الوريث الخامس او السادس في الاسرة ولا تخرج الاسر العربية التي حكمت الامبراطورية عن هذا النمط .
اقام العرب دولتهم على انقاض امبراطوريتين هما الفارسية وبيزنطة ، ولو رجعنا الى الزمن القديم وقمنا باطلالة من خارج الدولة الاسلامية فان المهتمين بالسياسة ، على قلتهم تلك الايام ، فهم اما سكان الحدود المجاورة او صنّاع القرار في العواصم الذين يهمهم ما يجري وعليهم اتخاذ قرارات مناسبة للفعل العربي الذي كان نشطاً وفعالاً وقوياً ، كانوا يسمون الدولة الجديدة بمملكة العرب ، ولم تختلف التسمية تلك ايام الأمويين عنها ايام العباسيين او الفاطميين ، اما الحكام العرب ، الذين انقذتهم ورفعت من مقدارهم تسميتهم بالخلفاء ، كان يطلق عليهم اسم ملوك العرب. وسنجد ذلك في المراسلات القليلة التي وصلتنا سواء من الصين او بيزنطة او شارلمان عندما ارسل بعثته الى (الملك) هارون الرشيد ، او مراسلات اباطرة الصين مع الحاكم بأمرالله .
لو قيض لنا اعادة كتابة التاريخ القديم ثانية فان تعديلات طفيفة على الترتيب الهيكلي سيكون على النحو التالي:
أ. الدولة الاسلامية الاولى الخلفاء الراشدين 632 م- 661 م
ب. الدولة الاسلامية الثانية الاسرة الاموية 661م – 750 م
ت. الدولة الاسلامية الثالثة الاسرة العباسية 750م- 1258م
ث. الدولة الاسلامية الرابعة الاسرة الفاطمية 969م- 1171م
ج. الدولة الاسلامية الخامسة الاسرة العثمانية 1299م- 1922 م
التغيير الجوهري في هذا الهيكل هو في استبدال كلمة الدولة او العصر بكلمة الاسرة ، ولا يعني هذا تغيير ما جرى على الارض ، فالاحداث التي مرت بها المنطقة اصبحت تراثاً لها لا يمكن تغييره ، وهذا بعد تنقية هذه الاحداث من الشوائب والوصول الى الوقائع الحقيقية ، ولكن من المهم اعادة رسم الخطوط العريضة وقراءة تاريخ المنطقة على انه حلقات متتالية وليس اجزاء منفصلة لدول تسمى باسماء اشخاص كما هو حاصل الآن مع من يقرأ تاريخنا.
من الملاحظ استمرار حكم الاسر بعد الخلفاء الراشدين على كامل الارض والسكان لنفس المنطقة حتى انهيار الاسرة العثمانية في بدايات القرن العشرين . وكانت حضارة اسلامية واحدة ازدهرت في مراحل من حياتها وانحطت في مراحل اخرى ، كبرت في مراحل وتقلصت في مراحل اخرى انشق عنها بعض الاجزاء وانضم اليها اجزاء اخرى ولكنها عاشت الفاً واربعمائة عام .
وسبب كتابة التاريخ بالطريقة الحالية يرجع الى عاملين رئيسيين
1. تم تسمية حكم الاسرة العثمانية باسم مؤسسها عثمان بن ارطغل وسميت بالدولة العلية العثمانية .
2. كانت كل اسرة تختار عاصمة مخالفة للاخرى ، بدأ التغيير مع الخليفة الراشد علي بن ابي طالب حيث انتقل من المدينة المنورة الى الكوفة ، وبقيت الاسرة الاموية منذ معاوية بن ابي سفيان في دمشق التي كان والياً عليها لفترة طويلة، اما الاسرة العباسية فقد بنت مدينة جديدة هي بغداد ، وكذلك فعلت الاسرة الفاطمية بعد انتقالها من تونس الى مصر وبنت القاهرة ، ومن الطريف ان الاسرة العثمانية قد غيرت عاصمتها اربعة مرات حتى انتهت باستانبول.
تغيير العاصمة يعطي انطباعاً بوجود دول مختلفة ، ولكنه في نفس الوقت يعني تساوي هذه الحواضر في القيمة وان أياً منها يصلح عاصمة للدولة الكبرى التي كانت تتغير باستمرار مع تطور الزمن.
واذا اردنا المقارنة مع حضارات اخرى فان تاريخ الامبراطورية الصينية بأسرها المختلفة يشابه تاريخ منطقتنا من حيث الحجم والسكان والتنوع في الاجناس والاعراق والديانات وكذلك الاسر المتعاقبة والعواصم المختلفة .
ويهدف كتابة تأريخ كهذا الى زرع الانتماء في الاجيال الجديدة الى الكيان الكلي للمنطقة وليس للشراذم الموجودة حالياً والتي لا تملك مستقبلاً في عالم لا يحترم الا الكبار والاقوياء.
كما ان ذلك يرجع القطار الى سكته فالتاريخ هو للشعوب وليس لاشخاص فيه.
وقد اثّرت كتابة التاريخ بطريقتها الحالية على وعي الناس ، وكان غير مستهجن ان يخطف امير حرب الجزيرة العربية كلها ويسميها باسم قبيلته ( السعودية)
ونغرس اليوم في اطفالنا عند قراءة التاريخ الانقسام والتفرقة وزرع الفردية والاقليمية وقيمة الملك او الرئيس والتعصب للقبيلة او المنطقة او العرق .
اقتراحات كهذه وفي ظل عالم عربي مصاب بالغيبوبة في الوقت الحالي ستظل حبيسة الورق ولن تجد صدى لمناقشتها واثراءها. رغم معرفة الجميع باهمية التاريخ وتأثيره على الوعي وتشكّل الذاكرة.